سيطر النظام السوري وحليفته روسيا، منتصف العام 2018، على محافظة درعا، بعد اتفاق تسوية مع فصائل المعارضة الموجودة في المنطقة، تضمَّنَ وعوداً من جانب النظام بتخفيف القبضة الأمنية وإعادة الخدمات، مقابل سحب السلاح الثقيل من يد مقاتلي فصائل المعارضة. تم هذا الاتفاق برعاية روسيا، التي تسيطر على عدة مناطق عبر «الفيلق الخامس» الذي يُعتبر تابعاً لها.

منذ ذلك الحين، تخرج مظاهرات احتجاجية بين الحين والآخر في محافظة درعا، تنادي بشعارات مناهضة للنظام والميلشيات الإيرانية، وتطالب بالإفراج عن المعتقلين والكشف عن مصيرهم. فيما يستمر اضطراب الوضع الأمني بسبب عمليات الخطف والاغتيالات والمواجهات المتفرقة، والهجمات على حواجز النظام.

وتُعدّ قلّة ثقة الأهالي بالنظام سبباً للاحتقان المستمر، إذ لم يفِ الأخير بوعوده فيما يخص الكشف عن مصير المعتقلين والمغيبين قسراً، وإنما يستمر بالاعتقالات والتجاوزات عبر حواجزه وعناصره، ويحاول إذلال الأهالي بالخدمات الشحيحة والمتردية التي يقدمها لهم.

إلا أن كل هذه الأسباب لم تؤدِ حتى إلى اليوم إلى انفجار شامل للأهالي، يتجلى في مظاهرات حاشدة ضد قوات النظام في المحافظة، ذلك أن روسيا تسعى بشكل حثيث إلى منع أو تأجيل حصول صدام مفتوح بين الطرفين، وامتصاص غضب الأهالي عبر التسهيلات التي يقدمها الفيلق الخامس.

تبدو روسيا اليوم وكأنها تلعب دور الوسيط، الذي يكبح عناصر النظام ويمنع تجاوزاتهم واستخدامهم المفرط للقوة ضد الأهالي، في حين تحاول، في المقلب الآخر، تفادي خلق ظروف تخنق المدنيين وتدفعهم إلى الشارع في مظاهرات مشابهة لما كان يحدث منذ 2011، إلا أن قدرتها قد تكون محدودة على ذلك في ظل الغلاء الجنوني للأسعار وارتفاع أسعار الصرف وتزاحم الناس في الطوابير.

الناشط محمد أبازيد قال في حديث للجمهورية إن «النظام وعد الأهالي منذ سيطرته بإعادة الخدمات والكشف عن مصير المعتقلين، لكن الأيام أثبتت أن وعود النظام كانت كلاماً زائفاً، حيث يداور لعدم تنفيذ وعوده، ويستمر باعتقال الشبان ثم إطلاق سراحهم مع محاولة إظهار ذلك على أنه تنفيذٌ لبند إطلاق سراح المعتقلين. كل ذلك كي لا يعترف بأن ثمة معتقلين منذ عام 2011 تمت تصفيتهم».

وأضاف الناشط أن «آخر الاحتجاجات كانت يوم الثلاثاء الماضي، أثناء تشييع أحد الشبان، وترددت شعارات إسقاط النظام فيها، فيما حصل هجوم على حاجز لجيش النظام في منطقة زيزون». لافتاً إلى أن الأوضاع الاقتصادية والخدمية «سيئة للغاية، حيث يقف الناس بالطوابير للحصول على الخبز والغاز، ويعانون في الحصول على متطلبات الحياة اليومية».

وعطفاً على ذلك، أوضح أبازيد أن «أغلب الاحتجاجات ضد النظام تخرج عفوية ومتفرقة وغير منظمة أو حاشدة كالمظاهرات السابقة، وغالبها يكون ردة فعل على حدث ما، كما حصل لدى وضع تمثال حافظ الأسد مطلع العام الماضي، حيث خرجت المظاهرة هي الأكبر في الفترة الماضية، وضمّت المئات». مشيراً إلى أن الأمور عموماً «تتجه نحو التصادم شيئاً فشيئاً، رغم الحرص المشترك من الجميع على عدم حصول ذلك»، بحسب قوله.

ثمة حذرٌ إذن لدى الأهالي والنظام وروسيا من تفجر الأوضاع، رغم اتضاح رخاوة الأرضية التي تقف عليها أطراف التسوية التي لم تُنفَّذ أغلب بنودها، ورغم تزايد ثغراتها بسبب رغبة النظام في الانتقام، والضغوط المعيشية والأمنية المتزايدة على الأهالي، وهي ضغوط بدأت تصبح مشتركة مع كافة المناطق السورية التي يسيطر عليها النظام بشكل غير مباشر، مثل مناطق المصالحات التي خرجت عن سيطرته في السابق، حيث تتشابه الأوضاع فيها مع الأوضاع محافظة درعا في نواحٍ عدة، وعلى وجه الخصوص في ريف دمشق، الذي شهدت بعض بلداته مؤخراً، ومنها كناكر وزاكية جنوب غربي دمشق، أنشطة احتجاجية مماثلة لتلك التي تشهدها درعا.

ويشمل الاحتقان مناطق لم تكن قد خرجت عن سيطرة النظام أصلاً بعد 2011، مثل محافظة السويداء المجاورة لمحافظة درعا، التي شهدت احتجاجات مؤخراً. وقالت ناشطة مشاركة في احتجاجات السويداء، رفضت ذكر اسمها لأسباب أمنية، إن المظاهرات الأخيرة «جاءت نتيجة لضغط متراكم لدى الأهالي، ونتيجة تحول المدينة إلى مسرح للفلتان الأمني والخطف والسرقة، وبروز طبقة من تجار السلاح والمُستفيدين وحصولها على مميزات على حساب المواطنين العاديين، الذين يعانون في الحصول على لقمة العيش والخدمات والمواد الضرورية للحياة». وأوضحت الناشطة أن «الاحتجاجات لم تحمل شعارات سياسية صدامية مع النظام، وكان هذا من الأسباب التي دفعت مزيداً من الناس للمشاركة، رغم محاولات الوجهاء احتواءها أو إيقافها».

قد لا يكون ما يجري في السويداء مرتبطاً بشكل مباشر بما يجري في درعا أو ريف دمشق اليوم، إلا أنه من الخطأ تجاهل حقائق بسيطة في هذه المشاهد المختلفة. واحدة من هذه الحقائق، أن سوريا، التي يقود النظام دفتها برعاية حلفائه، ترفع في وجهه تحديات حقيقية وجديدة لا يستطيع مواجهتها بالمدافع والنيران، ولا الانتصار فيها بمحاولات السحق، ولا إنهاءها بكبسة زر. هي تحديات طويلة الأمد، ميدانها الأيام القادمة، وقدرة الناس، حتى غير المسيّسين منهم، على الصبر على الفاقة وغياب العدالة وخواء الجيب، ومواجهة أرقام مجنونة على لوائح نشرات أسعار الصرف.