اختتمت يوم الجمعة الفائت اجتماعات الجولة الثالثة عشرة من مسار أستانا في العاصمة الكازاخية نور سلطان، بعد أن تم الإعلان في اليوم الأول من أعمال هذه الجولة عن هدنة مؤقتة حتى نهاية عيد الأضحى، اشترط النظام السوري للالتزام بها انسحاب من أسماهم «الإرهابيين» إلى مسافة عشرين كيلومتر بعيداً عن خطوط التماس الحالية. وعلى الرغم من أن البيان الختامي للمؤتمر لم يشر إلى هذه الهدنة، إلا أنها دخلت حيز التنفيذ من خلال التراجع في حدة أعمال القصف والاشتباكات، مع خروقات من قبل قوات النظام عبر قصف مدفعي وصاروخي استهدف عدّة مناطق، من بينها جسر الشغور، ما أسفر عن وقوع شهداء بين المدنيين.

لا يبدو أن هذه الاجتماعات، التي جاءت بعد أشهر دامية في إدلب وريف حماة، تمتلك اليوم أي نفوذ أو تأثير جدي على المسار السياسي في سوريا، وحتى على صعيد التطورات العسكرية أيضاً، التي أشار لها البيان الختامي بشكل عابر وشديد العمومية عندما تحدث عن ضرورة الالتزام باتفاق سوتشي، وهو ما يجعل هذا الاجتماع استمراراً قليل الفائدة لعملية يبدو أنها فقدت المعنى الأساسي من ورائها، بعد عودة الولايات المتحدة للضغط على النظام السوري وحلفائه في سياق استراتيجيتها لمحاربة النفوذ الإيراني في المنطقة.

فإذا كانت أستانا قد بدأت كوسيلة تستخدمها روسيا وتركيا وإيران لصناعة حل سياسي في سوريا من خارج مسار جنيف، الذي تمتلك فيه الولايات المتحدة والدول الغربية تأثيراً حاسماً، فإنها تبدو اليوم، بعد أن عطّلت العودة الأميركية إمكانية تجاوز جنيف، مثل عملية روتينية مستمرة لأهداف أخرى تماماً، من بينها الحفاظ على الحد الأدنى من التنسيق بين الدول الثلاثة الضامنة بانتظار اتضاح الصورة الجديدة، واستخدامه من قبل أنقرة للضغط على واشنطن في عدة ملفات على رأسها شرق الفرات.

أما فيما يتعلق بإدلب، فإن الاتصالات الروسية التركية خارج هذا المسار هي ما يحدد في الواقع مستقبل عمليات النظام العسكرية هناك، التي على الرغم من فشلها بتحقيق خرق حقيقي في الميدان، إلا أنها أدت إلى تدمير مساحات واسعة من ريف حماة ومحافظة إدلب، وتهجير أكثر من نصف مليون من سكان هذه المناطق. وبينما يتم تقرير مصير تلك العمليات بين موسكو وأنقرة، فإن تمرير الهدنة من خلال منصة أستانا في اليوم الأول بدا كما لو أنه جائزة ترضية لهذا المسار، الذي يبدو أنه لم يعد مؤثراً بحق على مجريات الأحداث في سوريا في ظل الظروف الراهنة.

يحدث هذا في وقت يبدو فيه وفد فصائل المعارضة المسلحة إلى المؤتمر مجرد استكمال للمشهد العام المهلهل أصلاً، فالوفد الذي ذهب رغم استمرار القصف والمذابح للجلوس إلى طاولة واحدة مع بشار الجعفري، لم ينجح من خلال التصريحات التي سبقت المؤتمر، ولا من خلال تلك التي أطلقها أعضاؤه أثناء أعمال المؤتمر، في صناعة صورة قادرة على إقناع أحد بأنه وفد مستقل، ليظهر بشكل أشبه بالإكسسوارات الملحقة بالوفد التركي.

وعلى الرغم من الصورة بالغة الرثاثة التي ظهر فيها المؤتمر، إلا أن بيانه الختامي الموقّع من روسيا وتركيا وإيران يلفت الانتباه إلى نقطتين رئيسيتين، يبدو أنهما تختزلان تصور النظام وحلفائه لشكل مسار الحل السياسي في سوريا.

النقطة الأولى كانت دعم هذا المسار لعمليات التبادل بين معتقلي النظام وبعض الأسرى العسكريين لدى فصائل المعارضة، وهي عمليات يستخدمها النظام ومن خلفه موسكو لتمييع ملف المعتقلين، ومحاولة القفز من فوقه، من خلال ربطه بمسألة المختطفين لدى الفصائل، وتصويره كما لو أنه عمليات تبادل أسرى بين أطراف متحاربة فقط، ما يعني سعياً حثيثاً لإنهاء هذا الملف من الناحية القانونية والسياسية.

النقطة الثانية التي كانت أحد النقاط الرئيسية في البيان، هي تأكيده على الحاجة لزيادة المساعدات الإنسانية، دون أي شروط مسبقة، وقد تمت الإشارة تحديداً إلى «جهود التعافي المبكر» و«بناء البنى التحتية الرئيسية» مثل محطات الطاقة والمياه، وهو ما يعكس تراجع الحديث عن عمليات إعادة الإعمار، التي أوضحت أوروبا بشكل حاسم أنها لن تقوم بتمويلها دون الوصول إلى حل سياسي في سوريا، ليأتي تركيز الحديث على «التعافي المبكر» كما لو أنه نافذةٌ لتمويل إعادة الإعمار في مناطق النظام باسم آخر.

تنتهي الجولة الثالثة عشر من اجتماعات أستانا، في أجواء دولية رافضة لهذا المسار، تجعله أقلّ قدرةً من الأعوام الماضية على فرض حلٍّ عسكري وسياسي في سوريا، بعد وصول ضامني هذا المؤتمر في علاقتهم المشتركة إلى نقطة حرجة تبدو فيها طهران الطرف الأضعف، بينما يسير الروس والأتراك على خيطٍ دقيق تستمر فيه العلاقة الثنائية، المهددة في الواقع بصعود أي تفاهمات بين أنقرة وواشنطن، الأمر الذي يجعل التوازنات التي ولد عبرها هذا المسار أكثر هشاشةً من أن تستطيع تثبيت أي أرضية قادرة على إنجاح هذا المسار، خاصةُ بعد تصريح الولايات المتحدة أكثر من مرة بأنها غير راضية عن هذه الاجتماعات التي تعتبرها فاشلةً ولا تعترف بنتائجها.

في البيان الختامي نفسه، أشار الموقعون إلى قرارات مجلس الأمن الخاصة بالجولان المحتل! بينما كانت طائرات موسكو الموقعة على البيان تقصف إدلب وحماة، ليبدو الأمر برمته مشهداً كاريكاتيرياً مثيراً للسخرية، رغم الفواتير الدموية الهائلة التي تظهر في مشهده الخلفي.