ترعرعت بيتي ريدل في ساراسوتا بولاية فلوريدا، في حي منعزل سُمّي في ستينيات القرن الماضي بالقاع الأسود. ربّتها والدتها، آيديلا، في بيت خشبي في سنترال أفينيو. وحين بلغت الثانية عشرة، قُتلت أمها –«على يد امرأة من أجل أحد الرجال» كما تستذكر ريدل- فانتقلت للعيش مع خالتها. تعلمت ريدل القتال في وقت مبكر من حياتها. وحين بلغت الخامسة عشرة وكانت في الشهر السابع من حملها، طعنت منافسة تسخر منها في عينها بسكين معقوفة.

أُدينت ريدل عام 1975 بتهمة الاعتداء باستخدام سلاح قاتل، وحُكم عليها بالمراقبة مدة ثلاث سنوات. وبعد أن أنجبت طفلتها ليولا، بدأت تتعاطى المخدرات، وخصوصاً الكوكائين. قالت ريدل:«كنت أرى المخدرات في كل شيء. لذلك كنت أبيع كل ما أستطيع بيعه للحصول عليها». أنجبت طفلاً آخر من رجل آخر، لكنها لم تعتنِ بأطفالها في معظم الأحيان، وكانت تلجأ إلى السرقة والدعارة لشراء المخدرات. دخلت ريدل السجن مرات عدة بتهمة تعاطي المخدرات والسرقة، ثم أنجبت طفلين من رجلين آخرين. «كل من ارتبطت بهم من الرجال كانوا  تجار مخدرات»، حسب قولها. وفي عام 2002، حُكم عليها بالسجن للمرة الخامسة، عشر سنوات هذه المرة، بتهمة بيع الكوكائين.

وفي إصلاحية غادسدن شمال فلوريدا، بدأت ريدل بالاستماع إلى خطب دينية على الراديو يلقيها قس بصوت مُطمئِن. في البداية، كانت تستمع -مع غيرها من السجناء- إلى الخُطَب بدافع الفضول، وقد حرّضها هذا القسّ مع الأيام على إعادة حساباتها. تقول مُستذكرة الأحداث: «رأيت أولادي ينجبون أطفالاً ويزورونني في السجن». وذات يوم، فيما كانت ريدل تكتب رسالة الى أولادها، قال القس برسالة جديدة عبر الراديو: «الرب لا يغيّرك، بل يغّير ما صرت عليه». وقد أذهلت تلك الكلمات ريدل: «وضعتُ قلمي وقلتُ، هذه هي حياتي. كنت امرأة صالحة، كنت أملك شخصية قيادية،  وأصبحتُ مدمنة على المخدرات. تعبت من إلحاق الأذى بأولادي”.

بعد خروج ريدل من السجن، افتتحت مع ابنتها عربة لبيع الطعام وسمّتها «لا مكان كالمنزل»، تقدِّم مأكولات المطبخ الجنوبي. وبدأت تحضر دروساً في مقاطعة برادينتون للحصول على شهادة في المساعدة القانونية. بين عملها ودراستها، تطوعت ريدل للعمل في مكتب محامي الدفاع العام، وكان الموظفون هناك يعرفونها من فترة محاكمتها. قالت: «كنت أشتم المحامين بكثرة، ولهذا السبب يتذكرونني». لكن بعد ذلك وجد المحامون أن أسلوبها الصبور يريح المتهمين، وفي عام 2016 قام المكتب بتعيينها. وتمكنت من شراء منزل وسيارة. قالت: «تعلمت أنني قادرة على القيام بأي شيء إذا قررت ذلك». لكن الشيء الوحيد الذي لا تستطيع فعله هو التصويت في الانتخابات.

في عام 1877، وبعد فترة إعادة الإعمار التي تلت الحرب الأهلية، بدأ المشرعون في كافة أرجاء الكونفدرالية القديمةالمقصود هنا هي الولايات الجنوبية التي حاربت للإبقاء على نظام العبودية أثناء الحرب الأهلية الأميركية بين 1860 و1865. (المترجم). العمل بقانون تمييزي، يُعرف باسم قانون جيم كرو، وهو قانون جعل حق التصويت للأميركيين السود مستحيلاً. وفي الفترة من 1888 حتى 1968، لم يُنتخب أي أميركي أسود للهيئة التشريعية في فلوريدا. كما يفرض دستور الولاية قيداً إضافياً: يُمنع المجرمون من التصويت مدى الحياة.

لم يشمل إلغاء العمل بقانون جيم كرو في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي هذا المنع. وفي حين فرضت عدة ولايات فترات انتظار وقيوداً أخرى على حق تصويت المُدانين بالجرائم، حافظت ولاية فلوريدا، بالإضافة إلى عدة ولايات أخرى، على منع التصويت مدى الحياة. ويُعتقل الأميركيون السود بطريقة غير متناسبة بتهمة ارتكاب الجرائم، لا سيما تلك المتعلقة بالمخدرات. وفي عام 2016، شمل المنع واحداً من كل خمسة أميركيين بالغين من أصول أفريقية في الولاية.

وقدم ديزموند ميد، وهو مُدان سابق وحاصل على شهادة في القانون، عريضة لإلغاء حظر التصويت على جميع المُدانين بالجرائم، باستثناء الجرائم الخطيرة. وجمع ميد ومناصروه ثمانمئة ألف توقيع، وكان ذلك كافياً لطرح القضية في اقتراع على مستوى الولاية عام 2018، باسم التعديل رقم أربعة. وبدأت الحملة الرامية إلى تشجيع تمريره بمتطوعين يرسمون شعارات على ملاءات الأسرّة، ولكنها سرعان ما حصلت على تمويل كبير. وفي تشرين الثاني/نوفمبر حظي التعديل بموافقة نحو 65% من الناخبين في فلوريدا. وقال لي ميد: «حصلنا على تأييد الأميركيين البيض والسود والجمهوريين والديمقراطيين ومجموعة كبيرة من المحافظين». كما أيّد هذه الحملة أكثر من مليون شخص صوتوا لانتخاب الحاكم الحالي، رون ديسانتيس، وهو من مناصري الرئيس ترمب. وكان التعديل رقم أربعة هو الأوسع لإعطاء الحق بالانتخاب منذ عام 1971، حين خفض التعديل السادس والعشرون سن التصويت إلى ثمانية عشر عاماً.

وفي 17 آذار 2020، يوم الانتخابات التمهيدية للرئاسة في فلوريدا، نهضت ريدل في السادسة صباحاً وارتدت قميصاً كتبت عليه: «الأولى في الطابور. للمرة الأولى تصوّت ». وفي مركز روبرت ل. تايلور، وضعت اسمها على قائمة التصويت، وشاركت في أول اقتراع لها وهي في الثانية والستين من عمرها. وقد وصفت ذلك بأنه: «هدية من السماء».

لكن قد لا تتمكن ريدل، بعد التصويت في الانتخابات التمهيدية، من التصويت في الانتخابات العامة المقبلة. فبعد مرور ستة أشهر على إقرار التعديل رقم أربعة، أصدرت الهيئة التشريعية التي يهيمن عليها الجمهوريون قانوناً يقضي بحرمان المُدانين سابقاً بالجرائم من التصويت حتى يسددوا جميع الغرامات والرسوم المفروضة عليهم عند إصدار حكم العقوبة ويعيدوا الحقوق إلى أصحابها. وقد يطال القانون 770 ألفاً من سكان فلوريدا، نصفهم تقريباً من السود. وفي حالات كثيرة، وصلت المبالغ إلى آلاف الدولارات. لم يكن العبء كبيراً فحسب، بل كان مبهماً: إذ أثبت مسؤولو الدولة استحالة معرفة كمّ الأموال التي يدين بها المُدانون، أو ما إذا كانوا قد سددوها، وستستغرق هذه الحسابات نحو ست سنوات حتى تكتمل. لقد ألغى التشريع مفعول التعديل رقم أربعة ، إلا أن ديسانتيس أصر أنه يطبق فحوى ما وافق عليه الناخبون. مؤكداً على أن «التعديل لا ينطبق على مجرم لم يستوفِ جميع شروط عقوبته».

رفعت ريدل وستة عشرة مُداناً سابقاً دعوى قضائية ضد ديسانتيس بحجة أن المطلب يُعدّ بمثابة «ضريبة الرؤوس»ضريبة الأفراد أو الرؤوس، poll tax، والتي تُفرض على الفرد بغض النظر عن دخله، ارتبطت تاريخياً في الولايات المتحدة بحرمان الفقراء والأقليات من حق التصويت، وشاعت في فترة إعادة الإعمار وجيم كرو. (المترجم). التي يحظرها الدستور. وأصبحت القضية التي رُفعت بدعم من الاتحاد الأميركي للحريات المدنية معروفة باسم «جونز ضد ديسانتس». وفي أيار/مايو، أصدر أحد القضاة الفيدراليين حكماً ضد قانون ديسانتيس، الذي وصفه بـ«نظام الدفع مقابل التصويت».

استأنف ديسانتيس، ووافقت محكمة الاستئناف في الدائرة الحادية عشر على النظر في القضية. وتُعد محكمة الدائرة الحادية عشرة من أكثر هيئات الاستئناف محافظةً في البلاد. وكان اثنان من القضاة، روبرت لاك وباربرا لاغوا، أعضاء معيّنين من جانب ديسانتيس، وقد رقّاهما الرئيس ترمب من محكمة فلوريدا العليا. وفي تلك المحكمة، شاركا في المرافعات الشفوية التي أسفرت عن قرار استشاري يؤيد رأي ديسانتيس في التعديل رقم أربعة. كان عليهما التنحي وفقاً للأعراف القانونية، غير أنهما رفضا القيام بذلك، حتى بعد أن ذكّرهم الديمقراطيون العشرة المتبقون في اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ بهذا الخرق الأخلاقي.

كان قرار النظر في القضية قد أجَّل أي قرار حاسم حتى اقتراب الموعد النهائي لتسجيل الناخبين في 5 تشرين الأول/أكتوبر، وحتى لو كان الحكم لصالح المُدانين، فلن يتمكنوا من تسجيل أسمائهم لضيق الوقت. وحتى ذلك الحين، يجب على أي مُدان يريد التصويت أن يدفع الغرامة أولاً، ما يعني أن الأغلبية الساحقة منهم لن تتمكن من التصويت في انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر.

قدّرت ريدل أن فاتورتها تبلغ على الأقل ألفي دولار وقالت: «لا أستطيع تسديدها». وأخبرتني أنها تريد مخاطبة الدائرة الحادية عشرة بنفسها، في مرافعات شفوية، لشرح ما تعتقد أنه الدافع الحقيقي وراء قانون فلوريدا الجديد. وقالت: «لا علاقة للمال بالأمر. ولا أعمم صفة الشر على جميع الجمهوريين. لكنهم لا يريدوننا أن نصوت، فهُم يظنون أنهم سيخسرون».

بالنسبة للمرشحين في الانتخابات الرئاسية المقبلة، تمثل ولاية فلوريدا فرصة فريدة وتحدياً صعباً. وفي حين تعطي الولايات الكبرى الأخرى، مثل تكساس وكاليفورنيا، أصواتها إلى الجمهوريين أو الديمقراطيين بصورة ثابتة، تبقى نتائج فلوريدا الانتخابية غير قابلة للتنبؤ . وتشير استطلاعات الرأي إلى أن جو بايدن قد يخسر الأصوات هناك ويفوز بالانتخابات، لكن الأصوات الانتخابية التسعة والعشرين المخصصة للولاية قد تجعل النصر أسهل بكل تأكيد، فأغلب التحليلات تؤكد أن ترمب لا يستطيع الفوز بدونها.

تمتد فلوريدا على طول ثمانمئة ميل (1290 كم)، وتشمل المقاطعات الجنوبية والمراكز الحضرية في ميامي، وبالم بيتش، وفورت لودرديل، حيث تهيمن أصوات الناخبين من اليهود واللاتينيين. فهناك جيوب بورتوريكية متنامية حول أورلاندو، ومناطق الخط الجمهوري الرئيسي في نابولي وتامبا، مرتبطة ديموغرافياً وثقافياً بالغرب الأوسط. ويخلق هذا المزيج جمهوراً منقسماً من الناخبين. وعادة ما تُحسم السباقات الانتخابية على مستوى الولاية ببضعة آلاف من الأصوات، من بين الملايين.

ورغم الانقسام الكبير في ولاية فلوريدا، غير أن الزعماء الجمهوريين يهيمنون على سياسة الولاية، فمنذ عام 1999 ومجلسا الهيئة التشريعية وقصر الحاكم تحت سيطرتهم. وكان أحد مفاتيح نجاحهم تقييد وصول الناخبين إلى صناديق الاقتراع. وكانت المشاركة القليلة في الانتخابات، وخاصة بين الناخبين السود، في صالحهم. وقد قال لي دانييل سميث، أستاذ السياسات في جامعة فلوريدا إن «الناخبين الأكبر سناً والأكثر ثراءً يميلون نحو المحافظة أكثر، ويصوّتون أكثر من غيرهم». وقد حفز هذا الواقع قيام حملة كبيرة لزيادة إقبال الناخبين على التصويت. لكن الجهود العلنية أعيقت بسبب قانون حقوق الانتخاب، الذي، حتى عام 2013، ألزم الأماكن التي تتسم بتاريخ من التمييز العنصري بالحصول على موافقة وزارة العدل قبل إجراء تغييرات جوهرية في القوانين الانتخابية. ولكن كان للجهود الأقل ظهوراً تأثيرات بالغة الأهمية. وقد ساعدت في اتخاذ القرار بشأن السباق على منصب الرئاسة عام 2000.

كانت انتخابات ذلك العام، بين جورج بوش الابن وآل غور، الأكثر احتداماً في التاريخ الأميركي الحديث، وشكلت نموذجاً لعقود من الصراع الحزبي المقبل. كان يتحتّم على المرشحَين الفوز بأصوات فلوريدا، ولكن التصويت كان متقارباً للغاية، واستمر فرز الأصوات وإعادة فرزها خمسة وثلاثين يوماً. كان الناس يتجادلون حول «الأوراق العالقة» (قصاصات الورق التي بقيت عالقة ببطاقات الاقتراع التي لم تُثقب بشكل كامل) وحول «الأصوات الزائدة» (تصاميم أوراق  الاقتراع أوحت خطأً لناخبين كثر بإمكانية اختيار أكثر من مرشح واحد، ما أقصى أصواتهم). وفي خضم هذا النزاع، حشد روجر ستون، الذي عمل تحت قيادة نيكسون، الناشطين الجمهوريين في ميامي، للاحتجاج على ما أسماه «الاستيلاء اليساري لآل غور على السلطة، بالطريقة نفسها التي انتهجها فيدل كاسترو في كوبا». وفيما أصبح يُعرف باسم أعمال شغب إخوان بروكس، حاول الناشطون اقتحام مكتب المشرف على الانتخابات في المقاطعة. ولم تهدأ الفوضى إلا حين أوقفت المحكمة العليا في الولايات المتحدة، التي اصطفت أصواتها بشكل حزبي، عملية إعادة فرز الأصوات. وقد فاز بوش بالأصوات الانتخابية في فلوريدا، وبالرئاسة بعد ذلك. وأظهر إحصاء رسمي لاحقاً أنه فاز بأصوات الولاية بفارق خمسمئة وسبعة وثلاثين صوتاً. فيما كان آل غور قد فاز بالتصويت الشعبي الوطني بفارق نصف مليون صوت.

وركز التدقيق الذي أعقب ذلك على مشاكل الاقتراع في فلوريدا. فيما لم يتم الاهتمام كثيراً بعامل آخر: الجهد الجمهوري، الذي بدأ قبل الانتخابات، لمنع آلاف الناخبين المؤهلين من الإدلاء بأصواتهم.

في أواخر تسعينيات القرن الماضي، وبعد فضيحة العثور على أصوات نحو مئة مدان بجرائم في الانتخابات البلدية في ميامي، بدأ مسؤولو الولاية البحث عن طريقة لتمحيص سجلات قيود الناخبين بحثاً عن المدانين. واستعانوا بشركة تسمى ديتابيس تكنولوجيز، أسسها هانك آشر، وهو مهرب كوكائين سابق، أسس ريادة مهنية في مجال الكمبيوتر بالتعلّم الذاتي ، وكان يقدّم المشورة أحياناً إلى رودولف جولياني بشأن مشاريع مكافحة الإرهاب. وقدمت ديتابيس تيكنولوجيز خياراً للمسؤولين في فلوريدا: وهو أن بإمكانهم إجراء بحث مركّز ودقيق أو أكثر شمولية. وأدلى جورج برودر، المدير التنفيذي لشركة دي بي تي، بشهادة في وقت لاحق أمام اللجنة الأميركية للحقوق المدنية، قال فيها: «لقد أمر مسؤولو الولاية بإجراء بحث أكثر شمولية، وفعلنا ما طلبوا منا».

وباستخدام معايير أكثر ليونة، جمع تقنيو الشركة قائمة تضم نحو ستين ألف اسم. ومع اقتراب انتخابات عام 2000، أرسلت أمينة الدولة في فلوريدا، كاثرين هاريس، قوائم بأسماء المدانين المفترضين بالجرائم إلى المشرفين على الانتخابات في المقاطعات السبع والستين في الولاية، ونصحتهم بشطب الأسماء من قوائم الناخبين.

في مقاطعة ليون، كان إيون سانشو متشككاً. وتضمنت القائمة التي تلقاها أسماء نحو سبعمئة شخص مشتبه بإدانتهم، وأعرب عن شكه في أن قوائم ناخبيه تحتوي على هذا العدد. وبتمعن أكثر، وجد أن معظم الأسماء لم تتطابق. وقال لي: «طُلب منا شطب اسم ناخب يُدعى جونستون، وكان اسم المدان جونسون». واتضح أن عدد المدانين لا يتعدى أربعين شخصاً.

تسببت القوائم بعطل كبير يوم الانتخابات. ففي بعض المقاطعات، اكتشف العديد من الأشخاص الذين لم يدانوا قط بأي جناية أنهم ممنوعون من الانتخاب. وذهب والاس ماكدونالد، وهو يعتاش من صيد وبيع الجمبري، إلى المركز الانتخابي في إيبور سيتي في تامبا، كما اعتاد لأكثر من أربعين عاماً. وقيل لماكدونالد، وهو أميركي أسود، إن اسمه قد شُطب بسبب إدانته بجناية غير محددة. وتعرض ماكدونالد، وهو ابن ضابط شرطة سابق في مدينة نيويورك، للمضايقة من الشرطة في تامبا في حقبة قانون جيم كرو لنومه على مقعد عام، لكنه لم يُدَن بأي جناية قط. وبعد أن عاد أخيراً إلى المنزل قال لي ماكدونالد، البالغ من العمر ثلاثة وثمانين عاماً: «لقد شرحت الأمر وفعلت ما كان باستطاعتي، لكن ذلك لم يحدث أي تغيير، ولم أتمكن من الانتخاب».

كما تم إخطار ليندا هاويل، المشرفة على الانتخابات في مقاطعة ماديسون، أنها هي نفسها مدانة بجريمة. وأدلت هاويل في وقت لاحق بشهادة ساخطة عن مسؤولي الولاية الذين بدؤوا شطب الأسماء، جاء فيها: «يحملهم نص القانون على التأكد من هذا، لكنهم لم يأخذوا الأمر على محمل الجد، وقد يدمر ذلك حياة إنسان ما. كيف تشطبون الاسم الموجود في السجلات؟».

وبعد الانتخابات، رفع حشد من سكان فلوريدا، كانوا قد مُنعوا من الانتخاب، دعوى قضائية ضد هاريس وغيره من المسؤولين في الولاية. وأخبرني ديفيد كلاوزنر، وهو خبير في علوم الأدلة الجنائية والكمبيوتر عمل مع المدعين، أن شركة دي بي تي استخدمت أساليب قذرة لا يُمكن تخيّلها، إذ تلاعبت بأرقام الضمان الاجتماعي للناخبين، بل وبجنس الناخبين، ليصبحوا مشمولين في قائمة المدانين. وتم توسيع القائمة باستخدام أسماء مدانين بجرائم من عشر ولايات أخرى. مضيفاً أن القائمة «ضمّت أسماء أطفال وموتى». وتوضح حسابات كلاوزنر أن نحو 40٪ ممن حُددوا على أنهم مدانون محتملون كانوا من السود: «كان المشروع عنصرياً بصورة واضحة، تماماً كما كان قانون جيم كرو».

اعترف مسؤولون من دي بي تي، بعد أن أُجبروا على إعادة النظر في القائمة، بأن ما لا يقل عن عشرين ألف ناخب تم التلاعب ببياناتهم الشخصية، أي أربعين ضعف عدد الأصوات التي كانت تفصل بين بوش وغور. ويعتقد كلاوزنر أن العدد الفعلي كان أعلى من ذلك بكثير، ولكن تحديد الرقم الدقيق ضرب من المستحيل برأيه، فسجلات الدولة: «كانت في حالة من الفوضى، وكانوا يخفون الأمور عنا، هم يكذبون. وأظنهم رغبوا في تحقيق هذه الغاية لتأمين هامش انتصار لبوش»، بحسب قوله.

واختتمت اللجنة الأميركية للحقوق المدنية قائلة إن «الجهود الحثيثة التي بذلتها ولاية فلوريدا لشطب أسماء الناخبين من القوائم، تحت ستار حملة مكافحة الاحتيال، أدت إلى إزالة أعداد غير متناسبة من الناخبين الأميركيين من أصل أفريقي بصورة لا تُغتفر وغير عادلة إطلاقاً». وليس معروفاً عدد أصوات الناخبين التي تم التلاعب بها ليُمنع أصحابها من الإدلاء بأصواتهم في يوم الانتخابات. وقد أخبرني إدوارد هيلز، المستشار العام للجنة آنذاك، أنه يؤمن بوجود آلاف الأسماء المشطوبة: «برأيي، أثّرت عمليات الشطب على الانتخابات الرئاسية».

وبعد الفوضى التي سادت انتخابات عام 2000، سنّ المشرعون في فلوريدا قوانين إصلاحية لجعل الانتخابات وفرز الأصوات أكثر كفاءة. وكان أكثرها شيوعاً إقرار الاقتراع المبكر، الذي مكن الناس من الإدلاء بأصواتهم في مواقع محددة قبل الانتخابات. وكان الاقتراع المبكر شائعاً بشكل خاص في المجتمعات المحلية للسود، حيث وجد الناس في كثير من الأحيان أن الأيام الإضافية تجعل الانتخاب أسهل دون الاضطرار إلى أخذ إجازة من العمل.

وفي المقاطعات الأكثر اكتظاظاً بالسكان في الولاية، شمل الاقتراع المبكر يومي الأحد السابقين للانتخابات. وفي مختلف أنحاء الولاية، حث القساوسة في الكنائس ذات الأغلبية السوداء أتباعهم على الإدلاء بأصواتهم بعد انتهاء القداس. وفي عام 2008، حين فاز باراك أوباما بأصوات فلوريدا وفاز بالرئاسة، كانت الحصة الأكبر من أصوات السود في الولاية تأتي ممّن صوتوا في وقت مبكر. وقد انتشرت هذه المبادرة، المعروفة أرواح إلى الاقتراع (Souls to the Polls) في مختلف أنحاء البلاد. وأخبرني القس ر. ب. هولمز الابن، من كنيسة بيثيل المعمدانية التبشيرية في تالاهاسي بأن المبادرة «كانت طريقة مبتكرة للاستفادة من قوة كنيسة السود».

أذهلت نتائج انتخابات 2008 القادة الجمهوريين. إذ بدا أن تحالف أوباما -الذي ضم أطياف الأميركيين من أصل إفريقي، من خريجي الجامعات والشباب- مبنيٌّ لتغيير المستقبل. كان الناخبون الجمهوريون الأكبر سناً والبيض ينتمون إلى قطاعات ديموغرافية يبدو أنها تتجه للتقلص. وبدأ الجمهوريون في جميع أنحاء البلاد حملة واسعة للحد من إقبال الناخبين. وقال مارك إلياس، محامي حقوق الانتخاب للحزب الديمقراطي، إن الجمهوريين «يدركون إمكانية تغيير قوانين الانتخاب لمصلحتهم الحزبية. وقد أصبحت فلوريدا ساحة لتفشي ذلك الفيروس، بل ومصدرة له».

في عام 2010، انتُخب ريك سكوت، المحافظ المتعصب، حاكماً لولاية فلوريدا. كان سكوت الرئيس التنفيذي السابق لشركة إتش سي إيه للرعاية الصحية في مقاطعة كولومبيا، وساعد في بنائها لأضخم سلسلة مستشفيات ربحية في البلاد. وفي فترة توليه المنصب، وجد مكتب التحقيقات الفيدرالي أن شركة إتش سي إيه تحتال على الرعاية الصحية، عبر جملة من الأمور، منها المغالاة في فرض الرسوم على الحكومة ودفع عمولات ضخمة للأطباء. ولم يوجه المدعون الفيدراليون التهم إلى سكوت، لكن بعد أن داهم مكتب التحقيقات الفيدرالي مكاتبها، اعترفت الشركة بارتكابها ما لا يقل عن أربعة عشر جناية، وغُرّمت بمبلغ 1.7 مليار دولار، وكانت تلك التسوية الأكبر بتهمة الاحتيال في مجال الرعاية الصحية في التاريخ الأميركي. واستقال سكوت، بعد جمعه أكثر من مئتي مليون دولار، وموّل ترشحه لمنصب الحاكم من ثروته الشخصية إلى حد كبير.

حين تولى سكوت منصبه، باشر مع الهيئة التشريعية التي يسيطر عليها الجمهوريون بسلسلة من المبادرات التي قيّدت الوصول إلى صناديق الاقتراع. في الانتخابات السابقة، كانت قوانين الولاية قد سمحت بأربعة عشر يوماً من الاقتراع المبكر، ألغت الهيئة التشريعية ستة منها، بما في ذلك يوم الأحد السابق للانتخابات، وحدَّت من ساعات العمل في مواقع الاقتراع المبكر. وضيقت الهيئة الخناق على الاستفادة من مجموعات من الأطراف الثالثة لتسجيل الناخبين، مثل رابطة الناخبات، وفرضت عقوبات جنائية على هفوات كتسجيل الناخبين دون تصريح. وبموجب أحد الشروط الصارمة، أُعطي المتطوعون الذين سجلوا أسماء الناخبين مهلة ثمان وأربعين ساعة بالضبط لتقديم الاستمارات للولاية. وتم تغريم كل من لم يتقيد بتلك المهلة.

وفي العام التالي، قرر أحد القضاة الفيدراليين، وهو روبرت هينكل، تخفيف القيود المفروضة على تسجيل الناخبين، ورفض بسخرية الفكرة القائلة بأن المقصود من هذه القيود كان منع إساءة استخدام النظام. وكتب: «إذا كان الهدف يتلخّص في تثبيط محاولات تسجيل الناخبين، وبالتالي زيادة صعوبة تسجيل الناخبين الجدد، فقد ينجح هذا». ولكن المشرعين الجمهوريين صوّروا القيود على أنها انتصار للروح المدنية. وفي إحدى المناقشات التي دارت في القاعة، قال مايك بينيت، عضو مجلس الشيوخ في الولاية: «هل قرأتم يوماً قصصاً عن الناس في إفريقيا، الذين يعيشون في الصحراء ويمشون مسافة 200 أو 300 ميل ليتمكنوا من القيام بما نقوم به؟ ورغم ذلك تريدون تحسين الوضع؟ هل علينا الذهاب إلى بيوتهم بصناديق الاقتراع؟». وتابع: «أريدهم أن يقاتلوا لأجل الوصول إلى صناديق الاقتراع. أريدهم أن يتبيّنوا معنى ذلك. أريدهم أن يقطعوا مسافة طويلة كي ينتخبوا». أصبح بينيت لاحقاً المشرف على الانتخابات في مقاطعة ماناتي. وفي الأسابيع التي سبقت الانتخابات النصفية عام 2014، أغلق عشرات مراكز اقتراع، الأمر الذي أرغم أكثر من نصف سكان المقاطعة السود على إيجاد مكان جديد للإدلاء بأصواتهم.

قبل إقرار التعديل الرابع، لم يكن دستور فلوريدا يوفر إلا سبيلاً واحداً للمدانين بالجرائم الذين يريدون استعادة حقوقهم في الانتخاب: العفو من الولاية. وقد منح جيب بوش العفو لستة وسبعين ألف مدان في السنوات الثماني التي قضاها حاكماً للولاية، ووافق تشارلي كريست على 155 ألف طلب في أربع سنوات. لكن سكوت، خلال ثماني سنوات، لم يمنح العفو سوى إلى ثلاثة آلاف مدان.

تُعقد جلسات العفو أربع مرات في السنة في مبنى الكابيتول، في قاعة اجتماعات مجلس وزراء فلوريدا. إذ يجلس الحاكم والمسؤولون في إدارته على منصة مرتفعة. ويظهر المدانون بالجرائم واحداً تلو الآخر، وتُعطى لكل مدان مدة خمس دقائق ليعرض قضيته. لا يجبر القانونُ الحاكمَ على تقديم سبب لرفض طلب العفو، ولم يخجل سكوت من عدم منحه العفو لأي مدان. حيث قال لمجموعة من المدانين: «دعوني أشرح لكم كيف تسير العملية. لا توجد معايير على الإطلاق، لذلك يمكننا اتخاذ أي قرار نريد، إذ ليس هناك قانون يمنحكم أي حق».

في حزيران/يونيو 2011، استمع سكوت إلى قضية ليون غيليس الثالث، المدمن السابق على المخدرات الذي قضى عدة سنوات في السجن بتهمة تعاطي المخدرات والسرقة. ومنذ ذلك الحين، أسس غيليس برنامجاً لإعادة التأهيل وعمل مستشاراً لسبعمئة متعاف من تعاطي الهيروين في منطقة ديتونا بيتش. وأخبر غيليس (62 عاماً) سكوت بأنه يتحمل المسؤولية الكاملة عن جرائمه وطلب منه استعادة حقه في الانتخاب. لكن سكوت طلب منه الانتظار أكثر.

سأله غيليس: «إلى متى؟».

أجاب سكوت: «لست متأكداً. فكل قضية تختلف عن الأخرى».

فألح غيليس قائلاً: «ما عساي فعله؟ إذا كنتُ أفعل كل ما يُفترض مني فعله، وأحرص على فعل ما هو مفترض مني على أكمل وجه، إلى متى أنتظر؟».

فأجاب سكوت: «لن أتمكن من إجابتك عن هذا السؤال ولن أشعر بالراحة إذا أجبتك».

في صيف عام 2012، ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، أطلق سكوت مشروع النزاهة، وهو برنامج على مستوى الولاية، يهدف، على حد قوله، إلى حماية النظام الانتخابي من الناخبين غير الأميركيين. إذ قال إنه «لا يحق الانتخاب في فلوريدا لغير المواطنين الأميركيين». وقد تم تحديد 182 ألف مواطن خلال مسح أولي، لكن هذه المنهجية كانت سيئة -إذ قرن المسؤولون سجلات الناخبين برخص القيادة الخاصة بهم- وقد حرم ذلك آلاف الناخبين الشرعيين من حقهم في الانتخاب. وكان من بين من وصلتهم رسائل تجرّدهم من جنسيتهم بيل إنترنيكولا، البالغ من العمر تسعين عاماً، والذي فاز بنجمة برونزية في معركة بولج. وقد قلص المسؤولون في ما بعد قائمة المشتبه بكونهم غير مواطنين إلى 2600، ولكن تحليلاً أجرته صحيفة ميامي هيرالد أظهر أن معظم الموجودين على القائمة هم من الناخبين الديمقراطيين. وقد أبطلت محكمة استئناف فيدرالية مشروع النزاهة، وحكمت بأنه ينتهك القوانين المناهضة للتطهير السياسي.

وفي الانتخابات الرئاسية التي جرت ذلك العام، وجد سكوت وغيره من المشرعين الجمهوريين أن القيود المفروضة على الاقتراع المبكر أتت بنتائج عكسية. وتوافدت أعداد كبيرة من الناخبين إلى أماكن الاقتراع، ما أجبر العديد منهم على الانتظار في الطوابير لساعات، وأدى ذلك إلى وقوع عدد من حالات الإغماء، وتم تداولها على الإعلام. وعلى ضوء الانتقادات، ألغى المشرعون بعض القيود، بما في ذلك الحظر الذي فُرض على الاقتراع يوم الأحد قبل الانتخابات، وجعلوه اختيارياً حسب المقاطعة.

لكن يبدو أن كل استراتيجة فاشلة دفعت القادة الجمهوريين إلى البحث عن سواها. ففي عام 2014، منع المسؤولون في إدارة سكوت الاقتراع المبكر في حرم الكليات. وتضم الكليات والجامعات العامة في فلوريدا 830 ألف طالب، وكان ثلثهم تقريباً قد صوتوا في وقت مبكر من الانتخابات السابقة، وكالعديد من الناخبين الشباب، مالوا إلى دعم المرشحين الديمقراطيين. وأعرب المسؤولون في إدارة سكوت عن قلقهم من أن قلة المساحات المخصصة لوقوف السيارات ستعطل الحياة في الحرم الجامعي. وقد رفض القاضي الفيدرالي مارك ووكر تلك الحجة، قائلاً إن الحظر «لا يمكن تبريره بأسباب غير متعلقة بالسن».

إلا أن الهيئة التشريعية صوتت مرة أخرى عام 2019 لمطالبة مواقع الاقتراع المبكر «بعدد كاف من مواقف السيارات غير المرخصة». وبما أن وقوف السيارات في حرم الجامعات غير مسموح إلا برخصة، اعتبر مناصرو الاقتراع المبكر أن الولاية تحاول من جديد عرقلته. وفي وقت سابق من هذا العام، وتحت تهديد برفع دعوى قضائية أخرى، وافقت الولاية على السماح بمواقع الاقتراع المبكر في الحرم الجامعي. وقالت لي باتريشيا بريغهام، رئيسة عصبة الناخبات في فلوريدا: «نعتقد أن الأمور تسير على ما يرام الآن».

حتى الطقس كان مثاراً للخلاف حول الوصول إلى صناديق الاقتراع. فعندما ضربتنا الأعاصير قبل الانتخابات عامي 2016 و2018، رفض سكوت تمديد المواعيد النهائية للتسجيل. في العاصفة الأولى، أجبره قاض فيدرالي على إبقاء التسجيل مفتوحاً، وفي العاصفة الثانية، سمح له قاض آخر بإغلاقها في مناطق غير متضررة.

وكثيراً ما تذرّع المشرعون الساعون إلى تضييق الوصول إلى صناديق الاقتراع برغبتهم في منع التزوير، رغم أنهم لم يقدموا أدلة على ذلك إلا في حالات نادرة. ولكن في بعض الأحيان اعترفوا صراحة بأن مساعيهم لها اعتبارات حزبية. وفي عام 2012، قال جيمس غرير، الرئيس السابق للحزب الجمهوري، لصحيفة في فلوريدا، إن «الحزب الجمهوري، ومصممو الاستراتيجيات والاستشاريون، يرون أن الاقتراع المبكر يضر بمرشحي الحزب الجمهوري. ويتم لسبب واحد فقط، وهو أنه لا يصب في مصلحة الحزب». وأضاف غرير أن زملاءه الجمهوريين لم يناقشوا تزوير الأصوات: «لم يأتوا ليخبروني أننا نعاني من مشكلة تزوير. كان الأمر برمّـته حيلة تسويقية». (اعترف غرير في وقت لاحق بقيامه بضخ مئتي ألف دولار من الحزب في شركة وهمية تسمى فيكتوري ستراتيجيز).

واستعان المشرعون الجمهوريون بقرار المحكمة العليا التاريخي في قضية شيلبي ضد هولدر، الصادر عام 2013، والذي أبطل أحكام قانون حقوق الانتخاب التي صعّبت سن قوانين انتخابات تمييزية. وقالت ميرنا بيريز التي تدير برنامج حقوق الانتخاب في مركز برينان التابع لجامعة نيويورك: «لقد فتح قرار شيلبي الباب على مصراعيه». وسرعان ما أصدرت الهيئة التشريعية في ولاية كارولينا الشمالية قانون هوية الناخبين الذي منع طرقاً عديدة يلجأ إليها الناخبون السود لتحديد هوياتهم، وبينها تلك التي يلجأ إليها الطلاب وموظفو الحكومة ومن يتلقون المساعدة العامة. لكن محكمة للاستئناف ألغت هذا القانون، واصفة إياه بأنه محاولة «لاستهداف الأميركيين من أصول إفريقية بالذات». وبعد ذلك بوقت قصير، فرضت ولاية تكساس قانوناً صارماً مماثلاً لتحديد هوية الناخبين.

وفي فلوريدا، حدث أن اعترض مشرعون ديمقراطيون على مساعي الجمهوريين في بعض الأحيان، ولكنهم كانوا قليلين دائماً. فيما وجد بعضهم أن هذه المسألة تستحيل مناقشتها مع نظرائهم في الممر. وقال لي دان غيلبر، زعيم الأقلية السابق في مجلس النواب، والذي يشغل الآن منصب عمدة مقاطعة ميامي بيتش: «بإمكاني إجراء أي محادثة مع أي مسؤول جمهوري منتخب بشأن أي قضية، باستثناء الانتخاب. فحين تُذكر قضية الانتخاب، يختبئون وراء أقنعتهم على الفور. ويمكنك أن تعرف حينها أن مستشاريهم نصحوهم بالتصرف بهذه الطريقة كي يفوزوا».

لسنوات طويلة، أغرق المحامون المقربون من الحزب الجمهوري الولاية بدعاوى قضائية سعياً منهم لتقييد الانتخابات. ففي عام 2016، رفعت مجموعة محافظة تُدعى الاتحاد الأميركي للحقوق المدنية دعوى قضائية على مقاطعة براورد، المنطقة الأكثر تصويتاً للديمقراطيين في الولاية، واتهمت المسؤولين عن الانتخابات بعدم شطب أسماء المدانين بالجرائم وغيرهم من الناخبين غير المؤهلين من سجلاتهم. استلم القضية جي كريستيان آدامز، وهو ناشط بارز من المحافظين. لم يدّعِ آدامز اكتشافه أي حالات تزوير، إلا أنه استشهد بنظرية قانونية جديدة: لأن عدد الناخبين المسجلين في مقاطعة براورد تجاوز عدد من بلغ السن القانونية للانتخاب، فلا بد من أن تكون المقاطعة قد حفظت أسماء ناخبين غير مؤهلين في سجلاتها. ورفضت محكمة فيدرالية الدعوى، فعادة ما يكون التسجيل الزائد نتيجة انتقال الناخبين أو وفاتهم. ولكن في وقت سابق من هذا العام، قدم ويليام كونسوفوي، وهو محام محافظ بارز آخر في مجال حقوق الانتخاب، حجة مماثلة تقريباً لحجة وزير خارجية فلوريدا، مهدداً برفع دعوى قضائية على الولاية ما لم تشرع في عملية شطب واسعة. وكتب كونسوفوي: «يشكل فشل ولاية فلوريدا في تقديم قوائم دقيقة للناخبين انتهاكاً للقانون الفيدرالي، ويهدد نزاهة الانتخابات الفيدرالية القادمة عام 2020، ويعطي إشارات للناخبين بأن الانتخابات في فلوريدا ليست محمية على النحو اللازم».

كما أن كونسوفوي عضو في فريق يحاول منع المدعين العامين في نيويورك من فحص السجلات الضريبية لترمب. ويبدو أنه والرئيس متوافقان في رؤاهما بخصوص التلاعب بالانتخابات . وبعد فشل ترمب في الفوز بالتصويت الشعبي عام 2016، ادّعى أن الملايين صوتوا بصورة غير قانونية، دون تقديم أي دليل على ذلك. وشكّل في مكتبه لجنة للتحقيق في تزوير الناخبين. إلا أن اللجنة تم حلّها بعد ثمانية أشهر، لفشلها في العثور على أي دليل على انتشار التلاعب.

وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2018، ترشح سكوت لعضوية مجلس الشيوخ الأميركي، وتعادل مع شاغل المنصب بيل نيلسون بالأصوات. وبعد فرز الأصوات، تقدم سكوت بنحو 12 ألف صوت من أصل 8 ملايين تم الإدلاء بها. وأدى ذلك إلى إعادة أوتوماتيكية لفرز الأصوات بموجب قانون الدولة. وسرعان ما انهارت أصول اللباقة.

ومن أمام قصر الحاكم، تعهد سكوت قائلاً: «لن أقف مكتوف الأيدي بينما يحاول الليبراليون غير الأخلاقيين سرقة هذه الانتخابات من شعب فلوريدا العظيم». ثم سافر إلى العاصمة واشنطن ليستبق المشاركة في التقاط الصورة لأعضاء مجلس الشيوخ الجدد.

بموجب قانون فلوريدا، لا يجوز أن تستغرق إعادة فرز الأصوات أكثر من خمسة أيام، فبعد ذلك الوقت، لا يمكن إعادة العملية إلا بأمر من المحكمة. وفي ذلك العام حدثت ثلاثة سباقات انتخابية متقاربة بما يكفي لإطلاق عملية إعادة فرز الأصوات، وعمل المسؤولون عن الانتخابات على مدار الساعة. وفي مقاطعة بالم بيتش، ارتفعت درجة حرارة آلات إحصاء الأصوات كثيراً وتوقفت عن العمل. وفي مكاتب الانتخابات المحلية، شكك محامو كل طرف في شرعية الاقتراع. وفي مقاطعة باي، التي دمرها إعصار مايكل، سجّل المشرف على الانتخابات، بصورة غير قانونية، أصواتاً عن طريق البريد الإلكتروني والفاكس. ورفع فريق نيلسون دعاوى قضائية فيدرالية يعترض فيها على قوانين فرز الأصوات، آملاً في ضبط بطاقات الاقتراع المرفوضة. وقد قال لي مارلي ويلكس، مدير حملته إن «التجربة كانت تعيسة».

ومع تقدم عملية إعادة الفرز، أعلن سكوت عن احتمال عدم قبوله للنتيجة إذا خسر. وقبل جمع كل الأصوات، رفع دعوى قضائية على اثنتين من أكبر المقاطعات في الولاية، تتمتعان بأغلبية ديمقراطية. وقال سكوت: «ينبغي على كل مواطن في فلوريدا أن يشعر بالقلق إزاء احتمال انتشار التزوير في مقاطعتي بالم بيتش وبراورد»، دون أن يقدم أي دليل على ذلك. وقد سافر مات جيتز، عضو الكونجرس الجمهوري من ولاية فلوريدا، إلى فورت لودرديل لعقد مؤتمرات صحفية خارج مكتب المشرف على الانتخابات، حيث اتهم الديمقراطيين بإحكام الحِيَل للفوز، قائلاً: «إذا تمكن الديمقراطيون من معرفة التقنيات الفعالة وغير الفعالة، وقوانين الشفافية المُتّبعة وغير المتّبعة، فإن ذلك يعطيهم خريطة طريق للتغلب على دونالد ترمب في انتخابات 2020».

وفي وقت سابق من الحملة، حذر نيلسون من احتمالية اختراق الاستخبارات الروسية للنظم الانتخابية في فلوريدا، قائلاً: «لقد اخترقوا شبكات بعض المقاطعات في الولاية، ولا شيء يردعهم عن اختراق شبكات مقاطعات أخرى». وكان السيد نيلسون قد تلقى معلومات عن الموضوع من رؤساء لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ، ولكن المعلومات كانت سرية، وكان عليه ألا يكشفها. وقد سخر سكوت من كونه «مرتبكاً». وتحسباً لعدم إدراك الناخبين لعمر نيلسون -إذ كان في الخامسة والسبعين- دأب مدير حملة سكوت على إطلاق ألقاب كـ «حائر، ومشوش، ومرتبك، ومفكك» عليه. وبعد بضعة أشهر، كشف تقرير المدعي الخاص روبرت ميولر أن الروس قد اخترقوا بالفعل النظم الانتخابية لمقاطعة على الأقل من مقاطعات فلوريدا عام 2016، وأشار تقرير لاحق لمجلس الشيوخ إلى اختراق نظام انتخابي لمقاطعة واحدة على الأقل واستهداف اثنين آخرين.

وكما حدث في سنة 2000، كانت أية مشكلة تؤثر حتى في عدد قليل من الأصوات حاسمة، وظهرت مشاكل عديدة كانت كبيرة على نحو كاف للتأثير على سباق الانتخابات. إحدى هذه المشاكل كانت بطاقات الاقتراع بالبريد المتأخر. ففي فلوريدا، كما هي الحال في أغلب الولايات، يجب أن تصل بطاقات الاقتراع قبل إغلاق الصناديق، بصرف النظر عن وقت إرسالها بالبريد. وفي عام 2018، وفقاً لتحليل أجراه أستاذ في جامعة دارتموث، مايكل هيرون، وصلت نحو 200 ألف بطاقة اقتراع في يوم الانتخابات أو اليوم الذي سبقه، فيما استمر تدفق المزيد من بطاقات الاقتراع بعد انقضاء الموعد النهائي. وقال لي جون ديفاني، وهو محام يدافع عن حقوق الانتخاب ويمثل المنظمات التقدمية: «كانت تصلنا آلاف بطاقات الاقتراع لأيام عديدة بعد الانتخابات». ورفع نيلسون دعوى قضائية لإجبار الولاية على إحصاء أي بطاقة اقتراع تحمل ختماً يسبق تاريخه تاريخ الانتخابات، حيث عرض محاموه تحليلات إحصائية تبيّن أن المواعيد النهائية المبكرة قد تستبعد ناخبين من الفقراء والأقليات. لكنهم فشلوا، ولم يتم إحصاء نحو 15 ألف بطاقة اقتراع غيابية.

يسمح قانون فلوريدا للحملات الانتخابية بتعيين مراقبين لمتابعة الانتخابات وفرز الأصوات، ويمنحهم الحق بالاعتراض على الناخبين الذين يظنون أنهم غير مؤهلين، أو على بطاقات الاقتراع التي يُعتقد أنها باطلة. وينبغي أن تُفتح بطاقات الاقتراع المرسلة بالبريد باليد، ويجب أن يطابق التوقيع على بطاقة الاقتراع توقيع الناخب في ملف مراقبي الانتخابات. وإذا نجح مراقب في الاعتراض على التوقيع، يُرفض الصوت. وفي انتخابات عام 2018، بحسب هيرون، رُفضت نحو 11 ألف بطاقة اقتراع إما لعدم تطابق التوقيع أو لعدم توقيعها أصلاً. (لم تصل بعض بطاقات الاقتراع على الإطلاق: وبعد الانتخابات، عُثر على صندوق يحتوي على 266 بطاقة في مركز لتوزيع الخدمات البريدية الأميركية كان قد تم إخلاؤه في الشهر السابق، بعد التعامل مع الطرود التي أرسلها سيزار سيوك، وهو إرهابي يميني أرسل قنابل في طرود إلى 13 من معارضي ترمب البارزين).

كانت خيبة الأمل الأكبر بالنسبة لـ نيلسون هي «قلة الإقبال على الانتخابات». ففي مقاطعة براورد، معقل الديمقراطيين، لم يصوّت 30 ألف ناخب لأي من المرشحين لمجلس الشيوخ. وبدا أن السباق الانتخابي تعثّر على أعتاب الصندوق الأول بسبب الأخطاء، رغم تقديم قائمة طويلة من التعليمات عن الانتخابات. ومن الواضح أن الناخبين الذين لم يقرؤوا التعليمات فشلوا في إدراك الأمر. قال لي نيلسون: «السباق الانتخابي برمته كان هناك. وكانت تلك هي الأصوات التي حصلت عليها». بعد الإعادة الآلية واليدوية لفرز الأصوات، فاز سكوت بمجموع 10033 صوتاً، أي واحد بالألف من 8 ملايين صوت.

ويشير نيلسون ومساعدوه إلى أن الحملة الجمهورية الطويلة لتقييد إقبال الناخبين قد آتت ثمارها أخيراً. وهم يتطلعون إلى وقت تتغيّر فيه التركيبة السكانية للولاية إلى الحد الذي لا يبقى فيه لهذه الأساليب تبعات مؤثرة. وأخبرني نيلسون أن «ثمة جهوداً ممنهجة من الجمهوريين لقمع الأصوات الديمقراطية. فالتركيبة السكانية هي السبب وراء ذلك، لكنها مسألة وقت فقط قبل أن تصب التركيبة السكانية في صالحهم».

في كانون الأول/ديسمبر 2017، ظهر رون ديسانتس، وهو عضو كونغرس غير معروف من الساحل الشرقي لفلوريدا، على قناة فوكس نيوز، ليتحدث مع لورا إنغراهام عن التحقيق في علاقات ترمب بروسيا. وفي البرنامج، تبنى ديسانتيس وجهة نظر متطرفة إزاء التحقيق، غير مدعومة بدلائل، قائلاً إن التحقيق من حياكة عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي لمنع ترمب من الفوز بالانتخابات. وقال: «يمثل هذا في الواقع سياسة منحازة، ويدعو إلى استخدام آلية الحكومة لمنع الشعب الأميركي من اتخاذ القرار. إنه لأمر مزعج للغاية». وكانت هذه المرة الثالثة في ذلك الشهر التي يظهر فيها على قناة فوكس ليصور الرئيس كضحية.

في ذلك الوقت، كان ديسانتيس مرشحاً لانتخابات الجمهوريين التمهيدية لمنصب الحاكم، وكان يتخلف بفارق كبير عن آدم بوتنام مفوض الولاية لشؤون الزراعة الوراثية. رأى ترمب ديسانتس على قناة فوكس، وأيده بعد تسعة أيام، واصفاً إياه بـ «القائد الشاب اللامع» الذي «يحب بلدنا وهو مقاتل حقيقي». وشرع ديسانتيس بحملته الانتخابية كنسخة لترمب، وأخبر مؤيديه أنه علم أطفاله الصغار أن يقولوا «ابنوا الجدار!». وظهر ترمب في بعض الأحيان إلى جانبه، وساعد دعمه ديسانتيس في الفوز على بوتنام بالانتخابات العامة.

كان ديسانتس في الأربعين من عمره ومتنوع المشارب: إذ ترأس فريق البيسبول في جامعة ييل، وتخرج من كلية الحقوق بجامعة هارفارد، وعمل مستشاراً قانونياً لقائد سلاح البحرية في الفلوجة بالعراق. وفي الكونغرس، أعاد اكتشاف نفسه كواحد من الشعب. (كما قال لي أحد أعضاء جماعات الضغط في فلوريدا: «لن تسمعوه يتحدث كثيراً عن هارفارد وييل»). وساعد ديسانتس في تأسيس تجمع الحرية، ووقع تعهداً، روّج له الأخوان كوخ، بالتصويت ضد أي تشريع يقضي باتخاذ إجراءات من شأنها إبطاء الاحتباس الحراري قد تتطلب فرض ضرائب جديدة.

وفي الأشهر التي تلت انتخاب ديسانتيس حاكماً، أظهر ولاءه لترمب، وظهر في المكتب البيضاوي واستقبله في فلوريدا. وكافأه ترمب بمعونة فيدرالية سخية، للإغاثة من الإعصار واستصلاح أراضي إيفرغليدز. وقد قال لي رودني باريتو، وهو رجل أعمال من ميامي يتواصل مع ديسانتيس دورياً: «أوضح رون أنه الرجل الذي يستطيع التواصل مع الرئيس والحصول على ما يلزمنا».

وحين تفشى فيروس كورونا في الولاية، تجاهل ديسانتيس مشورة علماء الوبائيات. أمر بالتزام السكان منازلهم لمدة شهر، لكنه امتنع عن فرض ارتداء الكمامات، ونادراً ما شوهد وهو يرتدي كمامة. وكان بطيئاً في إصدار قرارات بإغلاق الشواطئ والحدائق العامة، حتى مع تجمع المحتفلين بعطلة الربيع في فورت لودرديل وميامي. وأصدر أمراً بإغلاق الأعمال غير الأساسية ولكنه عرَّف المصطلح تعريفاً فضفاضاً إلى الحد الذي جعله يفقد معناه، وكانت مصارعة المحترفين من بين القطاعات التي اعتُبرت أكثر أهمية من أن يتم إغلاقها.

بدأت ولاية فلوريدا بإعادة فتح أعمالها في 4 أيار/مايو، وبما أن معدل الإصابة بقي منخفضاً في البداية، تم الاحتفاء بديسانتس في الأوساط المحافظة. وكتب ريتش لاوري، محرر مجلة ناشيونال ريفيو رأيه في مقالة بعنوان «أين يذهب ديسانتس لكي يحصل على الاعتذار الواجب له؟» وصرّح لاوري بأن ديسانتيس، بتجاهله للخبراء ووسائل الإعلام، قد سمح لفلوريدا بإعادة فتح أعمالها بتكلفة منخفضة نسبياً. وأخبر ديسانتس لاوري أنه كان يراجع بانتظام بيانات الفيروس، وقام مع فريقه برسم مسار يختلف بصورة جوهرية عن مسار نيويورك والمدن الساحلية الأخرى، يتمثل بعزل دور المسنين والسماح للمسؤولين المحليين بإقرار خططهم الخاصة لاحتواء الفيروس. ورفض الانتقاد الذي وُجه له على عدم تدبّر آليات حيطة، ورد عليه قائلاً: «أعتبره وسام شرف على صدري». وأكد لاوري أن ديسانتيس تفوق على الخبراء حين كتب: «إن الكارثة التي تم التنبؤ بها لم تحصل على أرض الواقع».

لكن في غضون أسابيع، انهارت استراتيجية ديسانتس. وامتلأت المستشفيات بالمرضى، وبدأ كثيرون يستقدمون ممرضات من ولايات أخرى لقاء أجور تصل إلى 30 ألف دولار شهرياً. لأن شريحة كبيرة من سكان الولاية من المتقاعدين، والذين يشكلون العمود الفقري للهيمنة الجمهورية، تعرضوا للخطر فجأة. وبدأ رؤساء البلديات بإغلاق مدنهم.

وأخبرتني جينيفر نوزو، عالمة الأوبئة في جامعة جونز هوبكنز، أن استراتيجية ديسانتيس شابها إيمان في غير محله بأن الدولة قادرة على حماية سكانها الأكثر عرضة للخطر. وقالت إن «الناس كانوا يذهبون إلى التسوق، وكان الاختلاط بين العائلات كبيراً». بالإضافة إلى أن المسنين ليسوا الفئة الوحيدة المعرضة للخطر، فهناك من يعاني من السمنة ومرض السكري وأمراض القلب. مضيفة أن «السكان المعرضين للخطر يشكلون نصف السكان». وكان الخلل الآخر في الخطة هو الافتقار إلى خطة ممنهجة لتعقّب المخالطين. مستنكرة وجود هذا الواقع الأليم في فلوريدا.

وفي مواجهة الكارثة، أعلن ديسانتيس في أواخر حزيران/يونيو قائلاً: «لن نعود إلى الوراء». إذ ستُفتح المدارس وسترحب مدينة ملاهي عالم ديزني بزواره. وفي مؤتمر صحفي عُقد في تامبا، أكد مع نائب الرئيس مايك بينس عدم وجود تناقض بين مكافحة الفيروس وإعادة فتح الاقتصاد. وعزا ديسانتيس الارتفاع المذهل في عدد الإصابات إلى زيادة الاختبارات، وطمأن سكان فلوريدا بأن الوضع تحت السيطرة، حين قال: «إذا استمتع الجميع بوقتهم مع أخذ حذرهم، فسنكون على ما يرام». بُعيد ذلك، كتب مجلس تحرير صحيفة صن سنتينل الصادرة في جنوب فلوريدا مقالة جاء فيها: «تتعارض رسالتكم اليومية المتفائلة تماماً مع ما يعانيه سكان فلوريدا». وكان عنوان المقالة العنوان الرئيسي «ساعدنا أيها الحاكم ديسانتس، إننا نموت هنا». وبحلول منتصف تموز/يوليو، كانت الحالات اليومية المسجلة في الولاية تقارب 12 ألف حالة جديدة.

منذ البداية، أثيرت تساؤلات حول مدى صدق إدارة ديسانتيس فيما يتعلق بالجائحة. وفي شهر أيار/مايو طُرِدَت ريبيكا جونز، التي أدارت لائحة المتابعة لفيروس كورونا، بسبب رفضها «تغيير البيانات يدوياً لزيادة الدعم لخطة إعادة الفتح»، بحسب قولها. (قال متحدث باسم ديانتيس إن جونز طُردت بسبب عصيانها المتكرر). وحين بدأت أعداد الوفيات التي يحصيها الأطباء الشرعيون في المقاطعات تتجاوز على نحو منتظم أعداد الوفيات التي تعلن عنها وزارة الصحة في فلوريدا، عتّم المسؤولون في الولاية على العدد الأعلى. وبعد أسابيع من التأكيدات بأن الحملة الواسعة لتعقّب المخالطين كانت تصل إلى أكثر من تسعين بالمئة من المصابين، اكتشف العاملون في مقاطعة ميامي داد أن المعدل كان أقرب إلى 17%. وقد قال لي غيلبر، عمدة مقاطعة ميامي بيتش: «نحن عاجزون عن تفادي الجائحة».

تسببت الفوضى العارمة في خلق أبطال شعبيين من أناس عاديين، مثل جونز، التي أصرت على الحصول على معلومات موثوقة لعامة الشعب. كما برز مايك تشيتوود، عمدة مقاطعة فولوجا، التي تشمل شاطئ دايتونا. ففي آذار/مارس، بدأ تشيتوود بنشر أحدث إحصاءات الفيروس المحلية، بما في ذلك الأماكن التي حدثت فيها تفشيات واسعة، على وسائل التواصل الاجتماعي. كان في كل ليلة يحصل على بيانات من وزارة الصحة ويقوم بتحديث مجموع الإصابات. وأصبحت هذه المنشورات تلقى رواجاً وشعبية لدى السكان، وكان نحو خمسين ألف شخص يتابعونها بانتظام. لكن تشيتوود شكّك في المعلومات التي كان يحصل عليها. وقال لي: «كنا نعلم من الموظفين داخل حكومة الولاية أنهم لا ينشرون إحصاءات دقيقة».

وفي أوائل تموز/يوليو، كتب على صفحته منشوراً يبرّئ فيه نفسه من المسؤولية بشأن صحة المعلومات التي تصله. وفي اليوم التالي، أبلغ المسؤولون شيتوود بأن البيانات لن تكون متاحة بعد ذلك. وقال لي: «جُن جنوني عندئذ. فنحن نواجه جائحة شعواء. لماذا نزود الناس بمعلومات أقل من الحقيقة؟»، ثم نشر اعتذاراً وتوقف عن نشر التحديثات. فثار غضب العامة وتراجع المسؤولون عن مواقفهم. كان تشيتوود من مؤيدي ديسانتيس، ولكنه استنتج أن الحاكم لم يكن صريحاً. واستذكر درساً تعلمه قبل سنوات، حين كان ضابط شرطة في فيلادلفيا. إذ قال: «حين تواجه صعوبات في الوصول إلى المعلومات، فالسبب هو أن المعلومات مُقلقة».

لقد قلبت الجائحة حسابات المصلحة السياسية الشخصية رأساً على عقب. ففي معظم فترات العامين الفائتين، كان من المتوقع أن يوجه ديسانتيس أصوات فلوريدا إلى ترمب في تشرين الثاني/نوفمبر. ولكن مع سيطرة الفيروس على حديث الشارع، أصبحت قدرته، أو حتى إرادته في فعل ذلك، محل شك.

في أواخر الصيف، أظهرت معظم استطلاعات الرأي تقدم بايدن على ترمب في الولاية. ومع هبوط شعبية ديسانتيس أيضاً، حاول النأي بنفسه عن الرئيس. وأخبرني محام يتواصل مع الرجلين بانتظام أن ديسانتيس قرر تقديم أقل دعم ممكن. ولم يعد يظهر على الإعلام مع ترمب، وتوقف عن زيارة المكتب البيضاوي، وابتعد عن جمع المال لحملته. حتى أن ديسانتيس حاول تقويض جهود تنظيم المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري في جاكسونفيل، والذي ألغاه ترمب في نهاية المطاف. وقال لي المحامي: «سيخبرك رون بأنه يبذل ما في وسعه من أجل الرئيس، وسيبدو مقنعاً. لكن دون دليل والرئيس يدرك ذلك تماماً». كما أخبرني ألان روبن، وهو خبير ضغط سياسي يعمل في كل من واشنطن وفلوريدا، أن قلق ديسانتيس زاد من احتمالية خسارة ترمب لأصوات الناخبين في فلوريدا، ويعيد موضعة نفسه بما يسمح له بالعمل مع إدارة بايدن. ويؤمن المقربون من ديسانتس أنه يعتزم الترشح للرئاسة عام 2024 وهو مقتنع بأن وجود ترمب في البيت الأبيض سيضائل فرصه. وقال روبن: «يعمل رون بذكاء متقد. وسيفعل ما يراه ضرورياً في المرحلة المقبلة».

وفي نيسان/أبريل، كتب المشرفون على الانتخابات من كل مقاطعة في فلوريدا رسالة إلى ديسانتيس يحثونه فيها على المساعدة في تخفيف آثار فيروس كورونا على التصويت في تشرين الثاني/نوفمبر. وقال المشرفون إن الانتخابات التمهيدية على مستوى الولاية، والتي أقيمت في آذار/مارس، طرحت «تحديات كبيرة»، بما في ذلك انسحاب «أعداد كبيرة» من العاملين في مراكز الاقتراع في اللحظة الأخيرة. وأخبروا ديسانتيس صراحةً أنهم غير قادرين على إجراء انتخابات عن طريق البريد بالكامل، وأعربوا عن قلقهم من قلة الموارد اللازمة لإجراء انتخابات محدودة في المراكز.

وطلب المشرفون من ديسانتيس اتخاذ عدة تدابير: كزيادة عدد مراكز الاقتراع المبكر، ومنح المشرفين وقتاً إضافياً للانتخاب عن طريق البريد وفرز أصوات الاقتراع المبكر، والسماح بإعادة استخدام مراكز الاقتراع المبكر كمراكز للاقتراع يوم الانتخابات، لإلغاء الحاجة إلى تهيئة مراكز جديدة. وقال المشرفون إنه «مع قيام المقاطعات الآن بإعداد واتخاذ القرارات المتعلقة بالتوظيف والأمور اللوجستية، ستكون المرونة والسلطة الممنوحتان من المسؤولين في أقرب وقت ممكن عظيمتي الفائدة».

انتظر ديسانتيس مدة شهرين حتى استجاب لأحد المطالب: إذ أصبح بمقدور العاملين في الانتخابات البدء بعدّ بطاقات الاقتراع المرسلة بالبريد قبل 40 يوماً من الانتخابات، بدلاً من 22 يوماً. وعرض على موظفي الدولة العمل في مراكز الاقتراع، و«التنسيق» مع المشرفين لتأمين معقم لليدين ومعدات للحماية. أما فيما يخص المطالب الأخرى، قال لي أحد المشرفين على الانتخابات: «لقد تجاهلنا الحاكم تماماً».

وبينما كان ديسانتيس يماطل في الاستعدادات، كان ترمب يواصل حملته ضد الانتخاب بالبريد. وجاء في تغريدة له على تويتر: «ستكون انتخابات عام 2020 مزورة تماماً إذا سُمح بالانتخاب بالبريد، والجميع يعلم ذلك». وفي الصيف، أزال المدير العام للبريد، لويس ديجوي، آلات الفرز عالية السرعة وأدخل تغييرات أخرى أدت إلى تقليص القدرة الاستيعابية لخدمة البريد بشكل جذري. وفي شهادته أمام الكونغرس، تعهد ديجوي بتسليم البريد «كاملاً وفي الوقت المحدد» يوم الانتخابات. ولكن في انتخابات فلوريدا عامي 2016 و2018، وحتى مع عمل خدمة البريد بصورة طبيعية، لم تصل آلاف أوراق الاقتراع في الموعد المحدد.

في فلوريدا وكافة أراضي الولايات المتحدة، تثير جائحة كورونا مخاوف من أن التصويت في المراكز قد يكون خطيراً. ماذا سيحدث إذا ظهر ناخب لا يرتدي كمامة، وأثار غضب من يرتديها؟ بموجب قانون فلوريدا، تقع على المشرفين على الانتخابات مسؤولية الحفاظ على النظام في مراكز الاقتراع، ولكنهم غير مخولين باعتقال أو منع أي شخص من الانتخاب بصورة قانونية. وقال جون ميلز، المتحدث السابق باسم مجلس النواب في فلوريدا إن «المسؤولة عن الأمن في الدائرة الانتخابية سيدة تبلغ من العمر 75 عاماً تجلس بجانب طاولة البطاقات».

ومنذ انتشار الوباء في الربيع، كان فريق من المحامين بقيادة مارك إلياس، المحامي الديمقراطي المتخصص في مجال حقوق الانتخاب، يترأس الدعاوى القضائية في 18 ولاية. دفع الفريق نحو إجراء التغييرات اللازمة لتسهيل عملية الانتخاب، وفي بعض الحالات قلب القوانين التي يدعمها الجمهوريون والتي ظلت سارية لسنوات. وسعى إلياس إلى توفير ما أسماه «الركائز الأربع» للانتخاب بالبريد، وهي: دفع رسوم طوابع بطاقات الاقتراع البريدية بشكل مسبق، وقبول أي بطاقة اقتراع تُختم قبل يوم الانتخابات، ومنح الناخبين الذين لا تتطابق توقيعاتهم الفرصة لتوضيح موقفهم، والسماح للمجموعات المحلية بتسليم بطاقات اقتراع الآخرين. وحقق فريق إلياس انتصارات كاسحة في ثلاث ولايات وانتصارات جزئية في أربع، أما القضايا الأخرى فلم يُبتّ بأمرها بعد. قال إلياس: «ربحت في عدد من الولايات أكثر مما كنت أتصور بكثير». وكانت من ضمن القضايا قضية الانتخابات التمهيدية في ويسكونسن، في نيسان/أبريل، حيث خُتمت عشرات الآلاف من بطاقات الاقتراع في يوم الانتخابات أو قبله، ولكنها وصلت متأخرة. فرفع إلياس دعوى على المسؤولين عن الانتخابات، وسمحت المحكمة العليا بإضافة الأصوات إلى صناديق الاقتراع.

وفي دعوى فلوريدا، وافقت الولاية على تسوية: وهي أن تطلق حملة لتوعية الناخبين وتسمح بالحد الأقصى لأيام الاقتراع المبكر. أما القضية المركزية -فرز بطاقات الاقتراع المرسلة بالبريد التي تُختم قبل يوم الانتخابات- خسر إلياس ومدّعوه فيها. وسرعان ما نشر ترمب تغريدة غريبة تحث الجمهوريين في فلوريدا على الانتخاب بالبريد، وهو الموقف الذي يتعارض مع خطاباته العنيفة السابقة. وقالت ميندي فين، المديرة التنفيذية لشركة للتحليل تدعى سيتيزن ديتا، إن منظمتها توقعت أن يكون عدد الديمقراطيين الذين سيصوتون بالبريد في فلوريدا أكثر من عدد الجمهوريين. وأضافت: «عبر التسبب بالاستقطاب حيال الانتخاب بالبريد، يبدو أن ترمب قد ثبّط من عزم المصوّتين له».

تتوقع شركة فين وصول نحو 4.2 مليون بطاقة اقتراع بريدية في فلوريدا، ويعبّر بعض المراقبين عن قلقهم من استحالة فرز جميع هذه البطاقات قبل الموعد النهائي، أي يوم السبت التالي للانتخابات، نظراً لعددها غير المسبوق، والحاجة إلى فتح كل بطاقة اقتراع باليد، والنقص في العاملين. وقال لي إيدي بيريز، من معهد تكنولوجيا الانتخابات مفتوحة المصدر، والذي يركز على الانتخابات والتصويت: «أخشى أن تفيض المهمّات عن قدرة العاملين يوم الانتخابات».

وقد أكد محللو الاستخبارات لترمب عدم وجود دليل على محاولة التلاعب ببطاقات الاقتراع المرسلة بالبريد من قبل خصوم أجانب. ولكن شبح التدخل ما زال باقياً. فوفقاً لتقرير ميولر، ركز عملاء روس على فلوريدا عام 2016. إذ أرسلوا، قبيل الانتخابات، إيميلات احتيالية إلى 120 مسؤولاً، في محاولة منهم لاختراق الأنظمة الانتخابية المحلية. وتبين من تقرير استخباري صادر عن مجلس الشيوخ أنهم حصلوا على قوائم تسجيل الناخبين في مقاطعتين على الأقل. كما نجح الروس في اختراق شركة في فلوريدا لتصنيع برامج لتسجيل الناخبين. ويقول الخبراء إن نظم التسجيل ضعيفة بشكل خاص لأنها متصلة بالإنترنت. وقال أليكس هالدرمان، الأستاذ في علوم وهندسة الكمبيوتر في جامعة ميتشيغان: «إذا كان الروس قد بدؤوا بالفعل بحملة الاختراق، ستعم الفوضى يوم الانتخابات».

ووفقاً لأحد كبار المسؤولين السابقين في إدارة أوباما، فقد ساد قلق في الأوساط من أن يقوم عملاء روس أيضاً باختبار قدرتهم على تغيير حصيلة الأصوات. وقال مسؤول كبير سابق آخر: «هذا ما يفعلونه في الانتخابات في روسيا». ويؤكد مسؤولو الاستخبارات الأميركية على عدم وجود أي دليل على تلاعب الروس بالأرقام. والأرجح، بحسب العديد من المسؤولين السابقين في إدارة أوباما، أنهم كانوا يستكشفون نقاط الضعف في الأنظمة الانتخابية في مختلف أنحاء البلاد. إذ صرح أحدهم بالقول: «لقد أجروا تجربة، لا أكثر».

ولكن الواضح أن المسؤولين لم يبحثوا بصورة جادة عن دليل على التلاعب بالأصوات. وبعد انتخابات عام 2016، لم يقم سوى عدد قليل من الولايات بإجراء مراجعة للأصوات من شأنها تحديد ما إذا كانت آلات التصويت الإلكترونية قد تعرضت للاختراق، ولم تقم الحكومة الفيدرالية بذلك أبداً. وبعد تحقيق أجراه السيناتور رون وايدن عن ولاية أوريغون، كان رد وزارة الأمن الداخلي بأنها لم «تُفوَّض» بفحص آلات التصويت في الولاية. وأعرب وايدن عن سخطه قائلاً: «على أي أساس يمكن للإدارة أن تدّعي عدم وجود دليل على تدخل أجنبي إذا لم تجرِ بحثاً عن الأمر؟».

فالخصم الأجنبي الذي يريد زرع بذور الشقاق لن يحتاج بالضرورة إلى تغيير نتائج الانتخابات، وهو أمر يصعب تحقيقه نظراً للطبيعة اللامركزية التي يتسم بها التصويت في الولايات المتحدة. وفي عام 2016، قالت لي لاورا روزنبرجر، مستشارة السياسة الخارجية لهيلاري كلينتون، عن الروس: «لا أعتقد أن تغيير عدد الأصوات هو الهدف الذي يسعون إليه. بل يريدون زرع بذور الشك والارتباك، حتى يسود وضع يتقاتل فيه الجميع ولا يقبل أحد بشرعية الانتخابات».

في كنيسة القس هولمز في تالاهاسي، ينتظر المصلون شهر تشرين الثاني/نوفمبر بمزيج من الخوف والأمل. ويوم الأحد الفائت، أكد هولمز من منبره على أن الانتخابات ستكون لحظة حاسمة في التاريخ الأميركي، وينبغي على رعيته ألا يسمحوا لأي شيء -لا قمع الناخبين، ولا فيروس كورونا- بأن يشكل عائقاً في طريق الإدلاء بأصواتهم.

وبالاقتباس من سفر دانيال، روى هولمز قصة ثلاثة فتيان عبرانيين رفضوا السجود للملك نبوخذ نصّر، حتى بعد تهديدهم بحرقهم أحياء، لأنه لم يكن الإله الحقيقي والوحيد. وقال: «كان نبوخذ نصّر متغطرساً لدرجة أنه أراد وضع تمثاله على جبل راشمور»تُقصد هنا السخرية من ترمب، الذي لمّح برغبته في أن يُنحت نصب له في الجبل الشهير، الواقع في ولاية داكوتا الجنوبية، الذي يحوي منحوتات عملاقة للرؤساء واشنطن وجيفرسون وروزفلت ولينكولن. (المترجم).، ما أثار الضحك بين الحاضرين. وتابع: «لكنَّ الفتيان الثلاثة لم يسجدوا لهذا الملك المصاب بجنون العظمة». ونقلاً عن جون لويس، عضو الكونغرس الراحل وزعيم الحقوق المدنية، قال هولمز لرعيته إن الفتيان الذين تحدوا نبوخذ نصّر أثاروا «مشاكل مفيدة»، كتلك الناتجة عن رفض الرضوخ للطاغية. مضيفاً: «لا تخافوا أبداً من إحداث الضجيج، ومن إثارة المشاكل الجيدة، والضرورية».

وكان نظراء هولمز من اليمينيين ينشرون رسالة أكثر شراسة. ففي شمال فلوريدا، التي سيطر عليها ترمب في انتخابات عام 2016، يملأ المبشرون البيض موجات الأثير بنبوءات مروعة. وأحد هؤلاء المبشرين هو القس جين أ. يونغبلود، قس الكنيسة المعمدانية المحافظة الأولى في جاكسونفيل، الذي يستضيف برنامجاً إذاعياً بعنوان «دعونا نواجه المشاكل».

وفي بث حديث، حذر يونغبلود من أن تصبح أميركا دولة تحاصرها قوى الماركسية، وتسيطر على الدولة وتنشر الفوضى. وقال إن احتجاجات الصيف ضد وحشية جهاز الشرطة جلبت فيضاً من الفوضى والجريمة. مضيفاً: «رأينا العديد من المباني السكنية في مدننا الكبيرة تُحرق وتُدمر على يد مخربين ورجال عصابات حركة “حياة السود مهمة”. سيداتي وسادتي، الوضع مثل السرطان، ينتشر في جميع أنحاء الجسد الذي نطلق عليه اسم الولايات المتحدة الأميركية».

كانت الرؤيا الأكثر قتامة عند يونغبلود تتمحور حول فيروس كورونا، والذي استغلته «حركة “حياة السود مهمة”، الاشتراكية الماركسية التابعة للحزب الديمقراطي الشيوعي»، بحسب وصفه، من أجل «زرع الخوف والقلق في أميركا بشكل لم يسبق له مثيل». وأكد أن الغرض من ذلك كان فرض اللقاحات القسرية، والتي سيستغلها بيل غيتس والحكومة لزرع رقاقة تسمح لهما بالسيطرة على المواطنين. وحث يونجبلود المسيحيين على ضرورة الاقتراع في تشرين الثاني/نوفمبر. قائلاً إنهم إذا فشلوا في الوصول إلى نتيجة إيجابية: «سنخسر المعركة، وستتشكل حكومة ديكتاتورية اشتراكية شيوعية في أميركا».

تحضيراً للانتخابات، يحشد كل طرف جيشاً من المتطوعين والمحامين لمراقبة الانتخابات وفرز الأصوات. وأخبرني خوان بينيالوسا، المدير التنفيذي لحزب فلوريدا الديمقراطي، بأنه عيّن ما لا يقل عن ثلاثة آلاف محام، مختصين في قانون الانتخابات، ليكونوا حاضرين في النزاعات المتعلقة بالاقتراع في الدوائر الانتخابية التي يبلغ عددها ستة آلاف. وتقول حملة ترمب إنها تحشد 50 ألف مراقب للاقتراع لتوزيعهم في 15 ولاية رئيسية، ومن المفترض أن تكون فلوريدا من ضمنها.

تمثل الانتخابات في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من هذا العام أول انتخابات رئاسية منذ 1980 لن تكون فيها اللجنة الوطنية لأعضاء الحزب الجمهوري مضطرة للالتزام بمرسوم قضائي يفرض قيوداً صارمة على نشاطاتها في محيط مراكز التصويت. وقد صدر هذا المرسوم عن دعوى قضائية ديمقراطية اتهمت رجال شرطة، يحملون الأسلحة خارج أوقات العمل الرسمية ويرتدون شارات كُتب عليها «فرقة العمل الوطنية لأمن الاقتراع»، في السباق الانتخابي لحاكم ولاية نيوجيرسي، بترهيب الناخبين السود. وقال بينيالوسا: «نتوقع تواجد جيش من متطوعي ترمب قرب مراكز الاقتراع في الولاية يوم الانتخابات».

لقد بدا القس هولمز ثابتاً. إذ حث رعيته، لسنوات، على المشاركة في الاقتراع المبكر عبر مبادرته أرواح إلى الاقتراع. وبعد انتهاء خطبته، قاد نحو 100 عضو في مسيرة إلى مبنى محكمة المقاطعة، حيث أدلى العديد منهم بأصواتهم في الانتخابات التمهيدية للولاية في 18 آب/أغسطس. ورافقت الشرطة مسيرة هولمز، وحضر العديد من المرشحين لاستجداء دعم رعيته.

وقد ترعرع أحد أعضاء الجماعة، ويدعى وليام براون (80 عاماً)، في بلدة مولبيري، وهي بلدة غنية بالفوسفات في وسط فلوريدا. وقال إن أحياء البيض كانت محاطة بسياج وخطوط سكك حديدية لا يمكن لأي شخص أسود عاقل اجتيازها. ولسنوات، كانت العلامة الفارقة في وسط مولبيري شجرة ضخمة أُعدم عندها العديد من الرجال السود. أخبرني هذا الرجل أن التصويت في الخمسينيات والستينيات كان ممنوعاً على السود في مولبيري. مضيفاً: «لم نكن نعتبر ذلك مشكلة على الإطلاق».

انضم براون للجيش وجال العالم، وعند عودته رأى تغيراً طفيفاً على أميركا. ففي عام 1984، حين كان في الرابعة والأربعين من عمره، وذهب إلى صناديق الاقتراع لأول مرة، للتصويت لأي مرشح ديمقراطي يخوض الانتخابات ضد ريغان. خسر المرشح الذي صوّت له، والتر مونديل، خسارة فادحة. ولكنه استمرّ بالمشاركة في الانتخابات منذ ذلك الحين، وهو يترقب الانتخابات في تشرين الثاني/نوفمبر: قائلاً: «أنا لم أمت بعد».