يواجه النازحون في محافظة إدلب سيناريوهات كارثية مع اقتراب الشتاء، فأغلب السكان الهاربين من بلداتهم التي تتعرض للقصف، أو التي احتلتها قوات النظام، لم يستطيعوا تأمين مأوى حتى اللحظة. وقد بلغ عدد النازحين منذ نهاية شهر نيسان (أبريل) الماضي 630 ألف نسمة حسب تقديرات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (الأوتشا)، كما ذكر التقرير أن احتياجات الاستجابة للأزمة الإنسانية في إدلب تقدر بحدود 74.8 مليون دولار، وهو مبلغٌ لم يتم تأمين أي جزء منه حتى اللحظة.

ويعيش أغلب النازحين الذين خرجوا من بيوتهم خلال التصعيد الأخير خارج المخيمات المعترف بها من قبل الجهات المانحة، وستتحول الظروف بالغة الصعوبة التي يعانون منها إلى كارثة إنسانية إذا بدأ فصل الشتاء من دون تأمين الاحتياجات الأساسية لهم. وقد تحولت المخيمات على الشريط الحدودي مع تركيا إلى أكثر الأماكن اكتظاظاً في الشمال السوري؛ «بعض الخيام تضم أربعة عائلات في مخيمات أطمة، الوضع فوق طاقتنا بكثير، وينبغي أن يتدخل المجتمع الدولي لتلبية احتياجات النازحين»، يقول حسن، وهو أحد العاملين الإنسانيين في إدلب.

تحصل المخيمات المعترف بها من المنظمات الدولية على القليل من الدعم عبر المنصات التابعة للأمم المتحدة، لكنها لم تستطع استيعاب سوى نسبة قليلة جداً من النازحين الجدد. يُقدِّرُ العاملون في المجال الإنساني أن عدد النازحين الجدد الذين استوعبتهم هذه المخيمات يتراوح بين خمسين ومئة ألف نسمة، ما يترك الغالبية العظمى من النازحين من دون مأوى، بل وحتى من دون خيام. وحتى أولئك الذين استطاعوا الحصول على خيام من خلال مساعدات قُدِّمَت لهم، أو عبر شرائها مباشرةً، فإن أوضاعهم ليست أحسن بكثير، لأن المنظمات الدولية والأمم المتحدة لا تعترف بمخيماتهم التي أُقيمت على عجل، والتي لا تتطابق مع معايير وضعتها منصّة تأمين الإيواء للنازحين، مثل موافقة ملّاك الأراضي التي أقيمت عليها هذه المخيمات، ووجود وثائق رسمية، وغير ذلك من شروط يستحيل توافرها في حالات كثيرة. يتابع حسن حديثه للجمهورية: «يمكن إقامة مخيمات في الأراضي المعروفة بالأميرية أو المملوكة للدولة، لكن هذا لا يتطابق مع معايير المنظمات المانحة للأسف، لذلك فإن هذا الأمر يضعنا في موقف خطير؛ معظم النازحين يقيمون خارج المخيمات التي يمكن أن تحصل على مساعدات لمواجهة الشتاء، ما الذي سيفعله هؤلاء؟ً! نحن أمام أكثر من نصف مليون نسمة خارج حسابات الداعمين».

علي هو نازحٌ من ريف حماة الشمالي، يسكن الآن مع عائلته في خيمة بسيطة بالقرب من بلدة حزّانو بريف إدلب، يقول للجمهورية عبر واتس آب: «الوضع الآن أكثر من كارثي، لا يوجد لدينا شيء، لا ماء ولا دورات مياه، ولا أي شيء، بعض جيراني يسكنون في سياراتهم التي خرجوا بها… إلنا الله».

وتنتشر معظم المخيمات العشوائية في الأراضي الزراعية، وسيجد سكانها أنفسهم في وضع بالغ الخطورة مع بدء موسم الأمطار، وذلك نتيجة السيول ونوعية التربة التي ستتحول إلى برك طينية. وكانت المخيمات النظامية المعترف بها تشهد أوضاعاً كارثية خلال السنوات الماضية مع كل عاصفة مطرية غزيرة، رغم أنها تحصل على دعم لوجستي من المنظمات لتهيئة أرض المخيم والحصول على تدفئة، وبالمقارنة نستطيع أن نتخيل الأوضاع التي سيعيشها النازحون الجدد تحت أشجار الزيتون وفي الخيام المقامة على عجل، الذين سيواجهون احتمالات الموت جراء البرد والسيول وانزلاقات التربة إذا وصل فصل الشتاء دون استعداد مسبق.

حتى الآن، جميع الخطط المطروحة من قبل منصات الأمم المتحدة تشمل المخيمات المعترف بها فقط، بينما لا تستطيع المنظمات المحلية العاملة في إدلب سوى طلب زيادة الدعم لتقديم الاحتياجات الأساسية للنازحين، التي تضم الغذاء والمياه النظيفة، أمّا إقامة مشاريع لتسوية الأراضي وحماية الخيام وعزلها، وتقديم التدفئة وإقامة دورات المياه والصرف الصحي، فإنها تحتاج إلى موافقة المانحين الكبار والأمم المتحدة. وقد لعبت المنظمات المحلية وشبكات التضامن الأهلي دوراً مهماً في تأمين بعض الاحتياجات الطارئة خلال الفترة الماضية، إلا أن هذا لا يمكن أن يكون قادراً على مواجهة احتياجات فصل الشتاء.

وبالمقابل، فإنه من المستبعد أن يكون هناك عودة قريبة لهؤلاء النازحين أو بعضهم إلى المناطق التي نزحوا منها، وذلك نتيجة سيطرة قوات النظام على عدد كبير من القرى والبلدات، واستمرار القصف اليومي على قرى وبلدات جنوب إدلب وسهل الغاب، والدمار الواسع في المنازل والمرافق المدنية والبنى التحتية للمناطق المستهدفة.

السماء ليست صديقة للنازحين، الأمطار والبرد سيهددان حياة أطفالهم، والقصف على بلداتهم أو احتلالها من قبل النظام يمنعهم من العودة؛ أوضاعٌ لا تُحتمَل يعيشها أكثر من نصف مليون نسمة في محافظة إدلب، نصفهم من الأطفال وربعهم من النساء، وليس ثمة تحرّك دولي أو إقليمي جدي لمساعدتهم، ولا حتى لوقف أعمال القصف، التي تهدد حياتهم وتترك الباب مفتوحاً على احتمال تزايد أعدادهم في حال استمرار العمليات العسكرية.