تراجعت شركة Airbnb في العاشر من نيسان/إبريل الجاري، عن قرارٍ سبق أن اتّخذته في شهر تشرين الأول/نوفمبر 2018، كان يقضي باستبعاد الأماكن المُتاحة للتأجير في المستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية المحتلة. وكانت الشركة الأمريكيّة المختصة بتأجير أماكن قضاء العطلات، والتي تتّخذ من سان فرانسيسكو مقرّاً لها، قد اتخذت قرار استبعاد بيوت المستوطنين من قوائمها العام الماضي، بضغط من الحركة المستمرة، فلسطينياً وعربياً وعالمياً، للدفع نحو المقاطعة الاقتصادية لمستوطنات الاحتلال الإسرائيلي، والتي سبق أن أحرزت نتائج ملموسة، أدّت لإجبار إسرائيل على وضع علامة خاصة على منتجات المستوطنات المُعدّة للتصدير إلى الاتّحاد الأوروبي، ودفع ضرائب عليها بعد أن كانت تدخل السوق الأوروبيّة دون رسومٍ جمركيّة.
ويبلغ عدد المنازل التي سبق للشركة أن حذفتها من قوائمها نحو 200 منزلٍ يؤجّرها مستوطنون إسرائيليّون، وتتوزّع هذه المنازل على مناطق مختلفة من الضفة الغربية المُحتلة؛ كما هو مُبيّن في الخارطة التوضيحية أدناه، التي أعدّتها منظمة هيومن رايتس ووتش. وقد برّرت حينها الشركة قرار الحذف في بيانٍ مُقتضب، قالت فيه إنّ هذه البيوت هي «موضع خلافٍ بين الفلسطينيين والإسرائيليين».
وتتقاضى شركة Airbnb، بحسب ما تُوضح منصّتها الإلكترونية، رسوماً من المُؤجِّرين تتراوح بين 3 و5% من مبلغ الإيجار الذي يدفعه المُستأجرون، فضلاً عن رسوم مباشرة تأخذها من المُستأجرين، تتراوح بين 12 و18% من مبلغ الإيجار الأصلي.
أسباب حذف المنازل من قوائم Airbnb
لم تتّخذ الشركة قرار الحذف في نوفمبر/تشرين الأول عام 2018 من تلقاء نفسها، بل جاء ذلك نتيجة جهودٍ متواصلة على مدى عامين لمنظّمة هيومن رايتس ووتش، وكذلك جرّاء تهديد فلسطينيين من مُلاك الأراضي الأصليين بمقاضاتها في العام 2016. وتزامن القرار مع نشر تقريرٍ بعنوان «شقق مفروشة في أراضٍ مسروقة» أعدّته هيومن رايتس ووتش بالتعاون مع منظمة مجتمع مدني إسرائيلية تُدعى كِرِم نافوت، تجري أبحاثاً ودراساتٍ ميدانية مناهضة للاستيطان وسرقة الأراضي في الضفة الغربية، يتركّز عملها في المنطقة ج، التي تشكّل قرابة 61% من مساحة الضفة الغربية، والتي تحتفظ فيها إسرائيل بسيطرة شبه حصرية بموجب الاتفاقات المبرمة مع السلطة الفلسطينية، بما في ذلك إنفاذ القانون والتنظيم والبناء، وتخصّص غالبية أراضيها لصالح بناء المستوطنات أو للاستخدام من قبل قطعات جيش الاحتلال.
ويوثّق التقرير الذي أعدّته المنظّمتان معلوماتٍ حول 139 عقاراً مُدرجاً على قوائم Airbnb للإيجار في المستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية المحتلة، باستثناء القدس الشرقية، في أوقات مختلفة بين 22 آذار/مارس 2018 و 6 تموز/يوليو 2018. كما يُحلل التقرير أيضاً وضع وملكية الأراضي التي جرى تشييد هذه العقارات فوقها؛ من بينها 17 عقاراً تعترف إسرائيل صراحةً أنّها بُنيت على أراضٍ خاصّة مملوكة للفلسطينيّين، وجرى استملاكها ومنحها للمستوطنين، و65 عقاراً آخراً أعلنتها إسرائيل «أراضٍ عامّة» أو «أراضٍ للدولة»، رغم وجود إثباتات لملكيّتها من جانب الفلسطينيّين، ثمّ قامت بتخصيصها على أساسٍ تمييزي بنسبة 99.75% للإسرائيليّين ونسبة 0.25% فقط للفلسطينيّين.
ومن بين العقارات أيضاً 33 منزلاً معروضاً للإيجار، تمّ تشييدها على أراضٍ كانت تُدار من قِبَلِ الأردن حتّى شهر حزيران/يونيو 1967 عندما كانت الضفة الغربية تتبع للسلطات الأردنية؛ وهنالك أيضاً عقاران اثنان مملوكان لمؤسسة الوقف الإسلامي المعنيّة بإدارة المواقع المقدسة. كما توجد 6 أراضٍ فقط اشتراها يهودٌ قبل النكبة في عام 1948، غير أنّها كانت تحت وصاية السلطات الأردنية. فيما لم تستطع هيومن رايتس ووتش وكِرِم نافوت البتّ في ملكية 19 أرضاً شُيّدت فوقها منازل المستوطنين المعروضة على موقع Airbnb.
واعتبر التقرير أنّ في عرض الشركة لهذه العقارات وتسهيل تأجيرها انتهاكاً خطيراً لحقوق الفلسطينيين، وبشكلٍ يتناقض مع القانون الإنساني الدولي ونظام روما الأساسي المُنشِئ لمحكمة الجنايات الدولية، الذي يعتبر نقل سلطة الاحتلال للسكان المدنيين إلى المناطق المحتلة «جريمة حرب». كما أنّ عروض الإيجارات هذه تتعارض مع مسؤوليّات الشركات التجارية في تجنّب المساهمة في الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي وفق مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان.
بالإضافة إلى ذلك، تساعد هذه العروض على جعل مستوطنات الضفة الغربية مُربحةً أكثر، وبالتالي تُساعد على استدامتها ومساعدة إسرائيل على نقل مواطنيها إليها بشكلٍ غير قانوني. ومن ناحيةٍ أُخرى، إنّ عروض المستوطنين تضلّل زائري منصة Airbnb، حيث تعرض لهم أنّ مكان إقامتهم سيكون في إسرائيل كما يوضح تحليل عروض التأجير، بينما هم في الحقيقة سيكونون في الأراضي الفلسطينية ضمن مستوطناتٍ غير قانونية، كما أنّها تخفي عنهم حقيقة أنّهم سيموّلون العمليات الاستيطانية من الأموال التي يدفعونها لقضاء إجازاتهم في إسرائيل.
ويتّهم التقرير المطوّل منصة Airbnb بالتشجيع على السياسات التمييزية بحقّ الفلسطينيين التي يتضمنها الإطار القانوني الإسرائيلي الخاص بالمستوطنات، والذي يمنع على غير الحاملين لتصاريح خاصة من الدخول إلى المستوطنات، ولا تُطلب هذه التصاريح على أرض الواقع سوى من الفلسطينيين حتى لو كانوا من حملة جنسيّةٍ أُخرى. على سبيل المثال، فإن أميركياً من أصول فلسطينيّة ليس بوسعه الوصول إلى منزلٍ استأجره عبر المنصة لقضاء عطلته، حتى لو لم يكن من حاملي الجنسية الفلسطينيّة، لأنّ سلطات الاحتلال تحتفظ بسجلات العائلات الفلسطينية الموجودة حالياً على أرض فلسطين، وتلك التي هُجّرت إلى خارج وطنها.
بالاستناد إلى ما سبق، قامت هيومن رايتس ووتش برفع توصياتٍ إلى شركة Airbnb، التي اطّلعت على فحوى التقرير خلال فترة إعداده وقامت بإجراء عدد من مقابلات الفيديو مع هيومن رايتس ووتش. وتطلبُ تلك التوصيات من الشركة حذف منازل المستوطنين في الضفة الغربية من قوائمها، ما دفعها في نهاية المطاف إلى حذف جميع الإعلانات المتعلقة بهذه المنازل من منصتها في يوم نشر التقرير نفسه، بعد أن تبيّنت من حقيقة ما ورد فيه، وكذلك بعد إجراء عدد من المُقابلات مع المستوطنين أصحاب عروض الإيجار.
كما طالبت المنظمة الدولية مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان بتدقيق النظر في سلوك Airbnb، وتحديد إذا ما كانت تستحق أن يتم إدراجها في قاعدة البيانات التي تعدها المفوضية السامية لحقوق الإنسان، والتي تضم الجهات التي تساعد بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، أو تسهّل أو تجني أرباحاً من بناء وتطوير المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وكذلك نشر قاعدة البيانات الخاصة بشركة التأجير العالمية للرأي العام من أجل كشف أنشطتها في المستوطنات.
أسباب تراجع Airbnb عن قرارها
في مقابل الترحيب الفلسطيني الرسمي، وترحيب المنظمات الحقوقية الدولية والفلسطينية بقرار الشركة الأمريكية حذفَ منازل المستوطنين من قوائم العقارات المطروحة للإيجار على منصتها، جوبه القرار برفضٍ من مؤسسات داعمة للاستيطان مثل منظمة «يشع»، وكذلك برفضٍ إسرائيليٍّ رسميٍّ صارم اعتبرَ أنّ الشركة باتت «موقعاً سياسيّاً»، وعلى لسان أكثر من مسؤولٍ حكومي. فقد اعتبر وزير السياحة الإسرائيلي ياريف ليفين أن القرار «مخجل ومؤسف»، كما أعلن شروع وزارته في إعداد «إجراءاتٍ فوريّة للحدّ من نشاط Airbnb في إسرائيل»، ما يعني أنّ الشركة ستخسر جزءاً كبيراً من الأرباح التي تجنيها في واحدةٍ من أهمّ البقع السياحية في العالم، والتي تحتوي 22 ألف إعلانٍ على منصتها، وتستقبل مئات آلاف النّاس سنويّاً.
أمّا وزير الأمن الإسرائيلي جلعاد أردان، فقد دعا جميع المستوطنين المُتضررين من القرار إلى رفع شكاوى ضد Airbnb، وذلك بموجب قانونٍ إسرائيليّ صدر عام 2017 «يُدين مقاطعة البلاد»، ويُتيح المجال أمام القضاء للحكم لصالح مُدّعين بتعويضاتٍ مالية إذا أثبتوا أنّهم حُرموا من سلعٍ أو خدمات بسبب المكان الذي يعيشون فيه. وقد ترتّبَ على ذلك دعاوى قضائية وجدت الشركة نفسها في غنىً عنها، إذ تقدّم محامون إسرائيليّون بدعاوى جماعية أمام المحاكم الإسرائيلية ضدّ الشركة، وطالبوها بتعويضاتٍ على أساس أنّها تمارس سياسةً «شائنة وتمييزيّة» بحقّ الإسرائيليّين.
وضعت هذه الدعاوى الشركة في مأزقٍ جديد، لا سيّما أنّ قرار سحب منازل المستوطنين من قوائمها جاءٍ في جزءٍ منه بغية تسوية أمر دعاوى قضائيّة هدّد فلسطينيون برفعها ضدّ الشركة عام 2016، وهكذا باتت الشركة تواجه قضائياً ما كانت قد حاولت تجنّبه حين قررت حذف المنازل. ولكن يبقى أن هناك سبباً مالياً ربما يكون العامل الأهم في دفع الشركة للتراجع عن قرارها، وهو أنّها تأمل في أكبر قدرٍ من الاستقرار المالي في هذه الفترة، كونها تسعى لطرح أسهمها في الأسواق المالية العام المقبل، بعد أن كان من المفترض أن تفعل ذلك في هذا العام قبل أن تتّخذ قراراً بالتّأجيل.
في سياق محاولتها للتخفيف من وطأة قرارها بمواصلة تأجير عقارات مبنية على أراضٍ محتلة، تعهدت الشركة بعدم الاستفادة من أرباح تأجير تلك العقارات، قائلة إنها ستقوم بالتبرّع بها لصالح منظمات إغاثية عالمية وأخرى غير هادفة للربح. ومن أجل التزام ما وصفته بــ «سياسية عدم التّمييز»، تعهدت أيضاً بعدم الاستفادة من الأرباح القادمة من بيوت الفلسطينيين المُدرجة على قوائمها للإيجار في الضفة الغربية، لتنتهي «سياسية عدم التّمييز» كما تفهمها الشركة، إلى خطاب يساوي بين منازل بناها أصحابها على أراضيهم، ومنازل بُنيت على أراض تمت سرقتها من أصحابها.