تشكل مواضيع مثل الإسلام والاندماج والحجاب والهجرة واللجوء بعضاً من أكثر من القضايا التي تشغل المواطن الألماني ووسائل إعلامه، فاللاجئ حاضرٌ في البرامج الحوارية على التلفزيونات، كما تمتلئ رفوف المكتبات بأبحاث ومخاوف عن ألمانيا التي تتغير إلى غير رجعة، فضلاً عن كتب تتناول خطر الإسلام السياسي وأسلمة ألمانيا. ويمتدّ حضور اللاجئ من الصحافة إلى عصب السياسة الألمانية واقتصاد البلاد والحملات الانتخابية، وصولاً إلى مواقع المواد الإباحية.

ومنذ العام 2015؛ أي بالتزامن مع موجة اللجوء الكبيرة الأولى، بدأت ظاهرة انتشار مقاطع جنسية تحت تصنيف «بورنو اللاجئين» في ألمانيا وباقي أوروبا، ومع مرور الوقت راح يزداد الطلب على مثل هذا النوع من الفيديوهات، وتُظهر أبحاث أجرتها جريدة تسايت (Zeit) أنّ نسبة الطلب على فيديوهات يتم فيها تصوير المرأة اللاجئة والشاب اللاجئ في مقاطع جنسية في ألمانيا قد ارتفعت، ووصلت ذروتها عام 2018. كما أنّ بعض المنصّات التي تركّز على الحجاب والإباحية في تصنيفاتها خرجت إلى الضوء وبدأت تحصد مشاهدات كبيرة. بالإضافة إلى أنّ مواقع البورنو الكبيرة على الشبكة العنكبوتية تؤكد ازدياد الطلب على هذه المشاهد، وأرقام المشاهدات فيها كفيلةٌ بالحديث عن ذلك.

ويكفي أن نضع كلمة refugee في سطر البحث في مواقع البورنو الشهيرة، حتى نرى عدداً كبيراً من مقاطع فيديو تُظهر فتياتٍ يتمّ إخضاعهنّ أو سوقهنّ وإغراءهنّ أو إطعامهنّ مقابل تقديم الجنس… إلخ. ويشكل الحجاب دوماً جزءاً أساسياً من المشهد. هنالك مقاطع أخرى تصور شباباً لاجئين، هم غالباً أفارقة، مع فتيات ألمانيات شقراوات أو نساء مُسنّات.

في المواقع الأكثر شهرةً للمحتوى الإباحي مثل؛ Pornhub وRedTube وxHamster، يحظى هذا الصنف من المقاطع بشعبية لا بأس بها؛ ملايين النقرات وكثيرٌ من الإعجابات. بعض المقاطع التي تم نشرها سابقًا لفتيات بمظهر عربي أو بحجاب يعاد نشرها تحت عنوان جديد، لتحمل صفة لاجئ أو تُوضَع تحت هذا التصنيف، كما أنّ مقاطع أخرى تم إنتاجها خصيصاً للتماشي مع «الستريم».

ما هو بورنوغرافيا اللاجئين؟

في أحد مقاطع الفيديو يدنو المصور من فتاةٍ خلف طاولة مستخدماً كاميرا متواضعة، ثمّ يقترب بالكاميرا بشكل أكبر ليصوّر تفاصيل وجهها التي ينبغي أن تُظهر شعورها بالخوف وعدم فهمها ما يحدث، عندها يبدأ الشاب بالتفاوض معها، باللغة الإنجليزية، على إمكانية إقامتها شريطة أن تشاركه الفراش. ولا تبدو الفتاة هنا مهتمةً بحديثه قدرَ اهتمامها بقطعة «الدونت» الموجودة في صحنٍ مقابلٍ لها. تأكل الفتاة قطعة «الدونت» بكلتا يديها مع الخبز، وتلعق أصابعها بين حينٍ وآخر. ثمة فنجان قهوة على يسارها وكأس يشبه كأس النبيذ على يمينها. كل شيء يبدو مهملاً في هندامها، عدا خط الكحل الغامق المرسوم بدقة تحت عينها وخط آخر أزرق اللون فوق العين، وهذا ما يعتبر قاسماً مشتركاً بين معظم فيديوهات اللاجئين. يلتمع لون الحمرة الفاقع على شفتيها. وتهز الفتاة رأسها موافقةً على كلامه الذي لا نعرف إن كانت تفهمه أو إن كانت تتحدث الإنجليزية أصلاً. يحدث هذا بينما هي ما زالت منهمكةً في قطعة «الدونت».

ثم تغادر يد المصور وعدسته المشهد فوق الطاولة، ليتواصل الحوار تحتها. أقدام الفتاة ترتجف وهو يسيّر أصابعه على ركبتيها. ينتهي مشهد الخمس دقائق بالفتاة وهي مجردة من كل ملابسها عدا الحجاب الأبيض. أما الرجل الأبيض، ذو الملامح المموهة، فتتسارع وتيرة أنفاسه المتلاحقة. يحوز المقطع السابق الذي يحمل عنوان: «فتاة عربية جائعة تتم مضاجعتها مقابل المأوى والطعام»، في موقع xnxx الشهير على مليونين وثلاثمئة ألف مشاهدة.

هنالك مقطعٌ آخر مشابهٌ جداً في السيناريو المُتبّع فيه للمقطع السابق، ولكن مع بعض التغييرات؛ الفتاة، لون الحجاب، مكان التصوير. يحوز هذا المقطع على ثلاثة أضعاف عدد مشاهدات المقطع السابق، وهو يُصور صاحب منزل وهو يصعد درجاً في بناءٍ متواضع، ليصل إلى غرفةٍ تفتح له بابها صبيةٌ ترتدي الحجاب. يسألها إن كانت مرتاحةً، ويخبرها أن بوسعها الإقامة في الغرفة قدر ما تشاء، ثمّ يجري الحوار التالي: هل أنت لاجئة؟ يسأل الرجل، فتجيب الفتاة بالإيجاب عبر الإيماء برأسها. يطلب منها أن تُجيب بنعم، فتجيب! ثم يُخرج بعض اليوروهات من جيبه ويعرضهم عليها، ولكن بالتأكيد ليس بدون مقابل. تهزّ الفتاة رأسها وتقول بالعربية: شكراً، ولكن ليس كبائعة هوىً لعوب، إنما كفتاةٍ محتاجة للنقود. مدة المقطع السابق سبع دقائق، ويحصد أكثر من ستة ملايين مشاهدة على الموقع نفسه.

يتشابه عددٌ كبيرٌ من المقاطع في طريقة الإخراج والمحتوى، في حين تتمايز عن بعضها في السيناريو. نجد عناوينَ من قبيل: «الفتاة العربية اللطيفة تبحث عن مساعدة، لحسن الحظ وجدتني»، «لقد اصطحبتُ اللاجئة العربية معي إلى المنزل وأحسنتُ معاملتها»، «الفتاة اللطيفة تبحث عن عمل، ليس لدينا وظيفة لكننا عرضنا عليها عملاً من نوعٍ آخر». أما التعليقات الموجودة في أسفل هذه الفيديوهات، فتحمل نبرةً تهكمية، وغالباً ما تشير إلى سياسة الترحيب واللجوء: female، refugees، welcome، Flüchtlingsfotzen willkommen.

الحجاب واللجوء والمقاطع الإباحية

لا يُعتبر إنتاج مقاطع فيديو إباحية تصوّر فتياتٍ يرتدين الحجاب أمراً جديداً، وانتشاره ليس وليد أزمة اللجوء، فممثلة البورنو اللبنانية الأميركية ميا خليفة تعتبر رائدةً في خلق هذا الاتجاه في عالم صناعة الإباحة، فهي ارتدت حجاباً من أجل إخراج بعض الفيديوهات، ونالت هذه الفيديوهات قبولاً واستحساناً كبيراً على مستوى العالم، ونجحت، ليس فقط في إثارة الجدل المنشود، بل في إدخال هذا النوع كتصنيفٍ جديدٍ له متابعوه في عالم الإباحية. وبحسب إحصائيات موقع بورن، فإنّ ميا خليفة تعتبر ثاني أكثر نجمة بورنو يجري البحث عنها في الموقع، بواقع 288 مليون مرة.

لقد ارتبطت الفيديوهات الموضوعة تحت تصنيف اللاجئين في صناعة المحتوى الإباحي بفتياتٍ يرتدين الحجاب، رغم أنه في الحقيقة ليست كل اللاجئات مسلمات، وليست كل المسلمات محجبات، غير أن الحجاب لا يغيب عن هذه الفيديوهات. وقد شاركت ممثلاتٌ إباحيات من أصول هسبانية في تمثيل مقاطع الإباحية، وارتدينَ من أجل ذلك الحجاب.

وبحسب جريدة تسايت الألمانية، فإن هناك منتجين من أمريكا يقفون خلف صناعة مقاطع التصنيف الجديد الذي يحمل ثيمة اللجوء واللاجئات، كما يوجد منتجون ألمان أيضاً. ويحضر أنطونيو سليمان، ممثل البورنوغرافيا السوري، بقوةٍ في المشهد، حيث يلعب أنطونيو في أفلامه مع الفتيات دور اللاجئ، أو السلطان برفقة «حريم» عربيات. هو يضع على رأسه عقالاً ليبدو كعربي، ويصور فيديوهات مع فتيات محجبات. وفي فيلمه الذي يعتبره «أول فيلم بورنو سوري»، يصور نفسه كملكٍ تُقدَّمُ له الجواري، وقد أطلق أنطونيو على الفيلم عنوان: «ملك العرب»، أما في موقع بورن هوب فعنوان فيلمه: «شاب لاجئ يضاجع فتاة مثيرة».

رغم حضور أنطونيو المكثّف في وسائل التواصل الاجتماعي، فإنه يرفض إجراء مقابلات مع الصحف والمجلات، لكنّ صحيفة بيلد bild تمكنت من إجراء حوار قصير معه، وعرّف فيه عن نفسه كلاجئ سوري من حلب، هرب من قصف النظام ومن إرهاب داعش. وكان أنطونيو يحلم بأن يصبح ممثلاً في عالم السينما والمسرح، وبالفعل فإنّ الحرية والليبرالية في ألمانيا قد فتحت له الطريق، لكن عبر بوابة الإباحية.

ويرى الممثل السوري أنّ فيديوهاته «تجسد المخيال الجنسي العربي والفانتازيا الشرقية، وبذلك يحارب داعش التي تقمع النساء وتضطهدهنّ». وقد انفصل أنطونيو عن مركز العمل job center، وهو يموّل نفسه من صناعة الفيديوهات بحسب المقابلة التي أجرها، ولكنّ فيلمه «الملك العربي» سيكون متاحاً بشكلٍ مجاني وغير هادفٍ للربح، وهو يقول عن ذلك: «أفعل هذا من أجل ألمانيا».

ارتباطات سياسية

في محاولةٍ لفهم سياقات الظاهرة وشرحها، تواصلت جريدة تسايت مع منصة بورن هوب Pornhub، الأكثر شهرةً في عالم إنتاج المقاطع الإباحية عالمياً، لتطلب إحصائياتٍ عن معدلات البحث عن مقاطع الفيديو التي تحمل وسم اللاجئين واللجوء، فردّت بورن هوب من جانبها خطياً بأن الموضوع شائك، ونوهت للجريدة الألمانية بأنّ هناك ارتباطاً بين ارتفاع معدلات البحث والسياقات السياسية في البلد، لكنها رفضت إعطاء تفاصيلَ أو معلوماتٍ أخرى.

في حين أنّ متحدثةً باسم xHamster، ثاني أكبر مزود للمواد الإباحية على الإنترنت، قد زوّدت تسايت، بعد تبادل العديد من رسائل البريد الإلكتروني، بجدولين: يوضح الجدول الأول التغير الشهري في عدد عمليات البحث التي حوت كلمة Refugee على الموقع، بينما يعرض الجدول الثاني النسبة المئوية لعمليات البحث عن كلمة «لاجئ» بالنسبة إلى إجمالي عدد النقرات على الصفحة.

وحاول فريق عمل جريدة تسايت الوصول إلى ارتباطات وأرقام وربطها بالمشهد السياسي، فظهر في مجموعات البيانات المُقدّمة من xHamster في ألمانيا، تفاوتٌ كبير في معدلات البحث باستخدام كلمة Refugee بين كانون الثاني (يناير) 2015 ونيسان (أبريل) 2018. وتوصّل محللو البيانات من خلال ذلك إلى أنّ ارتفاع نسب الطلب على المشاهد الإباحية للاجئين يتزامن مع تطورات سياسية في مشهد اللجوء والمشهد السياسي في ألمانيا، إذ أنّ أهم مراحل ازدياد الطلب كانت من آب (أغسطس) 2015 حتى آذار (مارس) 2016؛ وذلك عندما سمحت الحكومة الألمانية للاجئين بالدخول إلى البلاد قادمين من المجر، والمرحلة الثانية كانت في أيلول (سبتمبر) 2017، وهو شهر الانتخابات العامة، وقت ازدياد صعود اليمين المتطرف في ألمانيا، فارتفعت حينها نسب البحث على الموقع عن اللاجئين في ألمانيا بمعدل 114 بالمئة، لتصل إلى أكثر من ثمانمئة ألف مرة.

وتعلق الجريدة على ذلك بالقول: «في الوقت الذي تناقش فيه البرامج الحوارية موضوع أسلمة البلاد ووضع سقف أعلى لاستقبال اللاجئين، وفي حين تمتلئ الشوارع بملصقات حزب اليمين المتطرف المعادي للاجئين AFD، وتتعالى الأصوات حول سياسة ميركل في مواضيع الهجرة، تتجه، وفقاً لسجلات بيانات xHamste، معظم عمليات البحث للبحث عن اللاجئين في مشاهد إباحية».

من يهتم لمشاهد اللاجئين الإباحية؟

لا تكشف بيانات مواقع البورنو عن عدد الأشخاص الذين يبحثون عن اللاجئين خلف مربع البحث، ولا يمكن معرفة هوية أولئك الذين يستهويهم ويشبع غرائزهم متابعة مقاطع جنسية للاجئين، ولكن بالنسبة لعلماء الجنس فإنّ الظاهرة ليست جديدة كلياً، وهنالك دراسات مماثلة في الولايات المتحدة تبحث في تمثيل الأقليات في المواد الإباحية، لكن لم يتم، حتى الآن، القيام بمثل هذه الأبحاث في ألمانيا.

ويرى عالم الجنسانية ورئيس المجمع الألماني للدراسات الاجتماعية الجنسية، البروفيسور ياكوب باستوتر، في تصريحٍ للجمهورية أن «مقاطع الفيديو الإباحية لها عمرٌ افتراضيٌّ قصير، وهي بحاجة للتجديد بشكل مستمر ولا نهائي، والبورنوغرافي بحاجة دوماً لعنصر الغرابة كي تحصل الإثارة، حتى لو كان المنتَج هو نفسه في المحصلة، إذ أن الفعل يبقى نفسه ولا يتغير، إلا أنّ التغيير والابتكار والتجديد يبقى عاملاً مهماً للإبقاء على حيوية المَشَاهد وإثارتها».

وبالنسبة لباستوتر، فإنّ متابعي البورنو هم فريقان؛ «أولهما المرحبون باللاجئين من ذوي النوايا الحسنة، الذين يساعدونهم ويدعمونهم في حياتهم الجديدة، ويغريهم فضولهم للنظر في ما وراء المستور، أما الفريق الثاني فهم من اليمين المتطرف وكارهي الآخر، وهؤلاء يبحثون عن الجنس من أجل تغذية عدوانيتهم وإشباعها، وكأن لسان أحدهم يقول: من المستحيل أن أكون في علاقة مع فتاة لاجئة، ولكنّي أريد بشدة أن أراها في مشهد إذلال».

وإذا استعنّا بـ غوغل تريند لنعرف في أيّ المُقاطعات يجري البحث عن هذا المحتوى، وأدخلنا في مربع البحث كلمتي refugee porn، وحددنا ألمانيا كمنطقة جغرافية لعملية البحث منذ عام وحتى الآن، ستكون ولاية ساكسونيا في شرق ألمانيا هي الأولى في قائمة المقاطعات التي تبحث عن هذا النوع من المقاطع الإباحية، وهي الولاية التي تعتبر اليوم التربة الأكثر خصوبةً لليمين المتطرف، والتي انبثقت منها جماعة بيغيدا Pegida (اختصاراً لعبارة وطنيون أوروبيون ضد أسلمة الغرب) المعادية للأجانب، والتي تنظم مسيراتٍ أسبوعية ضد المسلمين.

لماذا الإقبال على المشاهد الإباحية؟

في مقالٍ لها في صحيفة واشنطن بوست بعنوان «المواد الإباحية ليست مجرد خيالات شهوانية، وإنما عنف ثقافي»، تقول جوليا لونغ إن «من الأهمية بمكان فهم المواد الإباحية كشكلٍ من أشكال العنف ضد المرأة». وتضيف أنّه: «في الغالب يتم إنتاج المحتوى واستهلاكه من قبل الرجال، وتكشف متابعة البورنوغرافي اليوم عن نمطٍ كئيب ولا نهائي من السيناريوهات لهيمنة الذكور وتبعية الإناث، ويدلل على ذلك تصنيفات المواقع لمحتواها من خلال أفعال جنسية محددة وأجزاء من جسم الإناث، بالإضافة إلى العِرْق والجنسية والعمر».

وتتألف المواد الإباحية السائدة، بحسب لونغ، من «أعمال عنف مباشر ضد المرأة تمّ إقرارها اجتماعياً، فما يمكن اعتباره عنفاً جنسياً ووحشية في سياقات أخرى، يتم تداوله كأمر طبيعي في المواد الإباحية. وفي المشاهد الإباحية تحت عنوان بورنوغرافيا اللاجئين، نلاحظ أن النساء يُعاملَن كأشياء أو سبايا أو كائنات مثيرة للشفقة، و(يتم الفعل بهن). السمة الوحيدة المميزة لهيئات النساء هي أنّهن متاحات ومُنتهكات».

وفي نظرية بعنوان «مثلث العنف»، يفرّق عالم الاجتماع النرويجي يوهان غالتونغ بين نوعين من العنف؛ العنف الهيكلي والعنف الثقافي. والعنف برأي غالتونغ لا يقتصر فقط على تطبيق القوّة الجسدية المباشرة، بل يتجلّى بأشكال متنوعة، ويلعب العنف الثقافي دور المشرّع للعنف المؤسساتي والمباشر. ويشرح غالتونغ ذلك بالقول: «نعني بالعنف الثقافي الجوانبَ الثقافية والمجال الرمزي لوجودنا، والمتجلية في الدين والإيديولوجيا واللغة والفن والعلوم التي يمكن استخدامها لتبرير أو تشريع العنف المؤسساتي، وتتجلى أكثر أشكال العنف الثقافي تأثيراً باللغة المحكية والوسائط الفنية المنتشرة بشكلٍ كبير بين العامة؛ لأنها تعكس الثقافة الشعبية من جهة، وتلعب دوراً في تشكيل ما يمكن تصنيفه عامةً بالـمقبول والطبيعي مقابل المرفوض والعنيف من جهةٍ ثانية».

الخوف والسلطة والغرابة

يوضح باستوتر للجمهورية ديناميكية الجنس والبورنوغرافي، مشيراً إلى أنّ «معظم التخيلات الجنسية والإيروتيكية يمكن إعادتها لسيكولوجيات نفسية، وهناك ثلاثة عوامل تقف خلف صناعة البورنوغرافي وفي عصب المشاعر البشرية؛ هي الغرابة التي تحرك الإثارة والخوف والسيطرة».

ويعتبر عالِم الجنسانية أنّ الجنس «شكلٌ من أشكال التعبير عن الرغبة بالوصل، لكنه في جوانبه الأخرى المظلمة يعبّر عن العنف والعدوانية والخوف، وهذه الجوانب المظلمة واضحة في الكتب السماوية وفي استقراء التاريخ، فالبشر لا يميلون لمشاهد عارية للأجساد التي يحبونها ويشتهونها فحسب، وإنما لتلك التي يخشونها أو يكرهونها أو يشعرون بانعدام الحيلة أمامها. وفي هذا السياق فإنّ كلمة fuck you بالإنجليزية تستعمل كشتيمة، ولا تعني أنا أرغب بك، بل تحمل معنى الإهانة».

يعتمد علم التحليل النفسي في تفسير الرؤى الجنسية على أسسٍ نفسية، فلو رأى المرء نفسه يضاجع مديرته في الحلم، أو لو رأت الفتاة نفسها تضاجع أباها، فهذا لا يعني أنّ لديهما رغبة في ذلك الجسد أو أنهم يشتهونه، وإنما يهابونه أو يشعرون بالتعنيف من جهته. والرؤى الجنسية هنا، بحسب باستوتر، هي «محاولة العقل لمعالجة المعلومات والحوادث». وعبر إسقاط الأمر على ظاهرة بورنوغرافيا اللاجئين، يرى باستوتر أنّ «المحافظين في ألمانيا واليمينيين المتطرفين يخشون المسلمين، ويشعرون أمام موجة اللاجئين بقلة الحيلة. والعجز وانعدام ذات اليد، ولذلك يحاولون ترويض مشاعرهم (بشكلٍ لا واعٍ) عن طريق تغذية مخيلتهم بهذه الصور.

وفي الإجابة عن سؤال؛ لماذا يجب أن تكون الفتيات محجبات وأن يترافق المشهد بقصة إذلال أو تصوير اللاجئة على أنها متسولة؟ يقول باستوتر: «إنّ البورنوغرافي يعتمد على أسلوب رواية القصص، وبسبب هامشية دور القصة يتم اختزال عناصر القصة إلى أبسط أشكالها. الحجاب هنا هو رمز لهوية اللاجئة ورمز للإسلام الذي يخشاه قسمٌ من المُشاهدين، وقصة المرأة الراضخة المطيعة هي إذلالٌ هدفه نزع السلطة والخوف من المُشاهِد عديم الحيلة، وإعطائه سلطة ولو لحظية، ولا تدور المَشاهد حول الرغبة، ولا تتمركز حول جسد الأنثى اللاجئة، وإنما حول السلطة والخوف والعدوانية».

في مسلسل هاوس أوف كاردز house of cards تسأل الصحفيةُ عضوَ الكونغرس فرانك الذي يقايض حصولها على معلوماتٍ منه بجسدها: لماذا تريد أن تضاجعني! أنت متزوج وبالتأكيد لا تشعر بالمتعة معي. فيجيب مقتبساً عن أوسكار وايد: «كل شيء في الحياة يدور حول الجنس، ماعدا الجنس نفسه. إنه يدور حول السلطة». فهل يلخص فرانك لسان حال شطرٍ من متابعي الإباحية والباحثين عن اللاجئات عارياتٍ إلا من قطعة حجاب خلف الكاميرا؟