بدايةَ الثورة السورية كان هنالك صفحةٌ ساخرةٌ على فيسبوك تحمل اسم «الثورة الصينية ضدّ طاغية الصين»، ولم تذكر هذه الصفحة يوماً اسم رامي مخلوف كما هو، بل كان القائمون عليها يسمّونه «حرامي ألوف»، للتدليل على أنّ هذا الشخص سارقٌ بالجملة، وأنّ سطوه الممنهج يتمّ باستخدام أكبر فئة من العملة السورية آنذاك. وقد تماشت هذه الصفحة لاحقاً مع إعلان رامي مخلوف عن تحوّله إلى العمل الخيري، بأن حوّلت اسمه إلى «الأم تيريزا».
وقد يختلف السوريون في كلّ شيء، لكنّهم جميعاً يتّفقون على أن رامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد، هو أكبر حرامي عرفته سوريا منذ نشوء الدولة الأسدية، فرجل الأعمال «المجتهد والعصامي» كما وصفه يوماً بشار الأسد، يقاسم السوريين والدولة التي تحكمهم كلّ ما يملكون وتملك. هو رجل الاتصالات والمحروقات والمقاولات والبنوك وشركات التأمين والإعلام والتبادل التجاري والطيران والأسمنت والتبغ والكحول والأسواق الحرة، وهو صاحب أبراجٍ سكنية حول العالم وجمعياتٍ وميليشياتِ قتل، هو شريك جميع رجال الأعمال، وهو الذي يوظف جيشاً من الواجهات الاقتصادية التي تُدير شركات أوفشور في سوريا ولبنان تعمل لحسابه، هو الرجل الذي حاول السطو على وكالة مرسيدس وفشل لأول مرةٍ في حياته، فأنهى حضور تلك العلامة التجارية في البلاد. ولكنّ هذا كلُّه ليس رامي مخلوف كاملاً، بل هو جزءٌ يسيرٌ ممّا نعرفه عن الملياردير الذي بنى نفسه بنفسه، متوكلاً على الله وعلى أموالنا. ولأنّ رامي مخلوف يعلم أنّه كثيرٌ جداً، فقد كان يتعامل مع نفسه في خطابه لجريدة الأخبار على أنّه جمعٌ لا مفرد.
لن يسوء الكلام الآنف رامي مخلوف إذ يصدر في موقعٍ لا يُلقي له بالاً، وهو الرجل الذي لا يلتفت إلّا لجريدة الأخبار، أو للدقّة جريدة البراميل كما يصفها كثيرون، إذ لا يهمّه أن تُنشر عشرات التحقيقات في مختلف الصحف العربية والأجنبية عن فساده، ولا أن تفضحه والواجهاتِ التي تعمل لحسابه في لبنان وثائق بارادايز، حين قدّرت ثروته وعائلته والمقربين منه بما يعادل 60% من إجمالي الاقتصاد السوري. كما لم يزعج رامي مخلوف أن يُدرَج اسمه في قائمة العقوبات الأميركية عام 2008 بسبب قضية رفع الحصانة النيابية عن المعارض السوري رياض سيف وتعذيبه وسجنه لمدة 7 أعوام، بعد أن تجرّأ على الحديث عن نهب سيريَتل لأموال السوريين. ولم يهتز رامي أيضاً لتجميد المحكمة الفيدرالية السويسرية أرصدته في بنوك سويسرا عام 2017، لأن أموال رجل الأعمال الذكي كثيرة، وهو قادرٌ على مُراكمتها من جديد.
نعم، هذه جميعها أمورٌ لا تُقلق راحة الرجل بقدر أن تأتي مذمّته من جريدةٍ تمثّل خطّ مقاومة الكيان الصهيوني، الذي لم يَحِد عنه رامي يوماً، على الرغم من أنّ الرجل كان قد هدّد الإسرائيليين في العام 2011 بأنّ أمنهم من أمنه ومن أمن النظام الذي يسَّر له أن يبتلع أموال السوريين. لقد قست جريدة الأخبار على رامي مخلوف، برأيه، حين اتّهمته بالفساد مستندةً إلى أباطيل يمكن للرجل دحضها برسالةٍ قصيرة، وقست عليه حين تناست آلاف ساعات الحائط التي قدّمتها مؤسساته الخيرية، التي تفرّغ للعمل فيها ووهبها جلّ أمواله، لأهالي المفجوعين بموت أبنائهم الذين استعملهم ابن عمّته للبقاء في السلطة. وإزاء هذه القسوة، عاد مخلوف إلى الجريدة يعاتبها عتاب خلٍّ لخليله! أهكذا يا جريدة المقاومة!
ليست هذه المرّة الأولى التي تغمز فيها جريدة حزب الله من قناة رامي مخلوف، فقد دعا رئيس تحريرها إبراهيم الأمين مبكّراً في العام 2012 بشار الأسد إلى توقيف مخلوف ورفاقه ممّن أسماهم «بزنس المرحلة الدردرية»، ومصادرة أملاكهم وتحويلها لتمويل برامج تنموية في الريف السوري. مما لا شكّ فيه أنّ أكثر ما أزعج رامي يومها، حين قرأ دعوة الأمين، أنّه نعته بكونه جزءاً من مرحلة تحمل اسم موظفٍ بسيطٍ في الدولة الأسدية هو عبد الله الدردري، لا يعدو كونه نائباً لرئيس الوزراء ورئيساً لهيئة تخطيط الدولة، في حين أنّ رامي يكاد يكون الدولة كلها.
ولا يتوقف تاريخ جريدة الأخبار في «التحامل» على رامي عند ذلك، بل سبق لها أيضاً أن نشرت تقريراً في العام 2011، أعادت فيه وصف نيويورك تايمز له بالرجل 5%، في إشارةٍ لفرضه نسبةً مقطوعةً على أيّ مشروعٍ يُنفّذ في سوريا، كما نقلت في التقرير ذاته معلوماتٍ عن عشرات المشاريع التي أثرى بفضلها رامي مخلوف مستفيداً من صلته بالأسد، وكان ذلك السبب الذي دفع السوريين للحنق عليه، مما عاد بالسوء، بحسب رأي الجريدة، على الرجل الذي لا دخل له بكلّ ذلك؛ الرئيس بشار الأسد.
ولكن، أليس رامي مخلوف على حق؟ هل يجدر بجريدةٍ دأبت على الكذب وتشويه الحقائق والترويج لأباطيل تُجرِّمُ الضحايا السوريين، الذين يعيشون تحت براميل نظام الأسد وشعارات وسلاح حزب الله، أن تنصرف عن هذا كله وتفرّغ نفسها لشقّ محور الممانعة من خلال التعرّض لأحد أبرز أذرعه المالية وداعميه؟ أليس جديراً بها أكثر من أيّ شيءٍ اليوم أن تواصل التمثيل اللفظي والكتابي بجثث عشرات ألوف السوريين؟
يبدو أنّ ما حصل في سوريا خلال الأعوام الماضية قد أضعف جبهة السرقة والفساد والكذب، وأحدث بين رعاتها خُلفاً وقسّمهم إلى محاور، ومن هؤلاء رامي مخلوف الذي راعه أن يُعامَل على حقيقته الواضحة بكونه لصّاً من قبل صحيفةٍ معلومٌ أنّ اختصاصها التزويرُ خدمةً للقتلة، غير أنّها اضطُرت في ذلك التزوير أن تمسّ باللصوص من أقارب القتلة. اليوم، لا ينقص الحوار السُريالي الدائر بين جريدة الأخبار ورامي مخلوف سوى أن ينضمّ إليهم بشار الأسد، فحينها فقط سيكتمل مثلّث الجريمة؛ سارق السوريين وذابحهم والشامت بهم.