ضجّت الصحافة ومواقع الأخبار الألمانية الأسبوع الفائت بلافتات تم تعليقها في أنحاء مختلفة من برلين، تطالب السوريين بالعودة إلى بلادهم للمساهمة في إعادة إعمارها، معتبرةً أن الحرب في سوريا قد انتهت. و«انتهاء الحرب» هو الخبر الذي ينتظره ويحلم بسماعه السوريون في كل يوم، لكنه كان مستفزاً وضاغطاً إذ جاء في سياق الخطاب المناهض للاجئين، الذي تعلنه «حركة الهوية» اليمينية الألمانية المسؤولة عن تلك اللافتات. وقد تبرأت شركة الإعلانات Wall من موافقتها على نشر إعلانات كهذه على اللوحات العائدة لها، وتم نزع اللافتات في اليوم التالي، إلا أن رسالة التهديد وصلت إلى اللاجئين السوريين، وأثارت قلقاً نائماً في نفوسهم حول سؤال العودة، خاصة أنها تزامنت مع تصاعد الجدل حول مسودة «قانون العودة المنظمة»، ومع تشديد في إجراءات وشروط منح حق اللجوء للسوريين وغيرهم في ألمانيا.
قبل العاصفة التي أثارتها تلك اللافتات، كان وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر -وهو زعيم الاتحاد الاجتماعي المسيحي، حليف أنغيلا ميركل في الائتلاف الحكومي، وإن من أشد منتقدي سياساتها تجاه اللاجئين- قد أعلن في أواسط نيسان 2019 عن المسودة المقترحة لقانون العودة المنظمة، التي تنص على مجموعة تعديلات قانونية تخصّ تحديداً المهاجرين ممن تقدموا بطلبات لجوء في ألمانيا وتم رفضها، وستؤدي في حال إقرارها إلى تسهيل ترحيلهم، ذلك بالإضافة إلى تعديلات في شروط إقامة «دولدونغ»، التي ليست تصريح إقامة فعلي في الواقع، بل هي مستند مؤقت يمكّن حامليه من البقاء في ألمانيا بشكل قانوني لفترة محدودة، مع بقاء التزامهم بالمغادرة قائماً. وتشمل هذه التعديلات منح إقامات من نوع «دولدونغ» للأشخاص الذين لم يتم التأكد بعد من أوراقهم الثبوتية، أو لم يتم التثبت من وجود أسباب تجعلهم يستحقون اللجوء.
كذلك فإن هناك تعديلاً آخر كان مطروحاً في المسودة، إلا أنه أثار موجة من الانتقادات أدت إلى صرف النظر عنه، وهو فرض عقوبات على العاملين التابعين للدوائر الحكومية الألمانية أو في المنظمات الإنسانية، الذين يثبت تعاونهم مع الأشخاص المهددين بالترحيل. كما نقلت عدة تقارير صحفية عن زيهوفر تأكيده على الحاجة الملحة لتجهيز أماكن للإقامة المؤقته بأسرع وقت ممكن من أجل استيعاب الأعداد الكبيرة من المهاجرين وطالبي اللجوء المرّحلين، لكن ما أثار موجة من الغضب، هو الحديث عن ضرورة الفصل بين المهاجرين الواجب ترحيلهم وأفراد المجتمع الآخرين، ووضعهم في مقرات أشبه للسجون منها إلى أماكن سكنية مؤقتة، من أجل عزلهم وتشديد المراقبة عليهم، أو حتى وضعهم في السجون ذاتها التي يتم فيها سجن مرتكبي الجرائم، وذلك بصفتهم أفراد غير قانونيين، وهو البند الذي ما يزال قيد الدراسة.
وتطرح مسودة القانون مشكلة أخرى، وهي أنها تضيف مزيداً من الشروط للاعتراف بأحقية اللاجئين السوريين الجدد بالحصول على اللجوء، إذ تفرض أن يكون المتقدم بطلب اللجوء ملاحقاً سياسياً من قبل النظام السوري أو أن يكون قادماً من مناطق تقع خارج سيطرته، وهذا يعني أن واضعي المسودة يعتبرون أن الشخص غير الملاحق بالذات من قبل النظام السوري بات يستطيع العودة بشكل آمن إلى مناطق سيطرته. وإذا كانت هذه الشروط تعطي استثناءات لمن فقدوا بيوتهم وأملاكهم أو حتى وظائفهم، أو من فقدوا عوائلهم في سوريا، وإذا كانت ألمانيا حتى اللحظة لا تزال تعتبر أن سوريا منطقة تشهد حرباً، وهو ما سيعني عدم ترحيل اللاجئين السوريين حتى في حال رفض طلبات لجوئهم، إلا أن مجرد مثل هذه الاقتراحات لقوانين جديدة تتعامى عن الانتهاكات الفظيعة التي تشهدها مناطق النظام، سواء عبر الاعتقالات التعسفية أو فرض التجنيد الإجباري، قد تقود إلى نتائج خطيرة مستقبلاً إذا ما تغير تقييم الحكومة الألمانية للوضع في سوريا.
وبالتزامن مع طرح هذه المسودة، كان المكتب الاتحادي للمهاجرين واللاجئين قد بدأ يصبح أكثر تشدداً في قبول طلبات اللجوء الجديدة للسوريين وغيرهم، كما أنه بدأ مسبقاً بإجراءات لإعادة النظر في صحة كثير من طلبات اللجوء، ومن جنسيات مقدمي كثير من هذه الطلبات، خاصة أن هناك مهاجرين يدّعون أنهم يحملون جنسيات غير جنسياتهم الحقيقية لتسريع قبول طلبات لجوئهم. وعلى الرغم من أن هذه الإجراءات لن تؤثر على السوريين الذين تمت الموافقة على طلبات لجوئهم ونالوا إقامة لثلاث سنوات أو أكثر في الأعوام الماضية، إلا أن ما توحي به جميع الإجراءات التي تُتخذ، والقوانين التي تُقترح، هو أن هناك اتجاهاً عاماً نحو تقليل أعداد اللاجئين، والتمهيد لترحيلهم، ويعطي انطباعاً أن الدعوات اليمينية لطرد اللاجئين بدأت تلقى صداها.
هذه التعديلات القانونية المقترحة، وبعدها اللافتات المستفزة التي «تبشّر» بانتهاء الحرب في سوريا وضرورة العودة، أثارت قلقاً وغضباً عند اللاجئين السوريين الذين يواجهون في حياتهم اليومية أسئلة بالغة التعقيد، ويتعرضون لضغوط متناقضة بين تلك التي تفرضها سياسات الاندماج في ألمانيا من جهة، وتهديدات الترحيل وتذكيرهم الدائم بأن وجودهم مؤقت من جهة أخرى. أما الأمر الأكثر خطورة في مسودة هذا القانون، فهو أنها تؤسس لتسريع وتعجيل إجراءات العودة والترحيل للاجئين والمهاجرين، دون إتاحة الفرصة لهم لاستيعاب آثار تجربة النزوح، وأنها تؤسس لإنكار حق الإنسان مهما كانت جنسيته بالبحث عن العيش الكريم، الذي لا يعني المسكن والطعام والحماية فقط.