تجمَّعَ يوم أمس الأحد عشرات من سكان مدينة السويداء في ساحة المحافظة، للمرة الرابعة بعد مظاهرات الأربعاء والخميس والسبت، احتجاجاً على الانهيار الاقتصادي الذي تشهده البلاد، خاصةً بعد تخطي سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار حاجز الألف ليرة سورية، وارتفاع الأسعار بشكل جنوني، ما دفع عدداً من الشباب والشابات إلى إطلاق نداء على وسائل التواصل الاجتماعي للتظاهر احتجاجاً على الأوضاع المعيشية، وسط مخاوف من وصول الأمر إلى حدود المجاعة، خاصةً بالنسبة للعاطلين عن العمل والعمّال المياومين، الذين يجدون أنفسهم أحياناً غير قادرين على تأمين ثمن وجبة طعام واحدة في اليوم.

«الخوف ما كَلّ (منع) الناس، يعني الناس اللي عم تطلع هيي ناس من طبقات عاملة وكادحة، وأنا كنت معهن»، تقول سنا (اسم مستعار) للجمهورية. التظاهرات لم تأتِ بشكل مفاجئ بحسب سنا، فقد ضاق الناس بالأوضاع المعيشية والأمنية في المحافظة، التي تشهد ارتفاعاً كبير في حالات الخطف والقتل والسرقة، ليأتي انهيار سعر صرف الليرة والإجابات المتعجرفة من قبل السلطة (تصريحات بثينة شعبان عن أن الأوضاع الإقتصادية الأفضل بخمسين مرة من عام 2011) شرارة أطلقت الرغبة بالاحتجاج.

«لم تكن الأعداد قليلة. في المرات الأولى تجاوز عدد المتظاهرين المئة وخمسين وربما مئتين، لكنّ التهديدات التي بدأت تصل من خلال شخصيات معينة في المحافظة، يبدو أنها ساهمت في تراجع الأعداد يوم الأحد حتى قاربت الخمسين»، حسب ما قالت سناء، وهو ما أكّده تقرير لموقع السويداء 24.

شكّلَ العمّال المياومون والشابات والشبّان الصغار النسبة الأكبر من المتظاهرين في مدينة السويداء، بينما كان الحراك المعارض المتجذر في مدينة شهبا بارزاً في قيادة الحراك هناك؛ «الفئات العليا من الطبقة الوسطى، والمتعلمون من أبناء السويداء، فضلّوا الوقوف جانباً، وهذا يحزنني كثيراً» تقول سنا.

الشعارات التي رُفعت في السويداء كانت واضحة التوجه ضد الانهيار الاقتصادي، الذي يهدد هؤلاء العمّال بالجوع، بينما كانت شعارات مدينة شهبا أكثر تصويباً على المقربين من رأس النظام، الذين يشكلون دائرة الفساد الرئيسية في البلاد، وهو ما كان مفهوماً نتيجة الأوضاع في السنوات الماضية منذ انطلاق الثورة في عام 2011.

لا يبدو أن سنا تعيش في أيّ أوهام، لكنها كانت مصرّةً على ضرورة استمرار الحراك، الذي قد يدفع باقي سكان المحافظة، أو حتى مناطق سورية أخرى، للخروج والاحتجاج والتحرك ضد الأوضاع المعيشية بالغة السوء.

#بدنا_نعيش كان شعار الحملة التي أطلقها الشابات والشبان على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي وجدت تجاوباً فورياً خلال الأسبوع الماضي، فيما تم إنشاء عدة صفحات لتغطية الحراك. وتخضع محافظة السويداء عملياً لنفوذ مجموعات محلية، من بينها المجموعات المنبثقة من حركة رجال الكرامة، ومجموعات مثل حماة الديار التي تحظى بدعم من مشايخ كبار في السويداء، ومجموعات أخرى مرتبطة بالنظام بشكل مباشر أو غير مباشر، مع تراجع كبير في النفوذ والحضور المباشر لأجهزة النظام الأمنية، ويبدو أن هذه الظروف كانت من بين الأسباب التي شجّعت على خروج هذا الحراك.

باسل (اسم مستعار) كان أكثر تشاؤماً من سنا، بعد أن تعرض لتهديدات غير مباشرة من قبل شخصيات مرتبطة بالنظام في السويداء، اتهمت الحراك بارتباطه بالخارج، وربطت هذه المظاهرات بمظاهرات الثورة السورية، ما قد يجعل من منظمي التظاهرات هدفاً مباشراً للأجهزة الأمنية، التي ستكون هذه المزاعم ذريعة لها في اعتقال أي ناشط يرتبط اسمه بالمعارضة، وهو ما حاول مراسل قناة الإخبارية التابعة لتلفزيون النظام، شام حمدان، القيام به طوال الأسبوع الفائت، من خلال عرض تدوينات مؤيدة لحراك السويداء من ناشطين ومعارضين سوريين، باعتبار ذلك دليلاً على أن الهدف من المظاهرات، التي يخرج بها الناس لأسباب «محقّة»، هو إثارة الفتنة وتدمير أمن المحافظة. واحدةٌ من التدوينات التي استشهد بها شام حمدان كانت للصحفي السوري، وعضو هيئة تحرير موقع تأكّد، ضرار خطّاب، التي لم تكن إلّا تأييداً منه للتظاهرات في السويداء ورسالةً من مهجّر على يد النظام إلى أهله في سوريا. وعلى الرغم من أنّ هذه المواقف ليست كافيةً أبداً للربط بين الطرفين، إلا أنّ هذا الربط اعتُبِرَ، من باسل وعدد من أصدقائه، تهديداً غير مباشر لهم في حالة متابعتهم الحراك.

وبينما يستمر الحراك في السويداء رغم التهديدات التي طالت ناشطيه، بدأت دعوات للتظاهر في مدينة السَلَمية بمحافظة حماة تحت الشعار نفسه، «بدنا نعيش»، وقد أطلقت صفحة تمّ انشاؤها منذ أيام على فيسبوك دعوات للتظاهر في المدينة يوم الثلاثاء القادم، وهو ما قد يكون أولى ارتدادات حراك السويداء ضد الظلم والجوع.

youtube://v/dSctorAy7IM

لا يملك السوريون الذين يعيشون في مناطق سيطرة النظام كثيراً من الخيارات، فالخروج إلى الشارع عملٌ بالغ الشجاعة بعد كل ما جرى في البلد، وذلك في مقابل أوضاع كارثية على المستوى المعيشي والإنساني، إذ خسر السوريون حيواتهم ومدخراتهم خلال السنوات الماضية نتيجة الفساد المستشري وانهيار الاقتصاد وظروف الحرب، إلا أنّ حراك الشباب والشابات في السويداء يقول اليوم، أمام انسداد الأفق الكبير في البلد، إنّ الأغاني «لسّا ممكنة».