أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش يوم أول أمس الثلاثاء تقريراً يرصد وضع المخطوفين السوريين على يد تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، ويقول التقرير، الذي جاء في سبعين صفحة، إنّ سلطات الأمر الواقع والتحالف الدولي لم يقدموا أي معلومات لأهالي مخطوفي داعش، وإن إجراءات عدّة كان يجب أن تُتخَّذَ للحفاظ على الأدلة واستخراج المعلومات التي يمكن أن تساعد أحباء وأهالي المخطوفين في معرفة مصير أحبابهم، الذين لا زالوا مُغيّبين من دون أي معلومات دقيقة، على الرغم من هزيمة تنظيم داعش في آخر معاقله في الجزيرة السورية خلال العام 2019.

يشرح التقرير الأنماط التي اتبعها التنظيم في اختطاف وإخفاء السوريين في مناطق سيطرته، إذ كان المعارضون المحتملون لوجوده هم الهدف الأول، لبث الرعب في قلوب سكان المناطق التي يبسط سيطرته عليها حديثاً، كما حدث مع ناشطي الرقة المعارضين للتنظيم قبيل تحكمه بالمدينة بشكل نهائي بداية عام 2014. كما أنّ التنظيم قام باختطاف العديد من المدنيين على حواجزه المنتشرة، بالإضافة إلى اختطاف الرجال في المناطق التي يسيطر عليها بعد معارك عسكرية، كما حدث في قرى بمحيط كوباني وقرى في ريف دير الزور كانت تسكنها عشيرة الشعيطات.

كما استهدف التنظيم أشخاصاً اتهمهم بالعمالة للتحالف الدولي أو قوات سوريا الديموقراطية أو النظام السوري، في حين لم يستطع الأهالي الحصول على أي معلومات من التنظيم، بل تمّ اعتقال من كان يسأل عن قريبه المختطف في بعض الحالات، وهو ما منع الأهالي من السؤال عن أبنائهم وأحبائهم خوفاً من أن يتم اختطافهم بدورهم.

ويُظهر عنوان التقرير المشكلة الرئيسية التي تواجه عائلات مختطفي داعش في سوريا؛ مخطوفو «داعش»: التقاعس عن كشف مصير المفقودين في سوريا، إذ أن عدم تقديم أي معونة للعائلات من قبل سلطات الأمر الواقع أو التحالف الدولي يدفع الأزمة الإنسانية الناشئة عن هذا الملفّ إلى حدود قصوى.

سارة كيالي، باحثة شؤون سوريا في قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش، والكاتبة المشاركة في التقرير، تقول للجمهورية: «تشير أحد أكبر المشكلات التي واجهتنا أثناء العمل على إعداد التقرير بوضوح إلى على عمق المشكلة، فقد حاولنا كثيراً التواصل مع سلطات الأمر الواقع والسلطات المحلية وقدمنا طلبات لمقابلتهم، دون ردّ منهم؛ فإذا كانت منظمة دولية مثل هيومان رايتس ووتش تواجه مثل هذه المشكلة، فتخيل وضع أهالي المخطوفين».

يقول التقرير الذي تضمن توثيق أكثر من 27 حالة من المخطوفين لدى تنظيم داعش، بأن قوات الأمن والمخابرات التابعة للإدارة الذاتية، التي تسمى الأسايش، لم تقدم أي معلومات ولم تُظهر تجاوباً مع الأهالي الذين يحاولون بشتى الوسائل الوصول إلى معلومات حول مصير أحبائهم المختفين. ويضيف التقرير أن آليات نقل رفات الضحايا من المقابر الجماعية لا تخضع للمعايير القانونية الدولية التي تضمن الحفاظ على الأدلة، وقد قام فريق من باحثي هيومان رايتس ووتش بمرافقة فريق الاستجابة الأوليّ في الرقة، وعلى الرغم من حرص فريق الاستجابة الشديد على الحفاظ على الرفات والتعامل الحذر معها، إلا أن أعضاء، حسب التقرير، يحتاجون إلى خبرات غير متوافرة لديهم، كما أنهم يحتاجون إلى مزيد من التمويل للحفاظ على الأدلة وحفظ رفات الضحايا بحيث يتم التعرف على أصحابها، سواء من خلال تحليل الحمض النووي أو أي وسائل أخرى.

تضيف سارة كيالي في حديثها للجمهورية: «كان هناك عدة أشياء يمكن للتحالف الدولي والقوى المتحالفة معه والدول الأعضاء فيه أن يقدموها. بداية، كان يمكنهم ببساطة تحديد مسؤول مدني يمكن للأهالي أن يتواصلوا معه؛ في الرقة يوجد فريق الاستجابة الأولي الذي يمكن دعمه لأخذ مثل هذا الدور، لكن في مناطق أخرى لا يوجد مثل هذه المنظمة أو المسؤول، كما أنه يجب أن يكون هناك طرفٌ واحدٌ مسؤول عن هذا الملفّ لتوحيد قاعدة البيانات. كذلك كان يمكن للتحالف تقديم المساعدة المالية والتقنية للبحث، من خلال تحليل الحمض النووي لرفات الضحايا المكتشفين في المقابر الجماعية».

ويشير التقرير إلى أن قسد تحتجز العديد من قيادات تنظيم داعش، الذين يمكن أن يقود استجوابهم حول مصير المختطفين إلى الحصول على معلومات منهم حول تلك القضايا، «إلا أن أحداً لا يريد أن يسأل هذه الأسئلة على ما يبدو»، تقول سارة كيالي.

تتضافر ظروف القضاء على تنظيم داعش الإرهابي، التي تضمنت عمليات عسكرية دمرت كثيراً من المنشآت التي كان يستخدمها التنظيم لاعتقال المخطوفين، مع عدم التعاون في هذه القضية من قبل سلطات الأمر الواقع، لتجعل من قضية مخطوفي تنظيم داعش واحدة من أكبر القضايا التي تواجه المدنيين في سوريا. وعلى الرغم من أن مقارنة الأعداد بين المُغيَّبين على يد داعش والمُغيَّبين والمعتقلي لدى النظام السوري تُظهر أنّ أعداد المعتقلين لدى الأخير أكبر بكثير، إلا أن هذه المقارنة غير مفيدة كما تقول كيالي، ففي حالة داعش هناك ما يمكن فعله اليوم للحصول على معلومات ومعرفة مصير المخطوفين.

ليس متاحاً اليوم البحث عن معلومات بشكل مستقل بهدف كشف مصير المعتقلين والمغيبين لدى النظام السوري، لكن سلوك القوى النافذة في المسألة السورية حيال قضية المختطفين على يد داعش برسم صورة قاتمة عن المستقبل بخصوص هذا الجرح المفتوح في سوريا، الصورة التي يحتاج تغييرها إلى جهد هائل تواصل منظمات وجهات غير حكومية عديدة القيام بجانب منه، في ظل تجاهل كامل من قبل كل الأطراف صاحبة السلطة في العالم.