أقرّ مجلس الشيوخ الأميركي قبل أيام قانون الدفاع الوطني لعام 2020، الذي تم تضمينه نصَّ قانون حماية المدنيين في سوريا، المعروف باسم قانون قيصر. وبذلك لا يبقى سوى توقيع الرئيس الأميركي حتى يصبح هذا المشروع قانوناً نافذاً. وكان ترامب قد قال عبر تويتر إنه سيوقع عليه في أسرع وقت، ما يعني أن القانون سيدخل حيز التنفيذ خلال الفترة القصيرة القادمة.

ويتضمن قانون الدفاع الأميركي للعام المقبل عدداً كبيراً من التغييرات الهامة في السياسة الدفاعية الأميركية، من بينها إنشاء قوات فضاء عسكرية لأول مرة، إلا أن ما يهم السوريين هو تضمينه نص قانون قيصر، الذي بُذلت جهود كبيرة من سوريين ومنظمات ولوبيات سورية-أميركية لتمريره في الكونغرس، والذي يُحتمل أن تكون له تأثيرات واسعة اقتصادية وسياسية في المسألة السورية. وكان قانون قيصر قد مرّ في الكونغرس عدة مرات في السابق، إلّا أنه لم يتحول إلى قانون نافذ بسبب عدم تمرير مجلس الشيوخ لحزم القوانين التي كان يُطرَح كجزء منها، حتى جرى الدفع في النهاية إلى تضمينه في نص قانون الدفاع الوطني، الذي يتم تمريره دون مشاكل تذكر في العادة لأنه متعلّق بميزانية الجيش الأميركي، الأمر الذي يدفع الحزبين الرئيسيين إلى عدم تعطيله.

لم تختلف النسخة النهائيةيرد نص قانون قيصر اعتباراً من الصفحة 2611 من الملف المرفق، الذي يتضمن كامل قانون الدفاع الوطني الأميركي لعام 2020. لقانون قيصر كثيراً عن سابقاتها، وهي تتضمن عناوين فرعية أساسية؛ أولها يتضمن إضافات فيما يتعلق بـ «إجراءات الطوارئ الوطنية الخاصة بسوريا»، وهو بند يشمل فرض أنواع ومستويات جديدة من العقوبات على النظام السوري وداعميه. ويتعلّق العنوان الفرعي الثاني بـ «مساعدة المدنيين في سوريا»، وهو يتضمّن إعادة تنظيم كيفية تقديم المساعدات الإنسانية والمساعدات الخاصة بدعم الاستقرار في سوريا. أما العنوان الفرعي الثالث، فهو يتضمن أحكاماً عامة تتعلق معظمها بصلاحيات ممنوحة للرئيس الأميركي، تخوّله تعليق أحد إجراءات هذا القانون.

ستشمل العقوبات التي سيتم فرضها خلال 180 يوماً من توقيع القانون كل الأطراف المرتبطة بالنظام، سواء كانت من جنسية سورية أو جنسيات أخرى مثل روسيا أو إيران، بما يشمل كلَّ من يقدم المساعدات المالية والتقنية، أو يبيع النظام أي قطع غيار أو مواداً تسهّل تشغيل سلاح الطيران، بالإضافة إلى فرض العقوبات على كل الميليشيات المحلية والأجنبية التي شاركت في القتال مع النظام، وهو ما سيشمل شركة فاغنر التي تملك مرتزقة يحاربون إلى جانب النظام في سوريا، كما سيصل إلى رؤوس وقادة الميليشيات العراقية والأفغانية والإيرانية التي قاتلت إلى جانب النظام.

كذلك، ستشمل العقوبات البنك المركزي التابع للنظام، بعد تقييم يقدمه وزير الخزانة الأميركي خلال 90 يوماً من توقيع القانون، ليُحدّد من خلاله إذا ما كانت هذه المؤسسة تُستخدم لعمليات غسيل الأموال. وستطال العقوبات المشددة كل الجهات التي تقدم أي نوع من الدعم للنظام، بما يشمل حتى توفير حسابات إئتمانية للتصدير، أو أي تسهيلات مالية أخرى، ما يعني أن نظام بشار الأسد سيصبح أشبه بكتلة مشتعلة بالمعنى الاقتصادي، من يلمسها سيحترق بدوره. ومع تنفيذ هذا القانون، فإن الرسائل التحذيرية غير المباشرة التي وجهتها الخارجية الأميركية سابقاً، عن أن العقوبات ستطال من يتعامل اقتصادياً مع النظام السوري، ستصبح رسائل واضحة المعاني تماماً. ستشمل هذه العقوبات بالضرورة كل من يساهم في إعادة الإعمار في سوريا قبل انخراط النظام في عملية تسوية سياسية بشكل جدي، وكل من ينخرط في نشاطات تجارية واقتصادية مع النظام السوري، مع استثناءات تتعلق بالمساعدات والأوضاع الإنسانية في سوريا.

سيتضح نطاق هذه العقوبات بشكل أكبر بعد صدور التعليمات التنفيذية عن الرئيس الأميركي، وبعد صدور تقارير وزير الخزانة، ما سيسمح لاحقاً بتحليل أوسع لآثار تلك العقوبات على النظام السوري والاقتصاد السوري وأوضاع السوريين المعاشية، لكن المؤسسات السورية الخاصة التي لا تمتلك أي صلة بالنظام أو رجاله المقربين لن تكون عرضة لأي عقوبات على عملياتها التجارية، فيما سيكون مصير تعاملات المؤسسات الحكومية السورية ذات الصلة بمعيشة السوريين اليومية، مثل المؤسسات الصحية وغيرها، رهناً بهذه التعليمات التنفيذية التي ستصدر لاحقاً.

يدفع هذا القانون إلى تنظيم وزيادة المساعدات للسوريين، ومراقبة هذه المساعدات بشكل كبير، وتحضير جلسات استماع في الكونغرس لتقييمها، ما يضع عمليات سرقة المساعدات في مناطق النظام تحت مراقبة أميركية شديدة، وهو ما سيشكل مستقبلاً ضغطاً على وكالات الأمم المتحدة العاملة هناك، وعلى المنظمات غير الحكومية التي تنفذ مشاريعَ في تلك المناطق بشكل مباشر أو غير مباشر، باعتبار أن الولايات المتحدة أحد أكبر المانحين الدوليين لبرامج الأمم المتحدة الإنسانية، وهو ما سيشكل ورقة ضغط هامة في هذا الإطار.

كما أن جلسات الاستماع تلك، التي ستشارك فيها المنظمات غير الحكومية السورية وفقاً لنص القانون، ستكون فرصة مهمة للغاية لتلك المنظمات لعرض الأوضاع الإنسانية للسوريين والعمل على تحسين ظروف تقديم المساعدات، من خلال مقعد أمامي ستحصل عليه في جلسات لجان الكونغرس المخصّصة لهذا الغرض، وهو ما قد يكون له آثار جيدة على عمل المنظمات الإنسانية في سوريا، التي سيكون في مقدورها عرض احتياجاتها بشكل مباشر أمام الحكومة الأميركية.

يوضح القانون بشكل تفصيلي الحالات التي يمكن للرئيس الأميركي فيها تعليق العقوبات أو بعضها، وهي تشمل إطلاق سراح جميع المعتقلين في سجونه وفتحها أمام التحقيقات الدولية المستقلة، ووقف الضربات الجوية على المدنيين سواءً باستخدام طيران النظام أو الطيران الروسي، وعدداً من الإجراءات المشابهة مثل التأكد من عدم وجود مناطق محاصرة. وعلى الرئيس تقديم رؤيته لهذه الإجراءات في حال تعليق العقوبات خلال تسعين يوماً، كما أن بإمكانه إعادة فرض العقوبات المُعلَّقة في أي وقت يرى فيه أن النظام وحلفاءه لم يعودوا ملتزمين بتطبيق تلك الخطوات سابقة الذكر.

كما يشدد القانون على محاسبة مجرمي الحرب في سوريا، ويطلب من النظام السوري العمل على الانخراط في عملية تسوية سياسية جديّة، وهو ما سيجعل السياسة الأميركية تجاه سوريا خلال السنوات الخمس القادمة، التي هي عمر هذا القانون، مرتبطة بشدة بنصوصه التي تضم عقوبات هي الأشد على النظام السوري وحلفائه، والتي لم يُطبَّق مثيلٌ لها في أي وقت مضى. وفي حين أن النصوص تركت المجال للرئيس الأميركي لإعطاء استثناءات فيما يخص عمل المنظمات الإنسانية غير الحكومية والإجراءات الإنسانية الأخرى، فإن عمل فريق ترامب على تدقيق العمليات والأوضاع الإنسانية سيكون له الأثر الأكبر في مدى انعكاس آثار تلك العقوبات على المدنيين السوريين.

على الرغم من أن عقوبات أميركية كانت تطال أصلاً عدداً من أبرز أركان النظام السوري وشركائه الاقتصاديين والعسكريين والسياسيين، إلا أن العقوبات التي يفرضها قانون قيصر هي الأقسى والأوسع نطاقاً وتأثيراً، كونها تشمل كل من يتعامل مع النظام السوري، وهو ما يزيد في عزلته الدولية ويساهم في تعطيل أي نوع من التطبيع مع النظام أو محاولات إعادة تعويمه. لكن يبقى أن الامتحان الحقيقي لهذا القانون وتأثيراته سيكون في تطبيقه على أرض الواقع، وفي كيفية استخدام الرئيس الأميركي وفريقه للاستثناءات وهوامش الحركة التي تتيحها.