السواد الأعظم من النساء رباتُ بيوت، أو يتوقعنَ أن يصبحنَ كذلك. رباتُ البيوت هنَّ جميع النساء اللواتي يحملنَ على عاتقهنَّ مسؤولية العناية بالرجل و/أو الأطفال و/أو أفراد العائلة الآخرين. في إنكلترا 85 إلى 90% من النساء ربات بيوت، ولا أعتقد أن النسبة في هولندا أقل. كما يجب الأخذ بالحسبان أن العازبات غالباً ما يعتنين في سنٍّ متأخرة بوالدَين عجوزين، أو إخوانٍ وأخوات مرضى. لا نبالغ إذن حين نقول إن تحديد النساء كمجموعة يجري من خلال كونهنَّ رباتُ بيوتٍ بالدرجة الأولى.
ما زال ثمة أساطيرٌ كثيرة حول حياة ربات البيوت، رغم أننا جميعاً إما أن نكون ربة بيت، أو نعرف واحدةً عن قرب، ونرى بأمّ أعيننا ماذا تفعل طوال النهار. سأذكر لكم بعض هذه الأساطير: ربة البيت لا تعمل، وبوسعها تنظيم أوقاتها كما تشاء، وهي ليست تحت إمرة أحدٍ، ومهمتها أسهل بكثير من أمها أيام زمان، وهي مرتاحة في حياتها وإلا ما رضيت أن تكون ربة بيت. وبما أن ربات البيوت معزولات عن بعضهنَّ بعضاً بصفة عامة، زد على ذلك تلك الصورة عن «ربة البيت الجيدة» التي نواجهها منذ نعومة أظفارنا، لا تكتشف المرأة سريعاً أن كثيراً من تلك الأساطير غير صحيحة. وفي حال كانت غير راضية عن العمل الذي تقوم به، وينتابها إحساسٌ أن حياتها مشتتة ومهامها لا تنتهي أبداً، وتكتئب من فكرة قضاء بقية حياتها بغسل الصحون والكنس من دون أن يلاحظ أحدٌ كمّ العناء الذي يتطلبه ذلك، سنرى عندئذ أنها غالباً ما توقِع اللائمة على نفسها. فقلّما تعترف ربة البيت بعدم رضاها، لأنها بذلك تقول إنها زوجة سيئة، وأمّ سيئة. كما تجيب عندما تُسأل عن مدى رضاها عن حياتها كربة بيت: «يجب أن أبتعد عن النق»، وهذا ما تفعله فعلاً. وفي تلك الأثناء تتناول ثلث النساء حبوباً منومة ومهدئات بشكل منتظم، يفعلنَ ذلك أكثر من الرجال.
تشعر غالبية ربات البيوت بالتهجم عليهنّ، حين نقول أنه يُستحسن ألا يرضينَ بحياة رتيبة وغير مستقلة. يبدو الأمر كما لو أننا نحطّ من أهمية العمل الذي يقمنَ به على مدى سنوات، ولا نعتبر تربية الأطفال أهمّ عمل اجتماعي على الإطلاق، ونحسب أن العناية بالآخرين لا جدوى منها. لذا يهمني أن أفصل بين شيئين: عندما ننقد حياة ربة البيت، فنحن لا ننقد عملها، بل طريقة تنظيم هذا العمل على حساب فُرص تطور النساء.
ثمة حجة أخرى تمنع النساء من الاعتراف بالاستياء، ألا وهي أن حياة الرجال ليست سهلة أيضاً. غالباً ما يعترضن: «كما لو أن الرجال ممنونون لخروجهم إلى العمل يومياً من الساعة الثامنة صباحاً إلى السادسة مساءً؟!». لذلك يهمني التأكيد على أننا لا نقيس وضع المرأة على وضع الرجل فقط، وأننا نعترف أن معظم الرجال مضطهدون في النظام الرأسمالي. بيد أنه لا جدوى من المناكفة حول مَن هو الأكثر أو الأقل اضطهاداً. الأهمّ هو أن النساء يُضطهدنَ بطرق تختلف عن الرجال، وأن الرجال مستفيدون من ذلك الوضع، أو لا يفعلون شيئاً ضده في أحسن الحالات. لا يمكننا شطب أحد أشكال الاضطهاد بالآخر، بل ينبغي وصف وتحليل الطريقة التي تحيا فيها النساء في ظلّ الرأسمالية، والنظر إن كان التغيير ممكناً. لسنا مضطرات لقياس الاضطهاد الذي يطالنا باضطهاد جماعات أخرى. ألم تنجح الرأسمالية طويلاً بتقسيم المجموعات المضطهدة من خلال ضربِ بعضها ببعضها الآخر؟ ينبغي الكشف عن الآليات التي ترغمنا على مواصلة العيش بطريقة لا تتناسب مع الإمكانيات المتوفرة منذ زمن طويل. ولأجل ذلك الغرض سوف نتمعن في عمل النساء أولاً.
عمل النساء
لا تعتني ربات البيوت بأنفسهنَّ فقط: معظمهنَّ لا يغسلنَ ملابسهنَّ فقط، ولا يلملمنَ الكركبة التي يتسببن بها فقط، بل يعتنينَ بملابس وكركبة الرجل والأطفال على حد سواء. حتى صارت هذه المهام المتباينة تشكل كُلاً متكاملاً، فإن أرادت المرأة المكوث في البيت من أجل الأطفال، سيبدو منطقياً أن تأخذ على عاتقها العناية بالرجل إلى جانب العناية بالأطفال وبنفسها. وبما أنها مضطرة أن تغسل، فلا بأس أن تغسل جواربه، وبما أنها ستطبخ، فلتطبخ له أيضاً.
يقال إن ربات البيوت لا يعملنَ. بيد أن هذه «العطالة» تكلفهنَّ وقتاً طويلاً. فجميع الأبحاث التي نظرت في المدة التي تكرّسها المرأة لعملها المنزلي، توصّلت إلى أن أسبوع العملِ الوسطي نادراً ما يهبط تحت الخمسين ساعة، وأن أمهات الأطفال الصغار يقضينَ أسبوع عملٍ قد يصل إلى مائة ساعة. وفي بحثٍ عن أسبوع عمل الأم الإنكليزية التي لديها طفلٌ واحدٌ أو أكثر، استنتجتْ آن أوكلي أنها تعمل 77 ساعة وسطياً، أي 7 ساعات أكثر من البحث الذي جرى منذ خمسة عشر عاماً. طبعاً من الصعب التفريق بين ما نسميه عملاً أو لا، فما يميّز عمل ربة البيت هو تلك الحدود الغامضة بين العمل وأوقات الفراغ. فهل تُعتبر خياطة الملابس أثناء مشاهدة التلفزيون عملاً أم لا؟ وماذا عن مراقبة الأطفال أثناء زيارتكِ للأقارب؟ وهل أنتِ في إجازة عندما تجدين نفسكِ في المخيم تقومين بالأعمال ذاتها: الطبخ ومسح أنوف الأطفال؟ وهل الاهتمام براحة زوجكِ بعد رجوعه من العمل ضربٌ من أوقات الفراغ أم لا؟ ومهما كان وقع كلامنا ساخراً، بوسعنا القول إن العمل هو كلّ ما تقوم به ربة البيت من أجل الأشخاص الذين تسكن معهم، وليس من أجل نفسها.
الرتابة والتكرار بلا نهاية
عمل ربة البيت لا ينتهي أبداً، ثمة شيء دائماً ينبغي أن يُنجَز. غير أن العمل المنزلي قلما يعطي منتوجاً ملموساً. على الأحرى لن ينتبه أحد إلى ما تفعله ربة البيت، إلا عندما تُضرِب عن العمل، ونكتشف أن البيت بلا جهودها لا يلبث أن يتدهور بشكل كامل، وتتراكم الفناجين المتسخة في المطبخ، وتنفذ الملابس النظيفة، ولا نجد الحليب في الثلاجة، وتصدر روائحٌ كريهة عن وعاء القطة.
تقوم ربة البيت بالعمل ذاته دوماً. تكرّرُ بلا هوادة ترتيب الأسرة وغسل الصحون والتبضع. ومهما كانت عمليّة، فلن تخرج من هذه الدوامة. لأن غسل الملابس قبل اتساخها ليس ممكناً، ولا استباق عملية الطبخ، أو مسح الغبار عن الشهر القادم. بهذه الطريقة يصعب عليها تنظيم أوقاتها، وتضطر لاتباع إيقاع حياة أفراد الأسرة الآخرين. بوسعها طبعاً تحديد موعد شرب القهوة، أو متى تستثمر وقت فراغها الشحيح بقراءة مجلة (التي ستكون غالباً «مهنية»، وتخبرها كيف تدير بيتها بشكل أفضل). ولكن حين تعطّل ربة البيت لتخرج يوماً كاملاً إلى السوق، فإنها ستضطر للتعويض في اليوم التالي.
حتى أن حريةَ تنظيم العمل نسبيةٌ جداً، فربة البيت مرتبطة بدوام زوجها، ومواعيد مدارس الأطفال، ويجب أن تكون متواجدة أثناء مرور الخباز أو بائع الحليب. وحين لا تكون قد دبرت حضانة الأطفال في موعد الغذاء، يتعين عليها الذهاب والإياب أربع مرات يومياً لأخذهم وجلبهم من المدرسة، أو على الأقل التواجد في البيت لاستقبالهم. كما أنها ترتبط بمواعيد افتتاح السوق، وذهاب الأطفال إلى فراشهم، وقدوم الزوج من عمله ليستمتع بالراحة.
وبالرغم من ندرة ربات البيوت اللواتي يعترفنَ علناً بعدم الرضا عن حياتهنَّ، تكتشف آن أوكلي في بحثها أن معظم السيدات غير راضيات عن نوع العمل الذي يقمنَ به. يشعرنَ برتابته، وأن النهار يمضي مشتتاً، وغالباً ما يضطررن إلى العمل بسرعةٍ لا يرغبنَ بها. كما يشعرنَ أن الأشخاص الذين يقدّمنَ لهم الخدمات لا يقدّرونها أصلاً. (ثمة ملاحظة سمعتها مراراً، فحواها أن الرجال لا يكتشفون كمية العمل إلا حين تمرض الزوجة، ويضطرون إلى القيام به بأنفسهم).
جميع ربات البيوت يقمنَ بالعمل ذاته، ولكن كلّ واحدة على حدة: الجميع يشرعنَ بطهي البطاطا حوالي الساعة الخامسة والنصف، ويُحضِرنَ الأطفال من المدرسة، وينقعنَ الغسيل. أليس هذا هدراً عظيماً للقوة العاملة؟ وبالرغم من بعض المبادرات لمشاركة العمل فيما بينهنَّ – كأن يتساعدنَ على جلب الأطفال من المدرسة، أو مراقبة الغسيل في المغسلة –، إلا أن حياتهنَّ ليست منظمة بغرض تسهيل هكذا ترتيبات. البيوت الحديثة مصمّمة لخدمة أسرٍ منفصلة عن بعضها، ولا توجد فسحات مشتركة بين جميع السكان. كما أن حدائق الألعاب التي لا تضطركِ لمراقبة الأطفال نادرة جداً، والبيوت أصغر من أن تتركي عدة أطفال يلعبون من دون إزعاج الجيران. فضلاً عن كون المطابخ وأدوات المطابخ مجهزة للاستعمال الفردي. ليس ثمة ما يشجع على الخروج من عزلتنا كربات بيوت، بل على العكس. لذلك ترى النساء لا ينزعجنَ من التبضع، لأنه المجال الوحيد لرؤية البشر.
كثير من النساء يعانينَ من الفقر الاجتماعي جراء حياتهنَّ كربات بيوت. ففي شقق الأبنية الحديثة، يندر التواصل بين الجيران، فلا ترى المرأةُ لمدة أيام طويلة سوى بائع الحليب وموظفة السوبرماركت. نجدها تشتكي بشدة من الوحدة، وبخاصة المرأة التي كان لديها عمل وزملاء قبل إنجاب الأطفال. لذلك تكثر المشاحنات بين الأزواج حول قضاء وقت الفراغ: الرجل جاء ليرتاح بعد عمله، ويريد أن يشرب زجاجة من البيرة وهو مستلقٍ على الكنبة، أما الزوجة المحبوسة طوال اليوم بين أربعة حيطان، فتفضل الخروج إلى السينما أو زيارة الأصحاب.
الفرق بين إدراة المنزل والعمل المأجور
بوسعنا معرفة كيف يختلف يوم الرجل العامل عمّا تفعله ربة المنزل طوال النهار من خلال المقارنة.
بالنسبة للعامل، ثمة فصل واضح بين العمل وأوقات الفراغ. يذهب إلى عمله، ويحصل على أجر يمكّنه من دفع ثمن ما يستهلكه عادة. والبيت هو مكان الراحة، وحيث يتلقى تعويض التلف والشقاء الذي أصابه أثناء العمل. في البيت لا رئيس يأمره وينهيه، بل هو الرئيس. تستقبله زوجته في جو مؤنس، بعد أن تكون قد أعدت وجبة طعام.
أما بالنسبة لربة البيت، فبيتها هو مكان عملها، لا فصل بين العمل وأوقات الفراغ. وفي اللحظة التي يعود زوجها فيها ليرتاح، تبدأ ساعة الذروة عندها. هي لا تحصل على أجرٍ مقابل جهدها، والأجر الذي يجلبه زوجها يزوّدها بالمواد الأولية كي تنجز عملها. لا تنال الرضا من خلال مرتبٍ تستلمه، بل حين ترى أن زوجها وأطفالها وضعهم جيد وراضون.
العمّال يعملون بشكل جماعي، ويقابلون بعضهم بعضاً في المكان الذي يستغلهم. وعندما يتضايقون من سرعة العمل أو رتابته، يلاحظون إن كان الآخرون يواجهون المشكلة ذاتها. وإذا زأر رئيسهم في وجههم، يصبّون غضبهم عليه وعلى ظروف العمل. بوسع العامل أن يكره عمله من دون أن يتركه، فالمرتب يحقق له نوعاً من الرضا. وإذا حصل وتذمّر من وضعه، فلن نلومه على ذلك، وسوف نعتبره شخصاً يعي الفروق الطبقية.
ربات البيوت لا يعملنَ سوية. لذا يحصل حين تتعب المرأة من جراء سرعة العمل ورتابته، أن تلوم نفسها بالدرجة الأولى، أو تندم على اختيار زوجٍ لا يكسب بما فيه الكفاية ليجعل الحياة هيّنة. وفي حال تنمّر الزوج عليها، يرتد غضبها إلى داخلها. وفي أغلب الأحيان تشعر بالفشل، أو أن زوجها لا يفهمها. وبما أنها معزولة عن ربات البيوت الأخريات، لن تعزو مشاكلها لظروف العمل، لأنها تعلمت أن تخجل من شعورها بعدم الرضا. وإذا طفقت تتذمر من حياتها، يقول الناس عنها إنها عصابية، أو ليست أنثى. هكذا امرأة تدعى «ربة بيت سيئة».
مهام ربة البيت الجديدة
يقال إن حياة المرأة في هذا العصر صارت أسهل من أيام زمان، فهي ليست مضطرة للقيام بأشياء كثيرة كانت جدتها تقوم بها، على سبيل المثال: خياطة الملابس بنفسها، وصنع الخبز، وتخليل الخضار. وثمة أدوات مطبخ جديدة تسهل عليها الحياة، مِنَ الثلاجة لحفظ الطعام، إلى طاحونة البُنّ بدلاً من الطحن اليدوي، والخلاطات، وحتى السكاكين الكهربائية. كما أنه لا حاجة لغسل الغسيل باليد بعد الآن. ومع ذلك ما زالت النساء يقضينَ أسبوعَ عملٍ طويل؟ ما السبب يا ترى؟
بالدرجة الأولى لأن معظم أدوات التدبير المنزلي صُمِّمَت للاستعمال الفردي. ربما صار غسل الملابس سهلاً، ولكنه ما زال يتطلب تواجدكِ لوضع الغسيل بيدكِ في الغسالة وإخراجه منها. ولم يعد صنع القهوة أمراً معقداً، ولكنكِ ما زلت تعدّين عدة فناجين في اليوم الواحد. وننسى أحياناً أن هذه الآلات الجديدة تتطلب الصيانة، وأن عصارة الفاكهة الكهربائية تحتاج للتنظيف بعد الاستعمال. باختصار: العمل بحدِّ ذاته صار أسهل، بيد أن طريقة تنظيمه لم تتغير على الإطلاق. ما زال تواجد ربة البيت ضرورياً، مهمتها هي أن تكون متاحة طوال الوقت. والوقت الذي توفره الآلات العصرية مشتتٌ إلى درجة يصعب على المرأة أن تنجز فيه شيئاً لنفسها. ولا يلبث أن يمتلئ هذا «الوقت الفائض» بالواجبات الصغيرة التي تمنحها على الأقل بعض الإطراءات أو الإحساس بالقيمة الذاتية، كخبز قالبٍ من الكاتو أو حياكة الكروشيه.
والسبب الثاني هو تغيّر مهام المرأة في السنوات المنصرمة، إذ أن عمل النساء يتعلق بشكل ٍ مباشر بطبيعة عمل الرجال. فكلما رفعت الرأسمالية من وتيرة عمل الرجل، كأن تضطره للدوام ضمن أفواج أو تزيد من سرعة الشريط الآلي، كلما عاد منهكاً أكثر إلى بيته. وهذا يعني أن طاقته ستكون أقل، ويطلب مزيداً من الرعاية، وأن تُسكِت زوجته الأطفال. كما نرى في الوقت نفسه أن جزءاً لا بأس به من العمل بات يتطلب تكويناً مهنياً أعلى من السابق. ومع تمديد سنوات التعليم الإلزامي، ارتفع التكوين العام للناس. كل هذا له تأثيره على عمل ربة البيت: فترة عنايتها بالأطفال طالت، وبات من واجبها أن تساعدهم بالواجبات المدرسية، وتجعل المحيط ملائماً لسوية التطور الجديد. ولطالما سمعنا أن السيدات يتبعنَ دورات تعليمية، كي لا يتراجعنَ مقارنة مع الزوج والأطفال.
وحين نتصفح المجلات النسائية ونقارنها مع مجلات القرن الماضي، نكتشف كيف تغيرت مهام ربة البيت، فمع مرور الوقت بتنا نهتم أكثر بتربية الأطفال. كذلك يبدو أن تحسين العلاقة بين الزوج والأطفال يقع على عاتق المرأة، نظراً إلى أن المقالات حول العلاقات لا نجدها سوى في تلك المجلات، والنساء هنَّ الوحيدات تقريباً اللواتي يذهبنَ إلى طبيب العائلة أو المشرف الاجتماعي عند مواجهة صعوبات داخل الزواج أو في تربية الأطفال. لم يعد تنظيف المنزل والطبخ الصحي كافياً، بل صرنا مطالبات بالعناية بجاذبيتنا، وجاذبية محيطنا، وأن نبتكر كل يوم طبخة جديدة. وكلما تراجعت إمكانيات الترفيه خارج المنزل في الأحياء الجديدة، وتكدّست العوائل أمام التلفاز بدلاً من المقاهي ومباريات كرة القدم، علا مستوى الشروط المفروضة على ربة البيت. وكلما افتقد عمل الرجل البعد الشخصي، وتراجعت حياة النوادي لصالح الحياة العائلية، صار تقديم البدائل للزوج والأطفال من مسؤوليات ربة البيت.
التلف
يتسبب العمل المنزلي بظواهر مرضية خاصة جداً، ولكنها لا تؤخذ على محمل الجد بشكل عام. فالنساء المطالبات بتصريف توترات الزوج والأطفال، ليس لديهنَّ المجال الكافي للتنفيس عن أنفسهنَ. ورغم أن العمل المنزلي يتطلب حالياً قوة عضلية أقلّ من السابق (مع أن حمل كيس الخضار وعربة الأطفال وطفلين إلى الطابق الثالث ليس جهداً تافهاً على الإطلاق)، إلا أن التلف الجسدي لا يزال يشكل مشكلة بحد ذاتها. كما أنه يترافق بأعراض إرهاقٍ من نوع خاص. فالانشغال الدائم دون التركيز التام على العمل، يتسبب بنوعٍ من التعب المزمن عند النساء. الرتابة، والمحيط الذي لا يتغير، فضلاً عن الشعور بأن الحياة أفرغت ما في جعبتها ولم يعد ثمة فرصٌ أخرى، كلّ هذا يصيب ربة البيت بالاكتئاب. وعندما تكتئب المرأة بعد سنّ الأربعين، يسارع الناس بالحكم على أنه «سن اليأس»، وتتكاثر وصفات العلاج. لذا نجدها تهرب إلى أحلام اليقظة، وتتضايق من الأطفال الذين لا يكلّون التشويش عليها من خلال شد الاهتمام نحوهم. ومن أجل تطويع الحياة بعض الشيء، قد تبلع إحدانا المهدئات أو الحبوب المنومة، وتنهار أخرى، أو تبدأ بشرب النبيذ قبل الساعة الثانية عشرة صباحاً. نحن نعلم من تجارب الحركة النِسوية أن أعراض التعب والاكتئاب عند النساء نادراً ما تؤخذ على محمل الجدّ. فالأطباء يظنون أن المرأة ميّالة إلى التشكي، مع أن ثمة بحثاً ألمانياً يثبت أنها تكابر على المرض أكثر من الرجال، لأنها بكل بساطة لا تملك من يعتني بها عندما تقع طريحة الفراش. وبما أنها معزولة في بيتها عن النساء الأخريات، لا يخطر على بالها أن التعب والاكتئاب أكثر من مجرد مشاكل شخصية، بل يشكلان ردة فعل على ظروف عملها. وكما أن الأطباء لا يفقهون التعامل مع الأعراض «غير الموضوعية» كالصداع والنزق، كذلك لا تعترض المرأة على إرسالها إلى البيت محمّلة بالأدوية.
الفروق حسب البيئة
لا تختلف حياة النساء تبعاً للطبقة الاجتماعية بالقدر نفسه الذي يختلف فيه عمل الرجال. إذ تتشابه عملية غسل الصحون وترتيب الأسرّة في جميع البيوت تقريباً، حتى ولو كانت شراشف زوجة المدير أغلى من شراشف زوجة العامل في مصنع المعادن. قد تتباين «الأدوات» التي تستخدمها النساء المنتميات لطبقات اجتماعية مختلفة، بيد أن أسلوب تنظيم العمل لا يتغير فعلاً. في أحسن الحالات تُكلّف زوجات الرجال الأثرياء خادمة بتنفيذ جزء من العمل المنزلي، بيد أن حجم هذه المجموعة صغيرٌ نسبياً. حتى أن الباحثة آن أوكلي لم تجد فروقاً تُذكر بين تجربة ربات بيوت الطبقة الوسطى، وبين نساء الطبقة العاملة. على أن الأخيرات لا يتذمرنَ سريعاً، والأغلب أن السبب هو كون البديل، أي العمل المأجور، لا يجذبهنَّ بقدر ما يفعل مع نساء الطبقة الوسطى اللواتي يتمتعنَ بمستوى تعليمي أعلى. إن الفروق الطبقية، كالستائر الجميلة والكنبات باهظة الثمن، تغطي على حقيقة أن عمل جميع ربات البيوت لا يختلف في جوهره. ما يفرّق بين نساء الطبقات المختلفة حقاً هو طبيعة عمل الأزواج.