تقع بلدة حزّانو في ريف إدلب الشمالي على تقاطع عدة طرقات، أحدها يأتي عبر مدينة الأتارب من ريف حلب الغربي، الذي يشهد موجات قصف عنيفة بالطيران والمدفعية، وطريقٌ آخر يأتي من مدينة إدلب عبر معرة مصرين، يسلكه نازحون من ريف إدلب الشرقي لتجنب القصف العنيف التي تتعرض لها مناطقهم ومناطق ريف حلب الجنوبي والغربي. ومن حزّانو ينطلق طريقان؛ الأول يتجه شمالاً إلى سرمدا بالقرب من الحدود مع تركيا، حيث يصل النازحون دون أي فرصة للحصول على بيت؛ يقفون على جوانب الطرقات، وقد يحصل المحظوظون منهم على خيمة ينصبونها في إحدى المزارع أو الأراضي، قرب خيام أخرى أقيمت على عجل في الأرض الطينية. أما الطريق الثاني، فيتجه من حزّانو إلى الشمال الغربي نحو الحدود التركية، حيث يبدأ كثيرون محاولات العبور نحو تركيا تهريباً عبر الجبال؛ بعضهم يفلشون ويعودون أدراجهم، وبعضهم الآخر لا يعودون، ولا يصلون إلى تركيا أيضاً، إذ ستكون نيران الجندرما التركية أسرع إليهم، أو في أحسن الأحوال مراكز الاحتجاز المؤقت قبل أن تعاود السلطات التركية طردهم إلى إدلب مجدداً.
هذا تسجيل مصور لساحة حزّانو قبل يومين، حيث تتقاطع تلك الطرقات:
youtube://v/QcHhsadB5Rc
الساعة العاشرة والنصف من مساء يوم الأربعاء الماضي، نفذت طائرة روسية ثلاث غارات على مدينة أريحا إلى الجنوب من مدينة إدلب؛ الأولى استهدفت مشفى الشامي الجراحي ما أدى إلى تدميره، والثانية كانت على مخبز، والثالثة على بيوت للمدنيين. قال الدفاع المدني السوري إنّ اثني عشر شخصاً قتلوا في هذه الغارات، وأصيب ثمانية وستون.
أما يوم أمس الخميس، فقد استهدفت طائرات النظام والطائرات الروسية مدن وبلدات البارة والرويحة ومجدليا وكفرنبل وسراقب والنيرب وجسر الشغور وحاس والجانودية ومدينة إدلب. ثلاثون غارة جوية، استهدفت معظمها مواقع مدنية، في سياق حرب تهجير مروعة تجري فصولها في وضح النهار. قالت مديرية الصحة في محافظة إدلب أمس الخميس، في بيان نشرته على صفحتها على فيسبوك، إن الريف الجنوبي لإدلب قد بات خالياً من النقاط الطبية.
تستمر المعارك لليوم الثامن على جبهات ريف حلب الغربي والجنوبي، التي تشهد اشتباكات عنيفة جداً على عدة محاور من بينها منطقة الراشدين غرب حلب، حيث قال النظام عبر وكالة سانا التابعة له إنّ قواته سيطرت على منطقة «الراشدين 5» وجمعية الصحفيين، في حين تقدمت قواته على محور خان طومان لتسيطر على مستودعات خان طومان وتل الزيتون ومعراتا وخان طومان والخالدية.
يسعى النظام على تلك الجبهة إلى التقدم جنوباً، علّه يلاقي قواته الزاحفة عبر إدلب شمالاً، ما سيعني تلقائياً سقوط ريف حلب الجنوبي وما تبقى من ريف إدلب الشرقي في قبضته. هناك، في ريف إدلب، وبعد أن سيطرت قوات النظام على معرة النعمان وريفها الشرقي بالكامل يوم الثلاثاء الفائت، واصلت تقدمها في القرى والبلدات التي تقع على الطريق الدولي شمال المعرة، فسيطرت على معر شورين وبابيلا وخان السبل ومعردبسة، ووصلت إلى أطراف تل مرديخ، لتصبح على بعد كيلومترات قليلة من سراقب، التي فرغت تقريباً من أهلها.
تقاتل فصائل المعارضة بشراسة على جبهات ريف حلب التي تبدو أكثر تماسكاً من جبهات إدلب، وتتحدث المعلومات المتوافرة عن أن المقاومين على جبهات جنوب وشرق سراقب يقاتلون دون خطط عسكرية واضحة، تماماً كما حصل في معرة النعمان وكفررومة يومي الإثنين والثلاثاء الماضيين، عندما صمد مقاتلون محليون بإمكانيات متواضعة لساعات أمام جحافل النظام والغطاء الجوي الروسي الذي يُحيل المناطق التي يستهدفها إلى كتل من اللهب.
لم تسحب القوات التركية أياً من نقاط المراقبة التي أنشأتها بالاتفاق مع روسيا، بل على العكس من ذلك، أنشأت خلال اليومين الماضيين نقطتي مراقبة جديدتين على طريق دمشق حلب الدولي، إحداهما إلى الجنوب من سراقب والأخرى إلى شمالها. وقد أصبحنا نعرف أن وجود هذه النقاط لا يحول بحدّ ذاته دون سيطرة النظام على مناطق تواجدها، وكل ما في الأمر أنها ستربك قوات النظام قليلاً إذا كانت التفاهمات الضمنية والأوضاع الميدانية تسمح بتقدمها، إذ ستجد نفسها مضطرة للالتفاف حولها عن يمينها أو يسارها، قبل متابعة طريقها لاستباحة القرى والمدن والبلدات. ليس معقولاً أن تركيا تنشئ هذه النقاط من أجل لا شيء، والأرجح أن وجودها مرتبطٌ بتفاهمات مع روسيا حول استخدام الطرق الدولية بعد أن ينقشع غبار المذبحة.
في هذا الوقت، تواصل هيئة تحرير الشام مشروعها التسلطيّ كأنَّ شيئاً لا يحدث، وتتحدث المعلومات المتوافرة عن أن قوامها الرئيسي العسكري والتنظيمي بات متركزاً في ريفي إدلب الشمالي والغربي، في المناطق القريبة من الحدود التركية، البعيدة عن الطرقات الدولية، والتي يُحتمل أن خطط النظام العسكرية لن تشملها. يوم أمس، تحدث شهود عيان تواصلنا معهم عن أن راجمتيّ صواريخ تابعتين للهيئة شوهدتا تتجهان غرباً نحو باب الهوى، أي في عكس اتجاه جبهات القتال.
بينما يعيش سكان إدلب هذه الآلام التي لا تُحتمل، تواصل تركيا وروسيا ترتيباتهما لمرحلة بعد المذبحة، ويواصل نظام الأسد عمله على بناء سلطته مجدداً فوق الجماجم، وتواصل الفصائل التابعة لتركيا مشاريعها التسلطية في عفرين وريف حلب الشمالي والشرقي وشمالي الجزيرة السورية، ويواصل أبو محمد الجولاني العمل على تحقيق حلمه في أن تترك له الدول النافذة في سوريا إمارة صغيرة يحكمها ويتسلط على حياة أهلها.