شهدت منطقة الخليج خلال الأسبوع الماضي حادثين عسكريين خطيرين، يمكن أن يكونا نذراً لحرب كبيرة قد تندلع في المنطقة، إذ قامت ميليشيات الحوثيين في اليمن، يوم الأربعاء الماضي 12 حزيران/يونيو، باستهداف مطار أبها السعودي بصاروخ أدى إلى أضرار كبيرة وضحايا بين المسافرين، وفي اليوم التالي تعرضت ناقلتا نفط في مياه خليج عُمان لهجمات، قال مسؤولون أميركيون إنّ إيران تقف وراءها.

وقُبيل هذين الحادثين، كانت الأطراف المعنية بملف العقوبات الأميركية على إيران قد دخلت حالة من الترقب، بانتظار نتائج الوساطة اليابانية التي أتت بطلب من واشنطن، إلّا أن استهداف ناقلتي نفط تنقل إحداهما شحنات مرتبطة باليابان، قبل أن ينهي رئيس الوزراء الياباني زيارته إلى طهران، بدا كما لو أنه رسالة واضحة من القيادة الإيرانية أو دوائر نافذة فيها، تقول إنها تفضل الذهاب إلى حرب قبل أن تفلح العقوبات الأميركية القاسية في زعزعة استقرار حكمها داخلياً.

وكان الأسطول الخامس الأميركي قد أعلن أنه التقط، صباح الخميس 13حزيران/يونيو، نداء استغاثة من ناقلتي نفط في منطقة خليج عُمان، في وقت أعلنت فيه الشركتان المشغلتان للناقلتين، شركة «كوكوكا سانجيو» اليابانية التي تشغل الناقلة «كوكوكا كوريجوس»، وشركة «فرونت لاين» النرويجية التي تشغل الناقلة «فرونت آلتير»، عن تعرض هاتين السفينتين لحوادث أمنية في مياه الخليج، ليتم لاحقاً الكشف عن استهدافهما بألغام لاصقة، وهو ما أدى إلى توجيه أصابع الاتهام لإيران التي سبق واستخدمت هذا الأسلوب ضد سفن مدنية خلال حرب الخليج الأولى في الثمانينات. ولاحقاً، نشرت البحرية الأميركية تسجيلات مصورة تُظهر قيام قوارب تابعة للحرس الثوري بإزالة لغم لاصق لم ينفجر عن إحدى السفينتين المستهدفتين، وهو ما تم اعتباره محاولة لإخفاء الأدلة، الأمر الذي يؤكد حسب المصادر الأميركية تورط طهران في تلك العملية. وقد أصر الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تصريحات لقناة فوكس نيوز على مسؤولية طهران عن تلك الحوادث، وهو ما أكده وزير الخارجية البريطاني أيضاً.

ولم تتضح حتى الآن طبيعة الرد الأميركي المحتمل على هذا الاستفزاز في الخليج، فيما يجري الحديث عن بدء الولايات المتحدة بإجراء عمليات حماية لناقلات النفط في الخليج العربي ومضيق هرمز، وهي الإجراءات التي لا يمكن اعتبارها بديلاً عن رد أميركي مُتوقّع في الوقت الحالي أو في المستقبل القريب.

وحتى اللحظة، فإن جميع الأطراف في الخليج والعالم تقول إنها لا تريد الحرب في المنطقة، إلا أن هذا الحادث يشير في الواقع إلى أن القيادة الإيرانية ترى أن خيار الحرب أقل ضرراً عليها من انهيار اقتصادي شامل قد يودي بحكمها المستمر منذ أربعين عاماً، إلى درجة أنها لم تكلف نفسها عناء تنفيذ حملة إعلامية ودبلوماسية كبيرة لنفي التهمة عن نفسها. ويبدو أن طهران تراهن على أن اندلاع حرب كهذه لن يؤدي إلى غزو أميركي واسع للأراضي الإيرانية، إذ في الوقت الذي ستهتم فيه واشنطن، في حالة الحرب، بتأمين مناطق محددة مطلة على الخليج، خاصة في مضيق هرمز، فإنها على الأرجح ستقوم بضربات جوية تؤدي إلى شل البنية التحتية في البلاد، وتستهدف النفوذ الإيراني خارجها، خاصة في المناطق التي تهدد أمن كل من إسرائيل والسعودية، وستكون نتيجة مثل هذه الحرب حصول القيادة الإيرانية على تأييد داخلي أوسع نتيجة التهديد الخارجي، وأيضاً قدرتها على تحميل مسؤولية الآثار الاقتصادية، التي كانت ستحصل بسبب العقوبات والفشل السياسي، للمعارك والعمليات العسكرية.

أما الإدارة الأميركية، فلا تبدو مستعجلةً على شن حرب على إيران، حتى أن النشاط الدبلوماسي والإعلامي الأميركي كان أيضاً أبرد من المتوقع إزاء هجمات خطيرة كهذه. ويبدو أن الإدارة الأميركية باتت تشعر أن العقوبات الحازمة المفروضة منذ تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي بدأت تأتي بنتائج كبيرة، خاصة بالنظر إلى ردود الفعل الإيرانية المستفزة، التي تفصح، في غياب الأرقام الدقيقة، عن أزمة حادة تعصف بالاقتصاد الإيراني.

في الوقت الحالي، لا يبدو أن واشنطن ستقوم بالرد المباشر على هذه الحادثة، إلا أن رصيد طهران بدأ بالنفاذ، وستكون استفزازات مقبلة مماثلة أشبه بإعلان حرب في الحقيقة، وهو الأمر الذي بات الأكثر ترجيحاً، خاصةً في ظل عدم ظهور أي نتائج عن زيارة رئيس الوزراء الياباني إلى طهران، التي التقى خلالها بالرئيس الإيراني حسن روحاني والمرشد علي خامنئي.

وقد كان للهجمات على الناقلتين تأثيرٌ فوريٌ على أسعار النفط العالمية، إلا أن الزيادة الحاصلة حتى اللحظة لا تشير إلى تأثيرات خطيرة على الاقتصادات العالمية، ولكن يبقى أن دولاً كثيرة في العالم تتضرر من العقوبات الاقتصادية والتوتر العسكري المرافق لها، فيما سيحرم اندلاع حرب في المنطقة العالم مباشرةً من أكثر من ثلاثين بالمئة من صادرات النفط العالمية التي تمر من الخليج العربي، ما سيؤدي إلى صدمة في أسواق المال التي ستتأثر بتوقف إمدادات الطاقة. إلا أن لغة الاقتصاد لا تحكم دوماً اتجاهات السياسة، خاصةً أن الولايات المتحدة، وفي ظل نمو إنتاجها من النفط الصخري، باتت أكبر منتج للنفط في العالم العام الماضي، الأمر الذي سيساهم في زيادة قدرتها على الحركة في أوضاع الحرب.

ستكون آثار الحرب كارثية طبعاً على جميع دول الخليج، وستكون إيران الخاسر الأكبر فيها بالتأكيد، على مستوى الحضور الإقليمي والعتاد العسكري والبنية التحتية وأرواح المقاتلين وربما المدنيين، إلا أن القادة وصنّاع القرار الإيرانيين، الذين يتربع البقاء في سدة السلطة على رأس أولوياتهم، يمشون بخطوات ثابتة نحو المغامرة باحتمال الحرب، ولا يبدو أن أحداً في إيران قادر على الوقوف في وجههم.