خرج آلاف الجزائريين والجزائريات في مظاهرات حاشدة يوم السبت الماضي، وسط توتر واستنفار للقوى الأمنية، التي نشرت نقاط تفتيش في العاصمة وعدة مدن أخرى، استعداداً لتجدد الاحتجاجات في الذكرى السنوية الأولى للانتفاضة الجزائرية، التي انطلقت في 22 شباط (فبراير) 2019. وقد شهدت العاصمة الجزائر احتكاكات مع القوى الأمنية، التي منعت وصول المظاهرات إلى قصر الرئاسة، كما اعتقلت عدداً من المتظاهرين، الذين يواصلون مطالبتهم بتنحية كافة رموز النظام السابق عن السلطة، وصياغة دستور توافقي يضمن تحولاً ديمقراطياً ناجزاً في البلاد.

youtube://v/atK2YvIrKbU

وتطوي الاحتجاجات الجزائرية عامها الأول، الذي نجحت خلاله بإزاحة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ومنعته من الترشح مرة أخرى للسباق الرئاسي، فيما لا تزال تواجه تحديات متجددة أبرزها استمرار التضييق على الحراك السلمي، وتمسّك بعض رموز النظام السابق بمواقعهم. وكانت المظاهرات المطالبة بالتغيير الجذري لنظام الحكم قد تواصلت على مدار العام الماضي، لأن الشارع يرى أن مطالبه لم تتحقق بعد، بعكس ما تقوله السلطة، ممثلة بالرئيس عبد العزيز تبّون، الذي قال في أكثر من مناسبة إن «الحراك حقّقَ مطالبه».

وأفادت صحيفة الشرق الأوسط بأن السلطات الجزائرية كانت قد وضعت خططاً أمنية لتقييد الاحتجاجات في ذكراها السنوية الأولى، تتضمن إغلاق طرق مؤدية إلى العاصمة، ونشر الحواجز على الطرقات، مشيرة إلى أن السلطات منعت اجتماعاً لنشطاء الحراك، قبل أيام، كان يهدف إلى مناقشة تداول السلطة والحريات واستقلال القضاء، ما فُسِّرَ على أنه رسائل غير حميدة توجهها السلطة للشارع، الذي تظاهر رغم هذه التحضيرات الأمنية.

youtube://v/E75EqpbzjII

وكانت حدة التحركات الشعبية قد تراجعت بعد انتخاب عبد المجيد تبّون كرئيس للجزائر في 12 كانون الأول (ديسمبر) 2019، إلا أنها لم تتوقف تماماً، رغم محاولات الرئيس الجديد للتقرب من الشارع والمحتجين منذ استلام منصبه، حيث وصف الحراك بـ«المبارك»، وتعهد بالتأسيس لما أسماه «الجزائر الجديدة»، وكلّفَ، في هذا السياق، لجنة من المختصين لإجراء تعديلات دستورية.

وتهدف خطوة التعديلات الدستورية، التي تتم بمشاورات مع أحزاب معارضة، إلى تجاوز الأزمة السياسية القائمة منذ بداية الاحتجاجات. وقد وصفها بيان صادر عن الرئاسة الجزائرية بأنها ستكون «حجر الزاوية في تشييد الجزائر الجديدة»، مشيراً إلى أن هذه الإجراءات من شأنها «تحسين الضمانات الكافلة لاستقلال القضاء، وتعزيز حقوق المواطنين وممارستهم لها، وإعادة الاعتبار للمؤسسات الرقابية والاستشارية».

الصحفي الجزائري رياض بوخدشة قال في حديث للجمهورية إن «التحدي الأكبر الذي يواجه الرئيس الجديد هو سقف الحريات، التي يُفترض أن تكرسها إصلاحات أربعة قوانين رئيسية على الأقل: قانون الأحزاب، وقانون الجمعيات، والقانون المتعلق بالإعلام والنشر، إضافة إلى ما يتعلق برفع الحظر القانوني على التظاهر السلمي، لا سيما في العاصمة الجزائر». لافتاً إلى أن «تبّون يُعتبر اليوم الفاعل الرئيسي حتى تتضح كامل توجهاته في تجسيد ما يُسميه بمشروع الجزائر الجديدة، فيما يبدو الجيش في وضعية المراقب لما يقوم به الرئيس تبّون. سنرى ما سيحدث حين يكون مشروع الدستور الجديد جاهزاً لعرضه على البرلمان أواخر حزيران (يونيو) القادم».

أمّا فيما يخص تحركات الشارع ، فيقول بوخدشة إن «هناك رفضاً للواقع السياسي والوضع العام في شعارات اليوم، ولكن لا توجد مطالب محددة، وهذا نقيصة في موجودة في الحراك الشعبي منذ بدايته، كونه غير مؤطر بقيادات سياسية متفق عليها، ولذلك تبرز في كل مرة شعارات تنديد بالسلطة والنظام القائم، لكن دون طرح مشاريع مجتمعية وبرامج عمل سياسي تنهي الأزمة من جذورها».

ويطالب المتظاهرون في الشارع الجزائري حتى هذا اليوم بالإفراج عن عشرات الناشطين المعتقلين خلال أيام الحراك، بعضهم حُكم عليه بالسجن لشهور، وآخرون صدرت بحقهم أحكام بالإفراج حتى موعد المحاكمة. ويوجد بين هؤلاء المعتقلين ناشطون في تنظيمات سياسية شبابية فاعلة على الأرض، من بينهم عبد الوهاب فرساوي، رئيس جمعية «راج» التي تعرَّضَ كل قادتها للسجن.

وحضرت صور المعتقلين في المظاهرات خلال الأيام الأخيرة، فيما تستمر الانتقادات الموجهة إلى السلطة، التي تعهدت بإيقاف التضييق على التحركات الشعبية دون أن تلتزم بتعهداتها على الأرض، حتى أنها تواصل ملاحقة المتظاهرين ومنع الاحتجاجات في بعض المناطق.تعيش الجزائر أيضاً أزمة اقتصادية، تساهم في تُعزيز الاحتقان الشعبي. وتخلق كل هذه الظروف مجتمعةً نقاشاً عاماً تتعدد فيه الآراء حول كيفية التعاطي مع السلطة الجديدة، فهناك من يرون أنها تحتاج وقتاً لتنفيذ وعودها، رافضين التشدد تجاه طروحاتها خشية إطالة أمد الأزمة، وهناك بالمقابل من يرون ضرورة استمرار الضغط الشعبي وعدم غياب دور الشارع.

youtube://v/oROvlCyCGu0

كانت الانتفاضة الجزائرية جزءاً من الموجة الثانية للربيع العربي، واستطاعت، إلى جانب ثورة السودان، تحقيق الانتصار في المعركة الأولى، عبر الإطاحة برأس النظام الحاكم وبعض من أبرز رموزه. ويواجه هذان البلدان اليوم تحديات مختلفة عن تلك التي لا يزال يواجهها المحتجون في بلدان أخرى، كالعراق ولبنان، اللذين لم يشهدا حتى الآن دخولاً في مرحلة انتقالية من أي نوع.

تشير التطورات في الجزائر إلى ما يمكن أن تكون عليه حال المراحل الانتقالية، التي تحمل مشاكلها الخاصة، والتي لا تنتهي على عتباتها معركة الكفاح لتأسيس الأوطان الجديدة. هذه المعركة، وفقاً لما نراه اليوم، تحتاج إلى نفس طويل وعيون يقظة.