حزب شيوعي لا اشتراكية ديمقراطية؛ هو كرّاس من العام 1944 ليوسف سلمان يوسف، أو «الرفيق فهد»، أحد مؤسسي الحزب الشيوعي العراقي وقائده الأوّل، ولاحقاً شهيده الذي سيحتلّ مكانة بارزة في المارتيرولوجيا الشيوعية العربية، وإليه تُنسب صرخة «الشيوعية أقوى من الموت، وأعلى من أعواد المشانق» قُبيل إعدامه في الرابع عشر من شباط عام 1944، في ظلّ حكومة نوري السعيد وبتصميم منها.

لست أعلم إذا كان من المفيد التقليبُ في صفحات هذا اليوم، لكنّ ميزة النصوص التي تحفر فيك في سنّ المراهقة هي أنها تعود فتداهمك في أوقات مختلفة من حياتك. تزامنَ اطّلاعي على هذا النص، في مطلع مراهقتي، مع انهيار الاتحاد السوفياتي وحلف وارسو، وهروع أحزاب شيوعية عدّة للتمثّل بالأحزاب الاشتراكية الديمقراطية، أو التوبة إليها بوصفها طوق نجاة. كان ذلك قبل أن يظهر أنّ الانهيار مزدوجٌ إلى حد كبير؛ للحركة الشيوعية شرق وغرب أوروبا من ناحية، واضمحلال ما هو اشتراكي في الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية وميل مردودها الانتخابي إلى التراجع منذ مطلع هذا القرن من ناحيةٍ ثانية.

ما كان يقوله لي نصّ الرفيق فهد، وأنا بعدُ في سن الثانية عشرة أو الثالثة عشرة، أو الفكرة التي استقيتها منه بإخراجها إلى حدٍّ ما من سياقها؛ هو أنّه ينبغي فعل أي شيء باستثناء العودة إلى الوراء، من نموذج الحزب الشيوعي إلى نموذج الحزب الاشتراكي الديمقراطي. في الأعوام اللاحقة كانت هذه الوصيّة المُتخيّلة تدفع بتفكيري إما للبحث عن كيفية إحياء نموذج الحزب المركزي الذي يسري فيه مبدأ «وحدة الإرادة والعمل»، مع الحرص في الوقت نفسه على تبدية ما كانت المدرسة الأولى لهذا النموذج (حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي لعامة روسيا_ الجناح البلشفي) تظهره من حيوية سجالية ونقدية داخلية، وإما نشد نموذج من «نمط جديد»، باعتبار أنّ «الحزب من نمط جديد»، الذي صاغه لينين لزمانه، قد أنجز ضرورته التاريخية… وأدّى قسطه للعلا. ما استمرّ طيلة هذه السنوات هو الاقتناع بأساسية الأحزاب السياسية مع الحداثة، وبالتأفّف من كل مسعى استبدالي للأحزاب السياسية بالحركات الاجتماعية، أي بمعنى آخر: استمرار هذه النظرة إلى الحزب السياسي على أنّه «الأمير الحديث» الذي تحدّث عنه غرامشي، وذلك بالمقابلة مع «أمير» ميكيافيللي.

في الوقت نفسه، كانت الأسئلة عمّا يميّز في واقع الحال، وعمّا يجدر به أن يميّز، الحزب التقدّمي عن الحزب الرجعي، والحزب التغييري عن الحزب «الصيانيّ» للنظام القائم، والحزب الثوريّ عن الحزب الإصلاحي، وعن أشكال التفاعل النافعة والمطلوبة من الحزب السياسي، لا سيّما إذا كان تقدّمياً وجماهيرياً وتغييرياً وتعتمل فيه نزعات ثورية، مع الكثرات المتعدّدة والنضالات المختلفة ضدّ شتى أشكال الاستغلال والاستلاب والاضطهاد والغيبية في مجتمع ما. لكن، للبوح أكثر، فقط في السنوات الأخيرة بدأت فكرة «الأمير الحديث» هذه تتعرّض للمطاعن في ذهني، ويرتبط ذلك بسؤال محيّر: هل الأكثر تنظيماً هو الأكثر فعالية حكماً، ماذا لو كان الأكثر تنظيماً يكبّل نفسه بنفسه؟، ولا يُختزل هذا السؤال في ديمقراطية التنظيم من عدمها، على الرغم من مفصلية هذا الاعتبار.

الرجحان حتى الآن للامتناع عن تقديم إجابة على كل هذه الأسئلة حتى إشعار آخر، وهذا باستثناء مجازفة يتيمة، هي تلك التي أبادر إليها هنا. ولنقل إنها مجازفة بالمنافحة عن الحق في نوستالجيا متعددة، بل منقسمة على ذاتها، وعدم الخوف من «سجن النوستالجيا». لا، النوستالجيا يمكنها أن تحرّض أيضاً على المعرفة، ويمكنها أن تحرّر.

هي أوّلاً نوستالجيا لفترة اطلاعي على هذا الكرّاس من ضمن الأعمال الكاملة للرفيق فهد التي كانت قد نشرتها دار الفارابي؛ نوستالجيا للحظة الجدل بين وقائع «العودة» إلى الاشتراكية الديمقراطية بالشكل الحاصل بعد انهيار الشيوعية السوفييتية، وبين وصية فهد بالـ«لا عودة»، وهذا قبل الاكتشاف لاحقاً بأنّ الاشتراكية الديمقراطية لم تعد هي أيضاً موجودة، وأنّ العودة إليها باتت تعني خلقها مجدداً من قبل من تاب إليها فقط تحت دوي انهيار منظومته اللينينية؛ منظومة القطيعة مع الاشتراكية الديمقراطية والأممية الثانية.

دُبّجَ كرّاس فهد في مرحلة تصدت فيها قيادته لسلسلة من حالات التمرّد والانشقاق في الحزب، كان أبرزها خروج مجموعة داوود الصايغ (رابطة الشيوعيين العراقيين) عام 1943. في غمرة هذا الصراع المحموم، لم يجد فهد أفضل من استعادة ثنائية جناحي الاشتراكية الديمقراطية الروسية؛ البلاشفة والمناشفة، وإسقاطها على الحالة العراقية، وذلك باعتباره يخوض واحداً من تجليات استمرار هذه «الثنائية التزامنية»، ويكافح ضدّ المنشفية المتنكرة في لباس لينينية زائفة، مثلما وظّف فهد «الثنائية التعاقبية» بين الأمميتين الثانية والثالثة، غير متردّد في وصف الأولى بأنّها كانت «أممية عمّال من حيث تركيبها، لكنها كانت تؤلف تيارات غريبة عن قضية العمال»، أما الأممية الثالثة المُؤسَّسة عام 1919، والتي ينافح عنها فهد، فكانت حُلّت قبل عام من كتابة هذا الكرّاس، وهو يبرّر في موضع آخر لهذا الحلّ باعتباره «خَدَمنا بتوسيع إمكانيات العمل على نطاق واسع مع جميع الهيئات الشعبية الديمقراطية، ومع جميع الوطنيين المخلصين»، لكنه يهاجم المجموعة المعارضة له في الكرّاس، كونها «تدّعي» بأنّ الحكومة السوفييتية هي التي حلّت الكومنترن!

إذن، يجذّر فهد قطيعتين؛ الأولى ضمن الاشتراكية الديمقراطية الروسية، بين البلاشفة والمناشفة، مع أنّهما بقيا لسنوات طويلة بمثابة جناحين في حزبٍ واحد، لا يُختزل بهما فقط، ويتأرجح بين هذين الجناحين عدد من أبرز قادته. زد على أنّ البلاشفة حملوا تسمية «الاشتراكية الديمقراطية» مطوّلاً، ولم يتخففوا منها إلا بعد استيلائهم على السلطة بأشهر، وتحديداً في آذار (مارس) 1918. أما القطيعة الثانية بين الشيوعيين والاشتراكيين الديمقراطيين، فإنّها حضرت بشكل «إطلاقيّ» عند فهد، في زمن كانت أحزاب الاشتراكية الديمقراطية الأوروبية لا تزال تقرّ بمقولة «ديكتاتورية البروليتاريا»، أقلّه على الصعيد الإيديولوجي «النظريّ»، في حين لا يقرّ تمذهب فهد بالستالينية بوجوب سعي الشيوعيين في المستعمرات وأشباه المستعمرات إلى مثل هذه الديكتاتورية، وإنّما إلى التحالف مع البرجوازيات الوطنية في وجه الاستعمار والرجعية، مع الحرص «الهوسي»، في الوقت نفسه، على استبعاد تأثير «الطبقات الغريبة» على حركة العمّال.

تأتي قيمة هذا الكرّاس الأساسية في عنوانه: حزب شيوعي لا اشتراكية ديمقراطية، وذلك بالنسبة للحال في بلدان عربية لم تشهد أساساً ازدهار فروعٍ للأممية الثانية، بل انتقلت رأساً من تسرّب جزئي للأفكار الاشتراكية عند بعض حركات النهضة الثقافية باللغة العربية إلى تأسيس فروع للأممية الثالثة، تأثراً بروّاد وبوهج ثورة أكتوبر، التي زادت على شعار وحدة العمال شعار وحدة الشعوب المضطهدة، وتطلّعاً إلى دولة أهل الخير السوفييتية ووعود الجنّة الأرضية. ولم تعرف البلدان العربية لا قيام حلقات فكرية ولا أحزاباً جماهيرية تنتمي إلى تركة الأممية الثانية في زمانها. وحضر مندوبون عن الهند واليابان في مؤتمرات الأخيرة وغاب العرب.

لقد تطوّرت أمور أوروبا الغربية في فترة ما بين الحربين لناحية بلورة مفهوم استقطابي ليسار منقسم بين «إصلاحيين» و«ثوريين»، بحيث كان مفهوماً تغلب فيه تارة وحدة اليسار (مثال الجبهة الشعبية في فرنسا منتصف الثلاثينيات)، وتارة يغلب منطق الفرز (مثال اعتبار الاشتراكية الديمقراطية الألمانية بمثابة «اشتراكية فاشيّة» في مرحلة «الانعطاف إلى اليسار» مطلع الثلاثينيات، ما سهّل الأمور أمام «القومية_الاشتراكية» النازية).

أما بعد الحرب العالمية الثانية، فقامت الأحزاب الحاكمة ضمن الفلك السوفييتي في أوروبا الشرقية على وحدات غير متوازنة، بين الشيوعيين وبين قسم من الاشتراكيين الديمقراطيين، تحت راية الأوائل، ولكن مع الاستغناء عن التسمية «الشيوعية» بالنسبة إلى الأحزاب التي حكمت في ألمانيا الشرقية وبولونيا والمجر.

ولذلك، فإن ثنائية اليمين واليسار لم تكتمل إلا بقيام الأممية الثانية، ومحورية «الاشتراكية_الديموقراطية» الألمانية في إطارها، فمع الأممية الثانية تحقق الجمع الشامل بين الانتساب إلى تركة عصر التنوير والعقلانية الفردية _ الكونية، وبين الانتساب إلى «البرنامج الاشتراكي»، المبلور أساساً في ذلك الوقت على قاعدة السعي لأجل «تشريك» وسائل الإنتاج. في المقابل، رغم أنّ بيسمارك هو الذي كان سبّاقاً إلى إنشاء أسس الدولة الاجتماعية في ألمانيا بضمانات اجتماعية متقدمة أكثر بكثير من فرنسا (بلد ثورات 1789 و1830 و1848 و1871)، إلا أنّ هذا لا يجعل من بيسمارك يسارياً، رغم أنّه أمكن الحديث في الوقت نفسه عن «اشتراكية بيسمارك» بمعنى محدّد؛ بمعنى إرساء أول نظام اجتماعي في التاريخ الحديث يمكن فيه بالفعل للعمال تحسين أجورهم الفعلية، الأمر الذي كان يبدو أشبه بالمستحيل في ظل الرأسمالية بالنسبة إلى ماركس.

مع فشل الأممية الثانية في النهوض بموقف موحّد وعملي على خلفية اندلاع الحرب العالمية الأولى، ومع تبخّر الأوهام حول الحرب الخاطفة وتحوّلها الى حرب خنادق طويلة ومضنية تستهلك الملايين من البشر، ومن ثم الثورة البلشفية، وتالياً فشل المحاولات الثورية المحاكية للبلشفية في أوروبا الوسطى والغربية، نشأت قسمة جديدة: الحركة الشيوعية، في مقابل الاشتراكية الديمقراطية، وتقابلهما من الناحية الأخرى أحزاب يمين الوسط واليمين الصرف واليمين المتطرف.

لأجل هذا، فإنّ الفارق الأساسي عند طرح ثنائية يمين ويسار عربياً أنّ هذه البلدان لم تعاصر إيديولوجياً وسياسياً فترة صعود «الأممية الثانية» 1889_1914، واقتصر فيها اليسار، لفترة طويلة، على أحزاب «الأممية الثالثة» الشيوعية، وانتقل من ثمّ ليصبح أشبه بمرادف للأنظمة «التقدمية» القومية العربية المُنادية بالإصلاح الزراعي والتأميمات، والمتبنية بشكل مقتضب وملتوٍ لتركة عصر التنوير (العقلانية الفردية _ الكونية ومستتبعاتها). وبخلاف الهند التي تطوّر فيها التيار الأساسي في الحركة الوطنية (حزب المؤتمر) باتجاه «اشتراكي _ ديمقراطي» إلى حد معيّن، مستفيداً من اعتماد منتظم للديمقراطية البرلمانية والانتخابات التنافسية، فإنّ إِعراض «الأنظمة التقدمية» العربية عن «الديمقراطية البرلمانية»، وإفرازها تنويعات مختلفة من «الديمقراطيات الشعبية» شكّل مساراً ليس من شأنه تنمية ثنائية تزاحمية حقيقية بين يسار ويمين.

ولدت الحركة الشيوعية، من روسيا إلى ألمانيا إلى فرنسا، كانشقاق عن الاشتراكية الديمقراطية، وهو ما لم يحدث في حال العراق والبلدان العربية. مع ذلك، يصارع الرفيق فهد ضدّ اشتراكية ديمقراطية محلية مُتخيلة، وذلك بوصفها انشقاقاً عن الحركة الشيوعية، أو محاولةً للعودة بالأخيرة إلى الخلف. هو يتحدّث عن «الاشتراكيين الديمقراطيين الذين ترشيهم الطبقة الرأسمالية في أوروبا بالمراكز الوزارية والرواتب الضخمة، وترشيهم عندنا الآن بتبرعات ومساعدات للزواج، ووعود بجرائد علنية وحفلات ليلية، ولا نريد أن نتنبأ عن عطاءاتها لهم في المستقبل». القسمة عنده مانوية بامتياز: الثنائية «البلشفية _ المنشفية» لم تعد ابنة سياقها التاريخي الروسي، بل ذات أثر عالمي أيضاً، وهي تتجدّد حتى مع انقراض المنشفية نفسها. يقول: «إنّ الانتهازيين هنا قلّدوا إخوانهم المنشفيك البائدين في روسيا، ولم يأتوا بشيء جديد مبتكر، هم لم يقلدوهم لمجرد التقليد أو حباً به، ولم يكن هذا التقليد قضية شخصية، بل ظاهرة اجتماعية». بديهيّ هنا أنّ لا فهد، ولا مناوئيه ضمن الحركة الشيوعية العراقية يومها، قرأوا حرفاً واحداً ليوليوس مارتوف أو لسواه من رموز المنشفية. لم تكن المنشفية تنكر مقولة ديكتاتورية البروليتاريا بوصفها ضرورة لا غنى عنها في مرحلة الثورة الاشتراكية، لكنها كانت تنكر وجوب الانتقال إلى مهام ثورة اشتراكية قبل أوانها، وذلك ما دام نجاح الثورة الديمقراطية البرجوازية لم يتوطّد بعد، والقوى المنتجة لمّا تتطوّر بالشكل الكافي. أما البلشفية، فظلّت مطوّلاً في مرحلة «الما بين بين»، لا هي تسلّم بديكتاتورية البرجوازية في مرحلة الثورة الديمقراطية، ولا هي تقول بديكتاتورية البروليتاريا الصرف، إنمّا تستثمر في التباس «ديكتاتورية طبقتين» في الوقت نفسه، أو باستعادة مقولة لينين «الديكتاتورية الديمقراطية الثورية للبروليتاريا والفلاحين»، الأمر الذي كان يعدّه ليون تروتسكي تجديفاً نظرياً، وذلك طالما أنّ الفكرة الأساسية من الديكتاتورية الطبقية في كل مجتمع ودولة بالنسبة إلى كارل ماركس هي فكرة ديكتاتوريّة طبقة واحدة، زد على أنّ الفلاحين لم يكونوا مؤهلين، بحسب الأبنية النظرية والمخيلة الإيديولوجية للماركسية الكلاسيكية، لإبداع ديكتاتورية طبقية خاصة بهم… كانت هذه السجالات من مرحلة ما قبل مغادرة البلاشفة مساحة هذا الالتباس، بُعيد «موضوعات نيسان» 1917 للينين، وانضمام تروتسكي لحزبهم بعد ذلك بمدّة وجيزة.

المفارقة هي أنّ الحركة الشيوعية في مرحلتها «الستالينية» لم تكن توصي شيوعيي البلدان العربية سوى بأن يكونوا عملياً «مناشفة» على الصعيد الوطني السياسي، و«بلاشفة» فقط على صعيدهم الحزبي الداخلي والتزامهم الأممي العالمي في نصرة الدولة السوفييتية. على الصعيد الوطني السياسي كان عليهم دائماً البحث عن القطب الأكثر تقدّماً في البرجوازية والوقوف خلفه، والسعدُ تماماً إذا صادق هذا القطب الاتحاد السوفييتي، وأكثر إذا زاره، فالمرحلة هي مرحلة تحرر وطني بقيادة البرجوازية الوطنية، وليست مرحلة ثورة عمالية _ اشتراكية. مع هذا، ينبغي الحرص في الوقت نفسه على عدم ارتداد هذا التفكير «المرحلي» على الحزب البروليتاري الثوري نفسه، والحفاظ على نقائه الطبقي تنظيمياً وأيديولوجياً؛ هو حزب في موقع إعراب «منشفي» على الصعيد السياسي، لكنه ينبغي أن يبقى «بلشفياً» في حياته الداخلية، وأن يكشف «المناشفة» الأشقياء داخله، حتى وهم يتدثّرون بثوب البلشفية أو يقتبسون جملاً من لينين وستالين. وإذا كان لينين قد صدَّرَ كتابه ما العمل؟ (1902) بجملة الاشتراكي الألماني الدولتي فردينان لاسال: (الحزب يقوى بتطهير نفسه)، فإنّ فهد لا يرتوي بذلك، بل يضيف أن «الحزب يطهر نفسه لا من العناصر الخائنة فقط، بل ومن العناصر الثرثارة والخاملة والمخالفة لمبادئه وتعاليمه». واللافت في هذا السياق أن فهد يتحدّث عن التنظيم «وفق سنّة الديالكتيك». ليس نافلاً أبداً في أسلوب تفكيره «السراطيّ» هذا النظر إلى الديالكتيك على أنّه «السُنّة»… السنّة القولية والعملية!

شيء آخر، إن ما أعطى زخماً للنزعة الإصلاحية ضمن الحركة العمالية والاشتراكية في مرحلة ما قبل 1914، كان تطوّر الحركة النقابية نفسها، ونجاحها في معاكسة التصوّرات عن الإفقار المتواصل للطبقة العاملة، والتمكن من رفع القيمة الفعلية للأجور، وهو ما ظلّ «الماركسيّون الأرثوذكس» يكابرون عليه في هذه الفترة، إلى أن وجد قسمٌ منهم تفسيره لهذا التحسّن في أجور العمال في الدول الصناعية بظروف الهيمنة الإمبريالية على المستعمرات وأشباه المستعمرات بشكل أساسي. في المقابل، يعيد الرفيق فهد في كراسه ظهور عناصر «انتهازية» و«منشفية» و«اشتراكية ديمقراطية» مستترة داخل حزبه، ليس إلى نمو الحركة النقابية، ولا إلى نمو الديمقراطية البرلمانية (كما في أوروبا)، بل إلى حداثة عهد البروليتاريا العراقية: «إذ أن معظم عمالنا العراقيين جاؤوا حديثاً من طبقة الفلاحين والحرفيين، ولا يزالون أقرب بتفكيرهم إلى البرجوازية الصغيرة من البروليتاريا، يضاف إلى ذلك قلة اختبارهم بأساليب الانتهازية، وقلة الكادر الحزبي المتقن للنظرية الثورية وتطبيقها». ويضيف إلى ذلك أيضاً: «انعدام الأحزاب العلنية (الديمقراطية) والنقابات في القطر؛ مما دفع كثيراً من العناصر غير البروليتارية من أعداء الاستعمار وأعداء الوضع بصورة عامة، والموظفين والطلاب، غير المسموح لهم الاشتغال بالسياسة، وطلاب التزعّم والمراكز وعشاق حب الظهور وأقسام العمال الذين لا يهمهم سوى تحسين أحوالهم المعاشية، أقول مما دفع جميع هؤلاء الى التهافت على الحزب الشيوعي للعمل فيه». وينهي محاججته هنا بالافتراض: «لو كانت في القطر أحزاب ديمقراطية ونقابات لوجدَ هؤلاء ضالتهم فيها، ولتمكّنَ الحزب في الوقت نفسه من تجنيد الطليعة على أساس اختبار نضالهم وميولهم في تلك المؤسسات».

الطريف هنا هو محاكاة المنطق الذي جرى على أساسه حظر التكتلات في الحزب الحاكم في روسيا السوفييتية مطلع العشرينيات: لو بقيت هناك أحزاب أخرى غير محظورة لوجد المرء ضالته في الانتساب إلى تلك الأحزاب. لكن بما أنّ كل هذه الأحزاب حُظرت أو دُمّرت تباعاً في سياق الحرب الأهلية الروسية، فإنّ على الحزب الثوري أن يتنبّه إلى ظهور أشباح لهذه الأحزاب، للمناشفة والاشتراكيين الثوريين بل وللكاديت (الديمقراطية الدستورية الليبرالية)، في صفوفه. ولأجل هذا عليه أن يزيد التمركز ويحظر العمل التكتلي. منطق عبثي بتمامه: لا داعي للديمقراطية في المجتمع ما دامت الديمقراطية متجسدة في الحزب الحاكم، ولا داعي للديمقراطية في الحزب الحاكم ما دامت ستنبت من جديد أشباح الماضي التي جرى تحطيمها في المجتمع. لكن الأكثر عبثية هو إعادة تدوير هذا المنطق في مقال الشيوعيين العربي، وكرّاسُ فهد هنا هو تكثيف لهذا المقال بامتياز، ذلك أنّ هذا الحرص على ألا يتسلّل داخل الحزب أشباح المناشفة والكاديت؛ بسبب أنّ النظام الملكي الرجعي العراقي الموالي للاستعمار لا يسمح بالأحزاب الديمقراطية والنقابات، ولا بمُتنفَّس لأمثال المناشفة والكاديت، يقترن بحمل مشعل ديوجين للبحث عن هؤلاء في المجتمع ومناصرتهم، طالما أنها مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية البرجوازية.

واجه الرفيق فهد هذا النظام الرجعي بشجاعة وأُعدِم. كان هذا قبل سلسلة الانقلابات العسكرية الجمهورية في البلدان العربية التي «صعّبت» نظرياً المسائل على العقل الحزبي الشيوعي بشكلٍ أكبر. بنى هذا العقل أمانه الداخلي على فكرة إنشاء طليعة نقية بلشفياً، ولكنها طليعة مقتنعة بأنّ المرحلة ليست مرحلة قيادة الطبقة العاملة ولا الثورة الاشتراكية، بل مرحلة البرجوازية الوطنية والثورة الديمقراطية والتحرر من الاستعمار، فجاءت البعثية والناصرية لتخلط المسائل، خاصة مع تبنيها لأشكال من الاشتراكية؛ إنما اشتراكية نابذة للصراع الطبقي، وغير مشروطة بقيادة الطبقة العاملة، ولا حتى باستكمال مهام الثورة الديمقراطية البرجوازية، بل التخفّف، بشكلٍ خاص، من الشقين الثقافي والسياسي من تلك المهام لصالح الاكتفاء بالشق الاجتماعي، أي الإصلاح الزراعي ومتعلّقاته. كانت الحركة الشيوعية العربية، ذات المرتكز العمالي، تبحث عن «برجوازية وطنية»، فأتت الحركة القومية العربية الجمهورية و«العسكرية» لتقوّض مكانة البرجوازية الوطنية، وتجعلها في ميثاق الناصرية واحدةً من قوى الشعب العامل، بالتوازي مع تقزيمها من خلال التأميمات والتهجير وتقويض مساحة الحريات. انتظر الشيوعيون برجوازية وطنية تقول بالديمقراطية، فأتاهم، أكثر من اللازم، ضباطٌ من البرجوازية الصغيرة الريفية أو نصف المدينية يُعرضون عن الديموقراطية ويقولون بالاشتراكية… ولكن على قاعدة إلغاء الأحزاب الشيوعية نفسها، أو مسخها إلى ملحقات لأحزابهم القومية الثورية.

وجاءت نظرية «التطور اللارأسمالي» السوفييتية، التي تعطي مجالاً لإمكانية أن تتطوّر الأمور في مجتمعات العالم الثالث في هذا الاتجاه، من دون دور قيادي للطبقة العاملة، لتقدم للشيوعيين العرب أمرين في وقت واحد: فمن جهة، لم تعد أحزابهم ضرورية طالما أنّ الأحزاب الحاكمة تتطور «لارأسمالياً»، ومن جهة ثانية يمكن تمنية النفس بأن يتكرر النموذج الكوبي، حيث تبنّت العناصر الثورية من البرجوازية الوطنية والبرجوازية الصغيرة للفكر الماركسي سريعاً بعد الثورة، وأعادت تشكيل حزب شيوعي كوبي جديد، من فوق، دمج في طياته الحزب الشيوعي الكوبي القديم.

وإذا كان فهد شهيد الحركة الشيوعية العربية في مرحلة بحثها عن برجوازية وطنية تُحالفها، وشهيدها على يد الرجعية الموالية للاستعمار، فإنّ فرج الله الحلو وشهدي عطية الشافعي ورفاقهم، ذهبوا ضحية التقدمية العسكرية العربية، السائرة بفتاوى من موسكو في طريق «التطور اللارأسمالي»، وهي تقدمية قامت على أساس التخفف من الديمقراطية بحجة الاشتراكية، ومع التخفف أيضاً من قيادة الطبقة العاملة لهذه الاشتراكية بحجة «ديمقراطية الشعب العامل»، ثم التخفف من هذه الاشتراكية لاحقاً بحجة إعداد العدّة لتأهيل المجتمع بواسطة «الحزب _ الدولة» لاعتماد الديمقراطية الليبرالية.

في البدء، كانت الإيديولوجيا السوفييتية الرسمية تقول للشيوعيين إنكم ضروريون للضغط على البرجوازية الوطنية وتقديم النصح لها وتشجيعها على مصادقة الاتحاد السوفييتي، أما ضرورتكم بحدّ ذاتكم فهي لمرحلة لاحقة، مرحلة ما بعد استتباب الثورة الديمقراطية البرجوازية. ثم أخذت هذه الإيديولوجيا تقول للشيوعيين إنه يُحتمل ألا تكونوا ضروريين إذا نجح إخوانكم في حركة الضباط الأحرار والبعث في التطور المعادي للإمبريالية، واللا رأسمالي، والصديق للاتحاد السوفييتي، إلا إذا كان بوسعكم تشجيع هؤلاء وتقديم النصح لهم، مع الاحتماء من شرّهم ولو في صيغة جبهة وطنية تقدمية معهم، من دون أن يعني ذلك أن يكون لكم ضرورة قصوى في مرحلة مقبلة، ذلك أنه يمكن أن يدشن جمال عبد الناصر والبعث مثل هذه المرحلة، إذا ما اتكلوا على الله وكرّروا النموذج الكوبي.

بموازاة ذلك، فرضت نماذج الأنظمة الشيوعية العالمثالثية، التي قامت كلها على أساس عدم انتظار التمرحل المرغوب من طرف السوفييت، أثرها على الشيوعيين واليساريين العرب، مستفيدةً، بشكلٍ خاص، من ظروف الاستقطاب في الحرب الباردة، كما فرضت مأساة الحزب الشيوعي الإندونيسي نفسها، طالما أن مناصرتهم للبرجوازية الوطنية التقدمية بقيادة سوكارنو، لم تدفعه إلى الاستيلاء على السلطة، بل إلى انتظار الرجعية كي تذبح مئات الآلاف من محازبيه.

ومن ناحية أخرى، فرضت تجارب «الأورو شيوعية» أيضاً أثرها على الشيوعيين واليساريين؛ أي مساعي الأحزاب الشيوعية في إيطاليا وفرنسا لكي توجد نماذج مختلفة عن تلك القائمة في أوروبا الشرقية، بما يعنيه ذلك من التصالح مع فكرة التداول على السلطة، والاستغناء عن مقولة «ديكتاتورية البروليتاريا» بنتيجة ذلك، والقول بالتطوّر السلمي، التداولي، نحو الاشتراكية في المجتمعات الرأسمالية المتطورة، «ما بعد الصناعية».

لكن هذه التأثيرات لم تُترجم في النهاية إلا بشكل محدود.

وإن انتشار أفكار نافية لإمكانية وجود برجوازية وطنية في مجتمعات كولونيالية الطابع، وبخاصة نظرية مهدي عامل في نمط الإنتاج الكولونيالي، والذي انخرط بنفسه في حزبٍ وجدَ في كمال جنبلاط الكمالَ المثالي للبرجوازي الوطني، الإقطاعي الأصل، والتقدمي الذي يحمل توجهاً اشتراكياً وإنسانياً، وصديقاً للاتحاد السوفييتي، ومختلفاً تماماً عن «تقدمية» الأنظمة العسكرية العربية ذات المنبت البرجوازي الصغير. ليس قليلاً أن يعاصر نموذج مهدي عامل النظري النافي لوجود برجوازية وطنية هذا التمسك من طرف حزبه مع هذا النموذج البرجوازي الوطني المثالي.

ومن زاويةٍ أخرى، فإنّنا كلما تقدمنا نحو نهاية الثمانينيات، وانهيار المعسكر السوفييتي، كلما تقدمنا نحو لحظة امتحان إمكانية قلب معادلة الرفيق فهد: «حزب شيوعي لا اشتراكية ديمقراطية» إلى «اشتراكية ديمقراطية لا حزب شيوعي». في زمن البيروسترويكا ثم سقوط الإتحاد السوفييتي وُجدت مثل هذه النزعة، لكنها عادت وضمرت سريعاً؛ إما لضمور الحركة الشيوعية نفسها بشكل عام، وإما لإيثار هذه الحركة، واليسار العربي عموماً، للاستيحاء من نماذج أخرى (حركات العولمة البديلة، التشافيزية، مصائر الحركة الشيوعية في روسيا)، والتردّد عند ساعة الفصل في القطيعة مع النموذج «المركزي الديمقراطي» الستاليني. ظلّت الحركة الشيوعية العربية تتعامل مع «الاشتراكية الديمقراطية» إما كشبح تطارده، في زمن كراس فهد، وإما كإغراء تقاومه، في زمن الانهيار العالمي للشيوعية. في المقابل، الاشتراكية الديمقراطية الأوروبية التي كانت ما تزال تقول نظرياً بوجوب ديكتاتوريّة البروليتاريا، في حياة فهد، تجاوزت الماركسية نفسها بدءاً من مؤتمر الاشتراكية الديمقراطية الألمانية في باد غودسبورغ عام 1959، الذي تخفف من مركزية الصراع الطبقي أيضاً. الاشتراكية الفرنسية، التي تأخرت أكثر من نظيرتها الألمانية في تبني الماركسية، تأخرت في المقابل في هجران الماركسية إلى ما بعد وصول فرنسوا ميتران إلى الرئاسة، وانتقاله السريع من برنامج التأميمات واسعة النطاق في بداية عهده، مع توزير الشيوعيين، إلى الاقتناع بالرأسمالية مع السعي لتحسين الشروط الاجتماعية داخلها.

هل من جدوى لمعاكسة مقولة الرفيق فهد اليوم؟ هل من راهنية للقول: «اشتراكية ديمقراطية لا حزب شيوعي»؟

في مكان ما نعم، ولا.

الأحزاب الشيوعية بالشكل الذي عرفناه في القرن الماضي انتهت عملياً مع النهاية السريعة للقرن الماضي. ليس بسقوط الإتحاد السوفييتي، بل بالتوازي مع ذلك، وقبل ذلك، بفشل تجربة «الأورو _ شيوعية»، فشل تجارب الأحزاب الشيوعية في أوروبا الغربية في الوقت الذي أخذت تدرك فيه انسداد الأفق أمام الشيوعية السوفييتية، في تجاوز الأخيرة، باتجاه مجدّد للمشروع الاشتراكي بجدّية، أي بما من شأنه التطلع إلى إحداث تغيرات جذرية في معاش العدد الأكبر من الناس، وفي منظومتهم القيمية بالتحرّر من بنى الاستلاب والاستغلال، وفشل الأصوات المعترضة داخل الأحزاب الحاكمة في أوروبا الشرقية، هي الأخرى، في ملاقاة هذه الأورو _ شيوعية، وفي البال بالذات جورج لوكاتش، وتلميذته آغنيس هيلير، التي انتقلت من مساعي تجديد الماركسية في «مدرسة بودابست» إلى البحث عن خيار «إصلاحية جذرية» ما بعد ماركسية، مع خروجها من المجر، وبالتوازي مع «تأصيل» النزعة «ما بعد الماركسية» عند آرنستو لاكلاو وشنتال موف على أساس «تجذير الديمقراطية».

إصلاحية جذرية؟ تجذير الديمقراطية؟ التخلي عن التحديدات الفاصلة (مثل ديكتاتورية البروليتاريا) نحو هلامية السعي لتكتيل أوسع القوى؟ قد يكون ذلك طوق أمان للناشط والباحث اليوم، لكنه لا يلغي أن ثمة أزمة فعلية في تحديد الخيار. هذه الأزمة قد لا يكون ثمة من حل نظرياً ولا سياسياً ولا تنظيمياً لها في شروط اليوم، إنما يمكن مداواتها جزئياً بالحنين.. الحنين لزمن الأممية الثانية؛ زمن الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية ذات القواعد العمالية القوية، والمكافحة من أجل انتزاع الاقتراع العام واستثماره على أكمل وجه، والتي تعيش في داخلها صراعاً إيديولوجياً حيوياً بين أجنحة مختلفة. هذه الاشتراكية الديمقراطية ذهبت ضحية الحرب العالمية الأولى، والانشقاق الذي حصل على أنقاضها بين اتجاهين: أحدهما أسَّسَ للأحزاب الاشتراكية البرلمانية في أشكالها المستمرة في أوروبا حتى اليوم، والثاني للأحزاب الشيوعية، قام في الأساس على انفجار «شحطة الوصل» بين ما هو «اشتراكي» وما هو «ديمقراطي». لكنّ بعضاً من شحطة الوصل ما زال حياً يرزق، أو لنفترض ذلك. فلئن كان الخيار مع آلان باديو هو الحفاظ على ما يسميه «الافتراض الشيوعي»، فإنّ هذا الحنين، النقدي… والمدروس وما اشتهيت إضافته من صفات ضابطة واحتراسية له، إلى زمن الاشتراكية الديمقراطية الماركسية، ما قبل الحرب العالمية الأولى، يظلّ على النزعة «الكلاسيكية» فيه من حيث هو حنين، بمثابة زاد إلهامي للأيام الآتية. «حزب شيوعي لا اشتراكية ديمقراطية»؟ هذا كان في القرن العشرين.

«اشتراكية ديمقراطية لا حزب شيوعي»؟ أفضل من المعادلة الأولى، لكنّ الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية هي أيضاً مشروع تأسيس يكاد يكون «من أول وجديد» في عالم اليوم، وتحديداً لأنّ الحنين إلى زمن الأممية الثانية ما قبل 1914 هو الحنين إلى التباس، حنين إلى تلفيقٍ انفجاره بين النزعات الإصلاحية والنزعات الثورية مؤجّل. القطيعة بين من يعتبرون أنفسهم إصلاحويين اليوم، وبين من يعتبرون أنفسهم ثوريين، لم تعد في مصلحة الطرفين. من مصلحة الطرفين أن يختبئوا في بعضهم بعضاً، وهذا ما يسوّغ باعتقادي، الحثّ على النوستالجيا المعرفية لتراث الاشتراكية الديمقراطية ما قبل صدمة 1914 وقطيعة 1917_1919.

راهنية هذا الشعار تبقى حتى الآن في حدود راهنية النوستالجيا، والنوستالجيا ضرورية، لكن النوستالجيا وحدها ليست كافية، والحاجة إلى اليوتوبيا ينبغي أن تظلّ أَولى من الحاجة إلى النوستالجيا. المسألة التنظيمية بعيداً من أن تكون مسألة «إدارية» أو مبحثاً حول «الواسطة» أو «الوسيلة» لمراكمة الأعمال وبلوغ الأهداف، هي بالدرجة الأولى مسألة «اللعب مع النوستالجيا» لإعادة منح الذات حقّاً في الممارسة اليوتوبية. كذلك، فالحاجة إلى «الاشتراكية اليوتوبية» لا يمكن أن تلغيها أي «اشتراكية علمية»، لأنه عندما تنسدّ بالاشتراكية العلمية السبل، تبقى الاشتراكية اليوتوبية هي العلم الحرّ الوحيد!