على الرغم من إعلان الأمين العام للأمم المتحدة، خلال كلمته أمام الجمعية العامة التي انعقدت في نيويورك يوم الثلاثاء الماضي، عن إحراز «خطوة هامة للأمام» من خلال تشكيل اللجنة الدستورية، إلا أن حضور سوريا في خطابات الرؤساء والقادة كان ثانوياً جداً، إذ طغت على اجتماعات الدورة الرابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة ملفات أخرى، على رأسها ملف التوتر في منطقة الخليج.

أشارت عدة كلمات إلى المسألة السورية، من بينها كلمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وكلمة أمير قطر تميم بن حمد، إلا أن كل تلك الإشارات لم تتجاوز الحديث في العموميات عن الأزمة الإنسانية في البلاد، في حين كانت التفاصيل الوحيدة التي تمت الإشارة إليها هي خطة الرئيس التركي لإعادة ما بين المليون والمليوني لاجئ سوريا من بلاده، ومن أوروبا أيضاً (وهذه هي المرة الأولى التي يشير فيها لإعادة لاجئين من أوروبا) عبر إقامة منطقة «آمنة» شمال شرق البلاد بعرض 450 كم وعمق يصل إلى 30 كيلومتر؛ ولا تبدو هذه التفاصيل في الحقيقة متعلقة بالسوريين وقضيتهم، بقدر ما هي متعلقة بقضية لا تزال الهمّ الأكبر بالنسبة للأوربيين والأتراك، وهي قضية اللاجئين.

وكان الحديث عن سوريا عموماً يستند إلى القول بأن ما وصلت إليه جهود الأمم المتحدة مع الدول الضامنة لمسار أستانا هو تقدمٌ يفتح الباب أمام إنهاء النزاع في البلاد، لكن ما يبدو واضحاً بالمقابل هو أن هذه الخطوات، ومن بينها إنفاق أكثر من عام ونصف للتوافق على أعضاء اللجنة الدستورية فقط، لا تتجاوز كونها وضعاً للملف السوري في الجليد، لمدة غير معلومة.

تركَّزَ الاهتمام الأوروبي خلال اجتماعات الجمعية العامة على بذل جهود لعقد لقاء بين كل من الرئيس الإيراني حسن روحاني ورئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب، وهي جهود لم تفلح، إذ كانت الشروط الإيرانية المتمثلة برفع العقوبات، والتوتر الناجم عن استهداف طائرات مسيرة لمنشآت شركة أرامكو في السعودية، عائقاً أمام حصول مثل هذا اللقاء، الذي لم يكن يهم الرئيس الأميركي إلا باعتباره انجازاً دبلوماسياً قبيل انتخابات رئاسية يبدو أنها ستشهد استقطاباً حاداً مثل سابقتها، خاصةً بعد أن بدأ الديموقراطيون في مجلس النواب الأميركي إجراءات عزل الرئيس، وهي جهود لن تنتهي بالعزل على الأرجح، إلا أنها تعبّرُ حتماً عن مدى الاستقطاب الحاد في الطبقة السياسية في الولايات المتحدة.

في مثل هذه الظروف، سيكون من الأنسب لدول العالم إدخال سوريا في «غيبوبة اصطناعية»، إلا أن هذا التوجه يشكّل فرصة ذهبية لموسكو كي تواصل الترتيبات التي تناسبها مستقبلاً، بهدف البقاء في موقع المسيطر على الملف السوري حتى إذا تغيرت لاحقاً موازين القوى الحالية، التي تعطيها هي وطهران الموقع الأفضل بين القوى الإقليمية والدولية في البلاد.

وسيكون من المناسب لطهران، التي تتعرض لضغوط شديدة نتيجة العقوبات الأميركية، أن تكون سوريا خارج هذا الضغط على المستوى السياسي، ما يسمح لها بالتركيز على توتير الأوضاع في منطقة الخليج، في سبيل ممارسة ضغط مقابل على حلفاء واشنطن في المنطقة، وتحديداً السعودية، للوصول إلى تسوية من دون تقديم تنازلات كبرى من قبلها.

لم تكن سوريا مركز العالم بالطبع خلال السنوات الماضية، لكنها كانت الملف الأبرز الذي تدور حوله الصراعات الدولية، إلا أن دول العالم وقواه الرئيسية تستمر في دفع الملف السوري جانباً، ما يضعف الأمل في إحداث أي تغيير قريب في المعطيات وموازين القوى الراهنة، التي أنتجتها سياسة واشنطن بخصوص الملف السوري في عهد الرئيس باراك أوباما، وقادت إلى وضع موسكو وطهران في مقدمة القوى الفاعلة في البلد.

لن تتغير هذه التوازنات قريباً، لأن أحداً لا ينازع روسيا موقعها في الملف السوري، ولأنه حتى إذا تم إجبار طهران على تقديم تنازلات في صراعها مع واشنطن وحلفائها في الخليج، وحتى إذا شملت هذه التنازلات نوعية تسليح الميليشيات التابعة لطهران في سوريا، فإن المؤشرات الحالية لا تعطي أملاً بأن تشمل هذه التنازلات تواجد الميليشيات الإيرانية على الأراضي السورية طالما التزمت بانتشار وتسليح لا يهدد أمن إسرائيل، ولا الحضور السياسي الإيراني الفاعل في سوريا، التي تم تهجير أكثر من ربع شعبها إلى خارجها، بينما غالبية السكان الباقين فيها يعيشون أوضاعاً كارثية.