قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس موسوي، في حديث نقلته وكالة أنباء فارس شبه الرسمية يوم أمس الأحد، إن بلاده تعتبر «تصريحات المسؤولين الأميركيين واتفاقاتهم حول إيجاد منطقة آمنة في شمال شرق سوريا استفزازية ومدعاة للقلق»؛ ورغم أن موسوي لم يأتِ على ذكر الجانب التركي، إلا أنه ألمح إلى الطريق الذي يجب أن تتخذه تركيا لمواجهة مخاوفها الأمنية، وهو الحديث مع نظام الأسد.
ومن جانبها، عبرت موسكو أيضاً عن قلقها من هذا الاتفاق على لسان المتحدثة باسم خارجيتها ماريا زاخاروفا، التي قالت في مؤتمر صحفي إن «من دواعي القلق استمرار محاولات لما يبدو أنه فصل شمال شرق سوريا، لا نزال نقف مع تحقيق الاستقرار والأمن طويلي الأمد في شمال شرق سوريا عبر تأكيد سيادة سوريا وإجراء حوار مثمر بين دمشق والأكراد، باعتبارهم جزءاً من الشعب السوري».
تلك المواقف المتوقعة من روسيا وإيران ليست سوى القسم الطافي من جبل الجليد، الذي يخفي قلقاً مديداً لداعمي الأسد من عودة أنقرة إلى التوافق مع واشنطن في سوريا، خاصةً إذا ما انتهى هذا إلى توقف التنسيق الاستراتيجي بين ثلاثي أستانا، وهو ما قد يكون التحدي الأكبر بالنسبة لموسكو وطهران، وستكون نتائجه أوسع من مستقبل منطقة شرق الفرات، التي لا تزال بعيدة عن أيدي قادة الحرس الثوري الإيراني وضباط حميميم الروس، نتيجة احتفاظ واشنطن بقوات لها في المنطقة. وربما يكون هذا من بين الأسباب التي دفعت طهران للزج بميليشياتها في معركة إدلب أخيراً، كما أنه يفسّر الضغط العسكري المباشر الذي تمارسه روسيا على نقاط المراقبة والقوات التركية في إدلب، وذلك بهدف ممارسة مزيد من الضغوط على أنقرة، وتذكيرها بأهمية الالتزام بالعمل في سوريا عبر التفاهم مع موسكو وطهران حصراً.
كذلك فإن موسكو تسعى دوماً للدفع نحو مزيد من الخلاف بين أنقرة وواشنطن، الأمر الذي يترك الأخيرة وحيدة في شرق سوريا دون حلفاء إقليميين ودون خطة استراتيجية واضحة المعالم، ما يجعل وجودها هامشياً وقليل التأثير. ضمن هذه المعادلة، فإن الاتفاق الذي تم الإعلان عنه الأسبوع الماضي بين كل من الولايات المتحدة وتركيا يمكن أن يشكّل تهديداً رئيسياً لسياسة موسكو هذه في سوريا.
ولا يزال هذا الاتفاق في مراحله الأولى الآن، ذلك أنه لم يتضمن دخولاً في تفاصيل كيفية إنشاء المنطقة الآمنة شمال شرق سوريا، بل أحال البحث في هذه التفاصيل إلى مركز عمليات مشتركة تم إنشاؤه في مدينة أورفا على الحدود مع سوريا. وفي حين أنَّ تركيا تريد أن يصل عمق المنطقة إلى 35 كم، فإن واشنطن تعرض عمقاً يتراوح بين 5-15 كم، حسب ما صرح المبعوث الأميركي إلى سوريا جيمس جيفري قبل توقيع الاتفاق بأسبوع.
وإذا كان الأرجح أن تركيا ستقدم بعض التنازلات للوصول إلى قواسم مشتركة مع واشنطن، فإن استقرار الأوضاع في شرق الفرات يعتمد على نجاح اللقاءات المشتركة بين الضباط الأميركيين والأتراك، وعلى إصرار واشنطن على منع الجانب التركي من تنفيذ عمليات عسكرية بمفرده، ذلك أن أي عمليات كهذه ستقود بالضرورة إلى تهجير عشرات الآلاف من سكان المدن الحدودية التي تضم غالبية كردية، ما سيؤدي إلى كارثة إنسانية من جهة، وإلى خلق مزيد من الأوضاع المتفجرة والمعقدة في البلاد.
كان وزير الدفاع التركي خلوصي أكار قد أجرى زيارة إلى مركز العمليات المشتركة في أورفا يوم أمس الأحد، قال فيها إنهم أحرزوا «بعض التقدم»، إلا أنه استدرك بأن ذلك «لا يعني أن كل شيء انتهى». وهكذا يبدو واضحاً أن الاتفاق الأميركي التركي قد نزع فتيل الأزمة التي كان يمكن أن تنشأ نتيجة قيام تركيا بعمليات عسكرية من جانب واحد في المنطقة، إلا أنه لم يؤدِ إلى إنهاء هذه الأزمة تماماً بعد، فيما ستكون تطورات الأسابيع المقبلة في هذا الملف بيضة القبان في التوازنات التي سيجري تثبيتها مستقبلاً في سوريا، والتي ستشمل مناطق النفوذ الدولية والإقليمية في البلاد.
قد يؤدي نجاح الاتفاق إلى عودة تركيا الكاملة إلى التحالف مع الولايات المتحدة، متخليةً بشكل نهائي عن الاتفاقات التي أقامتها مع روسيا وإيران من خلال مسار أستانا، أما فشل هذا الاتفاق فإنه سيقود إلى سيناريوهات أخرى ربما يكون من بينها قيام تركيا بعمليات عسكرية شرق الفرات بالاتفاق مع النظام السوري، لإضعاف موقف واشنطن.