دَمّرَ التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية، منذ تدخله في الحرب الأهلية اليمنية عام 2015، بنىً تحتيةً كان أهمها الجسور الواصلة بين المدن الرئيسية التي سيطرت عليها ميليشيات الحوثيين، ما تسبب بقطع الطرق الرئيسية وزيادة معاناة السكان وفقدانهم للأمن الغذائي، وذلك بعد تعذر وصول المساعدات الإنسانية بطريقةٍ جيدة، فضلاً عن تعذّر الوصول إلى المنشآت الطبية والخدمية الأخرى.

وكان الأرشيف اليمني قد وثَّقَ ضمن قاعدة بيانات، نشرها صباح اليوم الأربعاء بعنوان «تقطيع الأوصال، الاستهداف الممنهج للجسور في اليمن»، مئةً وواحداً وثلاثين هجوماً على الجسور في اليمن على امتداد الطرق الرئيسية في المناطق التي تسيطر عليها ميليشيا الحوثي، جميعها، باستثناء واحد، كانت هجمات مباشرة. بعض هذه الجسور تعرض لهجماتٍ متعاقبة، وخمسةٌ منها تعرضت لضرباتٍ مزدوجة، ما أسفر عن مقتل نحو مئة شخصٍ من المدنيين، وتوقّفِ هذه الجسور عن العمل، الأمر الذي عرّض حياة 15.9 مليون يمني (أكثر من نصف سكان البلاد) لانعدام الأمن الغذائي، بينهم ثلاثة ملايين مدني يعانون من سوء التغذية.

وكانت ميليشيا الحوثي المدعومة إيرانياً قد سيطرت على العاصمة صنعاء ووسَّعَت وجودها في مناطق أخرى منذ العام 2015، ما دفع الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً بقيادة عبد ربه منصور هادي إلى طلب المساعدة من المملكة العربية السعودية، الأمر الذي حظي بموافقة الأمم المتحدة، لتدخل الرياض في الحرب ضمن تحالفٍ عربيٍّ تقوده لتقديم الدعم العسكري للقوات الحكومية بهدف تحقيق الاستقرار في اليمن.

ويعتبر التحالف الجسور الواقعة في مناطق الحوثيين أهدافاً عسكرية، لكنّ قاعدة البيانات التي نشرها الأرشيف اليمني بناءً على مقاطع الفيديو والمصادر المفتوحة وشهادات الشهود، توضح أنها «مدنية»، ولا تتموضع بالقرب منها أي قواعد عسكرية.

ويقول عبد الرحمن جلود، مدير الأرشيف اليمني، في بيانٍ حصلت الجمهورية على نسخةٍ منه: «ألحق استهداف التحالف، بقيادة السعودية، للجسور أضراراً جسيمة بالمدنيين، حيث لم تقتصر هذه الهجمات الممنهجة واسعة النطاق على مقتل وإصابة المدنيين بشكلٍ مباشر، بل خلّفت أضراراً بشكلٍ غير مباشر، من خلال معاناة وحرمان المدنيين من الحصول على الغذاء والرعاية الصحية».

ويعتبر القانون الإنساني الدولي استهداف البنى التحتية المدنية وعرقلة وصول المساعدات أمراً غير شرعي، ويطلب، بحسب المادة 52 من البروتوكول الإضافي الأول، من القوات العسكرية النظر في تأثير ذلك الاستهداف على المدنيين. وفي حالة الجسور المستهدفة يجب النظر إليها باعتبارها مرافقَ لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة، ولا يمكن مهاجمتها، وقد يشير تدميرها إلى «جريمة حربٍ» تتمثّل في استخدام التجويع كأسلوبٍ من أساليب الحرب. أيضاً، حتى وإن كان الجسر يستخدم لأغراضٍ عسكرية، فإن عواقب تدميره يجب أن تُقاس من خلال ما يتركه من ضررٍ، لا على الفائدة العسكرية المتوقعة.

ويأمل الأرشيف اليمني من خلال نشره لقاعدة البيانات بتسليط الضوء على معاناة اليمنيين، والجوع الحاصل في اليمن من خلال توثيق هذا الحجم من الهجمات على الجسور، والتي منعت من وصول المساعدات الإنسانية الى المدنيين. ويهدف كذلك إلى تشجيع أطراف النزاع كلها إلى تحييد منافذ برية للاستخدام المدني، وذلك بحسب محمد عبد الله، الباحث ومسؤول حملات المناصرة في الأرشيف.

ويضيف عبد الله أنه «سيتم تقديم هذه البيانات والتحقيقات إلى فريق الخبراء البارزين من أجل اليمن، وإلى المفوض السامي لحقوق الإنسان واللجان الدولية المعنية لمحاسبة المسؤولين عن هذه الهجمات، ورفع المعاناة عما يزيد عن نصف سكان البلاد».

يؤكد عبد الله الضرر الحاصل، ويقول: «إن تقارير كثيرة لمنظمات دولية صرَّحَت بعدم قدرتها على الوصول إلى عدة مناطق في اليمن، ومن خلال ما وثّقه الأرشيف وتحقّقَ منه، فإنه من الواضح أن استهداف الجسور شَكَّلَ عائقاً أمام وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في ظل عدم وجود منافذ برية مُحيّدة عسكرياً للاستخدام المدني والطبي، وهو ما يزيد من المجاعة وانعدام الأمن الغذائي».

معظم المساعدات الإنسانية والإمدادات تأتي الآن عبر ميناءٍ خاضعٍ لسلطة التحالف العربي، بحسب التقرير الذي نشره الأرشيف اليمني، والذي أوضح أن هذه المساعدات، وكذلك التنقل، بات أكثر صعوبة مع تدمير الجسور، خاصةً تلك التي تربط مدينة عدن الساحلية بالعاصمة صنعاء وصولاً إلى الحدود الشمالية.

يقول محمد عبد الله: «إن معظم الطرقات الرئيسية في اليمن، والتي تستخدم للوصل بين المدن، قد تعرضت للقصف، ما خلق صعوباتٍ كبيرةً في التنقل وزيادةً في الوقت اللازم للوصول. يساهم في ذلك أيضاً شدة الصراع على امتداد الطرق ونقاط التفتيش». ويعتبر عبد الله أن هذه القيود شكلت عوامل حاسمة في زيادة الاحتياجات الإنسانية خلال العام الماضي، ما يعني أن «الغذاء يُستخدَم كسلاح حرب في اليمن».

وشدَّدَ عبد الله على أنّ البيانات تتحدث عن 15.2 مليون مدنيٍّ تأثرت حياتهم بشكلٍ واضحٍ بسبب هذه الهجمات، سواء الصحية والغذائية أو المعيشية والدراسية. وتوضح البيانات تصاعداً في الهجمات خلال أشهرٍ معينة، وفي أيامٍ محددة تزيد عن غيرها، وعن ذلك يقول عبد الله: «إن استهداف الجسور حدَّدَ خطوط المواجهة بين أطراف النزاع، وذلك لما لها من أهمية استراتيجية ضمن الطبيعة الجغرافية».

ويرى أن الجسور الواصلة بين صنعاء والحُديدة كانت الهدف الأساسي بين عامي 2015-2016 لقوات التحالف العربي، واصفاً هذه الاستهدافات بأنها «رسمت الحدود العسكرية التي ما تزال حتى اللحظة دون أي تغييرٍ فيها». كذلك مَثَّلَ هذا الاستهداف للجسور «وسيلة ضغطٍ على الحاضنة الشعبية للحوثيين، من خلال منع وصول المساعدات وحرية التنقل بين المدن».

ويخبرنا عبد الله أن فريق الأرشيف اليمني عانى من صعوبة توثيق الحوادث ميدانياً نتيجة منعه من قبل من أسماهم «سلطات الأمر الواقع»، لكنهم اعتمدوا منهجاً صارماً في التوثيق بالاعتماد على المعلومات مفتوحة المصدر، والتحقق منها ومقاطعتها مع الصور الجوية التي تُظهِر الدمار الناجم عن هذه الهجمات، إضافةً إلى روايات الشهود التي قام فريق الأرشيف اليمني بجمعها. وتشير جميع المعلومات، بحسب عبد الله، وبشكلٍ واضح إلى أن الجسور تم استهدافها بسلاح الطيران، والتحالف العربي هو الطرف الوحيد القادر على ذلك في اليمن.