بدأت في الثالث والعشرين من حزيران الماضي امتحانات الشهادات العامة في إدلب وأرياف حماة واللاذقية وحلب الخارجة عن سيطرة النظام، وستستمر حتى العاشر من تموز الجاري، بعد أن تم تأجيلها من قبل الحكومة المؤقتة وحكومة الإنقاذ العاملتين في المنطقة بسبب الحملة العسكرية التي ينفذها النظام وحلفاؤه. أما في مناطق سيطرة فصائل درع الفرات وغصن الزيتون في ريف حلب الشمالي وعفرين، فكانت مديريات التربية قد أنهت الامتحانات هناك منذ ما يزيد عن أسبوعين. فيما انتهت آخرَ حزيران الماضي امتحاناتُ الطلاب من أبناء المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، الذين توجهوا إلى مناطق سيطرته لتقديم امتحاناتهم، وسط اتهامات وتخوفات بعد استدعاءات للمراجعات الأمنية في إدلب.

الحكومة المؤقتة تشرف على امتحانات مناطق سيطرة حكومة الإنقاذ

أشرفت اللجنة العليا للامتحانات بوزارة التربية والتعليم في الحكومة المؤقتة على امتحانات الشهادات العامة، الأساسية والثانوية، في مناطق إدلب والأرياف المحيطة بها، وذلك على الرغم من سيطرة حكومة الإنقاذ على معظم مفاصل الإدارة في هذه المناطق. وقد بلغ عدد الطلاب الذين يخوضون الامتحانات تحت إشراف الحكومة المؤقتة ما يزيد عن ثلاثة وثلاثين ألفاً وخمسمائة طالب وطالبة، منهم أربعة عشر ألف طالباً في الشهادة الثانوية بمختلف فروعها متوزعين على ثلاثمائة وخمسة عشر مركزاً امتحانياً. ويتوزع هؤلاء الطلاب جميعاً على مديرات التربية الحرة في حلب وإدلب وحماة وريف اللاذقية، بالإضافة إلى ألف وخمسمئة طالب وطالبة في مناطق اللجوء في لبنان والأردن.

وبلغ عدد الطلاب الخاضعين لهذه الامتحانات في مديرية تربية حلب الحرة خمسة آلاف وستمئة وثلاثة وخمسين طالباً وطالبة، توزعوا على خمسين مركزاً امتحانياً، منها خمسة مراكز فقط في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون. بينما خضع خمسة وعشرون ألفاً وستمائة وسبعة وسبعون طالباً للامتحانات في مديرية تربية إدلب الحرة، توزعوا على مئة وخمسة وتسعين مركزاً امتحانياً، وكذلك أربعمائة واثنان وأربعون طالباً في مديرية تربية حماة الحرة، توزعوا على ثمانية مراكز امتحانية.

وعلى الرغم من تعدد تبعيات مديرات التربية الحرة في هذه المناطق، إذ تتبع مديريتا حلب وحماة للحكومة المؤقتة، فيما تتبع مديرية إدلب لحكومة الإنقاذ، إلا أن التفاهمات بين هذه المديريات أسفرت عن مركزية للأسئلة وسلالم التصحيح في مختلف المناطق فيما يخص الشهادة الثانوية، إضافة إلى مركزية فرعية على مستوى المديريات فيما يخص شهادة التعليم الأساسي.

عن آلية الامتحانات، يقول محمد مصطفى مدير تربية حلب الحرة إن اللجنة العليا للامتحانات أشرفت بمشاركة مديريات التربية على العملية الامتحانية، إذ تم وضع الأسئلة (أكثر من نموذج) على يد مختصين تم ترشيحهم من قبل المديريات كافة عبر غرفة عمليات موجودة في الداخل السوري، تم منع الاتصالات عنها واتسمت بالسرية الكاملة. وقد تم اختيار نموذج الأسئلة المعتمد ليلة الامتحان، ثم إرساله إلى غرف العمليات الامتحانية الفرعية في المديرية، وطباعة نسخ عن الأسئلة هناك بحسب عدد الطلاب، ثم وضعها في مغلف بلاستيكي أسود كتيم لا يمكن الرؤية من خلاله، كتبت عليه المعلومات وأُغلق حرارياً، ثم وضعت في مغلف أبيض شفاف تم إغلاقه حرارياً هو الآخر، قبل إرساله مع ناقل الأسئلة وتسليمه لرؤساء المراكز، الذين يقومون بدورهم بفتح المغلفات أمام المراقبين والطلبة (كل يوم في قاعة مختلفة).

بعد انتهاء الامتحان، تُجمع دفاتر الإجابة وتوضع في مغلف تُكتب عليه المعلومات ويوقع عليه المراقبون ورئيس المركز، ويرسل إلى دوائر الامتحانات التي تقوم بترميز الدفاتر ووضعها في مغلفات جديدة (خمسون دفتراً في كل مغلف) لترسل إلى مراكز التصحيح.

في مراكز التصحيح، يقوم واضعو الأسئلة باختيار دفاتر إجابات بشكل عشوائي، وإضافة الاحتمالات الجديدة لأجوبة الطلبة في سلم التصحيح ومناقشتها والتعديل عليها، ثم تعمّم سلالم التصحيح على المراكز. وبعد الانتهاء من التصحيح، تُجمع العلامات ويجري المصححون عمليات المطابقة والبحث عن الأسئلة الناقصة أو الأسئلة المكتوبة في غير أماكنها، ثم تُعاد إلى دائرة الامتحانات التي تعيد مطابقة العلامات وجمعها مرة أخرى، ورفعها على برنامج التنتيج (موقع أو صفحة في وزارة التربية تكتب عليها العلامات مباشرة).

ولكل مركز رئيس وأمين سر ومراقبون يشرف عليهم مندوب من مديرية التربية، ولكل عدة مراكز مندوب من وزارة التربية للاطمئنان على سير العملية الامتحانية. وتشرف وزارة التربية والتعليم في الحكومة المؤقتة على غرف العمليات والمراكز الامتحانية ومراكز التصحيح، وكذلك على عمليات التصحيح وإصدار النتائج، ويعتبر شخص وزير التربية في الحكومة المؤقتة الجهة المخولة بالتوقيع على جميع الشهادات. ويتم إصدار النتائج على مواقع ومعرفات الحكومة المؤقتة، باستثناء الطلاب التابعين لمديرية تربية إدلب، الذين تتم إصدار نتائجهم على روابط خاصة بوزارة التربية والتعليم في حكومة الإنقاذ، وعلى معرّفاتها الرسمية.

وشهدت الامتحانات تنسيقاً عالياً بين مديريات التربية بخصوص الطلبة النازحين من أرياف حماة وريف إدلب الجنوبي، إذ تم احتواؤهم في المراكز الامتحانية التابعة لمديريات تربية حلب وإدلب، كما يقول محمد المصطفى، الذي أضاف أنهم استقبلوا الطلاب النازحين بشكل إفرادي في مراكز مديرية حلب، أما في التجمعات الكبيرة للنازحين، فقد أشرفت على الطلاب مديرياتهم بعد استحداث مراكز جديدة تخضع لإشراف مديريتي تربية حماة وريف اللاذقية في المناطق التي هجروا إليها. كما أتاح هذا التفاهم للطلاب نقل أوراقهم الامتحانية إلى المديرية التي يرغبون بالتقديم فيها، مع إعفائهم من الرسوم الامتحانية.

امتحانات تحت وصاية التربية التركية

اقتصر إجراء الامتحانات التابعة لوزارة التربية في الحكومة المؤقتة في ريف حلب الشمالي ومنطقة عفرين على خمسة مراكز، وهي المناطق الخاضعة لفصائل درع الفرات وغصن الزيتون المدعومة تركياً. أما بقية الطلاب من أبناء هذه المناطق، فقد تم إجراء الامتحانات لهم من قبل مديريات التربية التابعة للمجالس المحلية منذ ما يزيد عن أسبوعين برعاية وزارة التربية التركية، التي ستعترف فقط بالشهادات الثانوية الصادرة عن هذه المديريات للتسجيل في الجامعات التابعة لها سواء في الداخل السوري أو في تركيا، وذلك بعد اعتماد امتحان «اليوس» للدخول إليها.

واعتمدت مديريات هذه المناطق في عمليتها الامتحانية على الأسئلة المؤتمتة التي تم توزيعها على ثلاثة أيام في الشهادة الثانوية، وشهدت وجود مادة الرياضيات في الفرعين العلمي والأدبي، بالإضافة إلى حضور مادة اللغة التركية إلى جانب اللغة الإنكليزية في الفرعين أيضاً، وسيتم تصحيح أوراق الطلبة إلكترونياً بحسب أحد العاملين في مديرية إعزاز، الذي أخفينا اسمه بناء على طلبه.

يرى بعض الطلاب الذين التقيناهم في تلك الامتحانات فرصة جيدة، وذلك كونها حاصلة على الاعتراف التركي، وبذلك يضمنون الدخول إلى الجامعات التركية التي تحظى باعتراف دولي، إلّا أن بعضهم الآخر رأى فيها إشكالاً ناتجاً عن قصر مدة الامتحان وإجبارهم على تقديم ثمانية مواد في ثلاثة أيام، وهو ما سيؤدي إلى انخفاض درجاتهم على حد قولهم، إضافة للغة التركية التي شكلت عائقاً كبيراً أمامهم، خاصة وأنها غريبة عن تحصيلهم العلمي السابق. فيما رأى بعض الناشطين الكرد الذين تواصلنا معهم في فرض اللغة التركية وغياب الكردية عن الامتحانات في عفرين «سياسة جديدة للتتريك»، متسائلين عن سبب غيابها عن الطلبة الأكراد بخاصة!

وكان العام الامتحاني الماضي قد شهد خلافاً حاداً بين الطلبة الحاصلين على الشهادة العامة من مديريات هذه المناطق من جهة، ووزارة التربية والتعليم في الحكومة المؤقتة من جهة أخرى، كون الأخيرة لم تعترف بالشهادات الصادرة عن تلك المديريات، ورفضت تسجيل الطلبة الذين يحملونها في الجامعات التابعة لها.

امتحانات بلا دعم

توقف الدعم عن مديريات التربية التابعة للحكومة المؤقتة في الشمال السوري منذ نيسان من العام الجاري، بحسب مدير تربية حلب، الذي قال إن العملية الامتحانية تطوعية من بدايتها حتى نهايتها، وتقدّر كلفتها بما يقارب مئتين وخمسين ألف دولار لطلاب حلب وحدهم، إذ تقدر كلفة العملية الامتحانية بخمسين دولار لكل طالب على حد قوله.

وناشدت المديريات في وقت سابق المنظمات الإنسانية والمجالس المحلية لتقديم الدعم لتسيير العملية الامتحانية، فيما أكدَّ محمد المصطفى أن الإقبال على العمل التطوعي كان كبيراً من قبل الكادر التعليمي (سواء في المراقبة أو التصحيح). كما قدمت بعض الجهات المساعدة، مثل الدفاع المدني الذي ساهم بتقديم السيارات لنقل الأسئلة، فيما أسهمت بعض المنظمات بتقديم الأوراق والأحبار لطباعة الأسئلة، بالإضافة للأجهزة المحمولة والطابعات على سبيل الإعارة حتى انتهاء العملية الامتحانية. كذلك قدمت المجالس المحلية في الشمال السوري مساعدات تخص مياه الشرب ومياه الاستخدام للنظافة، وتبرعت بعض هذه المجالس بنقل المراقبين إلى مراكزهم وحراسة هذه المراكز.

يقول الأستاذ أحمد الموسى (مراقب في ريف حلب) إنه وبالرغم من الصعوبات المادية التي يعيشها المعلمون، فإنهم لن يوفروا جهداً لإنجاح هذه العملية سواء كانت مأجورة أو طوعية، ومع غياب الدعم «سوف نثبت للعالم إننا أصحاب قضية وثورة على الظلم سواء كان داخلياً أم خارجياً»، الأمر الذي أكده مدير تربية حلب متحدثاً عن التزام كافة المراقبين والمصححين بالعملية الامتحانية دون إشكاليات كبيرة، فيما لا يخلو الأمر من بعض الغيابات والتأخر نتيجة ظروف التنقل، إلا أنها «ضمن حدود المعتاد» بحسب وصفه.

نظام الأسد يستغل الفرصة والفصائل تبتلع الطعم

تقدَّمَ ما يزيد عن خمسة آلاف طالب من سكان المناطق الخارجة عن سيطرة النظام لامتحانات الشهادات العامة في مناطق سيطرته، معظمهم في مدينة حماة، إذ تم استقبالهم وتسيير أمورهم أثناء انتقالهم عبر حواجز قوات النظام خلافاً للمعتاد، وتم تأمين السكن لهم في مراكز جماعية وكذلك تأمين النقل من المراكز الامتحانية وإليها، إضافة إلى وجبتي الغداء والعشاء، وتيسير الحصول على «الهويات الشخصية» لطلاب التعليم الأساسي، بالإضافة إلى تعويض قدره خمسة عشر ألف ليرة سورية لكل طالب.

يقول بعض الطلاب الذين تحدثنا إليهم: «لقد رحبوا بنا جيداً، نحن نعرف أنهم يريدون أن ينقلوا صورة حسنة عن تعاملهم، لكن ما دفعنا للذهاب هو عدم الاعتراف الدولي بالشهادات الصادرة عن مناطق الشمال السوري، وليس حبّاً بالنظام ولا رغبة بالعودة إليه».

الطلبة الذين تتراوح أعمار معظمهم بين الرابعة عشرة والخامسة عشرة تعرضوا للإهانة في طرق عودتهم، وللإذلال والاتهامات من قبل حواجز الفصائل العسكرية، ويقول أحدهم إن الحافلة التي كانت تقله تم إيقافها لمدة تزيد عن عشر ساعات على حاجز دير بلوط، كما تم أخذ هوياتهم الشخصية وطلبوا إليهم أن يبلغوا أولياء أمورهم بضرورة مراجعة «مكاتب معينة» في إدلب للتحقيق معهم.

يتخوف الأهالي من ردّة فعل الفصائل تجاه إرسال أطفالهم، وتتنوع التكهنات بين احتمال أن يتضمن التحقيق اتهامات المباشرة أو أن يتضمن أسئلة عادية فقط، إلّا أننا لم نستطع الوصول إلى أحد من آباء الطلبة الذين قاموا بمراجعة هذه المكاتب، والتي تم تحديدها من خلال أرقام هواتف تم تزويد الطلبة بها على الحواجز.

يقول والد أحد الطلبة، الذي لا يزال متردداً في الاتصال والذهاب: «سألت آخرين عن الذهاب، الجميع متخوفون، ربما ذهبوا ولم يخبروني بما حصل معهم، وربما هم خائفون مثلي، إلا أن أغلب الظن أن الفصائل تحتاج لإجابات عن كيفية المرور ببعض الحواجز التي كانت تمنع المرور بموجب قرار صدر قبل العملية الامتحانية، إذ تم تهريب الطلبة من طرق بعيدة عنها!».

تقول والدة أحد الطلبة «من هون آكلينا ومن هون آكلينا، إذا بعتناهم ما منخلص وإذا خليناهم ما منخلص، هاد مستقبل ولادنا وين بدنا نروح».