منذ تأسيسها قبل سبعة أعوام، قدمت كريتيان دوريان نحو نصف مليون يورو للمنظمات التي يديرها النظام. كما قدمت المساعدات والغذاء للميليشيات المسيحية التي يقودها أمراء الحرب الموالون للأسد والمتهمون بارتكاب جرائم حرب، بحسب منظمة «مع العدالة» السورية غير الحكومية.
تنشط كريتيان دوريان في الدفاع عن النظام السوري في فرنسا، وهي جزء من كوكبة المدافعين عن الأسد من السوريين والأوروبيين، وتحرص على تكرار دعاية النظام بصورة منتظمة، إذ يُنكر أحد موظفيها ارتكاب النظام جرائم حرب.
جمعية «غير سياسية»
التقى مؤسسا المنظمة، الفرنسيان بنجامين بلونشار وشارل دوميير، أثناء توقيفهما لدى الشرطة في نيسان 2013. يعمل بلونشار (30 عاماً) مذيعاً في إذاعة كورتوازي، وهي محطة إذاعية فرنسية يمينية. أما دوميير (20 عاماً) فهو طالب علوم سياسية. وقد قُبض عليهما أثناء احتجاج ضد زواج المثليين أُقيم خارج الجمعية الوطنية في باريس.
بعد شعورهما بالخيبة من تشريع زواج المثليين في فرنسا، وجد بلونشار ودوميير قضية جديدة في أيلول 2013، حين هاجم الجيش السوري الحر وجبهة النصرة قرية معلولا ذات الأغلبية المسيحية، فقرر الاثنان قضاء عيد الميلاد في سوريا، وأسسا منظمة إس أو إس كريتيان دوريان، وجمعا تبرعاتٍ لتغطية تكاليف الرحلة.
حققت دعوتهما للمتطوعين الكاثوليك إلى مساعدة المسيحيين في «الشرق» نجاحاً كبيراً، لاسيما في صفوف اليمين الفرنسي المتطرف؛ حيث يشكل الدين جزءاً أكبر من هويتهم مقارنةً ببلادهم الأصلية. وشهدت المنظمة توسعاً سريعاً وأصبح لديها بعثات في منطقة الشرق الأوسط، إلى جانب باكستان وإثيوبيا. كما ارتفعت التبرعات السنوية لها من مليون إلى 8 ملايين يورو بين عامي 2014 و2018، وذلك وفقاً لبيانات المنظمة المالية.
أرسلت المنظمة حتى الآن أكثر من 1800 متطوع أوروبي، معظمهم من الشباب، في مهماتٍ خارجية. ونُظّمت زياراتٌ للبرلمانيين الأوروبيين إلى سوريا من أجل لقاء بشار الأسد، وكل ذلك تحت ستار جمعية «غير سياسية». بيد أن هذا التحقيق حول أعمال المنظمة في سوريا –والذي تضمّن مقابلاتٍ مع باحثين ومتطوعين سابقين ومستفيدين مسيحيين مفترضين في سوريا، إضافة إلى تحليل مفتوح المصدر لموقع منظمة كريتيان دوريان الإلكتروني وصفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي– يشكّك في صحّة هذا الادعاء.
تغليف الهدايا مع أمراء الحرب
في بلدات محردة والسقيلبية ذات الغالبية المسيحية في مدينة حماة الواقعة تحت سيطرة النظام، يتردّد موظفو كريتيان دوريان والمتطوعون ذوو القمصان البيضاء على سيمون الوكيل ونابل العبد الله، اللذَين لا يظهران دون الزي العسكري إلا نادراً. وفي كانون الأول الماضي، كان متطوعو المنظمة يغلّفون هدايا عيد الميلاد في منزل سيمون الوكيل.
يتولى هذان الرجلان المسيحيان مناصب قيادية في الوحدات المحلية التابعة لقوات الدفاع الوطني، وهي ميليشيا موالية للأسد وتقاتل إلى جانب حزب الله، وفي الحزب السوري القومي الاجتماعي، الذي يمثّل الفاشية الجديدة في سوريا. وفي عام 2019 كرّمت المنظمة هذين القائدين على «تحرير» بلدتيهما، رغم أنهنّ لم تُحتلّا أبداً. وكان هذا انتهاكاً واضحاً للمبادئ الإنسانية المتمثلة في الحياد وعدم الانحياز.
وفي معرض إجابتها لنا عبر البريد الإلكتروني (والتي نشرتها المنظمة على موقعها الإلكتروني)، قالت كريتيان دوريان إن «مكافأة المسيحيين الذين يدافعون عن أنفسهم ضد البربرية الإسلامية بغية ضمان بقائهم والدفاع عن زوجاتهم وأطفالهم وقراهم هي جزءٌ من فلسفة المنظمة».
لا تقتصر «مكافآت» المنظمة على دروع التكريم الذهبية، إذ يُظهر مقطع فيديو نشرته على موقع يوتيوب عدداً من الموظفين يحملون الإمدادات الغذائية إلى قوات الدفاع الوطني في بلدة محردة عام 2016. بينما يُبين منشور آخر من عام 2019 تسليم المتطوعين «للسيد سيمون ورجاله بعضاً من كماليات الحياة اليومية للجندي: كالقهوة والشاي والمتة وبعض التبغ». وبذلك تساهم كريتيان دوريان، ولو بصورة متواضعة، في المجهود الحربي للنظام السوري.
وفضلاً عن تقديم الإمدادات والمساعدات لقوات الدفاع الوطني، قال ألكسندر غودارزي رئيس البعثة في سوريا عام 2019 لموقع سبوتنيك التابع للكرملن: «نحن نقدم لهم الطعام، ولاسيما للعائلات التي يذهب رجالها إلى الجبهات». وبررت المنظمة دعمها للمقاتلين قائلة إنها تؤمن بأنهم «يدافعون عن أنفسهم وعائلاتهم ضد تنظيمي داعش والقاعدة فقط»، مضيفةً: «أنفقنا حتى اليوم 80 ألف يورو في بلدتي محردة والسقيلبية».
وقام المدير العام للمنظمة، بنجامين بلونشار، مع عدد من الموظفين والمتطوعين، بالتقاط الصور مع المقاتلين على خطوط الجبهات، كما التقطوا صوراً لأنفسهم بجانب المدفعية في مناسبات متعددة. وفي عام 2019، ظهر غودارزي أمام الكاميرا في مقطع فيديو يُظهر ميليشيا الدفاع الوطني المتمترسة في إحدى التلال وهي تطلق نيرانها على الأحياء المجاورة.
وقد ظهر كل من الوكيل والعبد الله، وقد وصفتهما المنظمة بـ«البطلين»، إلى جانب مجرم الحرب السوري سهيل الحسن، المُشتبه بتورّطه في هجوم كيماوي في عام 2017 على مدينة اللّطامنة القريبة من محردة.
كما تلقى القياديان في الدفاع الوطني الثناء من ضباط روس في مناسبات مختلفة. وقال الوكيل في عام 2018 إن «جنود محردة المسيحيين» توجهوا إلى طهران لتلقي تدريبات لدى الحرس الثوري الإيراني، وذلك بعد لقاءٍ جمعه مع قاسم سليماني، القائد السابق للواء القدس الإيراني التابع للحرس الثوري.
يُتّهم الرجلان بارتكاب جرائم حرب. ووفقاً للقائمة السوداء لمجرمي الحرب التي نشرتها منظمة «مع العدالة» السورية غير الحكومية، فقد ارتكب العبد الله والوكيل أو شاركا أو أصدرا أوامراً بقتل مئات المدنيين في منطقة حماة بين عامي 2012 و2017. ففي حلفايا، التي تبعد كيلومتراً واحداً فقط عن محردة، أدى قصفٌ شنته قوات الوكيل عام 2012 إلى مقتل 25 مدنياً، فيما كان سلاح الطيران السوري يقصف البلدة عشوائياً بالتزامن مع ذلك. ووفقاً لوثيقة «مع العدالة»، فقد تورطت المليشيات أيضاً في مجزرة القبير، وهي قرية أخرى قريبة من محردة، وسقط في المجزرة 100 امرأة وطفل في يومٍ واحد.
وسبق لمنظمة كريتيان دوريان أن أشارت إلى الاتهامات الموجهة إلى الوكيل على موقعها الإلكتروني قبل عام قائلة: «يُبيِّن لنا [الوكيل]، هازئاً، الطريقة التي تذكره بها وسائل الإعلام الموالية للجهاديين، وعن المجازر المزعومة التي يتهمونه بها. نعتقد أنه لا شخص يتزعزع». ولكن في أيلول الماضي، قالت لنا المنظمة إنها «لا تعلم شيئاً عن هذه الاتهامات»، مضيفة: «لم نزعم أبداً أننا سنظل محايدين في مواجهة تنظيم القاعدة».
علاوةً على ذلك، تمركزت قوات الدفاع الوطني في محردة في دير القديس جورج، على تل جنوب شرقي القرية «لقصف البلدات المجاورة مراراً في أواخر عام 2012»، بحسب منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، وهي منظمة سورية غير حكومية مقرها فرنسا. وقد اتهمت المنظمة نفسُها نابل العبد الله بتأسيس معسكرات لتدريب الأطفال «بهدف زيادة عدد المقاتلين في قوات الدفاع الوطني»، وذلك بمساعدة سيمون الوكيل ودعمه.
وفي منشور على صفحة الدفاع الوطني في السقيلبية على فيسبوك يتضمن صوراً من «مهاجع الأشبال»، يَظهرُ عددٌ من الأطفال، بعضهم بالزي العسكري، أثناء استراحتهم على مفارش على الأرض، وكُتب في المنشور: «اليوم الأول من البرنامج التدريبي». بينما أظهر تقرير نشرته شبكة شام الإعلامية السورية المعارضة عام 2015 المجندين الأطفال أثناء تعلّمهم كيفية استخدام سلاح الكلاشينكوف.
ويقول زياد ماجد، أستاذ دراسات الشرق الأوسط في الجامعة الأميركية في باريس والمؤلف المشارك لكتابين عن سوريا: «نرى هذا النوع من الممارسات في جميع معسكرات الحرب السورية، حيث يتدرب اليافعون بين سن 15 و18 عاماً على الانضباط العسكري واستخدام الأسلحة، وقد يتم إرسالهم إلى جبهات القتال بمجرد بلوغهم سن الرشد، وحتى قبل ذلك».
وفي ردها على سؤال حول تدريب الأطفال، أجابتنا المنظمة بأنها «لا تعلم شيئاً عن هذه المعلومات»، مشيرةً إلى أن الصور المذكورة أعلاه كانت من «أنشطة الكشافة». وأضافت: «إذا صحّت هذه الافتراضات، فإننا نذكركم ببطولة الفتيان اليافعين الذي شاركوا في المقاومة ضد النازية، ولوس كريستيروس (المتمردون الكاثوليك في المكسيك في أوائل القرن العشرين)، وصغار المزارعين في فيندي (انتفاضة الفلاحين أثناء الثورة الفرنسية)».
وقالت سارة كيالي، الباحثة السورية في منظمة هيومان رايتس ووتش، إن «قوات الدفاع الوطني ارتكبت انتهاكات متكررة لحقوق الإنسان. هذا معروف للجميع، ويُفترض أن تكون جميع المنظمات غير الحكومية العاملة في سوريا مطّلعة على هذه المعلومات». مضيفةً: «إذا ثبت أن الأموال التي تجمعها [منظمة كريتيان دوريان] تذهب إلى قادة الميليشيا، وإذا ثبت أن الميليشيا هي التي توزّع تلك الأموال على العائلات وتستفيد منها في انتهاكاتها، يمكن آنذاك اتهام منظمة إس أو إس كريتيان دوريان بالتواطؤ في الجرائم التي ارتكبتها هذه الميليشيات».
ووصفت منظمة كريتيان دوريان اتهامها بالتواطؤ بأنه «ضربٌ من الجنون»، مؤكدةً أنها منظمة غير حكومية «تساعد ضحايا الحرب والإرهاب».
شركاء مع أسماء الأسد
يُظهر منشور في آذار 2019 أن تعاون منظمة كريتيان دوريان غير الحكومية مع النظام السوري لا يتوقف عند هذا الحد، حيث يتضمن مقالٌ قصيرٌ على موقع المنظمة صورةً لمجموعة من الأشخاص يقفون على درج «مركز تشرين المجتمعي» في الحمدانية غرب حلب، وبينهم بلونشار وجودارزي، تدشيناً للمركز الذي يُجسّد تعاوناً بين منظمة كريتيان دوريان والأمانة السورية للتنمية.
ويقول أيمن الدسوقي، وهو مؤلف مشارك في تقرير حديث -عن المنظمات غير الحكومية التي يرعاها النظام السوري أُجري لصالح معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا- «لقد لعبت الأمانة السورية للتنمية، التي تُشرف على أكبر مجموعة من المنظمات غير الحكومية في سوريا، دوراً رئيسياً في خطة الحكومة لمواجهة الثورة السورية وكسرها؛ إذ جرى استخدامها للسيطرة على المجتمع المدني الناشئ وجذب الأموال الأجنبية، وأصبحت الأداة الرئيسية للعلاقات العامة مع الغرب والمجتمع الدولي، وباتت قادرةً على إعادة توجيه المساعدات الدولية للنظام وشركائه».
وصرحت منظمة كريتيان دوريان عام 2019 أنها منحت مبلغاً قدره 300 ألف يورو للأمانة السورية للتنمية لـ«بناء» المركز وتوفير فصلين دراسيين مجانيين في الأسبوع. إلا أن عضواً في الأمانة السورية للتنمية طلب عدم الكشف عن هويته، أشار إلى أن مركز تشرين كان مبنىً عاماً استولت عليه الأمانة السورية للتنمية. فيما قالت المنظمة: «إنّ المركز التعليمي والاجتماعي قد دُمِّر كلياً»، وإنها «فخورة بإعادة بنائه».
لم يكن التبرع لمركز تشرين آخر تعاونٍ مع الأمانة السورية للتنمية. إذ أخبرتنا منظمة كريتيان دوريان أنها دفعت مبلغ 285,752,559 ليرة سورية بين عامي 2017 و2019 (ما يزيد قليلاً عن 470 ألف يورو وفقاً لحساباتنا). ويعدّ هذا المبلغ صغيراً بالنسبة للأمانة التي تبلغ ميزانيتها السنوية نحو 35 مليون يورو، لكنّه أكبر تبرعٍ قدمته كريتيان دوريان لمنظمة سورية بحسب المعلومات التي تمكنّا من الوصول إليها.
وتمتد الشراكة بين كريتيان دوريان والأمانة السورية للتنمية إلى دمشق أيضاً، حيث يعمل متطوعو المنظمة الفرنسية في مركزٍ للأطفال تديره الأمانة. كما تبيع كريتيان دوريان على الإنترنت صابوناً من إنتاج شركة «أبَّهة» التي تتلقى الدعم من الأمانة، وقد أصبح رئيسها التنفيذي فادي فرح المدير المالي لكريتيان دوريان في أيار 2019.
أُدرجت السيدة الأولى أسماء الأسد، مؤسِّسة الأمانة السورية للتنمية و«إحدى أشهر المستفيدين سيئي السمعة من الحرب في سوريا»، وفقاً لوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، على قائمة العقوبات الأمريكية لشهر حزيران (يونيو) بموجب قانون قيصر، بسبب دورها الحاسم في دعم أدوات قمع النظام.
ويستهدف قانون قيصر الجديد الأفراد والمؤسسات الذين يتعاملون مع شخصياتٍ بارزة مرتبطة بالنظام، لكنه لا يعمل بأثرٍ رجعي. إلا أنّ أي معاملاتٍ مالية جديدة بين كريتيان دوريان والأمانة السورية للتنمية تعني إمكانية فرض عقوبات على المنظمة من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (المؤسسة التي تُطبّق العقوبات الأمريكية).
ويبدو أن التعاون بين المنظمتين مستمر، ففي شهر آب (أغسطس) نشرت كريتيان دوريان مقطع فيديو على تويتر مع تعليقٍ يقول: «تواصل البعثة السورية التبرع بحِزَم النظافة في السقيلبية، بالشراكة مع الأمانة السورية للتنمية».
وقد صرّحت المنظمة بأنها ترغب في مواصلة التعاون مع مؤسسة أسماء الأسد، مضيفةً أن «وكالات الأمم المتحدة والعديد من المنظمات غير الحكومية العاملة في سوريا [والمتعاونة مع الأمانة السورية للتنمية] تطرح الأسئلة نفسها حول تداعيات قانون قيصر الخطيرة، والتي قد تؤدي إلى إعاقة العمل الإنساني ومعاقبة الشعب السوري».
ومن غير المُرجّح أن تستخدم الولايات المتحدة عقوباتها لملاحقة منظمة غير حكومية صغيرة في فرنسا، التي تُعتبر حليفتها، لكن «يمكن للبنوك اتخاذ تدابير وقائية لتجنب خطر التعرض لأي عقوبات»، وفق الباحث الزائر في معهد واشنطن شارل تيبو، ما قد يؤدي إلى تأثّر كريتيان دوريان بالعقوبات.
«هالة شاوي دفعت تكاليف كل شيء»
لا تعدّ الأمانة السورية للتنمية الحليف الوحيد المرتبط بالنظام السوري لدى منظمة كريتيان دوريان. ففي تشرين الأول 2013، أثناء رحلة عيد الميلاد إلى سوريا، التقى مؤسسا المنظمة الفرنسية بسيدات أعمال فرنسيات-سوريات، وقد حافظا على علاقاتٍ وثيقة معهنّ لسنوات. ومنهنّ هالة شاوي، التي اشتهرت بكونها والدة جورج شاوي الخاضع لعقوبات دولية لكونه عضواً في جيش الأسد الإلكتروني، ولدعوته إلى استخدام العنف ضد المدنيين السوريين. كما تُعدّ هالة شاوي مستشارة غير رسمية للرئيس السوري وفقاً لمصادرنا.
ويقول عامل في المجال الإنساني قريبٌ من دوائر السلطة: «صادقَت الرئاسة على التأشيرات [لرحلة عيد الميلاد عام 2013]، لكن هالة شاوي هي التي دفعت تكاليف كل شيء». ووفقاً لمُقرّبين من منظمة كريتيان دوريان، تتولى هالة شاوي مهمة أنشطة المنظمة في سوريا. إلا أن المنظمة أنكرت هذا الادعاء.
وتنحدر هالة من عائلة مسيحية، وقد أطلقت جمعيتها الخيرية الخاصة عام 2016 تحت اسم «الكرمة»، مستخدمةً شعار منظمة كريتيان دوريان المصمّم على شكل قلب. كما قامت المنظمتان بدمج صفحتيهما على موقع إنستغرام لفترةٍ من الزمن.
وقالت لنا جمعية الكرمة عبر فيسبوك إنه «ليس هناك أي تنسيق بين السيدة شاوي أو الكرمة وكريتيان دوريان منذ بداية 2020»، دون شرح الأسباب.
في السنوات السابقة، نظمت كريتيان دوريان والكرمة، بالتعاون مع وزير السياحة، حفلاً وورشة عمل لـ«التدريب المهني» في دمشق. بينما أُقيم أكبر مشروع مشترك لهما في نيسان 2017 حين شاركت المنظمتان في رعاية إقامة نصبٍ تذكاري كبير أمام قلعة حلب، يحمل شعاري كريتيان دوريان والكرمة، ويتمثل في لافتةٍ طويلةٍ بيضاء وذهبية تحمل هاشتاغ «Believe_in_Aleppo#». وُوضع هذا النصب تزامناً مع وجود الجثث تحت الأنقاض في أحياء أخرى من المدينة كانت قوات النظام قد سيطرت عليها قبل أكثر من أربعة أشهر.
ويمثل نصب Believe_in_Aleppo# حملةً دعائيةً برعاية النظام. وعن طريق تبرعها بالمال للمشروع، ساهمت كريتيان دوريان بإحلال صور حلب كمدينة آمنة ومفتوحة مكانَ صور المباني المدمرة. وبعد ثلاث سنوات، فقدت حلب –التي تعدّ إحدى أقدم المدن المأهولة في العالم–، أكثر من مليون نسمة، ولم يتعافَ اقتصادها المُدمّر بعد.
وأخبرتنا منظمة كريتيان دوريان بأنها ساهمت بمبلغ 17 ألف يورو لهذا المشروع، وأضافت: «نحن فخورون بذلك».
لا يَظهر نُصُب Believe_in_Aleppo# في الميزانية العمومية لكريتيان دوريان أو في موقعها الإلكتروني، ولكن يبدو أنه كان كافياً لتكريم ألكسندر غودارزي، رئيس بعثة المنظمة الفرنسية آنذاك، في حفلٍ نظّمته هالة شاوي في آذار 2017 في نادي حلب، وهو نادٍ اجتماعي قديم في المدينة. وفي صورةٍ نشرتها صفحة جمعية الكرمة على فيسبوك، يظهر غودارزي حاملاً الجائزة مع وزير السياحة السوري آنذاك بشر رياض يازجي.
«راهبة الأسد»
وكان دير القديس مار يعقوب المقطّع في بلدة قارة، الواقعة بين دمشق وحمص في غرب سوريا، ممّن تعاونوا مع كريتيان دوريان في سوريا. حيث جمعت المنظمة أموالاً للدير عام 2019، وأرسلت بين أربعة وستة متطوعين أسبوعياً في ذلك الشتاء، وذلك وفقاً لإحدى الراهبات. وفي فيديو آخر، تقول الراهبة نفسها إن المنظمة «ساعدت الدير في بناء ثلاثة مراكز محلية».
تشير حسابات المتطوعين في المنظمة إلى عملهم في الدير في بلدة قارة، ويُظهر مقطع فيديو نُشر في تشرين الثاني 2019، غودارزي وهو يقول: «إن كريتيان دوريان وزعت مساعداتٍ على عائلات قرب الحسكة شمال شرقي سوريا بمساعدة الدير».
كما نظمت كريتيان دوريان مبيعات منتجات شركة «لو كومتوار دو سيري»، التي تُصدّر وتبيع المنتجات اليدوية السورية التي يصنعها «حرفيون سوريون شغوفون»، بمن فيهم الأخت ماري أنييس من الدير نفسه، والتي تعمل على صناعة الشموع.
وتعدّ الأخت ماري أنييس –المعروفة باسم الأم أنييس، رئيسة الدير– مؤيدة معروفة للأسد، حيث أقامت جولة في الولايات المتحدة للترويج لرواية «بديلة» (مؤيدة للنظام) عن الحرب الأهلية، مدّعيةً أن اللقطات التي تم تداولها في أعقاب الهجوم الكيماوي كانت مزيفة. وقد أدرجت وزارة الخارجية الفرنسية الأم أنييس على القائمة السوداء، وذلك وفقاً لمصدر مقرب من الدوائر الدبلوماسية الفرنسية.
السياسة والبابا
إضافةً إلى علاقاتها مع قادة النظام السوري وقواته، تمكنت كريتيان دوريان –التي افتتحتْ فرعاً لها في إيطاليا عام 2018– من إدارة حملةٍ فاعلةٍ لتأييد الأسد في أوروبا. وتُروّج هذه المنظمة للرواية القائلة بأنّ جميع أفراد المعارضة السورية إرهابيون، وإن الأسد –الذي أطلق سراح العديد من المتطرفين لدعم ادعائه بأن الانتفاضة كانت بقيادة إرهابية– هو الخيار الوحيد لهزيمة هؤلاء الإرهابيين.
ويذهب بعض موظفي المنظمة أبعد من ذلك. ففي عام 2019، وصف ألكسندر غودارزي، رئيس البعثة في سوريا آنذاك، الحديث عن هجمات الأسلحة الكيماوية بأنه «هراء»، وألقى باللائمة على جماعة الإخوان المسلمين في مجزرة حماة عام 1982.
وفي أوروبا، تُواصلُ كريتيان دوريان إظهار نفسها بصورة المنظمة المتفانية الصالحة، في حين تدعو علناً إلى عودة العلاقات الدبلوماسية الطبيعية مع نظام الأسد وإنهاء العقوبات الدولية ضد نظامه.
ونسّقت المنظمة العديد من الزيارات لسياسيين أوروبيين إلى مناطق سورية يسيطر عليها النظام للقاء شخصيات موالية للأسد، بينها ست زيارات على الأقل لنواب فرنسيين. وقال بلونشار العام الماضي إن المنظمة استضافت مجموعات من أعضاء البرلمان الأوروبي والبوندستاغ الألماني، بينما وجهت دعوات إلى نواب إيطاليين للاطلاع على عمل المنظمة في سوريا والعراق. وقد يؤدي إقرار الدوائر السياسية بالمنظمة، عبر هذه الرحلات والمحادثات، إلى إضفاء هالة من الاحترام عليها.
وتلقت المنظمة دعوة لزيارة الفاتيكان في كانون الأول الماضي بين 100 منظمة تشارك في منتدى المنظمات غير الحكومية الكاثوليكية. وقد صرح مصدرٌ في إذاعة الفاتيكان لصحيفة الجمهورية بأن تلك الزيارة وفرت للمنظمة شرعيةً دينية كانت بأمس الحاجة إليها. وتعتبر الإذاعةُ المنظمةَ متطرفة جداً، وترفض استضافة أعضائها. إلا أن فرع منظمة كريتيان دوريان في إيطاليا أخبرنا بأن هذه المعلومات خاطئة، وأن المنظمة عملت مع الكنيسة منذ تأسيسها.
استغلت المنظمة الفرصة لنشر الصور مع البابا. ففي إحدى هذه الصور، يظهر سيباستيانو كابوتو، رئيس الفرع الإيطالي لكريتيان دوريان، مرتدياً بذلة رمادية وربطة عنق خضراء، ممسكاً بيد البابا، ومنحنياً قليلاً. وفي صورة أخرى، يظهر بنجامين بلونشار، مؤسس منظمة إس أو إس كريتيان دوريان وبوق النظام السوري، هو يمسك يد البابا فرانسيس بخشوع.