أثارت عدة تقارير صحفية نشرت خلال نهاية الشهر الماضي، مسألة الوجود السعودي-الإماراتي في منطقة شرق الفرات، ومدى وحجم هذا الوجود، فقد نشر المرصد السوري لحقوق الإنسان تقريراً في الثامن عشر من شهر تشرين الثاني يتحدث فيه عن قوة سعودية توجهت نحو خطوط التماس بين قوات قسد وتنظيم داعش قرب بلدة هجين بريف دير الزور، وانسحبت من المنطقة لاحقاً، وبعد عدة أيام نشرت صحيفة يني شفق التركية المقربة من الحزب الحاكم تقريراً يتحدث عن وجود دائم لقوات سعودية وإمارتية في منطقة شرق الفرات التي تسيطر عليها «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) تحت غطاء من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.

سارعت السفارة السعودية في أنقرة إلى نفي التقرير الذي نشرته يني شفق دون الإشارة إلى الصحيفة بالاسم، وأكدت على عدم وجود أي قوات تابعة للملكة في المنطقة التي تشهد توتراً بعد عدة تصريحات للحكومة التركية بنيتها القيام بعمليات عسكرية ضمنها لمحاربة (قسد) التي تعتبرها فرعاً لحزب العمال الكردستاني.

في ذات الأسبوع، نشرت مواقع كردية، منها باس نيوز، تقارير عن اجتماع لوفد سعودي-إماراتي مع قيادة (قسد) في منطقة عين عيسى، وفي الوقت الذي لم تنقطع التقارير عن مثل هذه الاجتماعات، فإن الرياض تتعامل بحذر شديد معها ومع الإعلان عن أي دور سعودي في المنطقة نتيجة عدة أسباب؛ على رأسها عدم الرغبة بإزعاج تركيا في ملف يعتبر حساساً من وجهة نظر الحكومة هناك، بالإضافة إلى أن الإعلان عن مثل هذا الدور قد يتطلب انخراطاً سعودياً أوسع في الملف السوري وفي ملف المنطقة، وهو ما لا ترغب به الرياض حتى اللحظة.

مصدر مطلع من المنطقة قال للجمهورية: «هناك قوات سعودية بشكل رئيسي وتعمل تحت غطاء التحالف الدولي، دورها الأساسي هو تقديم الاستشارات في محاربة تنظيم داعش، لكن السعودية لا ترغب في مزيد من الانخراط ومن المرجح أن وجودها ينبع بشكل رئيسي من مبدأ مساعدة حليفتها واشنطن».

كانت السعودية قد قدمت وعوداً بتغطية جزء كبير من تمويل المشاريع الإغاثية والمدنية في المنطقة، بعد تجميد الرئيس الأميركي لصرف أموال مخصصة لإعادة الاستقرار في سوريا، وقد قدمت الرياض حتى اللحظة 100 مليون دولار لتمويل المشاريع في المنطقة.

وقد بدأت السعودية تشعر بحساسية الوضع في شرق الفرات بعد فتح طهران الطريق البري الواصل بين سوريا والعراق جنوبي البوكمال، مما يهدد بزيادة نفوذ إيران العسكري في المنطقة، وما يجعل محاربته أمراً غير ممكن، كما أن الالتزام السعودي بتمويل المشاريع في منطقة شرق الفرات هو جزء من سياسية اتبعتها الرياض لتشجيع دونالد ترامب على البقاء في المنطقة لمواجهة النفوذ الإيراني، خاصة بعد أن صرح عدة مرات بنيته الانسحاب من سوريا، قبل تقديم الإدارة الأمريكية إعادة تقييم للوضع، وإعلان بقائها للمنطقة على المدى المتوسط.

ويبدو أن الرياض وأبو ظبي ينويان الانخراط بشكل أوسع مستقبلاً في إعادة تأهيل المنطقة شرق الفرات وتمويل مشاريع ضخمة، والاستمرار في سياسة الأبواب المفتوحة مع حزب الاتحاد الديموقراطي وقوات سوريا الديموقراطية، وفق رؤية من السعودية تقوم على دعم الطرف المسيطر عسكرياً في المنطقة لمنعه من الانحياز نحو طهران مستقبلاً، ولتأمين موقع ومنطقة نفوذ لها في سوريا، بعد تراجع دورها بشكل كبير خلال السنتين الماضيتين.

لكن يبدو واضحاً، من جهة أخرى، أن هذه التوجّهات قد بدأت تثير حفيظة أنقرة، التي لا تريد أن تصل مساعدات مادية لقسد بأي شكل من الأشكال. إلا مثل هذا الوضع هو وليد التوازنات الحالية، إذ قد يقود تقارب بين الرياض وأنقرة في المستقبل القريب الأمور نحو اتجاه آخر، فأنقرة ستكون مهتمة بالتأكيد في أن تدخل أموال إعادة إعمار المنطقة الشرقية عن طريقها، مقابل أن يحقق ذلك لها نفوذاً أوسع، يساهم في زيادة الضغط على قسد.

ففي الوقت الذي لا يبدو فيه أن تركيا مستعدة فعلاً لخوض معارك تزيد من توتر علاقاتها مع واشنطن بشكل كبير، فإنها ستظل تسعى إلى مد نفوذها بطرق سياسية واقتصادية إلى منطقة تعتبر حيوية بالنسبة لها.