أُسْأَلُ كثيراً، أنا القابع هنا في طرطوس، عن القوات الروسية وممارساتها وأشكال وجودها. تأتي هذه الأسئلة من أصدقاء ومعارف بعيدين عن واقع الحياة هنا، وهي ليست ذات طبيعة واحدة من حيث أشكال الوجود الروسي التي يُستفسر عنها، لكنّها تفتح أبواباً عديدة أمام مشهدية احتكاك العناصر الروس مع الأهالي هنا، وشكل هذا الاحتكاك، فيما قد يذهب بعض أصحاب هذه الأسئلة في توقعاتهم إلى استحواذ القوات الروسية على امتيازاتٍ خاصة ومعينة، يمكن أن تُحوّل سكان هذه الجغرافيا إلى مواطنين من درجةٍ ثانية.
هذه واحدة من الاحتمالات التي تفتحها عليَّ الأسئلة العادية جداً حول شكل وجود الروس هنا، وفي سياق محاولتي للإجابة على الأسئلة، فإني أحاول أن أدفع أجوبتي كي تخرج من تراكمات مواقفي تجاه القوات الروسية؛ أحاول أن أكون مُشاهداً وأن أنقل الصورة، وأول ما لفت انتباهي خلال محاولة الإجابة، هو اكتشاف ندرة احتكاك الروس مع الأهالي، ما قلَّلَ من إمكانية الانتباه إلى امتيازاتهم في مواجهة السكان.
هذا مشهدٌ من أرض الواقع، يمكن اعتباره معلومة يُبنى عليه جوابٌ ما: «إن الروس لا يمارسون أي تمييزٍ على الأهالي، حتى أن وجودهم لا يُذكر. قد ترى نادراً ثلاثةً منهم يتسوقون بالضبط في الأسواق الشعبية، يشترون ويذهبون مثل غيرهم، يتسوقون دون أي سلاحٍ أو عتاد، ودون مرافقةٍ أمنيةٍ سورية، حتى ولو من عنصر واحد».
يقود هذا المشهد إلى مستويين من الإجابة على السؤال؛ المستوى الأول يبدو لصالح القوات الروسية، حتى لو عن غير قصد، بينما لا تزال مواكبهم العسكرية التي يصادفها المرء على أوتوستراد اللاذقية طرطوس حمص، بعتادها وآلياتها ضخمة، تنتقل ذهاباً وإياباً دون مرافقةٍ مباشرة، على نحوٍ يبدو مخيفاً بالنسبة لي، ويفتح أسئلةً كبيرةً عن المكان الذي ستذهب إليه، وعن الأرواح التي ستحصدها، وعن القوات النظامية والمرتزقة الرديفة التي ستحصل على دعم القوات الروسية في القتل والنهب.
والمستوى الثاني هو المعلومة المباشرة للمستفسرين، التي تقول إن أهالي طرطوس لا يتعرّضون لأي نوعٍ من الإذلال المباشر من هذه القوات، خلافاً للإذلال الذي يعانون منه على الحواجز العسكرية النظامية على الأقل، والإذلال الذي تمارسه عليهم كل المؤسسات الحكومية، بعد تحوّل هذه المؤسسات «النظامية» بشكلٍ كاملٍ إلى «جهات جباية لا عمل لها سوى تحرير الفواتير للسوريين القابعين تحت سيطرتها»، وذلك بحسب اتفاق كثيرٍ من الناس هنا، الذين يشتركون في هذا الاستنتاج ضمن أحاديثهم.
تأتي هذه الأجوبة وتحليلاتها لتفتح الباب على سؤالٍ أكبر، يتمثل في نوع الوجود الروسي من بين أنواع المحتلين أو المستعمرين أو الطامعين، إذ أنهم لا يعتمدون على إدخال ثقافتهم ولغتهم، ولا يعملون على مبادراتٍ شعبيّةٍ تقرّبهم من السكان، بل هم يؤدون أعمالاً موكلةً لهم دون التدخل أو التقاطع المباشر مع يوميات السكان، وكأنهم شركة أمنية لديها استثمارات أو مشاريع محدّدة ضمن نطاقٍ محدّدٍ لا تخرج عنه. بل إنهم، في المظهر العام لتواجدهم المُشاهَد، يكادون لا يختلفون عن الشركات التي تحطّ بسفنها في مرفأ طرطوس، والتي يُحدَّد لعمالها مجال المرفأ للعمل، وعدم الخروج منه إلا بأذونات عملٍ مشتركةٍ مع شركة استيراد وتصدير محلية.
هذا الجانب واضحٌ لدى السكان هنا، لكن دون تسميته أو تحليله كما تمّ سابقاً، ويدلّ على وضوحه هذا عدم تخوّف السكان منهم، وقلّة شعورهم بأيّ حالةٍ مذلّةٍ تجاه هذه الجهة التي تحتل مواقع استراتيجية على ساحلهم. كما أن قلة الاحتكاك مع الضباط والجنود الروس تبعد شعور الفوقية التي قد يشعرها أي صاحب أرض من دخيلٍ قويٍّ مفروضٍ عليه. أما الاحتكاك المتعلّق بمعركة روسيا ضد الثائرين من الشعب السوري، فهو مصدر أمان بالنسبة للموالين لحكم الأسد، الذين يضمنون حماية أولادهم المقاتلين في المناطق المشتركة مع القوات الروسية، وخصوصاً حماية الطيران الحربي الروسي، دون التفكير في أن هذه الحماية تأتي على حساب أحياء ومناطق بساكنيها وأهاليها، بدمائهم وحقهم في الوجود والحماية أيضاً. إذن، الاحتكاك الوحيد المباشر مع القوات الروسية يبدو مبعثاً للرضا بالنسبة للموالين لنظام الحكم في المدينة، وهو ما يبعد التفكير في مآلات بقاء الروس وفواتير هذا البقاء.
وقد يكون مفيداً لاستكمال الصورة ذكر ما يتناقله كثيرون هنا عن توصيف القوات الروسية لعناصر جيش النظام، وذلك أثناء تدريباتهم المشتركة، وخصوصاً مع الفيلق الخامس الذي يُعدّ من تأسيس القوات الروسية ويضم في صفوفه مقاتلين منشقين عن النظام تمت تسوية أوضاعهم. تقول هذه الأحاديث المتناقلة إن الضباط الروس يصفون عناصر قوات النظام بالكسل، والبلادة في الجري والقتال؛ يضيف أحد عناصر جيش النظام على هذا الخبر: «بس أكيد الروس بيعرفوا أنو مكاسبهم بسوريا أكتر من مكاسبنا كعناصر… نحنا اللي منموت، ونحنا اللي جايين غصباً عنا».
سأُدرج هنا أماكن ومناسبات احتكاك الأهالي في طرطوس بالقوات الروسية، والرسائل التي تصل من هذه القوات بقصدٍ أو بغير قصد، ما يجعل الناس لا يشعرون بخطرهم الحالي والقادم بقدر ما يشعرونه من نظامهم المدعوم من روسيا.
عيد البحرية الروسية
تحتفل القوات الروسية بعيد البحرية الروسية بشكلٍ سنوي منذ مشاركتها في الحرب ضد السوريين، ومنذ أن عزّزت وجودها في مرفأ طرطوس الحربي حتى تحوَّلَ إلى قاعدةٍ بحريةٍ لها، وهو يقع تماماً شمال مرفأ طرطوس المدني التجاري، وملاصقاً له.
تحتفل روسيا بعيد بحريتها في الأحد الأخير من شهر تموز، على الكورنيش البحري في طرطوس، مع عرضٍ عسكريٍّ بحريٍّ ومروحياتٍ مُرافقة. تُغلِق قوات النظام السوري الشوارع المؤدية إلى الكورنيش البحري، مع انتشارٍ مُسبقٍ على الكورنيش للقوات الروسية والشرطة العسكرية الروسية، وانتشارٍ لعناصر أمن النظام على مداخل الكورنيش كخط تأمين ثانٍ.
لا يُمنع الأهالي من النزول والمشاهدة والاقتراب، فأحد أهداف الاحتفال هو استعراض القوة العسكرية التي يمتلكها الروس، والتأكيد على «حصتهم في هذا البحر» على حد تعبير أحد العجائز هنا، كما أنه استعراضٌ أمام القوى الأخرى المتحالفة والمناوئة خارج النطاق المحلي.
مشهدٌ مهيبٌ من الاستعراض، مع منصةٍ على المكسر الصخري الأقرب للبحر مخصصة للجنرالات الروس، الذين يهبطون على الكورنيش بمروحيةٍ عسكرية، مع الموسيقى العسكرية للفرقة النحاسية التابعة للبحرية الروسية في سوريا.
يشعر الأهالي بالذهول الدائم من مشهد هذه السفن الحربية الكبيرة جديدة المظهر، والزينة المعلقة بين السفن الحربية وغواصة طافية إلى جانبها تشارك في الاحتفال ضمن كتالوغ الأسلحة الروسية. يشعرون بالمهابة، وكأنه مهرجان تسوّقٍ للأغنياء، لا يعنيهم ولكن تعجبهم بهرجته.
كل ذلك لا يُهين الأهالي هنا، فالروس لا يمارسون أي عملٍ ضمن الاحتفال يُحقّر من الأهالي بشكلٍ مباشر، لكنّ الإهانات تأتي من أجهزة النظام الأمنية وإغلاقها للكورنيش قبل يومين من الاحتفال، في إجراءٍ ليس مؤكداً أنه يأتي بناءً على أوامر من القوات الروسية لحماية الاحتفال.
احتجاج الأهالي هذه السنة في الاحتفال كان بسبب إغلاق مدخل طرطوس الشمالي، منفذ الدخول عبر حاجز البحرية الذي يؤدي إلى المدينة من جهة المرفأ، وهو بعيدٌ عن مكان الاحتفال بالمقارنة مع تحويل خط الدخول إلى المدينة إلى مدخلها الشرقي، المؤدي بالضبط إلى مكان الاحتفال. لا يُفهم هذا الإغلاق من قبل الأهالي إلا على أنه «تمسيح جوخ مجاني» للروس، واقتناصٌ لفرصة مناسبة من أجل ممارسة المضايقة والتسلط على الأهالي. أغلب عبارات الاحتجاج التي سمعتُها من الناس هنا كانت تتضمن فكرة تقول إن الروس لا يعنيهم إذلال الناس، خلافاً لما تقوم به أجهزة النظام على الحواجز الأمنية والعسكرية وفي المؤسسات الحكومية.
مرفأ طرطوس
بعد استيلاء روسيا على مرفأ طرطوس بعقدٍ مدته 49 سنة، وإخضاع المرفأ لاستثماراتها بالكامل في تموز العام الماضي، احتجّ الأهالي في أحاديثهم نتيجة خوفهم على أبنائهم العاملين في المرفأ، وهم في معظمهم من أكثر العمال الذين يتعرّضون للغُبن في المؤسسات الحكومية، لأنّهم في معظمهم يعملون بموجب عقود قصيرة الأجل، دون وعودٍ بالتثبيت، وعملهم هو إفراغ حمولات البواخر، وهو من أصعب الأعمال، مع رواتب قليلة بالقياس إلى الجهد المبذول، ومع غياب أيّ ضماناتٍ مستقبلية من رواتب تقاعدية وغيرها، فيما لا يعمل أغلبهم في أيّ مهنٍ أخرى.
إدارة المرفأ، مثل غيرها من مؤسسات النظام، كانت تضمن استمرار هؤلاء العمّال في عملهم رغم ظروفه القاسية من خلال إفساح هامش معيّن للفساد والسرقة، وكل عامل على قدر مكانه في التسلسل. كان عمال المرفأ يعوّضون قلّة الراتب بالاستيلاء على كمياتٍ من المواد التي يتم تفريغها مثل الموز والطحين مثلاً، بالإضافة إلى الإكراميات وغيرها من أبواب الفساد الصغير، وهذه أمورٌ معروفة وعلنية ضمن مؤسسات الدولة الفاسدة.
خشي عمال المرفأ، بعد شيوع خبر وضع الجانب الروسي يده على المرفأ، أن يفقدو هذه الهوامش، كما خافوا من «تسريحهم من أعمالهم داخل المرفأ، وخصوصاً بعد انتشار شائعة أن روسيا ستجلب عمالاً روساً إليه» حسب كلام كثيرين، كلام يعتمد على مصدر دائم وحيد وهو: «عم يقولوا… كذا كذا».
بعد تسلّم روسيا للمرفأ، وكفّ يد الفرقة الرابعة عنه بعد استحواذها بشكلٍ شبه كامل عليه وعلى مداخله وتحديدها رسم دخولٍ خاصٍّ بها، ارتاح الأهالي لأن الروس أبرموا عقوداً مع العمال مدتها خمس سنوات، وأصبح العمال يتبعون للشركة الروسية المستثمرة؛ «إس تي جي»، ويأخذون رواتبهم منها.
يقول أحد العمال إن رواتبهم قد ارتفعت، ولكن الشركة الروسية لم ترفع رواتب العمال في الواقع، بل قامت بإعطاء العمال رواتبهم السابقة نفسها لكن دون خصومات كان يتم اقتطاعها سابقاً. يقول العامل، على سبيل المثال، إنهم يعطونهم 15 ألف ليرة سورية بدل طعام فوق راتبهم، ويؤكد أنها كانت موجودة سابقاً لكن إدارة المرفأ كانت تخصمها. يضيف العامل أن فرصة الاستفادة من محتويات الشحنات لم تنعدم، كما يؤكد على أنه لا مشكلة مع الروس طالما أن العمل منظّم والراتب أعلى.
يضاف إلى ما سبق أن عناصر القوات البحرية السورية، ومنذ بدء مشاركة القوات الروسية في القتال إلى جانب النظام، يعملون كـ«عتّالين» للأسلحة الروسية القادمة عبر المرفأ الحربي، ودون أي مقابلٍ يُصرف لهم، إذ عليهم أن يعملوا على نقل العتاد والذخائر في أي وقتٍ تصل فيه؛ يقول أحد الأهالي مؤكداً «حتى ضبّاط البحرية يعملون في هذه “العتالة” بلا مقابل».
وفي محاولةٍ لمعرفة مدى دقّة معلومة عدم وجود أي تعويضات، يقول أحد العناصر إنه لم يكن يعلم أن لهم تعويضات إلّا حين اشتركت معهم مجموعة غير تابعة للبحرية في نقل أسلحة، وعلم من هذه المجموعة أن كل عنصر فيها يتقاضى 26 دولاراً مقابل يوم العمل في تفريغ الحمولة، أي أن النظام، وليس القوات الروسية، هو مَنْ يسرق أتعاب عناصره. تخلص أحاديث الجميع، كالعادة، إلى أن المشكلة الأساسية هي مع النظام الفاسد، وليست مع القوات الروسية.
فعلُ المقارنة هذا دائماً ما يترك أثراً أخف تجاه هؤلاء الغرباء، بالإضافة إلى انضمام كثيرٍ من المتطوعين «المرتزقة» إلى القوات الروسية بسبب الرواتب الأعلى التي يقدمونها، كما لا يُبدي الروس على الصعيد الشعبي أي احتكاكٍ مزعجٍ مع السكّأن في المدن.
يضيف أحد المنزعجين من النظام وفساده: «حتى اللغة الروسية انفرضت بالمدارس من طرف الدولة. الروس مو فارق معهن، وكمان الدولة مو فارق معها تمسّح جوخ مع الروس والإيرانية وغيرهن، ولولا الحرب كنا هلق عم نتعلم اللغة التركية».
التجنيد إلى ليبيا؛ «الفُرَص لا تُعوَّض»
سرت شائعاتٌ كثيرةٌ هنا منذ ستة أشهر، حين بدأت الأحاديث عن قيام القوات الروسية بتجنيد مرتزقة للقتال في ليبيا بالظهور إلى العلن، وذلك مقابل 1000 دولار، وهو المبلغ الذي يتّفق الجميع على أنه موجود، لكن هناك من يقول إنه مقابل مدة العقد الكاملة التي هي ثلاثة أشهر، وهناك من يقول إنه مقابل الشهر الواحد، دون أن أتمكن من الوصول إلى معلومة مؤكدة.
ومن أبرز هذه الشائعات أن الروس لم يقبلوا الشبّان العلويين، وأنهم يأخذون المعارضين السنّة ممن تمت تسوية أوضاعهم، وذلك كي يقاتل المعارضون بعضهم بعضاً في ليبيا، إذ أنّ على الطرف الآخر في معركة ليبيا مرتزقةٌ جنّدتهم تركيا للقتال على الخطوط الأولى.
جزءٌ من هذه الشائعة صحيحٌ في الواقع، وهو الجزء المتعلق بوضع مقاتلين مناوئين للنظام السوري على جانبي القتال في ليبيا، حتى أنّ تأكيد هذه المعلومة والحديث عنها في نشرات الأخبار تركَ ارتياحاً عند الموالين هنا، من العلويين على وجه الخصوص، باعتبار أنه دليلٌ على أنّ روسيا حريصةٌ عليهم، وتعتبرهم حلفاء يستحقون الحماية.
حاولتُ البحث عن حقيقة عدم قبول القوات الروسية للعلويين، وتبيّن أنهم رفضوا متطوّعين من طرطوس بسبب أعمارهم، واختاروا بعضاً منهم ممّن لديهم خبرة عملية في المجموعات القتالية. وقد روى أحد العائدين من ليبيا، بعد رحلة الأشهر الثلاثة التي هي مدة كل عقد مع القوات الروسية، عن صدمته حين علم أن المشاركين معهم من السوريين الذين كانوا مقاتلين معارضين وسويت أوضاعهم، يحصلون على 5000 دولار للعقد نفسه. وعند استفساره عن سبب الفرق الكبير بين الراتبين، قيل له إن النظام يأخذ على كل مشارك من طرفه 4000 دولار، ويعطيه 1000 دولار فقط. يضيف الراوي أنه لكثرة احتقاره للنظام وصدمته من هذا الأمر، فكَّرَ بالانشقاق والبقاء في ليبيا، لكنه لم يكن يملك أي وثيقة تثبت هويته، إذ يأخذون منهم كل ما يثبت شخصيتهم حال وصولهم، ويعطونهم هوياتٍ بديلة. كذلك، يؤكد أنّهم يشاركون على الخطوط الأمامية للقتال، في ردٍّ منه على سؤال عمّا إذا كان الفرق بين الراتبين هو من باب مواقع القتال كما يُشاع في الأوساط الأهلية هنا.
تترافق هذه القصة عند تداولها مع امتنانٍ للروس، وصورةٍ مُلمَّعةٍ لهم، تُظهِرُ كالعادة ممارسات النظام وتعامله الرخيص مع عناصره. ولا مجال للتحقّق من صدق هذه المعلومات والأرقام المذكورة فيها، لكن تداول القصة بهذه الطريقة يشير إلى إحدى وجهات النظر السائدة حيال النظام وحيال القوات الروسية.
*****
لا يشعر الموالون للنظام الأسدي أنّ القوات الروسية خطرٌ عليهم، ولا على حياتهم وعاداتهم الاجتماعية، فالروس لا يحتكّون بهم، بل يتصرّفون كأنهم شركةٌ خاصةٌ تستثمر في مناطقهم، حتى أنهم يشعرون كما لو أنهم قد يستيقظون ذات يوم فلا يجدونهم، وأنهم لن يشعروا بذهابهم طالما أنهم مبتعدون أصلاً عن يومياتهم.
كما لو أن الموالين لنظام الأسد يقاتلون أنفسهم، وذلك في نكرانهم الداخلي للوجود الروسي وأثره وثمنه على مستقبلهم، كما كان أثره في قتل مستقبل معارضي النظام وحاضرهم بمشاركة الموالين وطلبهم. سيكون الثمن باهظاً دون شك، ولكن باحتكاكٍ أو حضورٍ لطيف، يختصره مشهد إنشداه السكّان اليومي بعتاد القوات الروسية النظيف، والمروحيات الروسية بمرورها اللطيف في سمائهم، وهي تعبر لترتكب جحيماً جديداً فوق رؤوس السوريين في مدن أخرى.
يختصر أحد المطّلعين هنا موافقاً على هذا الشعور: «روسيا تتصرّف اليوم كما لو أنها جماعةٌ كبيرةٌ من المرتزقة، وليست دولةً وطنيّةً تحمل مشروعاً خاصاً بها، لذلك يشعر كثيرٌ من الموالين أن الروس طارئون هنا، وهذا ما يشتّتهم بخصوص من سيحكمهم فعلياً في المستقبل، ويفتح أعينهم أكثر على مشروع إيران الذي يبدو شبحاً مرعباً قادماً، أكثر خطراً من مشروع روسيا».