كانت مدينة عدن اليمنية مسرحاً لصراع عنيف على النفوذ خلال الأسابيع الماضية، بعد حملة عسكرية شنتها «قوات الحزام الأمني» التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، التي تضم آلاف المقاتلين المدعومين عسكرياً ولوجستياً من دولة الإمارات، بهدف السيطرة على المراكز الحيوية وطرد الحكومة المعترف بها دولياً من المدينة، التي تعتبر المقرّ المؤقت لهذه الحكومة التي يترأسها عبد ربه منصور هادي، وتتلقى دعماً من السعودية.
وقد كانت هذه المواجهات أبرز علامات التصدع في التحالف العربي الذي تقوده السعودية، والذي يشن حرباً ضد الحوثيين منذ سنوات في اليمن، ويضم السعودية والإمارات ودولاً عربية أخرى منها مصر والمغرب والسودان والأردن والكويت وقطر. وتهدد هذه المواجهات بانهيار هذا التحالف، ما سيصب في صالح قوات الحوثيين، الذين ينفذون ضربات موجعة متصاعدة بالطائرات المسيرة والصواريخ تستهدف العمق السعودي، والمنشآت النفطية في السعودية على وجه الخصوص، وكان من أكبر هذه الضربات الهجوم الذي نُفّذ بعشر طائرات مسيرة، استهدفت محطة الشيبة النفطية التي تضم أكبر مخزون نفطي في السعودية.
وكان الحوثيون قد استهدفوا عرضاً عسكرياً لقوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي في 1 آب (أغسطس) الجاري، أُقيم في قاعدة عسكرية إماراتية، بهجوم بالصواريخ والطائرات المسيّرة، أوقع أكثر من 40 قتيلاً. وقد وجّه المجلس الانتقالي الجنوبي بعدها اتهامات لحزب التجمع اليمني للإصلاح بالتواطؤ في هجوم الحوثيين على القوات الجنوبية، وشن بعد ذلك حملته العسكرية تلك، التي سيطر خلالها على مقرات حكومة هادي المدعومة سعودياً في عدن، ووسّعَ سيطرته إلى محافظة أبين المجاورة.
وقالت وسائل إعلام محلية يمنية إن القتال بين الطرفين اندلع بعد دفن زعيم جنوبي قُتل في الهجوم الصاروخي الذي نفّذه الحوثيون، وبعد دعوة نائب رئيس المجلس الانتقالي هاني بن بريك القوات الجنوبية إلى التوجه نحو القصر الرئاسي لإخراج حكومة هادي منه بالقوة، باعتبار أن حزب التجمع اليمني للإصلاح هو واحد من الأحزاب اليمنية المنضوية في تلكم الحكومة.
وقد طالبت الحكومة اليمنية دولة الإمارات بوقف دعمها للمجلس الانتقالي الجنوبي -الذي يحمل توجهات إنفصالية- فوراً، في حين اشترط الأخير إخراج جميع الشخصيات القادمة من اليمن الشمالي، وجميع عناصر حزب التجمع اليمني للإصلاح، من كل مواقع السلطة في الجنوب. والمفارقة أن حزب الإصلاح هو حزب إسلامي يُعدّ امتداداً لفكر الإخوان المسلمين الذين يفترض أن تحالف الإمارات والسعودية يحاربهم ويتدخل في عدة دول عربية لمنعهم من الوصول إلى السلطة، لكنه يجد موطئ قدم له في الحكومة التي تدعمها كل من السعودية والإمارات في اليمن، والتي كانت هجمات قوات مدعومة إماراتياً عليها إشارة على أن الإمارات تنوي وقف دعمها هذا ما لم يتم إخراج جميع العناصر المحسوبة على الإخوان، غير أن الإمارات راحت تنفي مسؤوليتها عن المواجهات، كما أنها نفت تماماً وجود أي خلاف بينها وبين السعودية في الملف اليمني.
السعودية من جهتها دعت الجميع إلى «الحوار والتهدئة»، فيما وصفت صحيفة نيويورك تايمز ما يجري بأنه «حرب أهلية داخل حرب أهلية». وقالت وكالات إخبارية إن رفض «القوات الانفصالية» تسليم السيطرة على عدن «أدى إلى تأخير قمة سعودية كان من المقرر أن تناقش إنهاء الأزمة الأخيرة، وإعادة تشكيل الحكومة اليمنية لتشمل الانفصاليين، بعد سيطرتهم في 10 آب على عدد من المرافق الحيوية في عدن».
وقد انسحبت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي خلال الأيام الماضية من عدة مواقع كانت قد سيطرت عليها في عدن بعد ضغوط سعودية وإماراتية، لكنها لا تزال تسيطر على عدة مواقع عسكرية رئيسية، فيما أعلن مصدر في حكومة عبد ربه منصور هادي أن قواتها سيطرت على مدينة عتق، عاصمة محافظة شبوة، بعد يومين من المواجهات الدامية مع قوات المجلس الجنوبي، سقط فيها عشرات القتلى والجرحى.
وأعلن التحالف العربي الذي تقوده السعودية في 26 آب عن تشكيل لجنة مشتركة من قبل السعودية والإمارات، تبدأ عملها يوم غد الأربعاء (28 آب)، لتثبيت وقف إطلاق النار في محافظتي شبوة وأبين جنوبي اليمن. ودعا التحالف في بيانه إلى «المشاركة في الحوار ومعالجة أسباب وتداعيات الأحداث في الجنوب»، مضيفاً أن السعودية والإمارات «تؤكدان حرصهما على الحفاظ على الدولة اليمنية، ومصالح وأمن واستقرار الشعب اليمني، واستقلاله ووحدته الإقليمية، تحت قيادة الرئيس الشرعي لليمن، ومواجهة انقلاب ميلشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران، وغيرها من المنظمات الإرهابية»، وفق ما ورد في البيان.
لا يستطيع أحد التخمين إلى أين ستتجه الأمور بعد التطورات الاخيرة، ولكن ما يبدو واضحاً هو أن هذه المواجهات الدامية مؤشرٌ على وجود خلاف عميق بين السعودية والإمارات، المتحالفتان في مصر مع السيسي، وفي البحرين ضد المظاهرات المناهضة للنظام، وفي ليبيا دعماً لحفتر، ومع المجلس العسكري ضد قوى الثورة والمعارضة السودانية. وقبل ذلك وبعده، هما المسؤولتان، بالشراكة مع الحوثيين وإيران، عن واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في اليمن، الذي تزداد فيه معاناة اليمنيين يوماً تلو الأخر، في بلاد تمزقت وأصبحت مسرحاً للتدافع الإقليمي والدولي.
ورغم محاولات احتواء أزمة الخلاف داخل التحالف، إلا أنه ليس ثمة ما يؤشر إلى سير الأمور نحو الانفراج في اليمن، خصوصاً في ظل التصعيد بين إيران من جهة والولايات المتحدة والدول الخليجية من جهة أخرى. فهناك أزمة الاتفاق النووي، واحتجاز الناقلات، والحشد العسكري على المضائق، والعقوبات الاقتصادية على إيران، والحرب التجارية بين الصين وواشنطن، والهجمات الحوثية على منشآت النفط، واليمن مسرحٌ أساسي للتصعيد المتبادل في هذه الشبكة المعقدة من الصراعات، يُقتل فيه المدنيون، وتتحطم بنية بلادهم التحتية، وتنتشر فيه الأوبئة والمجاعات، ولا ترتفع فيه إلّا الأذرع الملوّحة بالبنادق.