في ظل ظرف كوفيد 19 والتغيرات التي فرضها على مفاصل عدة، ومن بينها عمل المؤسسات الثقافية، هل لا يزال من المبكر بعد قياس الضرر الذي ألحقته بدورات المهرجان كون هذه السنة، 2020، ليست سنة انعقاد شباك؟ خصوصاً وأن شباك يدير برامج مصغرة أخرى موجهة للفنانين والكتاب الأصغر سناً إلى جانب الدورة الرسمية التي تقام كل عامين؟
الصورة مركبة. كنا أقل تأثراً بالتأثيرات المباشرة للوباء لأننا لم نكن في مكانٍ اضطرنا فيه لإلغاء فعاليات المهرجان بين عشية وضحاها. سنتمكن من تقدير حجم الأزمة الحقيقي خلال 6 أو 7 أشهر ربما، مع اقتراب الدورة القادمة للمهرجان عام 2021. قمنا بإلغاء بعض الإقامات الفنية المخصصة لفنانين شباب في مدن عربية، من بينها القاهرة مثلاً، وكان من المقرر أن يلتقي فنانون عرب في مهرجان دي – كاف للفنون المعاصرة في القاهرة وقد تم إلغاء هذا النشاط. كما تم تحويل عدد من الورشات إلى صيغة الأونلاين. كان علينا التكيف بسرعة. ما نواجهه الآن هو موقف صعب، وفيه تحديات سنواجهها في دورة العام القادم. السبب الأساسي هو أننا كمهرجان لا نمتلك أماكن عرض خاصة بنا، كالمسارح والصالات الفنية وقاعات المحاضرات، بل نعتمد على شراكاتنا مع إدارات هذه المساحات، والكثير من شركائنا هم في وضع أضعف وأكثر هشاشة الآن. بعضهم قد لا يكون موجوداً حتى ذلك الحين، وقد يضطرون لإغلاق هذه الأماكن بسبب الظرف الذي فرضه وباء كوفيد 19. كذلك، هناك عدد كبير من الفنانين الذين اضطروا لإيقاف العمل على مشاريعهم إما بشكل كلي أو توقفوا بشكل مؤقت. ظلال الأزمة طالت التمويل، إذ بات عدد من الممولين أيضاً في موقف صعب، واضطروا إلى خفض المبالغ المقدمة من قبلهم، والكثيرون منهم حولوا جزءاً منها إلى حملات طارئة متعلقة بظرف كوفيد 19 في الشرق الأوسط أو لأزمات أكثر الحاحاً، مثل تفجير بيروت المروع.
تشابك هذه الظروف من قبل الفنانين والشركاء والممولين، وتأثر أعضاء من فريق عملنا أيضاً، وضعتنا على أرضية هشة، مما يجعلنا في مواجهة تحدياتٍ أكبر. مع كل ذلك، أظن أننا لا نزال في مكان جيد نسبياً. المهرجان كنشاط ثقافي قادر على التحرك وإعادة تشكيل نفسه وإجراء تغييرات جوهرية من دورة إلى أخرى. لسنا مقيدين كما هي الحال مثلاً لو كان المرء يدير مسرحاً فيه ألف كرسي مثبت إلى الأرض. لا يوجد الكثير مما يمكن فعله حينها. لدينا الإمكانية في أن نكون مرنين وأن نتنقل بين فعالياتٍ على الأرض أو أونلاين، أن نختار مساحات عرض خارجية أو داخلية مع الحفاظ على مسافات التباعد الاجتماعي. بالنسبة إلينا هذه فرصة. ربما تبدو فكرة مخيفة للوهلة الأولى، كيف يمكننا أن نفعل ذلك في وقت قصير مع وجود عوامل غير قابلة للتنبؤ والكثير مما قد لا نستطيع السيطرة عليه سواء من قبلنا أو بما يخص شركاءنا.
في سعي المهرجان لتقديم الثقافة العربية وتنوع الأصوات الفاعلة فيها، كما تشير المواد التعريفية بالمهرجان، كيف يموضع نفسه بالعلاقة مع هذه الثقافة؟ هناك إشكالية تواجهها الفعاليات الثقافية المعنية بالعالم العربي والتي تدار من خارجه، تتمثل في مقاربة النتاج العربي مع الحذر من أفخاخ الوصائية أو الاتهامات بالإسلاموفوبيا، خصوصاً لدى التركيز على الأصوات العربية المقاوِمة لكافة أنواع السلطات، بما يشمل الدينية. يبدو الأمر كالسير في حقل ألغام.
في البداية أود أن أوضح أننا لا نحاول على الإطلاق تعريف الثقافة العربية المعاصرة. نشعر أن الفنانين العرب لديهم صوت حاضر في الثقافة العالمية، ونحن نستطيع أن نساهم في إيصاله أكثر. لندن هي منصة جيدة لذلك. ندرك أنها ليست مكاناً حيادياً بالمطلق، فلدينا تاريخ كولونيالي يتوجب التعامل معه بدقة، ولكن بشكل ما هي مدينة متصلة بالعالم، وفيها جمهور عالمي، ومناسبة لجمع فنانين وعاملين في الشأن الفني والثقافي من جميع أنحاء العالم.
بإمكاني القول أن ما بإمكان المهرجان فعله، وبالنظر لبرنامجه المكثّف، بإمكاننا عرض طيف متنوع بشكل جيد من الأصوات والمقاربات والجماليات الفنية في وقت قصير. وهذا ما يجنبنا الوقوع في فخ ما يسمى «التمثيل»، لأننا نقدم أصواتا مختلفة للغاية.
يهمنا كذلك إجراء نقاشاتٍ مع كل من الفنانين المشاركين حول الإطار الذي ستقدم فيه أعمالهم، ونسعى لأن تكون رؤيته بهذا الخصوص واضحة لنا. أذكر عام 2017 كانت لدينا تيمة جانبية لم يعلن عنها بشكل علني حول مبحث الهجرة والهوية والأوطان الجديدة، تضمنت تركيزاً قوياً على سوريا دون أن يكون ذلك معلناً على نحوٍ مباشر. عرضنا أعمال فنانين سوريين، وكانت سوريا موضوعاً حاضراً في الرأي العام، ولكن سمعنا أثناء نقاشاتنا مع الفنانين، وبشكل جلي، أنهم لم يرغبوا في أن يتم تقديمهم ضمن تصنيفات تربط أعمالهم بشكل أتوماتيكي مع موضوع الهجرة. لذلك قررنا أن نترك أعمالهم تتحدث عن نفسها. الأمر مشابه بالنسبة لدورة عام 2019، والتي خُصص جزء منها للأصوات الكويرية العربية. تنوع هذا القسم ما بين أعمال معروضة ومقدمة بشكل علني، وفي بعض الفعاليات لم يتم التركيز عليها بشكل مباشر وترك الأمر للجمهور ليخرج بخُلاصاته الخاصة من العروض، بالإضافة إلى فعاليات محصورات بالدعوات لحماية الفنانين الذين قد يواجهون خطورة لدى عودتهم إلى بلادهم في حال كان ظهورهم علنياً.
نتحدث مع كل فنان بشكل واضح جداً عن الإطار الذي ستقدم أعماله من خلال، وطالما يشعر الفنان بالراحة عندما يشعر أن لديه أهلية على هذا الإطار فأظن عندها أننا سنكون في مكان جيد. من الصعب حقاً تقديم أي عملٍ دون إطار. على سبيل المثال، إن كان لديك معرض في القاهرة عن فنانٍ من نيويورك تحت سن الثلاثين فقد يكون لدى الناس فكرة مسبقة عما يمكن أن يكون ذلك. الأمر إشكالي بالطبع بما يتعلق بالثقافة العربية المعاصرة إذ أنّ هناك الكثير من التوقعات المختلفة، ذلك ما يدفعنا لإجراء نقاشات مع الفنانين للتأكد فيما ما إذا كان هذا الإطار مناسباً لهم.
سؤال كيفية التقديم بالنسبة لنا هو سؤال مفتوح، وهو يحتاج للتقييم بشكل مستمر، آمل أن يكون برنامجنا حتى الآن قد أبدى انفتاحاً حول نقاش أطر التقديم التي تحدثنا عنها. أحد طموحات شباك هو العمل مع فنانين يأخذون هذا النقاش لأمكنة أبعد. لسنا الوحيدين الذين يعرضون أعمالاً فنية عربية في لندن بالتأكيد، شباك هو فعالية تعقد كل عامين في برنامج مكثف وغني، ولكننا نحاول دائماً اختبار قدرتنا على المساهمة في تغيير الخطابات السائدة عبر أعمال الفنانين، ما يعنينا إذاً ليس ادعاء تمثيل الثقافة العربية المعاصرة، بل تقديم أعمال تتحدى التوقعات وما هو متوافق عليه لأخذ النقاشات حول هذه القضايا مثل التمثيل وغيره إلى مكانٍ أبعد.
هل هناك آليات لتقييم نتائج دورات المهرجان؟ وكيف يتم الاعتماد على هذه المُخرجات لبرمجة الدورات التالية؟
بالطبع يتم تقييم كل دورة من المهرجان بعد انتهائها، بما يشمل أعداد جمهور الفعاليات مثلاً مقارنة بتوقعاتنا حوله، ومن ناحية النوعية وإن نجحت فعاليات المهرجان في الوصول إلى ما أردنا تحقيقه. آلية التقييم هذه هي جزء من صورة أعقد، إذ نجري نقاشاتٍ مع أماكن العرض والشركاء إثر كل دورة ليدلوا بآرائهم حولها. لدينا جهة تقييم خارجية أيضاً تقوم بالاطلاع على بيانات المهرجان وإعداد أسئلة موجهة للجمهور، بالاضافة إلى نقاشات داخلية بين أعضاء الفريق وكذلك المنسقين والمنتجين ممن يعملون في الدورات بشكل مؤقت، وهكذا حتى نصل إلى الصورة النهائية التي تفيدنا لدى إعداد الدورات القادمة. عملية البرمجة للدورات القادمة رحلة معقدة لأننا لا نعتمد أسلوب فتح باب التقديم للفنانين مع وجود لجنة تحكيم للطلبات كما هي الحال في مهرجانات أخرى. وسبب ذلك إننا نعمل بالشراكة مع أماكن العرض التي تستضيف فعاليات المهرجان والقرار ليس لنا وحدنا أبداً. ربما لنا الحق في قول الكلمة النهائية ولكننا نبقي شركاءنا على مقربة من عملية اتخاذ القرار لنتوصل إلى مقاربات مناسبة لهم ولجمهورهم أيضاً. نسعى في الوقت نفسه أيضاً إلى محاولة دفع هذه المسارح والصالات نحو تجارب غير معتادة بالنسبة لها، وكذلك هو الأمر مع الفنانين، ليجربوا العمل على ما لم يفعلوه من قبل.
قبل ظرف الوباء الحالي كنا نسافر كثيراً لنطلع على الأعمال الفنية ونجري نقاشات مع زملاء لنا عن أعمال يقدمونها في المنطقة. هناك أيضا فنانون يتواصلون معنا وهو أمر ممكن رغم عدم وجود آليةٍ لتقديم الطلبات. نجمع نتائج هذه النقاشات مع نقاشات خضناها مع أماكن العرض لنصل إلى الصورة الكاملة والشكل النهائي للبرنامج. لا نعتمد على تخصيص جغرافي محدد. بالطبع، نحاول تحقيق نوع من الموازنة في تغطية أعمال الفنانين ما بين المقيمين منهم في الدول العربية المختلفة أو المغترب وفي لندن تحديداً، ولكن عملية البرمجة ليست محكومة بأعداد الفنانين من كل بلد بل بأعمالهم.