ساهمت ظروف الحرب والفوضى في تزايد ظاهرة الإدمان على المواد المخدرة والأدوية المسكنة والمهدئة بكافة أشكالها في الشمال السوري، خاصة لدى الشباب واليافعين، وهو ما دفع مؤسسات ومنظمات عديدة للبحث عن حلول، من بينها ما قامت به مؤسسة شباب التغيير في الشمال السوري، عبر إطلاقها حملة تحت عنوان «كفى للمخدرات»، بهدف تعريف السكان من الفئات العمرية المختلفة بمخاطر المواد المخدرة وأضرارها على المستوى الفردي والاجتماعي.

«انطلقت الحملة في الأول من شهر آذار للعام الحالي، وستستمر حتى نهاية شهر نيسان» بحسب منسق الحملة علي الحلاق، الذي قال إنها تهدف إلى «تكوين وعي صحي واجتماعي وثقافي لدى أفراد المجتمع بأضرار المخدرات وأثر استعمال المؤثرات العقلية، والإسهام بالحد من انتشارها، إضافة إلى تعزيز المشاركة التطوعية في مجال مكافحة المخدرات، فضلاً عن توفير وتطوير برامج الدعم للمتعافين من الإدمان».

ويبين الحلاق أن الحملة تطوعية، وأن فريقها يتكون من أعضاء مؤسسة شباب التغيير ومناصريهم، ويتضمن برنامجها نشر البوسترات على مواقع التواصل الاجتماعي للتعريف بطبيعة الإدمان والمخاطر الناجمة عنه، وتعريف المدمنين بكيفية العلاج من الإدمان والوقاية منه بعد العلاج، إضافة لزيارات ميدانية بهدف عقد جلسات حوارية حول المسألة، والتواصل مع المؤسسات ذات الصلة كمخافر الشرطة الحرة والمستوصفات، لتعزيز دورها في هذا المجال. كما تم توقيع مذكرة تفاهم مع مديريات الصحة في إدلب وحلب، بهدف التعاون المشترك لإنجاز أهداف الحملة. 

وعن تفشي المخدرات بين شرائح المجتمع، يقول الحلاق: «ثمة عوامل كثيرة تدفع إلى تزايد الإدمان على المواد والعقاقير المخدرة بأنواعها، من أبرزها الإصابات الحربية التي ساعدت على انتشار الإدمان نتيجة الإقبال على الأدوية المخدرة لتخفيف الألم، ثم التحول إلى زيادة الجرعات دون استشارة الطبيب». ويضيف الحلاق أن الأنواع الأكثر انتشاراً هي «الكبتاغون والهيروين والترامادول والزولام، ذلك إضافة للانتشار الواسع للحشيش».

يأتي قسم من المخدرات والعقاقير المسكنة والمهدئة إلى الشمال السوري من لبنان عبر مناطق سيطرة النظام، بحسب ما أفادنا عبد الرحمن البيوش، النقيب في شرطة إدلب الحرة، الذي أضاف أن «مصانع الأدوية أيضاً تطرح كميات كبيرة في الأسواق، دون رقابة تذكر، كما يستغل المروجون والتجار ظروف الحرب التي تمر بها البلاد لجني أرباح مالية كبيرة، ناهيك عن زراعة القنب في مزارع صغيرة ضمن حدائق المنازل».

كذلك تمرّ آلاف علب الأدوية عبر الأراضي التركية قادمة من الهند والصين، يتم إدخالها من خلال المعابر بشكل رسمي أو غير رسمي، خاصة عقار الترامادول الذي يطلق عليه اسم «التفاحة»، وهو هندي المنشأ، تحتوي العبوة منه على مئة حبة، وتباع بما يقارب ألف وخمسمائة ليرة سورية للعبوة الواحدة. يقول الطبيب حازم شعبان إن هذا العقار الذي يستخدم كمسكن مركزي للألم باستشارة طبية، «يؤدي إلى نتائج خطيرة في الجهاز الهضمي والقلب إذا تم استخدامه بشكل غير مدروس، خاصة وأن الهندي منه يأتي بعيار 220 ملغ، وهي جرعة زائدة جداً، في حين لا تصنع المعامل السورية الدواء سوى بعيارين 50 و100 ملغ». أما عن عقار البالتان، فيضيف الطبيب «إنه من أدوية العلاج النفسي الخطرة، تسبب الجرعات الزائدة منه اضطرابات عقلية ووهن جسدي، وتلحق أضراراً بالجهاز العصبي»، ويأتي هذا الدواء، أيضاً عبر الأراضي التركية من الهند والصين، على شكل ما يعرف بـ «المشدّات» التي يحتوي كل واحد منها على ألف حبة، وتباع الحبة الواحدة بما يعادل خمسين ليرة سورية.

كما تنتشر زراعة بعض أنواع المواد المخدرة في مناطق سورية عديدة، حيث كانت تتم زراعتها على نطاق واسع في مناطق سيطرة تنظيم الدولة سابقاً، كما أنها تزرع اليوم في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية ومناطق سيطرة فصائل المعارضة بدرجة أقلّ.

ويقول الناشط المحلي في ريف إدلب سعيد الأحمد، إن الأدوية والمواد المخدرة كانت تستخدم كمصدر دخل لبعض الفصائل والجماعات في الحرب السورية، وإنها نظراً لما تمتلكه من قدرة على «تخفيف الألم، وتغييب الوعي»، كانت تعطى للمقاتلين في المعارك، لزيادة قدراتهم القتالية، وضمان استمرارهم في المعركة. ويؤكد هذا أحد المقاتلين الذين التقينا بهم فيقول: «إن كثيراً من المقاتلين كانوا يتعاطون هذه العقاقير قبل المعارك، أو خلال الرباط على الجبهات، ليتخلصوا من شعورهم بالخوف، بعلم قادة بعض الفصائل، والذين كانوا يؤمنون هذه الأدوية بأنفسهم ويوزعونها على عناصرهم». 

وقد ضبطت الشرطة الحرة في النصف الأول من عام 2017، ما يزيد عن 7000 غرام من الحشيش، إضافة إلى 1200 حبة ترامادول و1500 حبة كبتاغون و2000 حبة زولام، ونظمت عشرات الضبوط لمتعاطي ومروجي المخدرات، وذلك بحسب النقيب عبد الرحمن البيوش. إلا أن هذه الإجراءات تبدو محدودة جداً، قياساً بالانتشار الواسع لهذه المواد الذي يبلغ أضعاف أضعاف هذه الأرقام، ولا توجد إحصاءات لدى الشرطة الحرة بعد ذلك التاريخ، نتيجة توقف عمل معظم مخافرها تباعاً جرّاء إيقاف الدعم عنها، وتسلم هيئة تحرير الشام لمخافرها ومعدّاتها ووثائقها، بما فيها دفاتر الضبوط ومحاضر القضايا.

وتتنوع طرق بيع الحبوب المخدرة في الشمال السوري، إذ لا تقتصر على الترويج المباشر عبر العلاقات الشخصية، بل تعدّت ذلك إلى بيعها في دكاكين السمانة والمدارس، إضافة إلى بعض الصيدليات التي تبيع الترامادول والكبتاغون بشكل عشوائي، وتُعّد «مستودعات الأدوية المخالفة المصدر الأهم للحصول على المواد التي يتم تصنيعها في معامل الأدوية السورية»، بحسب البيوش.

يقول وليد الحسون، المرشد الاجتماعي من مدينة إدلب، إن الانتشار غير المسبوق للإدمان على المواد المخدرة في الشمال السوري، يرجع إلى «الضغوط الاجتماعية والنفسية التي يعيشها معظم الشباب، نتيجة انتشار الفقر والبطالة، وانعدام الأمن والشعور باليأس والإحباط». فيما يقول الطبيب محمد الغفرجي، من مدينة معرة النعمان بريف إدلب، إن «الإدمان هو سلوك قهري يجعل الإنسان يعيش تحت رحمة إدمانه، ويجعله شخصاً سيئ التوافق الشخصي والاجتماعي، متقلباً انفعالياً، يعيش حالة من الاكتئاب والقلق والكسل الدائم. أما الخلاص من الإدمان فهو يحتاج أولاً وجود رغبة الحقيقية لدى المدمن في الإقلاع عن تعاطي المخدرات، ثم تخليص الجسم من السموم التي أصبحت جزءاً منه، وإزالتها بشكل كامل من الدم تحت إشراف طبي، لتبدأ بعدها مرحلة العلاج النفسي والسلوكي، وإعطاء المريض الأدوية التي تساعد على تنشيط وظائف المخ الطبيعية، واجتياز الرغبة في العودة للمخدر مرة أخرى».

عامر هو شاب من معرة النعمان، تعرض لإصابة حربية أدت لبتر قدمه، وكان ذلك بداية لمعاناته مع الإدمان على الحبوب المخدرة، وعن ذلك يقول للجمهورية موضحاً «بعد بتر قدمي وصف لي الطبيب دواء الترامادول كمسكن للألم، الذي كان يشعرني بالراحة والابتهاج، ولكن مع استمرار تناوله لمدة سنة تقريباً وزيادة الجرعات تحولت إلى مدمن. حاولت التوقف عن تناوله، لكنني واجهت شعوراً بالإعياء وعدم الراحة والقلق الدائم، والعصبية، فأيقنت بأنني وصلت إلى مرحلة الإدمان».

أما عبد الحميد من ريف حماة، فيشرح الظروف التي قادته إلى الإدمان: «توقفت عن الدراسة في الجامعة بعد اندلاع الثورة، وبعدها توفي والدي نتيجة إصابة حربية، وقد كنت شديد التعلق به. نزحنا بعد ذلك من بلدتنا بريف حماة إلى مدينة إدلب، وهناك لجأت إلى تعاطي بعض المهدئات عندما كانت تشتد ظروفي النفسية اضطراباً، ثم أصبح الأمر يتكرر بشكل يومي وعبر مواد متنوعة، حتى أدمنت في النهاية على الهيروين».

يقول عبد الحميد إنه باع هاتفه المحمول وأثاث منزله، واستدان الكثير من المال من الأصدقاء للحصول على المخدر على مدار ثلاث سنوات، كما أنه خسر أحد أصدقائه الذي فارق الحياة جرّاء جرعة زائدة من المخدرات، ليكتشف متأخراً أنه في ورطة حقيقية من الصعب أن يتخلص منها، ويبدأ البحث عن طرق للعلاج: «أحزن على الأيام والسنوات التي ضاعت من شبابي هدراً، فقد حول الإدمان حياتي إلى جحيم».

تسعى حملة «كفى للمخدرات» إلى تسليط الضوء على هذه الظاهرة، والحد منها عبر العمل المجتمعي، لكن المحامي أحمد العمر يرى أن هذه الحملات غير كافية رغم أهميتها، وأنه ينبغي تطبيق عقوبات رادعة على تجار المخدرات ومروجيها، وهو ما لا يحدث بشكل جديّ في الشمال السوري. وتتراوح العقوبات التي تفرضها محاكم الشمال السوري على تجار المخدرات ومروجيها بين خمسة وخمسة عشر سنة سجناً، فيما تقول مصادرنا المحلية إن كثيراً من التجار والمروجين الذين تم إلقاء القبض عليهم من قبل الفصائل أو أجهزة الشرطة المحلية، كانوا يخرجون بعد أشهر قليلة.