تُعرِّف السورية للتجارة عن نفسها بأنها قد أُحدثت بموجب المرسوم التشريعي رقم 6 لعام 2017، بعد دمج ثلاث مؤسسات، هي «الاستهلاكية» و«الخزن والتسويق» و«سندس»، في مؤسسةٍ عامّة واحدة تحمل اسم «المؤسسة السورية للتجارة». وهي تتمتع بالاستقلال المالي والإداري، وترتبط بوزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك (التموين سابقاً)، ومقرها الرئيسي في مدينة دمشق ولها أن تفتح فروعاً في باقي المحافظات. وتمارس المؤسسة الأعمال التجارية للمواد والسلع التموينية والاستهلاكية والنسيجية والمنتجات الزراعية بشقيها الحيواني والنباتي، كما تُعدّ المؤسسة تاجراً في علاقاتها مع الغير، ولها أن تستورد بعض السلع والخدمات أو تصدّرها بالتنسيق مع وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية.
وقد كان الهدف من إحداث هذه المؤسسة، التي يتم منح تراخيص افتتاح فروعٍ لها لمستثمرين وتجّار عبر نظام المناقصات، هو المساهمة في تأمين أهم السلع الأساسية التي يحتاجها السوريون القاطنون في مناطق سيطرة النظام بأسعار أقل من تلك الموجودة في الأسواق، من خلال تزويدها بمنتجات القطاع الحكومي واستيراد سلع عبر المستثمرين أو حكومة النظام لصالحها. ومع بدء العمل بنظام البطاقة الذكية، بعد تدهور القوة الشرائية لمعظم السوريين، صار منوطاً بمنافذ المؤسسة بيع السكر والرزّ والشاي والزيت بالأسعار المدعومة التي تقررها الحكومة وفق نظام المخصصات، مع احتفاظها بأنشطتها المعتادة كتاجر يبيع منتوجات متنوعة بأسعار قد تنقص أو تزيد عن سعر السوق تبعاً لطبيعة المادة المُباعة ومصدرها.
ويمكننا من خلال جولةٍ قصيرة في صفحة المؤسسة السورية للتجارة على فيسبوك، أن نرى آلاف الصور لمنافذ البيع التابعة للمؤسسة في جميع المحافظات، عامرةً بكل ما تحتاجه الأسرة السورية بأسعارٍ معقولة، ولكنّنا سنرى معها آلاف التعليقات التي يضعها المتابعون، يقولون فيها إنّ هذه الصور كاذبة، وإن رفوف منافذ البيع خالية من معظم المواد الغذائية الأساسية. أما أسعار البضائع الموجودة، بحسب المُعلقين، فهي أعلى مما هي في الصور أو في قوائم التسعير الدورية الصادرة عن المديريات التابعة لوزارة التجارة الداخلية وحماية المُستهلك. وغالباً ما يجيب القائمون على الصفحة على التعليقات المنتقدة بالقول إنّهم سيزوّدون جميع فروع المؤسسة بما تحتاجه قريباً، أو يدرجون رقماً للشكاوى يمكن التواصل من خلاله.
وتواجه كثيرٌ من الأسر السورية مشكلات في الحصول على مخصصاتها بموجب البطاقة الذكية، لعلّ أبرزها أنّ كثيراً من الأطفال المولودين بين عامي 2012 و2020 ليسوا مسجلين بعد في دفاتر العائلة، نتيجة أنهم ولدوا في مناطق كانت خارجة عن سيطرة النظام وتوجد معوقات لتسجيلهم اليوم؛ منها غياب الأب أو ترتّب دفع غرامات تأخير. كما أنّ هنالك أسراً تعاني من ضياع دفتر العائلة بعد نزوحها من مكانٍ إلى آخر، في حين تتطلب معاملات استخراج دفتر بديل جهوداً كبيرة محكومة ببيروقراطية الدوائر الحكومية. ونتيجة ذلك، فإنّ كثيراً من الأسر محرومة من كل أو بعض مخصصاتها من السلع التموينية الأربع المشمولة بالبطاقة الذكية.
وقد تحدثت الجمهورية إلى سيدة تقيم في دمشق في هذا الشأن، وهي تقول «إن فروع السورية للتجارة، وبعد أن كانت تقدّم كلاً من الرز والسكر والشاي والزيت بأسعارٍ مدعومة بموجب البطاقة الذكية، حذفت خلال الشهر الماضي الزيت بعد ارتفاع أسعاره نتيجة انخفاض قيمة الليرة السورية أمام الدولار، وعادت هذا الشهر لتحذف الشاي. ولا ندري إذا ما كانت ستستمر خلال الفترة القادمة في توزيع السكر والرز، وذلك رغم وعود الوزارة بمواصلة بيع هذه المواد بالأسعار الحالية نفسها حتى نهاية العام 2020».
أمّا عن الأسعار التي تبيع بموجبها المؤسسة الرز والسكر، فتقول السيدة: «يحق لكل شخص مُسجّل في دفتر العائلة أن يحصل على كيلو سكر وكيلو رز شهرياً بسعرٍ مدعوم، ويبلغ سعر كيلو السكر بموجب البطاقة الذكية 350 ليرة، بينما يُباع الرز بـ400 ليرة سورية. ورغم أنّ الكميات المُقدمة لا تكفي احتياجات الأسرة طوال الشهر، إلا أن وجودها يخفف من بعض المعاناة التي تعيشها أغلب الأسر السورية، فسعر كيلو السكر غير المدعوم قد ارتفع من 950 ليرة سورية إلى مبلغٍ يتراوح بين 1350 و1500 ليرة بعد الانخفاضات الأخيرة في سعر صرف الليرة السورية، وكذلك الأمر بالنسبة للرز الذي يباع حالياً في الأسواق بسعر 1200 ليرة تقريباً».
في ما عدا مخصصات البطاقة الذكية، بإمكان المتسوقين من السورية للتجارة أن يشتروا الرزّ والسكر بسعر السوق نفسه، وربما أقل أو أكثر، تماماً كما يحصل عند شرائك من أيّ تاجرٍ في السوق. ولكنّ اللافت هو وجود شكاوى متكررة من توافر المواد المشمولة بالبطاقة الذكية وفق ما يُعرف بالسعر الحر، وعدم توافرها بالسعر المدعوم، رغم عدم اختلاف المواد عن بعضها. حول هذه النقطة تقولة سيدةٌ أخرى مقيمة في إحدى بلدات ريف دمشق: «يذهب الناس إلى فروع المؤسسة للوقوف في طوابير بهدف الحصول على مخصصاتهم بموجب البطاقة الذكية منذ الساعة السادسة صباحاً، وعند حلول العاشرة يعلن الموظفون انتهاء الكميات المُخصصة للبيع في هذا اليوم، وعلى الناس أن يعودوا إلى الطوابير في صباح اليوم التالي. في الواقع، يستحيل على الناس الحصول على مخصصاتهم دون انتظار ثلاث أو أربع ساعات متواصلة. والمؤسف أنّنا نمرّ بأزمة انتشار وباء كورونا التي تتطلب قدراً من التباعد الجسدي بين الناس، غير أنّنا نرى يومياً مئات الناس يتزاحمون عند كل منفذٍ تابعٍ للمؤسسة من أجل الحصول على مخصصاتهم». وتضيف السيدة أن الناس يتفاجؤون دائماً بوجود كميات من الرز والسكر في الصالة بعد توقف الموظفين عن توزيع هذه المواد بموجب البطاقة الذكية، ولكنّها مخصصة للبيع بالسعر الحر، فالمستثمرون للصالات هم أيضاً تجار يبيعون هذه المواد لحسابهم الخاص.
وعن المواد التي ترى السيدة أنّ أسعارها في صالات بيع المؤسسة مناسبة للناس، تقول: «لا يوجد اليوم في سوريا أسعار تتناسب مع دخل المواطن وقدرته الشرائية، لكن يبقى أنّ بعض المواد المعروضة في المؤسسة أقل سعراً من المحلات التجارية، لكنّها ليست أساسية؛ أبرزها منتجات المعامل الحكومية كمعمل وسيم للنسيج والملبوسات التي تنتجها مؤسسة الشرق، وهنالك أيضاً الصابون والسجاد، وهي مواد ليست على سلم أولويات الأسرة السورية إطلاقاً في ظلّ الظروف المعيشية الراهنة. وهنالك أيضاً اللحوم المجمدة التي تستوردها السورية للتجارة من خارج سوريا، فسعر كيلو لحم الغنم الطازج في محلات الجزارة يصل إلى 15 ألف ليرة سورية، بينما يمكنك الحصول على كيلو اللحم المجمّد من المؤسسة بمبلغ يتراوح بين 8000 و9000 ليرة، غير أننا لا تعرف شيئاً عن مصدر اللحوم ومدى جودتها».
يُضطر قسمٌ كبيرٌ من السوريين اليوم للوقوف ساعاتٍ طوال في طوابير أمام صالات السورية للتجارة، وذلك من أجل توفير بضع آلاف الليرات شهرياً عبر الحصول على مخصصاتهم المتواضعة من مادتين تموينيتين فقط. يُجبرهم على ذلك الفقر وضيق الحال وقلّة منافذ التوزيع، ذلك أن مدنيةً مثل جرمانا في ريف دمشق، يسكنها اليوم قرابة مليون ونصف المليون شخص أكثرهم من النازحين، ليس فيها سوى بضع منافذ للتوزيع، ويمكن رؤية التعب والمشقة بوضوح على وجوه الواقفين أمامها، الذين يقفون دون أن يكونوا متأكدين من أي شيء بخصوص مستقبل أوضاعهم المعيشية القريب، ودون أن يكونوا متأكدين حتى من أن وقوفهم اليوم سيؤدي فعلاً إلى عودتهم ببعض الرزّ والسكر لعائلاتهم.