لم يفعل الأسد منذ العام 2011 أي شيء لحقن دماء السوريين، في الحقيقة هو فعل عكس ذلك دوماً. أيضاً، منذ خطابه الشهير في شهر آب عام 2017 الذي أطلق فيه عبارة «التجانس»، والتي كانت إشارةً إلى الاحتفال بمقتل مئات آلاف السوريين وتهجير الملايين وصولاً إلى مرحلة «التجانس» بعد التخلّص من «الإرهابيين»؛ لم يفعل أو يقل بشار الأسد منذ ذلك الخطاب أي شيء باتجاه السماح للسوريين بالعودة إلى موطنهم. هو تماماً يفعل العكس في كل لحظة، سواءً عبر ارتفاع معدّل الاعتقالات بين السوريين منذ العام 2018 بعد سيطرة النظام على مناطق واسعة من البلاد، كما وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أو من خلال منع النازحين في مناطق سيطرته من العودة إلى مدنهم وبلداتهم المدمّرة ليعيشوا على أنقاض بيوتهم؛ لم يحصل هذا في داريا التي أعاد احتلالها منذ قرابة الأربع سنوات، ولا في العديد من المدن والبلدات التي لم يعُد إليها أهلها الموجودون في مناطق سيطرته.

إذاً ما الذي تغيَّرَ حتى يقوم نظام الأسد اليوم بتنظيم مؤتمر لعودة اللاجئين؟ الجواب: لم يتغير شيء، كل المؤشرات والأدلة تشير إلى أنّ النظام لا يريد عودة أحد من اللاجئين إلى البلد، ولا حتى عودة النازحين داخلياً إلى بلداتهم الأصلية في كثير من الحالات.

لم يكن الهدف من المؤتمر هو بدء عملية دولية لتسهيل عودة اللاجئين السوريين في الخارج، هؤلاء الذين جرى تسجيل اعتقال عدد منهم فور وصولهم إلى سوريا خلال العام الماضي والعام الذي سبقه. ولن تكفي المليار دولار التي أعلنت موسكو عن تقديمها، دعماً للبنية التحتية في سوريا، لإعادة إعمار سوى 0.25% من الدمار الذي قُدِّرت تكلفته الكليّة بحوالي 400 مليار دولار، وهو ما لن يشكّل أي فرق حتماً في عملية تحسين ظروف الحياة في سوريا.

وفي الوقت نفسه، لم يكسر هذا المؤتمر أي نوع من العزلة الدولية المفروضة حول النظام، إذ لم تشارك أي من الدول التي اتخذت قرار المقاطعة لنظام الأسد تباعاً منذ عام 2011. حتى أنّ دولاً عربية، من بينها الإمارات، كانت تنوي الحضور، لكنها لم تستطع ذلك بسبب ضغط غربي وأميركي، حسب ما قال نائب وزير الخارجية فيصل المقداد في كلمته ضمن فعاليات افتتاح المؤتمر. وهكذا، عدا عن روسيا وإيران والصين، حضرت فقط دول مثل البرازيل والأرجنتين وكوريا الشمالية التي لم تقطع علاقاتها مع النظام أصلاً في أي وقت، فيما لم يشهد المؤتمر حضور أي من الدول الرئيسية التي تضمّ أعداداً كبيرة من اللاجئين في المنطقة وأوروبا، إذا ما استثنينا لبنان طبعاً.

وحتى على صعيد المنظمات الدولية، على الرغم من تصريح معاون وزير الخارجية أيمن سوسان بأنّ عدداً كبيراً من المنظمات الدولية سيحضر المؤتمر، لم يحضره في نهاية المطاف سوى عمران رضا المنسق المقيم لأنشطة الأمم المتحدة والشؤون الإنسانية في سوريا بصفة مراقب. رضا، الذي وصفه عاملون في منظمات إنسانية دولية وسورية، في حديث لهم مع الجمهورية، بأنه مقرب من النظام، لم يستطع أن يصطحب أي ممثل عن منظمات الأمم المتحدة العاملة في دمشق. ويقول مصدر مطلّع على عمل تلك المنظمات للجمهورية: «حتى المنظمات المعروف عنها تأييد مواقف النظام في منصات الدعم الإنساني لسوريا رفضت الحضور، ونعلم أنّ إحداها قالت للنظام بصراحة إنّ تمويلها سيتوقف إذا حضر ممثلون عنها المؤتمر». وحسب المصدر نفسه، لم يصرّ النظام كثيراً أو يستخدم التهديد الذي يستعمله عادةً مع المنظمات العاملة في مناطق سيطرته لإجبارها على المشاركة في المؤتمر، الذي اقتصر حضوره على منظمات مثل الصليب الأحمر بناءً على ارتباطها بمنظمة الهلال الأحمر السوري التي يرأسها رجل عيَّنَه بشار الأسد بشكل مباشر.

لم يبقَ أمام هذا المؤتمر من إنجازات إذاً، سوى تغذية المواد الصحفية التي تنتجها وسائل إعلام تابعة لموسكو وتنشط في الدول الغربية، لتعزيز رؤية أحزاب اليمين التي تهدف إلى إعادة اللاجئين من أوروبا، والتي لا تعارض التواصل الدبلوماسي المباشر مع نظام الأسد، ليبدو الأمر وكأنه طقس جديد من طقوس «الحل الروسي» للمسألة السورية، الذي لا يحل شيئاً، وليكون أيضاً طريقة مسرحية للضغط غير المباشر على الحكومات الأوروبية لزيادة مخصصات مناطق سيطرة النظام من الدعم الإنساني، بهدف مساعدته على مواجهة الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها، وتظهر آثارها بشكل فادح على طوابير الخبز والوقود في البلاد. إلى جانب كل هذا، كان المؤتمر أداةً جيدةً لإظهار دولة الأسد المتهالكة، باعتبارها حكومة شرعية ترعى مؤتمرات وتنجح في عقدها.

بالتأكيد كان مؤتمر «عودة اللاجئين» فاشلاً إذا ما كان الهدف منه الضغط لإعادة اللاجئين السوريين في الخارج ضد رغبتهم إلى البلاد. لكنّ الحقيقة أن المطلوب منه لم يكن سوى إكمال شكليات الحل الروسي، الذي لا يقول شيئاً اليوم سوى أنّ بوتين مصرٌّ على تعزيز انتصاره فوق أنقاض بلاد لا يملك القدرة على إعمارها، وأنّ تجاهل ركام داريا وحرستا ومعرة النعمان سهلٌ للغاية على من دمرها، وأنّ الحلّ الوحيد الذي في جعبة موسكو هو اللاحلّ. في الأثناء، فإن النقاش الحقيقي لمسألة حقوق اللاجئين السوريين بالعودة الآمنة والكريمة يدور بعيداً عن أي مسارات يرسمها من هجرهم ودمّر بيوتهم.