مركز بحوث النسيج، معهد ساكسو – جامعة كوبنهاغن، الدنمارك

«… خلال عام 2015 رأيت العديد من اللاجئين في الشوارع ومحطات القطار… عرفت أنهم يتمتعون بالمهارات والكفاءات التي يجب علينا أن نقدّرها في أوروبا، لذلك قمنا بإنشاء مشروع خيط».

د. ماريا لويزا نوش، مديرة مشروع «خيط».

تشرف جامعة كوبنهاغنيمثل شركاء المشروع شريحة واسعة ومتنوعة من المنظمات العاملة في مجال التصميم والنسيج، وهم الشركة الدنماركية فيبسكو للتصميم، ومتحف قرية الفايكينغ، وكلية تأهليل المعلمين في كوبنهاغن، ومدرسة كولن للتصميم، وشركة تيرم بلوس المتختصة بالبحث العلمي في مجال المصطلحات اللغوية، وشركة التصميم فانيلا، واتحاء النساء الاجئات فاكتي على مشروع «خيط»، وهو عبارة عن مشروع اندماج يركز على تشجيع العمل اليدوي للنساء ذوات الخلفيات اللاجئة والمهاجرة. تأتي تسمية المشروع «خيط» من اللغة الإنكليزية أي THREAD والتي تتضمن أوائل أحرف الكلمات التالية: مركز النسيج لتمكين اللاجئين وتعزيز ريادة الأعمال Textile Hub for Refugee Empowerment, Employment and Entrepreneurship Advancement، وتشير إلى مركز نسيج حيوي يهدف إلى تمكين وتوظيف ودعم ريادة الأعمال للنساء.

بناء على مقابلات أجريتها مع القائمات على المشروع ومع المشاركات فيه، بعضها بشكل مباشر وأخرى مسجلة، أناقش من خلال هذه الورقة مخارج المشروع لمعرفة مدى أهميته وفاعليته في عملية اندماج النساء في المجتمع وسوق العمل الدنماركي.

مقدمة

أصبح مفهوم «الاندماج» مسيساً إلى حد كبير، حيث تسعى سياسات الاندماج الرسمية الدنماركية إلى خلق مواطنة متجانسة في الدنمارك تركز على تعلم اللغة الدنماركية والحصول على عمل وتحقيق الاستقلال واعتناق «القيم الدنماركية». وبذلك، تتجاهل الخلفيات الثقافية واللغوية المتنوعة للاجئين والمهاجرين. لكن مشروع «خيط» يعتمد على طرق بديلة للاندماج، تركز على المهارات التي جلبتها النساء معهن والمتعلقة بالعمل اليدوي في مجال التطريز والحياكة والخياطة. وهو بذلك يسعى لتحقيق التقدم في مسار الاندماج في المجتمع والسوق الدنماركي دون الحاجة للانتظار لفترات طويلة حتى يتم إتقان اللغة.

يسعى هذا المقال إلى الإجابة على الأسئلة التالية: ماهي الاستراتيجيات المبتكرة التي يتميز بها مشروع «خيط» عن غيره من مشاريع الاندماج؟ وكيف يُشرك المشروع النساء بعملية الاندماج؟ هذا ما سأناقشه في السطور التالية ضمن أربعة أقسام: إبداعية المشروع، صوت النساء المشاركات في مشروع «خيط»، التواصل الشبكي الاجتماعي، والفرصة الدراسية والتدريبية.

إبداعية المشروع

في هذه الفقرة سأناقش نهج «خيط» ورؤيته للاندماج. سأعتمد على معطيات ميدانية من المقابلات التي أجريتها مع إحدى الموظفات بالمشروع، واسمها جين مالوم دافيس. كما سأقوم بتحليل مقابلة مسجلة مع إيليزا سكولد من مدرسة التصميم في كولن. تؤكد جين على الناحية الإبداعية للمشروع، فهو حاصل على تمويل من صندوق الإبداع الدنماركي، والذي تقول إنه بشكل عام يمول الأكاديميين الذي يستطيعون أن يبتكروا حلولاً إبداعية لمشاكل مستعصية ومعقدة. كان الصندوق قد تعرض للعديد من الانتقادات بسبب تمويله لرجال أكثر من النساء، لذلك أصبح يستهدف النساء. يضم مركز بحوث النسيج نساءً يقمن بأبحاث معمقة في مجال النسيج، وهن مرشحات مناسِبات للفئة التي يستهدفها الصندوق. تؤمن الباحثات في المركز أن النساء ذوات الخلفيات اللاجئة والمهاجرة يمتلكن مهارات في مجال النسيج وباستطاعتهن تطوير هذه المهارات. أما إيليزا سكولد من مدرسة التصميم فتقول في مقابلة بعنوان «الإبرة والخيط يمهدان الطريق إلى الاندماج ويعطون قيمة للإبداع» أن «النساء لم يجلبن معهن العديد من الوثائق والشهادات التعليمية عندما أتين إلى الدنمارك، ولكنهن يتمتعن بالعديد من المهارت والأدوات المناسبة والمطلوبة من قطاع الموضة وقطاع النسيج في الدنمارك».

وتشرح إيليزا كيف أن «خيط» مشروع جيد في مجال الاندماج: «نصل إلى النساء من خلال العمل اليدوي لأنه لا يتطلب المهارات اللغوية العالية، إذ نستطيع التواصل عبر ’لغة الأصابع‘ من خلال مشاهدة عمل بعضنا البعض وإبداء الإعجاب… من المعروف أن الخياطة والحياكة طريقتان جيدتان لإخراج النساء من بيتهن، وربما أيضاً إخراج المصابات بصدمات نفسية وغير الجاهزات للانخراط في سوق العمل… في ورشة العمل التابعة لـ’خيط‘ والتي أطلقنا عليها اسم ’فنون‘، تأتي العديد من النساء اللاتي يتمتعن بمهارات ممتازة في مجال العمل اليدوي. لقد تحدثت مع امرأة من سورية وتبين لي أنها تعلمت الخياطة في مدرسة الخياطة في سورية، وكانت تَخيط لشركات خاصة ولعامة الناس. لكن عندما وصلت إلى الدنمارك لم يسألها أحد عن ذلك بسبب عدم امتلاكها أوراقاً تثبت وتبرهن خبرتها. هذا الشيء نجده عادةً عند النساء، فهن يأتين بدون أوراق وشهادات تُثبت مهارتهن. وتزعم الادعاءات أن قدرات النساء تنحصر في تربية الأطفال والتنظيف والطبخ. ولكننا نرى أن العديد من النساء خيّطوا ثياباً لأنفسهن ولأولادهن، أو قاموا بعمل يدوي يتطلب مهارات عالية. نرى أن النساء يفرحن عندما نُظهر تقديراً لمهاراتهن التي جلبوها إلى الدنمارك. لا ينبغي أن نقول لهن إن عليهن أن يتعلموا من أجل أن يكونوا مثلنا، بل يجب أن نقدّر مهارتهن. هذا هو جوهر مشروع «خيط» – تأتي النساء إلى الدنمارك بهذا الغنى في مجال العمل اليدوي، وهذا الشيء ينقصنا في مجال صناعة الموضة هنا. فمنذ الثمانينات ونحن نرسل هذه الصناعة بعيداً عنا نحو بلدان أخرى. لقد اختفت الكثير من مهارات العمل اليدوي بسبب تقاعد أو موت الناس القائمين عليها…».

هذا التصور للاندماج هو ما تقترحه الباحثتان ميشيل باس يوغوس سيمسك؛ اندماج ذو مناحٍ متعددة ويتطلب انخراط اللاجئين والمهاجرين فيه بصفتهم أعضاء فعالين في المجتمع المضيف. فكلام إيليزا عن «خيط» يسلط الضوء على مهارات النساء والتعلم منهن. يحتاج الاندماج لطرفين لتحقيقه: التقابل والتواصل الفعال بين كل من النساء والمجتمع الدنماركي. تتخذ إيليزا موقفاً نقدياً تجاه سياسات الاندماج الرسمية لكونها لا تأخذ بعين الاعتبار مهارات النساء. ويبدو «خيط» مشروعاً مبتكراً لأنه يقدّر مهاراتهن ولا ينظر فقط إلى الأوراق والشهادات الرسمية التي تجلبها النساء من بلدانهن. بهذه الطريقة، تتمكن النساء اللاجئات من المشاركة في المجتمع الدنماركي بدلاً من أن يتحولن إلى عبء عليه.

خيط وأصوات النساء

تكتب الباحثتان ميشيل باس ودوغوس سيمك أن أصوات وآراء وتجارب النساء من أصول أخرى هي غالباً غير مسموعة في الأبحاث الأكاديمية والنقاشات العامة. وهذا يشكل تحدياً بالنسبة للاندماج، لأننا بحاجة إلى سماع أصوات النساء. لذلك يحاول «خيط» أن يأخذ مساراً مختلفاً من خلال الاهتمام بالتواصل مع النساء. عندما زرت أحد المشاغل اليدوية، كان هناك ما يقارب 30 إلى 35 امرأة، وعندما سألتهن عن دواعي حضورهن إلى هذه الورشة، قالت عدة نساء إنهن يعتبرن هذه المشاغل نافذة لبيع منتجاتهن، والبعض الآخر قلن إنهن يسعَين إلى تطوير مهاراتهن، أو لمجرد الاختلاط بنساء أخريات للتعلم منهن أو إلهام أخريات بخبراتهن. تقول أم علي التي تعبر عن حماسها للمشاركة في المشغل: 

«جو البيت غير مريح، فهناك ضغوطات عديدة، لذلك عندما أخرج من البيت أفرح. في البيت تدور الأحاديث غالباً حول السياسية وأخبار بلداننا التي تصلنا عن طريق التلفاز، هذا الشيء يؤثر علينا كثيراً».

يمثل إذن خروج النساء من البيت وبيع المنتجات والتعبير عن الآراء والهموم عن طريق مشروع «خيط» خطوة إيجابية بالنسبة للاندماج.

بالإضافة إلى ذلك، ركزت النقاشات في الدنمارك على نقص المهارات اللغوية لدى النساء من خلفيات غير غربية، وخاصة تلك المنحدرات من أصول شرق أوسطية، لكن «خيط» يركز على مهاراتهن. تُظهر المقابلات التي أجريتها مع بعض النساء المشاركات في المشروع أن النساء يركزن على العمل اليدوي كوسيلة تواصل مع المجتمع الدنماركي. نغم، المنحدرة من أصل عراقي والمقيمة في الدنمارك منذ 24 عاماً ترى العمل اليدوي أداةً للتواصل. تقول:

«تستند فلسفتنا على أننا، سواء كنساء أو كدنماركيين، بإمكاننا التعلم من بعضنا البعض. فإن كان اللسان لا يتكلم فالأيدي تستطيع التكلم. لا تستطيع نساؤنا التعبير عما يدور في خواطرهن مع الدنماركيين باللغة الدنماركية، ولكنهم يستطعن تحقيق ذلك عن طريق العمل اليدوي. فنحن نتعلم من الدنماركيين اللغة والثقافة الدنماركية والمجتمع. بنفس الوقت، نحن نعلمهم العديد من الأشياء كالتطريز، وهم يعلموننا أيضاً طرقاً مختلفة من الحياكة».

يتضمن قول نغم عدة قضايا، منها أنها تعتمد على مقاربة تقوم على وجود طرفين للاندماج. فالنساء والدنماركيون يتعلمون من بعضهما البعض، ويمثل العمل اليدوي صلة وصل بينهما. ولكن نغم تكرر الرواية السائدة في المجتمع الدنماركي والقائلة إن النساء غير قادرات على التعبير عن أنفسهن باللغة الدنماركية، رغم أنها نفسها تتكلم الدنماركية بطلاقة. وقد كتبت ذات مرة مقالاً في جريدة إنفرماشيون الدنماركية الواسعة الانتشار جادلت فيها أن مواقف الدنماركيين تجاه «الآخر» يجب أن تتغير.ناشدت الدنماركيين أن يكونوا صبورين مع الناس الذي يتكلمون بلكنة أجنبية، أو الذين لا يقولون التعبيرات بذات الطريقة التي يقولها الدنماركي، وأن يسألوا الأجانب فيما لو كانوا يفضلون التكلم بالدنماركية أو لغة أخرى كالإنكليزية، لأن العديد من الدنماركيين يجيبون بالإنكليزية عندما يرون أن الشخص المخاطب ليس أبيض.

خيط كشبكة تواصل بين النساء والمجتمع الدنماركي

يسعى هذا المشروع إلى خلق شبكات اجتماعية عن طريق جمع النساء بجهات أخرى معنية بالعمل اليدوي في المجتمع الدنماركي. تقول جين إن الحل الممكن للمساهمة بحل مشكلة اللجوء وتحقيق مشاريع خاصة بالاندماج هو إنشاء شبكات تواصل. فعندما يصبح الشخص لاجئاً فهو يترك خلفة شبكته الاجتماعية، ولذلك فإن تحقيق الاندماج في المجتمع الجديد يتطلب إنشاء شبكات جديدة. يعمل «خيط» على المساعدة في ذلك من خلال البحث عن الشبكة الملائمة للنساء المشاركات في المشروع. تقول جين: «في مركز أبحاث النسيج، نحن مجموعة من الباحثات اللواتي لديهن اتصالات واسعة خارج الجامعة. فنحن مؤرخات ومختصات بعلم اللغات والمصطلحات، ولدينا العديد من الاختصاصات العديدة في مجال النسيج».

أما سوزان ليرفارد، وهي شريكة مؤسسة في «خيط» وترأس شركة تيرمبلوس، فتحاول أن تضع النساء على تواصل مع مختصين في مجال العمل اليدوي الخاص في صناعة الملابس والتصميم، مع الأخذ بعين الاعتبار تطابق مؤهلات النساء مع المؤهلات المطلوبة من قبل شركات أخرى. كما تحاول تشجيع النساء على أن يكنّ رائدات أعمال بما يمكنهنّ من تحقيق عائدات مستقلة. تقول: «يحاول مشروع ’خيط‘ أن يصل النساء بشركات دنماركية وأن يمكنهن من المشاركة بورشات عمل خاصة بالخياطة والتطريز … وبذلك يجتمعن برائدات أعمال دنماركيات … فعلى سبيل المثال، سأقدم النساء لرائدة أعمال دنماركية، مايا، وهي أم لطفلة صغيرة ومصممة، وأنا آمل من خلال هذا اللقاء أن تلهم مايا النساء؛ كيف يكون لديك أطفال صغار وبنفس الوقت تكونين رائدة أعمال».

لدى كل القائمات على مشروع «خيط» شبكات اجتماعية واسعة، ومهارات ثقافية متعددة، فأغلبيتهن سكنَّ أو درسنَ في بلدان مختلفة. فمثلاً، تعمل جين في بريطانيا والدنمارك، وماريا لويزا سكنت وعملت في الماضي في ألمانيا وايطاليا والنمسا، وسوزانا أقامت في فرنسا والدنمارك. أما أكزونا فهي دنماركية-كوسوفية. إن الدنمارك بلد شمالي بارد وبعيد، ومن الصعب أن يكوّن فيه اللاجئون علاقات اجتماعية بسهولة. هذا ما أظهرته دراسة قام بها المعهد السوري في الدنمارك، حيث سأل 60 شخصاً عن الموضوع. لذلك فإن تقديم فرص للاجئين للانخراط في الشبكات الاجتماعية قضية مهمة جداً لدعم اندماجهم في محيطهم الجديد.

فرصة دراسية وتدريبية

يحاول القائمون على المشروع خلق وتقديم فرص تعليمية وتدريبية للنساء اللاجئات من أجل دعمهن للحصول على عمل في المستقبل. فمثلاً، تقدم مدرسة التصميم في كولن فرصاً تدريبية للنساء تنتهي بالتوظيف. وفي مركز أبحاث النسيج في كوبنهاغن، حصلت فرزانة كوسرافي (من كردستان العراق) على فرصة تدريب في المركز. وهي تحمل شهادة جامعية في مجال علم الآثار، وقد شرحت كيفية حصولها على فرصة التدريب قائلة:

«عندما بدأت دراسة اللغة الدنماركية، خُصِّصت لي مرشدة لمتابعة تقدمي في مجال اللغة ولمساعدتي من أجل الحصول على فرصة تدريبية. قمت بإحضار أوراقي من جامعتي في كردستان العراق، وقامت مرشدتي بإرسالها للتصديق. بعد ذلك أخبرتُ مرشدتي برغبتي بالعمل في مجال دراستي. وهكذا، أرسلتُ أوراقي إلى جامعة كوبنهاغن وتم قبولي في الجامعة في إطار فرصة تدريبية لمدة سنتين».

عبرت فرزانة عن سعادتها بهذه الفرصة في جامعة كوبنهاغن، فهي سعيدة أن القسم الذي قدم لها الفرصة يعمل في مجال علم الآثار ويبحث في المواضيع التاريخية القديمة، وتحديداً في اللباس القديم، فهي لديها معرفة سابقة بهذا الموضوع من خلال دراستها اللباس الآشوري والأكادي. وقد عزت فرزانة التحديات التي تواجهها إلى قدارتها اللغوية، فلغتاها الإنكليزية والدنماركية تتحسنان لكنهما غير كافيتين سواءً للحصول على العمل الذي ترغب فيه (في المتاحف) أو لمتابعة الدراسة في جامعة دنماركية. ولا تتاح الدراسة بغير واحدة من هاتين اللغتين في الدنمارك.

خاتمة

استعرضت في هذا النص معطيات ميدانية على شكل لقاءات أجريتُها مع النساء المشاركات والقائمات على مشروع «خيط». النساء سعيدات بالمشروع ويساهمن بشكل إيجابي وفعال فيه، لأنه يشكل منفذاً إما للاندماج الاجتماعي أو الاقتصادي أو للترفيه عن النفس. أما القائمات عليه فيركزن على تقدير وتوظيف مؤهلات النساء بشكل فعال وايجابي، والنظر إلى الطرق غير التقليدية لتحقيق الاندماج كالتركيز على المهارت وليس على الشهادت التي جلبتها النساء إلى الدنمارك.

من خلال استراتيجيات «خيط»، يبدو كل من النساء اللاجئات والدنماركيات القائمات على المشروع على قناعة بأن عملية الاندماج تتطلب النظر إلى مهارات النساء وإلى تفهم السوق الدنماركي لتحقيق التقدم الانساني والعلمي في المجتمع.