أعلن مسؤول برلماني في الجزائر يوم الثلاثاء 2 تموز/يوليو استقالة رئيس المجلس الشعبي الوطني معاذ بوشارب، وذلك بعد مطالبات من كتل داخل البرلمان الجزائري. بوشارب، الذي كان يشغل منصب رئاسة الغرفة الثانية في البرلمان الجزائري، هو واحدٌ ممّن يسميهم الحراك الشعبي في الجزائر بـ«الباءات الثلاثة»، وهم بالإضافة إلى بوشارب، عبد القادر بن صالح الرئيس الانتقالي للجزائر (الرئيس السابق لمجلس الأمة، الغرفة الأولى في البرلمان)، والوزير الأول (رئيس الوزراء) نور الدين بدوي، الذين يُعتبرون من رموز نظام بوتفليقة، ويطالب الحراك الشعبي بتنحيتهم جميعاً.
وكانت الاحتجاجات الشعبية قد بدأت في الجزائر شباط/فبراير الماضي، رفضاً لترشح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، وتواصلت بعد استقالته في 2 نيسان/أبريل الماضي، مطالبة بتنحي كافة رموز النظام السابق، والذهاب نحو فترة انتقالية بهدف التحول إلى نظام ديمقراطي. ومنذ تنحي بوتفليقة، يستمر رئيس أركان الجيش أحمد قايد صالح بالظهور على الإعلام، رافضاً فكرة الفترة الانتقالية التي يطالب بها المتظاهرون وقوى معارضة متنوعة في الجزائر، وداعياً بدلاً من ذلك إلى إجراء انتخابات رئاسية في أقرب فرصة. وكان من المزمع إجراء هذه الانتخابات في الرابع من شهر تموز/يوليو الجاري، إلا أن المجلس الدستوري أقر تأجيل الانتخابات لعدم وجود مرشحين مقبولين للمنصب، وبذلك تم تمديد فترة الرئيس الانتقالي عبد القادر بن صالح، دون تحديد موعد جديد للانتخابات الرئاسية.
وكان الجيش والقضاء العسكري الجزائري قد نفذَّ اعتقالات طالت عدداً من رموز النظام السابق، أهمهم سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس السابق، ومحمد مديَن الملقب بالجنرال توفيق، واثنين من رؤساء الوزراء السابقين هما عبد المالك سلّال وأحمد أويحيى. كما شملت الاعتقالات عدداً من السياسيين المعارضين والشخصيات الوطنية المعروفة، كان آخرهم لخضر بورقعة أحد قادة جيش التحرير الجزائري التاريخيين، الذي كان قد سُجن لفترات طويلة خلال حكم الرئيس الجزائري الأسبق هواري بومديَن. وقد تبعت اعتقاله حملة تشويه طالت سمعته من قبل الإعلام الجزائري، ما أثار جدلاً بين الجزائريين وتنديداً من «المنظمة الوطنية للمجاهدين»، فيما قال مقربون منه إنه اعتُقل نتيجة تصريحات قال فيها إن «قايد صالح يريد إيصال مرشحه للرئاسة». كما شملت الاعتقالات لويزة حنون، رئيسة حزب العمال الجزائري اليساري، وذلك بعد استدعائها للمثول أمام النيابة العسكرية.
من جهة أخرى، شهدت الجمعة الماضية استمرار الاحتجاجات في مدن الجزائر للأسبوع التاسع عشر على التوالي، على الرغم من عمليات الاعتقال التي قامت بها قوات الأمن قبيل انطلاق المتظاهرين في ساحة البريد في العاصمة الأسبوع الماضي. ويحاول الجيش الالتفاف على التظاهرات من خلال إطلاق تصريحات تهدد أي طرف يحمل علماً غير العلم الجزائري، في إشارة إلى رفع طلاب جزائريين للعلم الأمازيغي خلال إحدى التظاهرات. ويطالب الأمازيغ بمزيد من الحقوق الثقافية والسياسية في الجزائر، وبوقف التمييز ضدهم، إذ لم تعترف الدولة الجزائرية باللغة الأمازيغية كلغة رسمية إلا في عام 2016.
ويبدو واضحاً أن رئيس أركان الجيش يستخدم تلك التهديدات لخلق حجج لقمع التظاهرات، وإذا كانت الاعتقالات التي قام بها الأمن خلال الجمعة السابقة مجرد عملية جسّ نبض، فإن قيام الجيش والأمن بعمليات قمع أوسع قد يكون احتمالاً وارداً جداً، خاصةً إذا ما حاول قايد صالح نسخ تجربة المجلس العسكري السوداني، بعد المجزرة التي ارتكبها بحق المعتصمين في ساحة القيادة العامة.
بعد استقالة عبد العزيز بوتفليقة، ومع الاعتقالات التي قام بها الجيش خلال الأشهر الماضية، يبقى رئيس أركان الجيش الجزائري أحمد قايد صالح الشخصية المتنفذة الأبرز التي بقيت من نظام الحكم في الجزائر. وكان قادة الجيش في البلاد يتمتعون بنفوذ واسع منذ استقلال الجزائر عام 1962، وحكموا بأنفسهم أو من خلف الستار لفترات طويلة، وأبرزهم الرئيس هواري بومدين
ويبدو اليوم أن قايد صالح ينوي الاحتفاظ بحكم السلالة العسكرية في الجزائر، من خلال إزاحة الشخصيات الأهم في نظام بوتفليقة، واعتقال الشخصيات المعارضة التاريخية والبارزة في الساحة السياسية الجزائرية، ومن ثم التفرغ ربما لقمع الاحتجاجات بهدف تمرير مشروعه السياسي الذي لم تتضح معالمه الدقيقة حتى اللحظة؛ هل يريد تمرير مرشح يتبع له إلى منصب الرئاسة، أم أنه ينوي الترشّح بنفسه كما فعل السيسي في مصر؟
ويبقى أن المظاهرات التي لم تتوقف في الجزائر هي محرك التحولات السياسية حتى الآن، إلا أن صياغة خطاب سياسي أكثر تماسكاً، وخلق تمثيل سياسي جديد لها، هو ما سيكون مفتاح التغيير في بلد استقلّ عن الاحتلال الفرنسي منذ أكثر من خمسين عاماً، ويناضل مواطنوه الآن من أجل الاستقلال عن الاستبداد والحكم العسكري المستمرّ منذ تلك اللحظة.