كنتُ طفلاً جدّياً أكثر ممّا ينبغي، دائم العبوس مُقطّب الحاجبين، قليل الضحك والكلام، أو بتعبير أمي «لا يضحك وجهي لرغيف الخبز الساخن». وقد وجدَت هذه الصرامة الطفولية عالمها في نشرات الأخبار على نحوٍ مُبكّر. ما كنتُ أفوّتُ واحدةً من نشرات الأخبار التي تبثّها القناة الأولى في التلفزيون السوري، وكنت أقتبسُ من مذيعي ومُذيعات النشرات عبوسهم.
لم أكن قد دخلت المدرسة حينها، أي أنّني، بخلاف إخوتي الثمانية الذين يكبرونني، لم أكن مُضطراً للنوم باكراً. الأضواء مُطفأة، وسكونٌ عميمٌ لا يقطعه سوى أصوات ضواغط التخوت المعدنية حين يتقلّب أحد إخوتي من جنبٍ إلى آخر. أنسلُّ من تحت لحافي الصوفي وأحمله معي. تشعر أمّي بي وتتركني على هواي. لي في قلبها موضعٌ مُميّز، رغم أنّي لست الكبير ولا الصغير، كما أنّي لست وحيداً بين بناتٍ كثيرات، هكذا الأمّهات، يستطعن إقناع كلّ واحدٍ من أبنائهنّ أنه الأحبّ والأوحد. أتقدمُ نحو تلفاز الـ«سوني» القديم ذي الصندوق الخشبي، أتأكد من خفض الصوت إلى أقصى حدّ ممكن قبل تشغيله. أتمدّد على ظهري قبالته وأضع اللحاف السميك فوقي، أصنع من يديَّ المُتشابكتين وسادةً منتظراً نشرة الأخبار. تبدأ النشرة فأقترب من التلفاز أكثر، وأرفع الصوت قليلاً. أتابع باهتمامٍ بالغٍ ما تقوله النشرة، أُركّز في أدقّ التفاصيل، وأحاول حفظ المَقول إلى أبعد حد. تنتهي النشرة لتقول القناة إنّنا وصلنا إلى ختام البثّ بالنشيد العربي السوري. تكرار النشيد اليومي جعلني أحفظه، حتى قبل أن يصير طقساً وسنّة صباحية في المدرسة لاحقاً.
ككل يوم، عند الواحدة ليلاً يعود أبي من المقهى. أتحرق لسماع خشخشة مفاتيحه وهو يفتح باب المنزل. يراني… «شمسهرك!»، كان هذا سؤاله اليوميّ المُعتاد رغم معرفته أنّه سيجدني صاحياً حين يعود؛ لذلك يجلب لي معه الفستق الحلبي كل يوم. يُبدّل ثيابه ويُخرج من جيبه الكيس الورقي الصغير المُنتظر، ثم يجلس إلى جانبي. أحكي له كل ما سمع الصبيُّ من نشرة الأخبار وعَلِقَ في ذهنه. يضحك كثيراً فتأتي أمي وتضحك معه. تطالبني بإعادة ما فاتها سماعه فأفعل. كان لنشرات الأخبار بَطلان، واحدٌ هو الخير كُلّه؛ اسمه حافظ الأسد. أما الآخر فهو الشرّ كلّه، واسمه الكلب بيل كلينتون. خلال تلصّصي على أحاديث أبي مع صحبه، حيث يُمنع عليَّ الكلام، عرفتُ جيّداً أنّ كلينتون كلب. من حينها لم أعد أنطق اسمه قبل أن أقول إنّه كلب. اليوم بات باستطاعتي التقدير بأنّ أحاديث الرجال كانت تتركّز حول الضربات الأمريكيّة المُتكرّرة خلال النصف الثاني من تسعينيّات القرن المُنصرم على عراق صدّام حسين إبّان صراعه مع الأكراد. كان لصدّام حصة في قلوب كثير من أهل دير الزور، ولا يزال الأمر كذلك إلى حد بعيد اليوم.
مطلع عام 1998 بلغتُ سنّ الالتحاق بالمدرسة، فقد «أصبح عمري ستّ سنين». فُرض عليَّ النوم باكراً، وضاعت نشرات الأخبار. كان أمراً مُروّعاً. لم ينقضِ الفصل الدراسي الأول حتى تُوفّي أبي حين انقلبت سيارته قرب تُدمر. كان ذلك الأمر أكثر ترويعاً من سابقه، ذهب المُستمع اليومي إلى الجنة، وليس بوسعي الذهاب إليه إلى أن أكبر. وحين أشتاق هذا المُستمع، كنتُ أسألُ أمي: «متى أكبر!». أسرف أهلي في تفجّعهم، وامتدت طقوس الحداد الجنائزي طويلاً. لقد تغيّر العالم من حولي. عُدّة الحِداد كانت قاسيةً على طفل، سوادٌ عميم، ودموعٌ في كل ناحية؛ دموعي المُقلِّدة لمن حولي، دموع أهلي، أهل أبي وأمي، دموع الضيوف والجيران، دموع معلمة الصف الأول التي صادف أنها عمتي. وفوق كل تلك الدموع انسدلت ستارةٌ سوداء على التلفاز، استغرق هذا الأمر أمداً يئستُ معه من رؤية نشرات الأخبار مُجدداً.
حين «صرنا بسنة الألفين» فتحت أمي كوّةً في جدار الحزن، أحضرت بطاريات كبيرة، وقرّرت أنه بوسعنا أن نشغّل الراديو. لم يكن حدثاً مهمّاً لنا نحن الأطفال، ماذا ستضيف لنا هذه الآلة السوداء الصغيرة الثرثارة، نريد أن نرى، لا أن نسمع. رويداً رويداً تأقلمنا مع قَدَرنا القهري، فرُحنا نُصغي إليه. كانت أمّي تُدير شؤون هذا الصندوق الثرثار، إذ يُمنع علينا العبث بقرص ضبط الموجات، الذي كان مولّفاً على إذاعة دمشق دوماً. صبيحة أحد الأيام، بينما كنّا نتجهّز للذهاب إلى المدرسة، قالت لي إحدى أخواتي الكبيرات إن الذي يتكلم هو خالي. وذكرت اسم خالي الذي كنتُ أسمع عنه، ولم أره يوماً. هو، بخلاف باقي خؤولتي، يسكن الشام لا حلب. سألتُ أُمي عن مدى صحّة المعلومة، فقالت نعم. كنّا على موعد صباحي متجدّد مع خالي المُذيع، صرتُ قريباً جدّاً من الراديو، أعود من المدرسة لأسمع أشخاصاً آخرين غير خالي. بات الراديو تلفازي الجديد وبدأنا علاقةً قُدِّرَ لها أن تطول، فقد بات الاستماع استمتاعاً. مع انطلاقة كأس العالم في العام 2002 رُفع الحظر عن التلفاز، بل بات لدينا أيضاً ستالايت نشاهد البطولة عبره. غير أنه كان قد أصبح للراديو في حياتي حيّزٌ لا يمكن أن تسلبه إياه الصورة التلفزيونية إطلاقاً، وكنت قد انتقلت من محاولة التّشبّه بالمُقدِّم العابس المتجهّم إلى مُقاربة صوت المذيع الرّخيم، أحاول تضخيم صوتي ما استطعت، وأتدرّب على التحدّث بالفصحى.
في الصف السادس صرتُ الطالب الذي «استلم الإذاعة»، يا لمتعة هذا الأمر، أصرخ بأعلى صوتي قبل الرجوع إلى الصفوف عند نهاية كلّ فرصة «مجموع انتبه: رتلاً ترادف… استَرح… استَعد». أكرّر الأمر مرّاتٍ عديدة، ويشوقني يومان؛ مطلع الأسبوع ونهايته. في هذين اليومين سأردّد شعارات «البعث العظيم»، وأهتف «قائدنا إلى الأبد» فيُجيبني الطلاب «الرفيق بشار الأسد»، كما سأطلب من رفيقي الطليعي «أن يكون مستعدّاً لبناء المجتمع الاشتراكي المُوحّد والدفاع عنه»، ليكون الرّفيق «مستعدٌّ دائماً» طبعاً. في الفترة نفسها قرّر جورج بوش وصحبه غزو العراق، وغَزوه بالفعل. رحتُ أجمع القصائد الرافضة لذلك، وأُلقيها على مسامع الطلاب من إذاعتي. كان الحدث جللاً، خصوصاً علينا، نحن سكّان دير الزور القريبون من العراق أرضاً وعاطفة. كان الأساتذة يستمعون إليَّ سواءً بسواءٍ مع الطلاب، ويُثنون عليّ. أزدادُ تعلّقاً بميكروفون إذاعة المدرسة وأودّ ألّا أبارحه، رغم أن رائحته كانت بشعة، لما سال عليه من لعابي ولُعاب الأساتذة.
أول وصولي إلى المدرسة الإعدادية سألتُ عن الإذاعة، لم أعد أتخيّل حياتي دونها. حزنتُ عميقاً حين عرفُت أنها غير موجودة، وينوب عنها صوت الموجّه الجلف. ما أتعسني. ومع انتشار محالّ ألعاب الكمبيوتر، وجدها أهلي بيئةً موبوءةً لا ينبغي لنا الاقتراب منها أنا وحسن، أخي الوحيد الذي يصغرُني سنّاً، فجاؤوا بكمبيوترٍ إلى المنزل. من جملة الأشياء التي اكتشفناها في «ويندوز ميلينيوم» أنّه يحتوي على مُسجّلٍ للصوت. كان الاهتمام بِكرة القدم واحداً من الاهتمامات القليلة التي أتشاركها مع أخي. كان لدينا سمّاعات، فرحنا نسجّل المقابلات الرياضية. أخي لاعب كرة قدم، وأنا مذيع. صفقةٌ يربح معها الطرفان. كرّرنا الأمر كثيراً بادئ أمرنا، وللأسف لم يدم ذلك طويلاً، إذ ملّ مولانا الحسن البصري وعاد إلى ألعابه. وصل بي الأمر إلى حدّ أن صرتُ أتخلّى عن الوقت المخصص لي للعب لصالحه، شريطة أن يُجري معي السيّد روبيرتو كارلوس مقابلة.
مضت سنواتٌ تعمّقَ فيها ولعي بالشّعر بدايةً، ثم الأدب عموماً، وكذلك السياسة، كما بدأتُ دراسة الاقتصاد… ماذا يحتاجُ المذيع أكثر من ذلك! لا بدّ أنه الصوت. البنات اللواتي بادلنني رقم الهاتف كُنَّ يقلنَ إن لي صوتاً إذاعيّاً. إنّه إطراءٌ جميلٌ يعدل كلمة «أُحبّك» أو يزيد. رحتُ أسمع ذلك من كثيرين حولي أيضاً. في الجامعة لم يكن الشاعر الجريء الكامن فيَّ بحاجة إلى زلزال أكبر من الثورة حتى يجد موضوعة قصيدته وشيطان شعره. تطوّرت رؤيتي وكلمتي واتّسعَ أُفقي. في حلقات الأصدقاء المُغلقة، بدأتُ أُلقي شعراً عن الثورة وعن الحبّ وحبيبتي في ظلّ الثورة، والموت في ظلّ الثورة، عن كلّ شيءٍ في ظلّ الثورة، لم أكن أرى ظلّاً سوى ظلّها. هذّبتُ قصائدي وخفّفتُ من عدوانيتها وحماستها ومباشرتها، وأقمتُ أول أمسية شعرية، كان التفاعل إيجابياً. الثناءُ على طريقة إلقائي وصوتي الجهوري لم يكن أقلّ أهمية أبداً من الإعجاب بقصيدتي. باتت الأمسيات الشعرية إذاعتي التي أُطلُّ منها على المستمعين الأكارم.
تلقيتُ تدريباً أوليّاً في فنون الصوت والإلقاء في سوريا، ثم بدأت العمل كمذيع مُتدرّب في إحدى وسائل الإعلام. قبل بداية بثّها قرّرتُ عدم مواصلة العمل. كانوا يعتبرون نفسهم تياراً ثالثاً إزاء ما يحدث في سوريا، أمّا أنا فتيارٌ مُتطرفٌ جداً، قطعيٌّ وجذري. خرجتُ من سوريا مطلع كانون الثاني من عام 2015 للأسباب التي خرج بسببها سوريون كثيرون. كنتُ «آخذاً على خاطري» من الثورة ومعشر الثوار حين وصلتُ إلى تركيا، ولم تُساعدني قوتي البدنية على العمل في سوق الهال أو ورشات البناء رغم أنّي حاولت، وحين يئِستُ وأفلست، تواصلت مع صحفٍ سبق أن كتبتُ لها بضع موادٍ بأسماء مستعارة من سوريا، فعدتُ للعمل معهم. لكنّ شغفاً آخراً غير الكتابة ظلّ حاضراً؛ إنه الراديو. طفقت أُلاحق إعلانات التوظيف في راديوهات السوريين في عينتاب، أجريتُ أول اختبارٍ ولم يقبلوا بي. راديو آخر قال لي إنه مستعدٌّ لتوظيفي بعد شهرين. ثمّ جاء نبأٌ سعيد، قبلوا توظيفي في راديو ألوان بعد أن سلَّمَتهم صحافيّة صديقة لي سيرتيَ الذاتية.
بدأتُ العمل فوراً، ورحتُ أُراكم المهام فوق المهام، من مواجز الأخبار إلى النشرات، فالبرامج السياسية والثقافية والاقتصادية، إلى كتابة التقارير الإذاعية. أردتُ فعل كل شيء، ولو كان بوسعي ابتلاع الراديو لفعلت. بات المكتب الذي يبثّ منه الراديو مكان مأكلي ومشربي ومنامتي. أعمل طوال اليوم، كان بيتي على بعد دقائق سيراً على الأقدام، غير أنّي أنام معظم الليالي في الراديو. رحت أُطوّر نفسي وأدقُّ كل يوم باباً جديداً وأُحدّث ضيوفاً جدداً. مع مرور الوقت رحت أتدخّل في عمل زملائي أيضاً، ربما حد المُضايقة، أطلب منهم محتوىً جدياً، بل ثورياً. كانت قناعتي حينها تقول إن هذا الراديو وُجد لأن هنالك ثورة، ونحن موجودون فيه بسبب الثورة، فلا يجدر بنا الحديث بغير الثورة. استغرقَ مني الأمر وقتاً حتى وعيتُ أن المستمع يحتاج أيضاً لبعض الترفيه والأغاني وكلام الحياة اليومية والأبراج والأحاديث العابرة والأخبار الفنية، يريد ما يُخرجه من واقعه، كما أن للناس أذواقاً واهتمامات يجب مراعاتها ما أمكن في المحتوى الذي يُقدّمه أيّ راديو، لذلك ما كان ممكناً الاقتصار على لونٍ واحد؛ قضية الثورة. لقد صرت مذيعاً ورحتُ أبني اسمي المستعار الذي أعمل به وأُعرّف به عن نفسي، كوّنتُ أسرةً مُحبّبةً من زملاء العمل، وصنعت شبكةً من العلاقات والأصدقاء، وضيوفاً ثابتين ومحتملين وآخرين للطوارئ وحين الطلب، فضلاً عن رجال الميدان الشجعان من المراسلين. استمعتُ هموم الناس وحاولت أن أُسمِعها، تحدّثت عن المُعتقلين والمُغيّبين والمتروكين نهباً للجوع والحصار. لقد كوّنتُ عالماً، عالماً لا صورة له، عالماً صوتياً ثالوثه الأذن واللسان والميكروفون.
قرّرتُ إكمال دراستي بعد عامٍ من العمل الدّؤوب، وسافرت تاركاً الراديو، إلا أنه بقي في روحي مستقرّاً. واصلت العمل فيه، لكن دون وجود عزيزي الميكروفون هذه المرّة، بل من بعد أقوم بأعمال تحريرية ثابتة ومتقطّعة بين الفينة والأخرى. منذ ابتعدت أواظب على سماع ما قمت به، أُعيد نشرات أخبار من العام 2015، وبرامج حوارية سياسية مات موضوع الحوار فيها بعد أن مات كل ما هو سياسيٌّ في سوريا تقريباً. فخورٌ بكلّ ما فعلته، حتى ما يستحق الندم، مثل حواري مع ياسين الحاج صالح. أجرينا ذاك الحوار في منزله في اسطنبول، كنتُ شابّاً غضّاً في الثالثة والعشرين وقتها، وكنتُ أحسب أنه ينبغي أن يكون للمثقف مدفعٌ في كل معركة، وقلمٌ في كل سجال، وحضورٌ في كل اجتماع للحلّ السياسي. أما الحاج صالح فقد كان مُصرّاً على ضرورة دوره ككاتبٍ ومثقّف، تماماً كما كان يفعل وقتها، وكما لا يزال يفعل حتى الآن. كنتُ هجوميّاً ومندفعاً، وكان برفقتي «الأخ الأكبر» صادق عبد الرحمن، حين خرجنا قال مبتسماً: «لو ما كنت ببيتو يمكن كان طردك».
منذ فترة قصيرة مات ضيفٌ من ضيوفي، إنه عبد الله هوشة، الشيوعيّ العتيد. لم أستمتع بسماع أحدهم كما فعلت حين حاورته، بتُّ معجباً بالرجل إلى حدّ أنني كنت أخاف أن يموت قبل أن أراه فأتعرّفَ إليه شخصياً. كنتُ أرسل له إيميلاً بين الفترة والأخرى لأطمئنّ على صحته، ويجيبني. حزنتُ لموته.
للراديو يومٌ عالميٌّ يُحتفل فيه هو الثالث عشر من شباط، وربما يكون هذا دليلاً على أن الصندوق العظيم الثرثار قد بات مهدّداً وقليل الاستخدام لولا وجود السيارات، وعلى أنه لم يعد محوريّاً بين وسائل الإعلام الحديثة، على الأقل في بلدان عالمنا العربي. زملائي القدامى، وقد افترقت طرقهم، فاضوا بنوستالجيّات على فيسبوك، فتذكّروا وتذاكروا صديقهم الراديو، وحنّوا واستحنّوا إلى الميكروفون رفيق الرحلة المنتهية. وأنا هنا أفعل مثلهم، غير أن شيئاً ما قد تغيّرَ بالنسبة لي.
مطلع حزيران من العام الفائت، طلب منّي زملائي في راديو ألوان أن أتلو عبر الهاتف آخر خبر في آخر نشرة أخبار يُقدمها الراديو، فقد أُقفلت غرفة الأخبار التي أنا جزءٌ منها، وأُعلن إسدال الستار عن حقبةٍ خرجتُ منها ولم تخرج منّي. قرّرتُ أنا أيضاً أن يكون ذاك الخبر آخر خبرٍ أتلوه على أثير الراديو في حياتي كلّها. أيها الصندوق العتيق والثرثار، في عيدك السنوي أقول لك: وداعاً… وداعاً أيها الراديو.