تشير أحدث أرقام مفوضية الأمم المتحدة إلى أن إجمالي عدد اللاجئين السوريين المسجلين لديها في الأردن يبلغ نحو 662 ألفاً، يتوزعون في المخيمات والضواحي والأرياف والمدن الأردنية، يتركز منهم ما يقارب 123 ألف في المخيمات، بينما ينتشر الباقون خارجها، ويقطن العدد الأكبر منهم في العاصمة عمان، إذ يبلغ 195321 نسمة. وبالإضافة إلى هذه الأرقام، فإن هناك أعداداً غير معروفة من اللاجئين غير المسجلين، إلا أن الحكومة الأدرنية تؤكد إن إجمالي عدد السوريين لديها يتجاوز المليون شخص.
تكاليف باهظة على المرضى
يعد الوضع الطبي السيء أحد أكبر المشكلات التي يعاني منها اللاجئون السوريون في الأردن، فقد تم إلغاء الرعاية الصحية المجانية للسوريين في الأردن في تشرين الثاني من عام 2014، على أن تتم معاملتهم معاملة الأردنيين غير المؤمنين، لأي أنهم يتلقون العلاج في المشافي وغيرها من مراكز الصحة مقابل دفع 80% من التسعيرة المعمول بها، ويضطرون لدفع هذه التكاليف بشكل فوري، الأمر الذي قد يصل إلى تهديد حياة المريض غير القادر مادياً، لا سيّما في حالات الأمراض الخطيرة الشائعة، ومن بينها التلاسيميا، المرض الذي يحدث بسبب خلل وراثي في خلايا الدم الحمراء، ولا وجود لعلاج فعليّ له، عدا عن أن غالب مرضاه يقومون باستئصال الطحال بعد تضخمه نتيجة تكدس الحديد داخله بدلاً من إعادة استخدامه.
في إحدى قرى إربد تعيش عائلة سورية يعاني فيها ثائر وشقيقته من التلاسيميا، ويتكبد الأهل عناء أجور نقل الدم المرتفعة لهما، إذ يترتب إلى هذه المعاناة الهائلة، قد يعاني المريض في الحالات المتأزّمة من تحلل العظام وتآكلها، تماماً كما بدأ يحدث مع ثائر، الذي باتت إحدى قدميه تفوق الأخرى طولاً الآن.
الاستدانة سبيلاً للعاجزين
عائلة ثائر هي واحدة من العائلات التي لا تقوى على تغطية كلفة علاج طفليها، وتلجأ للاستدانة أو الاعتماد على تغطية كفلاء من الفرق التطوعية، بسبب تقاعس المنظمات الدولية عن التغطية العلاجية. أما بالنسبة لحالات السرطان، فكل الرحمة لروح الطفلة سجى، المولودة عام 2012، التي وافتها المنية مؤخراً بعد معاناة قاهرة مع اللوكيميا.
كانت الطفلة تقيم في المشفى أكثر من المنزل، وبعد أن تجرع أهلها لوعة فقد صغيرتهم، فإنهم ما يزالون يحملون عبء الديون المتراكمة نتيجة نفقات علاجها حتى اللحظة.
وإذا كان مرض السرطان شبحاً مخيفاً في العالم كله، فإن شبحه مضاعفٌ بالنسبة لسوريي الأردن، لأن تكاليف علاجه المرتفعة تزيد من وطأته، إذ يحتاج كثيرٌ من المرضى البدء بالعلاج الكيماوي، إلا أنهم لا يستطيعون ذلك لعدم قدرتهم على تأمين تكاليفه.
محمد رجلٌ أربعيني يعاني من سرطان في الخصية، وقد أخبره الطبيب بضرورة البدء بالعلاج الكيماوي بعدما تم استئصال خصيته. يقول محمد في حديث للجمهورية: «لم أترك باباً دون أن أطرقه، وليس لي أحد غير الله. أحتاج إلى ما يقارب 3380 دولار للعلاج، ولا أمتلك عملاً وليس هناك أي دعم».
ولا يقتصر الأمر على أولئك الذين لا يستطيعون بدء العلاج، وإنما هناك حالات يتوقف فيها المرضى عن أخذ الجرعات الكيماوية بعدء البدء فيها، بسبب العجز عن الاستمرار في دفع المبالغ الكبيرة وتراكم ديون الجرعات الأولى، وهذا يدفع بعض من يستطيع من السوريين أحياناً إلى شراء الدواء من سوريا ونقله للأردن بسبب انخفاض التكلفة.
في الوقت الحالي يعتبر «صندوق الخير»، الذي أُنشئ من قبل مركز الحسين للسرطان، المصدر الوحيد الذي يمكن أن يكون سنداً لأولئك المرضى تقريباً، ورغم أن كل مصادر الصندوق تعتمد على التبرعات، وليست أموالاً حكومية أو أممية، إلا أن هناك معاناة حقيقية في قبول الحالات التي تشملها تغطية الصندوق، إذ لا وجود لأي مذكرة تفاهم بين إدارته ومفوضية اللاجئين، ويعتمد القبول والرفض على وجود لجنة اجتماعية تقرر ذلك بعد تشخيص الحالة في المركز نفسه، كما أن التبرعات عموماً لا تكفي الحاجة.
علاوةً على ذلك، يعتبر الفشل الكلوي معاناة كبرى للسوريين في الأردن، فتأمين تغطية لكلفة زراعة الكلى أمر شبه مستحيل، ويعتمد المرضى على جلسات غسيل الكلى، ومنهم أيهم الذي يبلغ من العمر الآن أربعة عشر عاماً، والذي اكتشف أهله إصابته بالفشل الكلوي عام 2017، بعد أن كانوا يهملون شكواه المتكررة ويلجؤون إلى تسكين ألمه حتى تفاقم الوضع، وقاموا بزيارة الطبيب الذي أخبرهم بإصابته بالفشل الكلوي، وبضرورة بدء العلاج وغسيل الكلي الذي لا يزال مستمراً حتى اليوم.
استدانت عائلة أيهم بعض تكاليف غسيل الكلية الذي تقارب 120 $ أسبوعياً، واعتمدت في جزء آخر على تغطية من كفلاء الفرق التطوعية، واليوم باتت تغطية علاجه تتم عبر مشروع خيري قطري. نتيجة تكرار الغسيل الكلوي، تأثر عصب أيهم السمعي، وفقد سمعه.
تقول والدة أيهم في حديث للجمهورية: «ما ضل شي ما بعناه بس لنأمن غسيل الكلى لهالولد. منطلع مشوار من إربد لعمان ساعتين بالطريق المتعب، بس ليقدر يغسل الكلى هنيك، لأن ما فينا نسكن بعمان… العيشة غالية».
فداحة البدائل
أدى ارتفاع أسعار تكاليف العلاج والدواء إلى توجه أغلب المرضى إلى الصيدليات لشراء الأدوية والمسكنات مباشرة، تجنباً لدفع الكشفيات والمراجعات للأطباء، ولوحظ تبعاً لذلك حصول أضرار جسيمة لدى العديد من المرضى في المعدة من كثرة تناول مسكنات الألم، عدا عن الحالات العديدة التي ازداد وضعها الصحي سوءاً لإهمالها ومكابرتها على ما تعانيه من أعراض.
ورغم وجود بعض التسهيلات القانونية للسوريين للحصول على عمل، فإن اللاجئ السوري في الأردن لا يزال إلى يومنا هذا غير قادر على تقديم إعالة كريمة لأسرته وتغطية النفقات الصحية، الأمر الذي يستوجب حلاً حقيقياً ملموساً لآفة النفقات الباهظة والدعم المحدود الذي لا يكاد أن يذكر أمام اتساع الحاجة.
منذ عام 2016 بدأت إجراءات تعديل أوضاع العمالة السورية، إذ تم إعفاء أصحاب العمل من رسوم تصاريح العمل ورسوم الشهادة الصحية حتى تاريخ 31\12\2019، ولكن ما تزال مجالات التصاريح محدودة، فهنالك الكثير من المهن المغلقة المحصورة بأبناء البلد كالمهن الإدارية والمحاسبية، والمهن الكتابية، وأعمال المستودعات، وأعمال المقاسم والهواتف، وأعمال البيع بكافة فئاتها، والمهن الطبية والهندسية إلا في حالات عدم توفر بديل أردني، مما أدى إلى انحصار فرص عمل السوري بالزراعة والعمل في المصانع وبعض المجالات الأخرى التي لا ينافس فيها العمالة الأردنية.
مع كل هذا العجز، قرر عديدون ممن ضاقت بهم السبيل العودة إلى سوريا مجبرين، نظراً لقلة فرص العمل وقلة المردود المادي، خصوصاً بعد أن تم مؤخراً إيقاف مبلغ الإعانة الشهرية الذي كانت تمنحه المفوضية لبعض اللاجئين، فكانت العودة خيارهم مقابل ارتفاع تكاليف المعيشة في الأردن وتوقف المعارك الكبيرة في المناطق السورية الجنوبية.
قالت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إن 22 ألف لاجئ سوري عادوا من الأردن إلى سوريا منذ إعادة فتح معبر جابر نصيب الحدودي منتصف تشرين الأول الماضي بعد إغلاق دام ثلاث سنوات تقريباً، وأوضحت أن تلك الإحصائية تشمل الفترة بين 15 من تشرين الأول الماضي وحتى 30 من حزيران الماضي، علماً بأن الأعداد قد تكون أكثر من ذلك لأن كثيراً من السوريين ليسوا مسجلين لدى المفوضية، ولا سبيل لتحديد عددهم كاملاً.