ما يزال التوتر حاضراً منذ عدة شهور بين قوات سوريا الديمقراطية من جهة، وبين أهالي وقيادات عشائرية في عددٍ من قرى وبلدات أرياف دير الزور الواقعة تحت سيطرة قسد. وتنوّعت أسباب التوتر، التي غالباً ما تفضي إلى تظاهرات أو إلى مناوشات مسلحة في بعض الأحيان، باختلاف الأحداث والأوضاع التي شهدتها المنطقة، وعلى رأسها حالات الاعتقال والتجاوزات والسرقة التي يقوم بها عناصر منخرطون في صفوف قوات سوريا الديمقراطية ضدّ الأهالي، فضلاً عن ما يعتبره أبناء المنطقة تهميشاً من قبل قسد لدورهم، وعدم إشراك أبناء المنطقة في إدارة مناطقهم، وملف النساء والأطفال من أبناء دير الزور المعتقلين في مخيمات تتبع لقسد في منطقة الجزيرة السورية؛ بذريعة أنهم «عوائل مقاتلين في تنظيم الدولة»، وصولاً إلى المناهج الدراسية التي فرضتها الإدارة الذاتية في المدارس، والتي اعتبر كثيرون من الأهالي أنها مسيئة أخلاقياً ولا تتّسق مع طبيعة المجتمع في المنطقة.
أمّا آخر فصول هذا التوتر، فقد جاءت على إثر اغتيال مطشّر حمود الهفل على يد مجهولين في الثاني من آب (أغسطس) الجاري، وهو أحد مشايخ قبيلة العگيدات التي يقيم عددٌ كبيرٌ من أبنائها في المناطق التي تسيطر عليها قسد من دير الزور. نجمَ عن حادثة الاغتيال أيضاً إصابة شيخٍ آخر من القبيلة كان بصحبة مطشّر، هو إبراهيم خليل عبود الهفل، شقيق شيخ مشايخ القبيلة المُقيم حالياً في قطر، والذي تم تنصيبه شيخاً لمشايخ القبيلة بعد أن توفي والده، غير أنّه لا يحظى بالتوافق نفسه الذي كان يحظى به والده. ونتيجة عدم وجوده في سوريا، فقد كلّف أخاه إبراهيم بشغل مكانه.
ليس هناك اتهاماتٌ معلنةٌ بوضوح صوب الجهة التي نفّذت عملية الاغتيال، غير أنّ قسماً من أبناء قبيلة العگيدات يُحمّلون قوات سوريا الديمقراطية وقوات التحالف الدولي المسؤولية عنها؛ بحكم أنهم الجهات المسيطرة عسكرياً وأمنياً وإدارياً على المنطقة. وقد كان ذلك واضحاً في البيان الصادر عن القبيلة بتوقيع إبراهيم خليل الهفل عقب حادثة الاغتيال، والذي أمهل قوات التحالف مدة شهرٍ واحد أملاً في تنفيذ عددٍ من الشروط، من بينها التعامل مع التهديدات الأمنية وحوادث الاغتيال، وتسليم المنطقة لأبنائها وإطلاق سراح العوائل المعتقلة لدى قسد.
أما قسد، فهي تتّهم خلايا تتبع لتنظيم داعش، ما زالت عاملةً في المنطقة، بتنفيذ العملية، لا سيّما أنّ بياناً نُسب للتنظيم قبل ذلك، كان قد تبنّى عملية اغتيال سليمان الكسار نهاية شهر تموز(يونيو) الماضي، الذي كان المتحدّث باسم قبيلة العگيدات وممثّل عشيرة البكيّر في مجلس القبيلة. ويرى رياض درار، الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية، أنّ «أصابع لئيمة هي التي تؤجّج التوتر في المنطقة بغية الفتنة». وفي التصريحات التي أدلى بها درار على الموقع الرسمي للمجلس، فإن السبب في السعي إلى هذه الفتنة هو الصراع على النفط، ورداً على التوافق الكردي_الكردي الذي حصل في الآونة الأخيرة، وهذه الأطراف بحسب درار هي تشكيلات المعارضة المسلحة ومجلس العشائر المدعومين تركيّاً، بالإضافة إلى النظام السوري.
ويقول الصحفي فراس علاوي في حديثٍ للجمهورية إنّه، ورغم البيان الأخير الصادر عن إبراهيم الهفل وبعض شيوخ العگيدات، الذي طالبوا فيه التحالف الدولي برفع يد قسد عن دير الزور، فإنّ «شيوخ قبيلة العگيدات منقسمون فيما بينهم ومختلفو الولاءات، ورغم رفض قسمٍ منهم سيطرة قسد على المنطقة، إلا أنّ قسماً من أبناء العشيرة منخرطون في صفوف قسد، حتى أن قائد مجلس دير الزور العسكري أحمد الخبيل، المعروف باسم أبو خولة، هو من أبناء عشيرة البكيّر التي تنتمي إلى قبيلة العگيدات». من جانبه، يتفق الناشط سلامة الغرب مع فراس علاوي، ويضيف سبباً آخراً للانقسام هو أنّ «إبراهيم الهفل قريبٌ من النظام السوري، وعندما تعرّض لحادثة الاغتيال ذهب للعلاج في مدينة الميادين التي يسيطر عليها النظام. وبالنسبة لشقيقه مصعب المقيم في قطر، فإن جميع تصريحاته المتعلقة بالنظام حيادية، ولذلك فإنّ كثيرين من أبناء العگيدات الموالين للثورة ليسوا في صفّهم».
أما عن إمكانية أن تقبل قوات سوريا الديمقراطية بطرفٍ عربي يدير المنطقة عوضاً عنها، فيقول فراس علاوي «إنّ ذلك لا يناسب قسد، حتى أنها لا ترى في مجلس دير الزور العسكري التابع لها حليفاً موثوقاً لها بقدر ما تتعامل معه على أنه تابعٌ لا ينبغي أن يخرج على الخطوط المرسومة له، وهي لن تقبل بشريك عربي ذي وزن في المنطقة. ومن شأن أي طرف عربي يحاول الخروج عن استراتيجية قسد وخطوطها أن يلاقي نفس مصير مجلس ثوار الرقة، الذي قضت عليه قسد عندما أحسّت بخطورته».
ويرى علاوي أنّ «التحالف الدولي يأخذ الآن دور الوسيط بين العشائر وقوات سوريا الديمقراطية، وهو لن يسمح للأمور بأن تتأزّم في المنطقة بما يتسبّب بانعدام الاستقرار وخروج الأمور عن السيطرة، ولذا لا بدّ أنه سيفرض حلاً على جميع الأطراف». مضيفاً أنّ «العشائر تدرك جيداً أنه ليس بإمكانها مواجهة قسد عسكرياً، ولذلك ستقبل في نهاية الأمر بحلٍّ سلمي يجنّب المنطقة تصعيداً عسكرياً وعملياتٍ قتالية».
أما التوتّرات المستمرة، فقد امتدت خلال اليومين الفائتين إلى داخل قوات سوريا الديمقراطية بين المكونين العربي والكردي، وذلك على خلفية مشكلةٍ تتعلق بحادث سيارة وقع في قرية جديد بگارة، بحسب ما أفاد به للجمهورية الناشط سلامة الغرب المقيم في المنطقة، حيث حاول المدعو خليل الوحش، وهو نائب قائد مجلس دير الزور العسكري، التدخل لحلّه، ما تسبّب بخلافٍ مع دورية تتبع لقسد، تطوّر إلى تبادلٍ لإطلاق نار، الأمر الذي دفع المدعو لقمان، وهو أحد كوادر حزب العمال الكردستاني وقائد قوات الدفاع الذاتي في المنطقة، إلى استقدام تعزيزاتٍ من حقل العمر بهدف اعتقال خليل الوحش، لتتوسع بعدها الاشتباكات وتشمل قرى البريهة والصبحة والبصيرة.
عقب هذه الاشتباكات، طلب مظلوم عبدي الالتقاء ببعض وجوه العشائر في المنطقة، وبقيادة مجلس دير الزور العسكري، وكذلك مجلس دير الزور المدني الذي يديره غسان اليوسف، وذلك بهدف تهدئة الأمور. وقد تعهّد عبدي، بحسب أحد الذين حضروا الاجتماع وفضّل عدم الكشف عن هويته، بأخذ مطالب الأهالي على محمل الجد، وإشراك العشائر وأبناء المنطقة في إدارة شؤونها. ولكنّ المصدر أوضح للجمهورية أنّ إبراهيم خليل الهفل كان واحداً من الشخصيات التي دُعيت، غير أنه رفض الحضور إلى حقل العمر والالتقاء بمظلوم عبدي.
لا يبدو حتى الآن أنّ المنطقة يمكن أن تشهد حلاً قريباً ينهي حالة التوتر، لا سيما في ظل حالة الشد والجذب وتعارض المصالح والأجندات داخل صفوف القبائل ولدى القوى الموجودة في المنطقة، أو الساعية لتشكيل حضور من نوعٍ ما عبر استمالة الأهالي والزعامات العشائرية. لكنّ مجريات الأمور حالياً تشي بأنّ المنطقة ستبقى عرضةً لتوترٍ أكبر، طالما أنّ قسد لا تريد شراكةً حقيقيةً في السلطة على هذه المناطق.