لم تعترف وسائل الإعلام التابعة للنظام السوري بسيطرة فصائل المعارضة على كفرنبودة حتى الآن، بل نقلت وكالة سانا عن مصادر عسكرية أن قوات النظام «نجحت في التصدي لهجمات المجموعات الإرهابية»، في الوقت الذي تحدثت قناة سبوتنيك الروسية عن اضطرار المجمواعات المرابطة داخل كفرنبودة للانسحاب إلى أطرافها «جراء سلسلة من الهجمات المتتالية التي شنها مسلحو جبهة النصرة يتقدمهم انتحاريون بعربات مفخخة»، واصفة ما جرى بأنه إعادة انتشار.
في الوقت نفسه أطلقت فصائل المعارضة، ظهر يوم أمس الأربعاء، المرحلة الثانية من الهجوم المعاكس على المواقع التي سيطرت عليها قوات النظام خلال حملتها العسكرية المستمرة منذ أواخر نيسان الماضي، وذلك عبر تمهيد مدفعي على قرى «المستريحة، الكركات، الشيخ ادريس، الجابرية، وبعض مزارع كفرنبودة» في ريف حماة، وذلك بعد أن كانت قد سيطرت في المرحلة الأولى من هذا الهجوم مساء أول أمس الثلاثاء على «كفرنبودة وتل هواش و الحميرات» في ريف حماة أيضاً، بعد معارك شديدة العنف خاضتها ضد قوات الفيلق الخامس وقوات النمر ولواء القدس، ملحقة بها خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد، فضلاً عن أسر ثلاثة جنود وضابط برتبة عقيد.
وربما يكون مبكراً الحديث عن فشل الحملة العسكرية للنظام السوري في تحقيق أهدافها، خاصة أن تلك الأهداف ليست معلنة أو محددة بشكل واضح، لكن ما تؤكده المعطيات أن ما جرى في كفرنبودة تحولٌ في مسار المعركة، وأن مخططات النظام لم تسر على النحو الذي كان يتصوره، إذ أن الموجة الأولى من هجومه بالغ العنف قد تم احتواؤها على نحو جاء مفاجئاً بالنسبة له، خاصة أنه اعتاد خلال العام 2018 على التقدم بشكل مستمر دون تراجع عن المناطق التي يسيطر عليها في ظل الدعم الروسي غير المحدود، حتى أن سهيل الحسن قائد قوات النمر المقربة من روسيا ظهر في تسجيل مصور مساء أمس، تحدث فيه عن مشاركة قوات خاصة تركية وأميركية في المعركة، في سياق تبرير التراجع الذي حصل في كفرنبودة.
وليس هناك مؤشرات حتى الآن عن خطط النظام العسكرية البديلة، وفي حديث له مع الجمهورية، استبعد العقيد مصطفى البكور، القيادي في جيش العزة العامل في ريف حماة الشمالي، «قدرة قوات الأسد على فتح جبهات أو محاور جديدة للقتال الآن، نظراً لوضعها الحرج بعد خسائرها الكبيرة»، فيما يقول الناشط المحلي أحمد الاسماعيل إن «النظام كان يسعى لتثبيت نقاطه في سهل الغاب وجبل شحشبو وكفرنبودة بريف حماة، باعتبارها خط الدفاع الأول عن إدلب من جهتها الجنوبية والغربية، بهدف تأمين ظهر قواته التي كانت تنوي التقدم عبر الهبيط باتجاه خان شيخون كمرحلة أولى من عملية عسكرية واسعة على مراحل، تهدف للسيطرة على طريق حلب دمشق الدولي وصولاً إلى سراقب شمالاً، لكنه فشل في إنجاز ذلك».
وبالتوازي مع هذا، فشلت قوات الفرقة الرابعة في جيش النظام، المقربة من إيران، في السيطرة على قرية الكبانة في جبل الأكراد بريف اللاذقية الشمالي، على الرغم من أنها نفذت أكثر من عشرين محاولة خلال الأيام الماضية بمساندة سلاح الجو الروسي، وصلت حد استخدام الفوسفور الحارق والغازات السامة. وتتمتع قرية الكبانة وتلالها، التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام والحزب التركستاني، بأهمية استراتيجية كبيرة لإشرافها على مدينة جسر الشغور وقرى سهل الغاب.
تقاتل فصائل المعارضة وهيئة تحرير الشام بتنسيق كامل في الميدان خلال الأيام القليلة الماضية، خلافاً لكما كان عليه الحال في بداية الحملة العسكرية، وثمة مؤشرات عديدة على أن التفاهمات بين الضامنين الروسي والتركي قد تم تجميدها، من بينها رفض الفصائل العسكرية، بما فيها تلك المقربة من تركيا، اقتراح الهدنة الذي قدمه الجانب الروسي قبل أيام، مشترطة للموافقة عليه انسحاب قوات النظام من كافة المناطق التي سيطرت عليها مؤخراً، يضاف إلى ذلك ما قاله وزير الدفاع التركي خلوصي أكار يوم أمس الأربعاء، من أن نقاط المراقبة التركية «لن تتراجع خطوة واحدة في مناطق خفض التصعيد»، متحدثاً عن خلافات مع روسيا لم يحددها.
لكن المؤشر الأبرز على هذا الخلاف، هو السماح لفصائل عسكرية مدعومة تركياً بالانتقال من مناطق الشمال السوري الخاضعة للوصاية التركية إلى جبهات ريف حماة للمشاركة في المعركة، وظهور كميات أكبر من أسلحة نوعية في يد الفصائل، من بينها صواريخ التاو المضادة للدروع، التي كبدت قوات النظام خسائر كبيرة. وقد أكد العقيد مصطفى البكور في حديثه مع الجمهورية وصول عدد من مقاتلي ريف حلب الشمالي لمساندة فصائل ريف حماة، قائلاً إن هذا الأمر كان له «أثر إيجابي في المعارك الأخيرة» على حد تعبيره، لكنه قال إيضاً إن هؤلاء المقاتلين جاؤوا بأسلحتهم الخفيفة والمتوسطة فقط، دون استقدام لأي أسلحة ثقيلة.
كذلك تحدث ناشطون محليون للجمهورية عن دخول فصيل فيلق الشام في المعركة خلال الأيام القليلة الماضية، وفيلق الشام المنضوي في الجبهة الوطنية للتحرير، هو واحدٌ من أكبر الفصائل المقربة من تركيا في الشمال السوري، ولم يكن مشاركاً فاعلاً في المعارك في البداية، وتعدّ مشاركته الآن، بالإضافة إلى وصول المقاتلين من ريف حلب الشمالي، مؤشراً على أن التفاهمات التركية الروسية تتعثر، فيما تحدثت أنباء خلال الساعات القليلة الماضية عن أن تركيا أبلغت الفصائل بأن اتفاق سوتشي قد انتهى.
بالتزامن مع المعارك البرية المستمرة، تواصل الطائرات الروسية وطائرات النظام غاراتها المدمرة ومذابحها في ريف إدلب، إذ ارتكبت هذه الطائرات مذبحة عبر استهدافها سوقاً شعبياً في معرة النعمان يوم أمس، كما شملت غاراتها سراقب واشتبرق وأريحا وجسر الشغور وكنصفرة ومعرة حرمة يوم أمس أيضاً، ما أدى إلى سقوط عشرات الضحايا بين قتيل وجريح في صفوف المدنيين.
على الرغم من استمرار الكارثة الإنسانية الكبرى في ريف إدلب وحماة، وعلى الرغم من أنه لا مؤشرات تفيد بقرب توقف الحملة العسكرية، إلا أن ناشطين محليين تواصلت معهم الجمهورية، يقولون إن استعادة الفصائل لقدرتها على التحرك، ونجاحها في احتواء هجوم النظام الواسع، يبعث شعوراً من الارتياح بين سكان إدلب وحماة، لأنهم باتوا يشعرون أن خسارة بيوتهم وأرزاقهم وتهجيرهم ليست قدراً محتوماً كلّما أرادت روسيا والنظام.