«وزّعت منظمة الصحة مجموعات التحاليل على الهيئات الطبية الحكومية للدول، وشمال غربي سوريا ليس دولة»؛ يقول هيدين هالدرسون، الناطق باسم مكتب منظمة الصحة العالمية في جنوب تركيا لنيويورك تايمز، في سياق تبريره لتأخّر وصول مجموعات التحاليل اللازمة للكشف عن فيروس كورونا المستجد إلى مستشفيات محافظة إدلب حتى اليوم، على الرغم من مرور أكثر من شهر على تسليم مجموعات مماثلة لوزارة الصحة التابعة للنظام السوري.

وينتظر الأطباء والعاملون في القطاع الصحي في إدلب تلك المجموعات، وذلك لبدء عملية فحص لحالات تحمل أعراضاً مشابهة لتلك التي تظهر على مصابي مرض COVID 19 الذي ينتج عن العدوى بفيروس كورونا المستجد. وعلى الرغم من حدوث وفيات بين تلك الحالات، بحسب مصدر طبي من محافظة إدلب، إلا أنّ تأخر وصول مجموعات التحاليل أدّى إلى منع الكوادر الطبية من تأكيد تشخيص المرض الذي يضرب العالم في هذه الأيام، مسبباً موجات هلع وشبه انهيار في القطاعات الصحية في دول عديدة حول العالم.

يتابع هالدرسون في تصريحه لنيويورك تايمز، قائلاً إن مجموعات التحاليل ستصل، وإن تأخيرها لن يكون مشكلة خطيرة. لكن في الحقيقة، أكّدت مصادر خاصة للجمهورية أنّ مجموعات التحاليل التي ستصل إلى إدلب، اليوم أو غداً، قد تمّ تأمينها عبر منظمة وحدة تنسيق الدعم، وبدون أي مساهمة من منظمة الصحة العالمية.

بعد أكثر من من أربعة شهور على إعلان تفشي المرض في الصين، لا يبدو أن المنظمات التابعة للأمم المتحدة تعمل بأي شكل من الأشكال على اتخاذ إجراءات حقيقية لمنع تفشي فيروس كورونا المستجد في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في محافظة إدلب، التي يعيش فيها قرابة ثلاثة ملايين نسمة، ثلثهم من النازحين الذي يعيشون في ظروف شديدة السوء، في مخيمات غالبيتها العظمى لا تضم أياً من الشروط الصحية الأساسية، مثل توفر المياه  النظيفة أو الإصحاح أو شبكة صرف صحي، عدا عن الازدحام الشديد في تلك المخيمات، ما يمنع من توفير أي شروط حماية للسكان من مثل تلك الجائحة.

وعلى الرغم من تشكيل مجموعة طوارئ تضم منظمة الصحة العالمية ومنظمات إغاثية وطبية سوريا من أجل مواجهة خطر الفيروس في شمال غربي البلاد، إلا أن مساهمة منظمة الصحة لم تتجاوز توفير معلومات أساسية عن الفيروس، أصبحت متوفرة للجميع أصلاً، أي أنّ المنظمات العاملة على الأرض هي من تتحمل العبء بشكل كامل لوحدها، في مواجهة ما يمكن أن يكون كابوساً جديداً للسوريين في إدلب.

تصريحات الناطق باسم منظمة الصحة، التي اعتبر فيها أن إدلب ليست دولة، ليست جديدة، لا على مستوى التصريحات ولا على مستوى التعامل مع المنطقة. وعلى الرغم من أنّ هذا الموظف بالذات يشغل منصباً في مكتب المنظمة لتأمين احتياجات محافظة إدلب، تنفيذاً لبنود قرار مجلس الأمن القاضي بتمرير المساعدات عبر الحدود، فإن تصريحاته تلك جاءت تماماً على العكس من هدف عمله هو بالذات.

صحيحٌ أن إدلب ليست دولة، لكنها تضم ثلاثة ملايين مدني تعرضوا على مدى الأعوام الماضية لحرب إبادة وتهجير مكتملة المعالم على يد النظام السوري وحلفائه؛ إدلب ليست دولة فعلاً، لكن هذه التصريحات وما يشبهها تتنافى تماماً مع مبادئ العمل الإنساني. وليست هذه هي المرة الأولى التي تتعامل فيها منظمة الصحة العالمية مع جائحة خطيرة في سوريا بهذه الطريقة، إذ كانت منظمات إنسانية قد اضطرت لجلب دعم من منظمة بيل وميليندا غيتس الخيرية لمواجهة تفشي مرض شلل الأطفال في سوريا، بعد تسجيل إصابات بين عامي 2013 و2014، وذلك نتيجة عدم تحرك منظمة الصحة، التي توفّر اللقاحات لحكومة النظام كمصدر وحيد لتلقي هذا النوع من المعونات. قامت وحدة تنسيق الدعم في ذلك الوقت بجلب اللقاحات من مصادر خارج منظمة الصحة، لمواجهة تفشي وباء خطير للغاية في سوريا.

من جديد، تجلب المنظمات الإنسانية مجموعات التحاليل اللازمة للكشف عن فيروس كورونا المستجد من مصادر خارجية، نتيجة تلكؤ منظمة الصحة على الرغم من وجود قرار من مجلس الأمن يوفر الأرضية القانونية للتحرك شمال غربي البلاد دون إذن النظام، وعلى الرغم من أنّ القانون الدولي الإنساني يسمح للمنظمات الإنسانية الدولية والأممية بالتحرك لإنقاذ حياة المدنيين وتوفير المساعدات عبر الحدود.

رغم توافر الأرضية القانونية اللازمة، لكننا لا نزال خارج الخارطة، خارطة منظمة الصحة التي تضم الحكومات فقط، ولا تشمل مساعدة المدنيين في مناطق مزقتها الحروب، الحروب التي شنتها تلك الحكومات بالذات. ولا يمكن لهيدين هالدرسون التذرع بالجهل طبعاً، ذلك أن الرجل لم يأتِ من أقصى العالم فجأة إلى مدينة غازي عنتاب التركية حيث مقرّ مكتبه، بل كان قد عمل لأكثر من عامين في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في دمشق، قبل أن ينضم إلى فريق منظمة الصحة العالمية العامل مع شمال غربي البلاد. يعرف هالدرسون تماماً أنّ حكومة النظام السوري لن توفر التحاليل لمشافي إدلب، وهي التي يبدو أنها لم توفرها حتى اللحظة للمدنيين في مناطق سيطرتها، في وقت يقول الأهالي هناك إن تكلفة التحليل تصل إلى 300 ألف ليرة سوريّة.

يعرف الجميع، في الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية خصوصاً، أنّ تفشي وباء كورونا في إدلب سيعني موت عشرات الآلاف، وربما أكثر من ذلك، لكن لا يبدو أنهم يفعلون أي شيء جديّ، ولا أنهم منشغلون بتنفيذ عمل تمّ توظيفهم أصلاً من أجل القيام به. إذا كانت منظمة الصحة، على لسان ناطق رسمي باسمها، لا تعترف بشمال غربي سوريا، فالأفضل أن تغلق مكتبها الذي يُنفق مئات آلاف الدولارات من أجل التعامل مع هذه المنطقة نظرياً، فيما يُصرّح للصحافة بأن تأخير وصول مواد طبية يحتاجها الأطباء بشدّة ليس ذنبهم، لأن تلك المنطقة ليست دولة.

ليست إدلب دولة بالفعل، وكذلك فإن منظمة الصحة العالمية ليست منظمة إنسانية، وربما تكون خبرات العاملين فيها مفيدة للغاية فقط في «الهيئات الطبية الحكومية» التي يتحدثون عنها في تصريحاتهم، التي تشبه تماماً تصريحات «الهيئات الحكومية» في «دولة» مثل سوريا.