قال المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري إن «مسار أستانا يعمل ولا توجد لنا أي مشاكل معه»، وجاء هذا التصريح خلال مؤتمر صحفي عقده جيفري يوم الجمعة الفائت على هامش زيارته إلى أنقرة، التي أجرى خلالها لقاءات مع مسؤولين أتراك شملت وزير الدفاع خلوصي أكار، كما ترأسَ فيها وفد بلاده في اجتماع مجموعة العمل المشتركة رفيعة المستوى بين البلدين.

لكن جيفري كان قد قال في وقت سابق من الأسبوع الماضي إن بلاده ستعمل على «إنهاء مسار أستانا إذا لم يتم التوصل بحلول منتصف هذا الشهر إلى قائمة مكتملة لأعضاء اللجنة الدستورية لسوريا»، وهي التصريحات التي رفضتها موسكو، فيما اعتبر وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو أن مطالب واشنطن بإنهاء أستانة «ولدت ميتة».

ولا يبدو أن التراجع الأميركي عن تلك التصريحات، يأتي لإعطاء فرصة لتحقيق تقدم ما على مسار تشكيل اللجنة الدستورية في سوريا، ولا أنه نتيجة موقف غير مُنسق قام به المبعوث الخاص إلى سوريا، لكن هذا التراجع في أقل من أسبوع، وتحديداً بعد لقاء جيفري بالمسؤولين الأتراك، يبدو محاولة من واشنطن لدعم الموقف التركي في مواجهة الخروقات المدفوعة من إيران لاتفاق سوتشي في إدلب، خاصة أن المبعوث الأمريكي قال في المؤتمر الصحفي الذي عقد في أنقرة نفسه، إن عمل بلاده مع قوات سوريا الديمقراطية ضد داعش «مؤقت، وذو طبيعة تكتيكية».

يعطي ما تقدَّم انطباعاً بأن الولايات المتحدة لا تملك اليوم الكثير من الأدوات لتحقيق استراتيجيتها في سوريا من دون دعم من أنقرة، الأمر الذي يدفعها إلى مزيد من الانفتاح على تركيا، والقيام بخطوات أوسع للتقارب معها. وإذا كانت واشنطن تستمر في التأكيد على استراتيجية الأهداف الثلاثة في سوريا، التي تتضمن القضاء على تنظيم داعش ودعم عملية انتقال سياسي وفق قرار مجلس الأمن 2254 ومحاربة النفوذ الإيراني في المنطقة، فإنها لم تتخذ خطوات حاسمة نحو تنفيذ هذه الأهداف، وخاصة الهدفين الأخيرين، بل تعتمد سياستها الحالية على تقوية موقف تركيا لتهدئة الأوضاع في سوريا وتحديداً في إدلب، وهي الاستراتيجية التي تعترضها عدة تحديات قد لا تكون واشنطن قادرة على مواجهتها دون انخراط أكبر في سوريا.

فاحتمال انهيار اتفاق إدلب أصبح وارداً أكثر من أي وقت سابق، نتيجة الضغوط الإيرانية العسكرية المتمثلة بهجمات وقصف من قبل ميليشيات وقوات عسكرية موالية لطهران، متمركزة في محيط إدلب، وفي مثل تلك الأوضاع فإن تقديم الدعم السياسي لأنقرة لن يكفي لمواجهة هذا الموقف الخطير. كذلك فإن إعطاء فرصة جديدة لمسار أستانا في الوقت الذي تبدأ مهام المبعوث الدولي الجديد إلى سوريا غير بيدرسون، هو أمرٌ قد يتم استغلاله من قبل موسكو وطهران للضغط على المبعوث الأممي بهدف إشراكه في حلقة أستانا المفرغة.

نهاية الشهر الماضي، وخلال انعقاد اللجنة الفرعية للشؤون الخارجية حول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس النواب الأمريكي، أكد المبعوث الأمريكي الخاص جيمس جيفري على سياسات بلاده في سوريا، والمتمثلة باستراتيجية الأهداف الثلاثة نفسها، إلا أن جيفري لم يشرح طريقة تنفيذ تلك الأهداف بشكل واضح.

عبر غياب سياسة واضحة لتنفيذ أهدافها المعلنة، تترك واشنطن المسار السياسي والعسكري في سوريا تحت رحمة الضغوط والسياسات الإيرانية والروسية. ومع استمرار التردد الأميركي في الانخراط بشكل أوسع في سوريا، لا يبدو أننا سنشهد في أي وقت قريب تحقق أهداف واشنطن، بل ربما على العكس من ذلك، إذ قد تصل الأوضاع في سوريا إلى مرحلة لن يعود فيها تحقيق تلك الإستراتيجية ممكناً أصلاً.