أكدت وكالات أنباء عالمية ومصادر محلية وحقوقية خلال الأيام القليلة الماضية، أنباء اعتقال عدد من الناشطين والكتّاب على يد أجهزة الأمن السعودية، وذلك في حملة اعتقالات جديدة وقع معظمها في العاصمة الرياض يوم الخميس الرابع من نيسان الجاري. ولم يجرِ التعرف على أسماء المعتقلين حتى وقت متأخر، نتيجة التعتيم الشديد الذي تفرضه السلطات السعودية على الإعلام في البلاد، ونتيجة منع المعتقلين من التواصل مع أقاربهم، كما نقل حساب معتقلي الرأي على تويتر.
وكشفت عدة مصادر أن العدد المعروف حتى اللحظة هو ثلاثة عشر معتقلاً، من بينهم الكاتب صلاح حيدر نجل الناشطة عزيزة يوسف التي أُفرج عنها قبل أيام بشكل مشروط. كما ضمّت قائمة المعتقلين أيضاً كل من الكاتب نايف الهنداس، والناشط الحقوقي أيمن الدريس، والكاتبة خديجة الحربي وزوجها الكاتب ثُمَر المرزوقي، علماً أن الحربي قد اعتقلت وهي حامل في الشهر السابع كما نقلت مصادر محلية. وجاءت هذه الحملة بعد أيام فقط من إطلاق سراح ثلاث ناشطات سعوديات بشكل مشروط إثر أشهر قضينها في السجن، تعرضنَ خلالها للتعذيب وإساءة المعاملة، كما أكدت عدة تقارير حقوقية.
وعلى الرغم من أن هذه الحملة طالت اثنين من النشطاء السعوديين الذين يحملون الجنسية الأمريكية، إلا أن السلطات الأمريكية لم تُظهر أي ردة فعل واضحة، إذ نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية قوله «عندما يتمّ اعتقال مواطن أميركي في الخارج تعمل وزارة الخارجية على تقديم كل المساعدة القنصلية المناسبة والسعي للوصول إلى المواطن دون تأخير (…) وقد بدأنا اتصالات مع الحكومة السعودية في هذا الصدد»، دون أي إضافة حول تفاصيل عملية الاعتقال أو إعلان موقف واضح منها.
وليست هذه الحملة هي الأولى التي تطال ناشطين حقوقيين وكتّاباً منذ تولي محمد بن سلمان مقاليد السلطة الفعلية في البلاد باعتباره «ولي العهد»، إذ كان العام الماضي قد شهد حملات مشابهة، من بينها الحملة التي نفذت في شهر أيار 2018، واستهدفت ناشطات وناشطين نادوا بإنهاء التمييز ضد المرأة في السعودية. وقد ترافقت تلك الاعتقالات مع حملات تشويه سمعة واسعة النطاق، قامت بها وسائل الإعلام المرتبطة بالنظام الحاكم في السعودية، ووصفتها منظمة العفو الدولية وقتها بأنها «حملات تشهير مروعة».
وتمّت محاكمة عدة ناشطات، من بينهن الناشطة لجين الهذلول، خلال شهر آذار الماضي، بتهم وصفتها منظمة العفو الدولية بالزائفة. وقالت سماح حديد، مديرة الحملات للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المنظمة، إن التهم الموجهة للناشطات هي «أحدث مثال على إساءة استخدام السلطات السعودية للتشريعات والنظام القضائي لإسكات أصوات الناشطين السلميين، وثنيهم عن القيام بالعمل من أجل قضايا حقوق الإنسان في البلاد».
وتعمل أجهزة الأمن السعودية على ترهيب المقربين من المعتقلين والمعتقلات، بهدف منع تسريب أي خبر عن الأوضاع السيئة التي يعيشونها في الاحتجاز. ولكن بالمقابل، فإن تلك الأجهزة لا تُظهر اهتماماً مماثلاً بإخفاء أخبار وقوع الاعتقالات بحد ذاتها، بل على العكس من ذلك، إذ يبدو أنها تستخدم هذه الأخبار لإرهاب كل الأصوات التي يمكن أن تخرج على توجهات بن سلمان، الذي يسعى للاستحواذ على كامل السلطات في البلاد، وإنهاء أي خطر قد يتهدد سلطته المطلقة، سواء جاء من مراكز القوى والنفوذ في الأسرة المالكة ومحاسيبها، أو من المؤسسة الدينية، أو من الكتاب والنشطاء المعارضين للإجراءات القمعية.
يقود محمد بن سلمان تحولاً في بنية السلطة الاستبدادية السعودية، محوره الرئيسي هو التخلص من تعدد مراكز القوى الموزعة على أجنحة العائلة المالكة والمؤسسة الدينية، وحصر السلطة كلها في يده بوصفه ملك البلاد القادم، بالتزامن مع خطاب إصلاحي ظاهري، وإجراءات سطحية يُراد لها أن تبدو تقدماً على مستوى الحقوق في البلاد، من قبيل السماح للنساء بقيادة السيارة وغيرها. وفي سياق هذا التحول، تُظهر السلطات السعودية وجهاً وحشياً متزايداً في تعاملها مع أي اختلاف في الرأي، بلغ ذروته في عملية التصفية الهمجية للصحافي جمال خاشقجي خريف العام الماضي، التي أُريد لها أن تكون رسالة حازمة تشرح بوضوح المصير الذي ينتظر من قد يعارض سياسات بن سلمان.
تعرّض محمد بن سلمان لحملة انتقادات دولية واسعة جرّاء اغتيال خاشقجي، وقد أعطى هذا انطباعاً بأن ولي العهد السعودي لم يعد طليق اليد، وبأن موقعه قد تزعزع في منظومة الحكم السعودية، حتى أن تحليلات كثيرة ذهبت وقتها إلى أن هذه الجريمة قد تكون بداية نهايته السياسية. إلا أن حدة الانتقادات قد تراجعت، ولم يتم اتخاذ إجراءات قانونية أو دبلوماسية حازمة بحق النظام السعودي أو بن سلمان، الذي يبدو أن علاقته تتوطد بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، ما يمنحه شعوراً متزايداً بالثقة. وهكذا تأتي حملة الاعتقالات الجديدة، وهي الأولى بعد اغتيال خاشقجي، لتعطي انطباعاً بأن بن سلمان يشعر أنه قد تجاوز الأزمة التي تسببت بها جريمته تلك، وأنه قد أفلت من العقاب.