كان لافتاً مشهد ارتفاع أيدي النواب العراقيين الموافقين على تشكيل حكومة مصطفى الكاظمي، وذلك في السادس من أيار (مايو) الجاري، بعد مرحلة طويلة من الفراغ منذ استقالة حكومة عادل عبد المهدي على خلفية الاحتجاجات العراقية، التي بدأت في تشرين الأول (أكتوبر) 2019. منذ ذلك الحين، تمّ رفض ثلاثة مرشحين لتشكيل الحكومة العراقية بسبب عدم اتفاق القوى السياسية على أيّ منهم، وكان بادياً أن قاعدة رفض المرشحين هذه تحتاج إلى استثناء لاختراقها، حتى تجلّى هذا الاستثناء في الكاظمي.
يُمثل مصطفى الكاظمي نقطة توافق معظم القوى السياسية العراقية، فضلاً عن القوى الخارجية المؤثرة على المشهد العراقي، وأهمها طهران وواشنطن. تقول عنه صحفٌ إنه «يتحلّى بالبراغماتية التي جعلته شخصية توافقية لا تملك خصوماً أو أعداء»، وقد كان لافتاً أن تتوالى التهاني للكاظمي من إيران والولايات المتحدة والدول الأوروبية في الوقت ذاته.
كان الكاظمي صحفياً ومديراً لتحرير قسم العراق في موقع المونيتور، وساهم في تأسيس شبكة الإعلام العراقية وأدار تحرير مجلة الأسبوعية، ثم شغلَ، بقرار مفاجئ من رئيس الحكومة العراقية السابق حيدر العبادي، منصب رئيس جهاز الاستخبارات في 2016، أثناء ذروة العمليات ضد تنظيم داعش. ويبدو أن إيران قد وافقت في نهاية المطاف على ترشيحه، رغم الاتهامات السابقة التي وجهتها له الميليشيات الموالية لطهران بتسهيل اغتيال قاسم سليماني مطلع العام الجاري.
تتجه تحليلات إلى القول إن إيران أقدمت على هذه الخطوة، المتمثلة بالموافقة على الكاظمي المقرب من أميركا، بسبب النبرة الحادة التي اتسمت بها الاحتجاجات العراقية ضد النفوذ الإيراني، خاصة في المناطق الشيعية، حيث كان واضحاً حجم الضغوط التي تعرضت لها في الفترة الأخيرة. فيما نشر موقع ميدل إيست آي تقريراً يقول فيه إن تعيين الكاظمي «جاء بموجب صفقة إيرانية أميركية، تُوافقُ فيها إيران على الكاظمي، مقابل عدم اعتراض واشنطن على إطلاق طرف ثالث في أوروبا لبعض الأموال الإيرانية المجمدة نتيجة العقوبات».
ومن غير المعروف يقيناً ما إذا كانت موافقة إيران على الكاظمي قد جاءت نتيجة إدراكها صعوبة التحدي الذي تواجهه في العراق، المتزامن مع ضغوط سياسية واقتصادية قصوى عليها خلال العام المنصرم، أو إن كانت ترغب في توريط الولايات المتحدة في امتحان العراق الصعب، مع احتفاظها بالقدرة على وضع عصاها لاحقاً في عجلة أي معادلة لا تلعب فيها دوراً رئيسياً.
تفاؤل وتحديات وشارع منقسم
سادت أجواء من التفاؤل إثر الموافقة على حكومة الكاظمي التي غيرت مناخ الشلل السياسي القائم منذ شهور، إلا أنه «من المبكر الحديث عن تغيير حقيقي»، بحسب الناشط والمحلل السياسي العراقي مروان الجبوري، الذي قال في حديث للجمهورية إن «المشاكل التي ورثها الكاظمي عن سلفه كبيرة جداً، ومنها الفساد، وملفّ محاسبة المتهمين بقتل المتظاهرين، الذين ينتمي بعضهم لأحزاب مشاركة في حكومة الكاظمي. وهناك أيضاً أزمة كورونا التي كشفت تهتّك النظام الصحي العراقي، والتي قد تؤدي إلى ضرب الاقتصاد في مقتل جراء انهيار أسعار النفط المرافق لها. العراق يعتمد بشكل أساسي على عائدات النفط، وانخفاض أسعاره قد يشلّ مفاصل الحياة والدولة. هناك أيضاً الخدمات المتردية ومشاكل البطالة وضعف وانهيار القطاعين الصحي والتعليمي، وعودة النازحين وإعمار المدن التي دمرتها الحرب، وملفات أخرى عديدة على طاولة الكاظمي».
هناك أيضاً تحدٍ أمني بدأ يطل برأسه مجدداً في العراق، وهو الهجمات التي ينفذها تنظيم داعش مؤخراً في ديالى وسامراء والحويجة والأنبار ونينوى، التي تصاعدت بعد تجميد طلعات التحالف الدولي مطلع العام، ثم سحب قواته التدريبية مؤقتاً في 20 آذار (مارس) الماضي. وإلى جانب كل هذه العقبات، من المتوقع أن يقع الكاظمي ضحية للشدّ والجذب بين طهران وواشنطن، حيث تشكل القوى الموالية لإيران الجزء الأكثر قوة وفاعلية في حكومته، وقد تعمل على سحب الثقة منه أو عرقلة مشروعه الحكومي في حال زاد الضغط الأميركي على إيران، أو طالبت واشنطن العراق بالمشاركة بشكل فعّال في الحصار المضروب على جارته الشرقية. «مهمة الكاظمي عسيرة جداً، وربما يكون من المبكر جداً الجزم بقدرته على النجاح في تخطي كل هذه العقبات والمشاكل»، بحسب مروان الجبوري.
يقول الجبوري إن الشارع العراقي منقسم إلى فريقين في التعاطي مع الحكومة الجديدة: «الفريق الأول يرفض كل مخرجات العملية السياسية الحالية التي تتقاسمها أحزاب وقوى سياسية تتولى الحكم منذ 2003، ومتهمّة بالتواطؤ في إجهاض تظاهرات تشرين وتوفير غطاء لانتهاكات بحق المتظاهرين. والفريق الثاني يطالب بمنح الحكومة الجديدة فرصة كي تثبت جديتها في محاربة الفساد، ومحاكمة قتلة المتظاهرين، وتحقيق بقية مطالب الحراك». مشيراً في النهاية إلى أن «كورونا أدى إلى تراجع زخم الحراك، لكن عودة المظاهرات بأعداد كبيرة أمر وارد ومتوقع في المستقبل».