يدخل الاعتصام المفتوح الذي يقوم به اللاجئون الفلسطينيون في مخيم دير البلوط في ريف عفرين الغربي شهره الثاني، وهو يأتي ضمن سلسلة من التحركات الهادفة إلى تحسين ظروفهم الإنسانية والمعيشية، أطلقوا خلالها نداءات للمنظمات الدولية مطالبين بإجلائهم من المخيمات إلى تركيا، أو إعادتهم إلى فلسطين. وقد تمكّن المعتصمون من إيصال مطالبهم عبر رسالة مكتوبة بخط اليد إلى الرئيس التركي، إلّا أن الردّ الذي جاءهم كان يتضمن وعوداً بتحسين ظروفهم داخل المخيم، وهو الأمر الذي لا يلبي رغبتهم بالخروج.

تمّ إنشاء المخيم في أيار الماضي لاستقبال المهجرين قسرياً من مناطق جنوب دمشق، في وادٍ يُطلق عليه اسم وادي الأفاعي بالقرب من قرية دير البلوط  التابعة لناحية جنديرس بريف عفرين الغربي، وهو يحتوي على نحو ستمئة وثلاثين عائلة منها ما يقارب ثلاثمئة وخمسين عائلة فلسطينية هُجِّرَت من مخيم اليرموك جنوب العاصمة دمشق، بعد خمس سنوات من الحصار والجوع والقصف سقط على إثرها كثير من الضحايا، إذ بلغت أعداد الذين قضوا جوعاً نحو 180 شخصاً جلُّهم من الأطفال والنساء والشيوخ، ليكتسب فلسطينيو اليرموك صفات المُحاصَر والنازح والمهجر، إضافة إلى صفة اللاجئ.

إعتصام اللاجئين الفلسيطنيين في مخيم دير البلوط، صورة من الانترنت
إعتصام اللاجئين الفلسيطنيين في مخيم دير البلوط، صورة من الانترنت

يتبع المخيم لإدارة الكوارث والطوارئ التركية «آفاد»، التي تُقدِّمُ لكل عائلة فيه مساعدات متمثلة بسلة غذائية شهرية وربطة خبز يومياً، وبعض مواد التنظيف أحياناً. وقد اجترح قاطنو المخيم حلولاً فردية لتحسين الواقع التعليمي والصحي، وذلك من خلال العمل التطوعي الذي قام به معلمون سوريون وفلسطينيون عبر إطلاق مشروعهم التعليمي من خيمة كبيرة «هنكار» بلا مقاعد أو قرطاسية. وفي غياب السبورة والقلم ووسائل التعليم والإيضاح، لجأَ المعلمون إلى استخدام الوسائل المتاحة من حصى وتخيّلات وإيماءات لإيصال المعلومات إلى التلاميذ، ثم بعد مناشدات عديدة قامت واحدة من المنظمات بتقديم القرطاسية للطلاب، وبعدها قامت إدارة المخيم مؤخراً بتجهيز ثلاثة هنكارات وتحويلها إلى مدرسة تتبع لوزارة التربية التركية التي تكفلت برواتب المدرسين، براتب شهري يبلغ 500 ليرة تركية (أقل من 100 دولار)، وهو لا يغطي احتياجات المدرسين وعائلاتهم.

مخيم دير البلوط
مخيم دير البلوط

تزامنَ ذلك مع بناء مستوصف من قبل إدارة المخيم، كبديل عن الخيمة الطبية التي أنشأها بعض الناشطين، وكانت تحاول خلال الأشهر الماضية تأمين المستلزمات الطبية والدوائية. ويفتقر المستوصف المبنيّ حديثاً لمعظم الاحتياجات الطبية والدوائية، ما يفرض على قاطني المخيم عبئاً جديداً يتمثّل في لجوئهم إلى مراجعة الأطباء وشراء الأدوية من مناطق أخرى، مع ارتفاع الأسعار وقلة الموارد.

عن الأوضاع الخدمية يقول الناشط أكرم العلّان: «نحن نعيش في خيام لا سقف لها، بعد أن كُنّا في عاصمة الشتات، مخيم اليرموك، نعيش في منازل بنيناها بعرق جبيننا خلال سنوات طوال. الخدمات هنا تكاد تكون معدومة، الحمامات جماعية وتفتقد للعناية والصيانة الدورية، مياه الشرب كلسية، ومع دخول الشتاء تحوّلت الخيام البالية والمهترئة إلى مستنقعات بسبب الأمطار الغزيرة، وأخذ البرد من أطفالنا كل مأخذ مع انعدام وسائل التدفئة».

مخيم دير البلوط
مخيم دير البلوط

ونظراً للحالة المتردية التي يعيشها سكان المخيم، خرج العشرات من قاطنيه إلى مناطق أخرى للبحث عن فرص حياة أفضل من الناحية السكنية والمعيشية، ليعودوا أدراجهم بعد اصطدامهم بغلاء الأسعار والإيجارات وفشلهم في إيجاد فرصة عمل. علي هو لاجئ فلسطيني غادر المخيم مع عائلته المكونة من أربعة أشخاص متنقلاً في البلدات المجاورة للمخيم، وهو يقول: «بعد فترة بسيطة من تهجيرنا وإحضارنا إلى مخيم دير البلوط، لم أكن وعائلتي قادرين على التأقلم مع وضع المخيم عموماً، فذهبتُ أبحث عن منزل للإيجار وعمل. ومع ارتفاع أسعار المنازل وإخفاقي في إيجاد فرصة عمل، استهلكتُ كافة مدخراتي، ولم أعد قادراً على دفع ثمن رغيف الخبز لإطعام أطفالي أو إيجار المنزل الذي يؤوينا. بعد شهرين أجبرت على العودة للمخيم مرغماً، فهنا، على الأقل، يعطوننا ربطة خبز يومياً».

تخلّت المنظمات المعنية بدعم اللاجئين الفلسطينيين عن دورها في دعم المُهجرين إلى دير البلوط، بما في ذلك وكالة الأونروا التي قطعت كافة المساعدات المادية والعينية عنهم، وحصرت خدماتها في المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد، مع معرفتها بعدم قدرة أولئك المهجرين على الذهاب إلى تلك المناطق خوفاً من الاعتقال والملاحقات الأمنية – أحصت مجموعة العمل من أجل فلسطيني سوريا اعتقال 1712 معتقلاً فلسطينياً في سجون الأسد حتى الآن، فيما ارتفعت حصيلة ضحايا التعذيب في المعتقلات إلى 561 لاجئاً فلسطينياً.، وعجزهم عن تأمين الخدمات الأساسية لانعدام فرص العمل سواء داخل المخيم أو خارجه. يقول أيمن الغزي، وهو ناشط إغاثي فلسطيني، أن الأونروا تتجاهل كافة المناشدات الفلسطينية بتوزيع المساعدات على الاجئين في المناطق المحررة: «لم يبقَ من هذه المنظمات سوى هيئة فلسطين للإغاثة والتنمية، التي تعاني أساساً من انقطاع الدعم عنها لفترات طويلة، ما جعلها تقف عاجزة عن تلبية احتياجات المهجرين الفلسطينيين إلى الشمال السوري».

مخيم دير البلوط
مخيم دير البلوط

يرى كثيرٌ من الفلسطينين القاطنين في المخيم إن الحلّ يكمن في السماح لهم بمغادرة الأراضي السورية نحو تركيا، التي ستكون بوابة عبور إلى دول أخرى، بحسب قول عمر أبو حمزة، مدير المدرسة في المخيم: «نطالب بإجلائنا لأننا شعب بلا وطن، ومن حق أبنائنا العيش في ظروف أفضل من هذه، لذلك سنستمر بالاعتصام حتى تنفيذ مطلبنا، وتركيا لن تكون سوى بوابة عبور إلى دول أخرى». وفي الاتجاه نفسه يرى إياد الشهابي، وهو فلسطيني من المخيم، أنه لا جدوى من تحسين أوضاع المخيم، فـ«ما الذي يمكن تحسينه في حياة الخيام؟»، مؤكداً أن الحلّ يكمن في «إجلاء الفلسطينيين من المخيم أو إعادتهم إلى فلسطين وإنهاء معاناتهم مع هذه الظروف الصعبة، بعد أن فقدوا مفاتيح منازل آبائهم وأجدادهم تحت أنقاض بيوتهم في مخيم اليرموك، إذ لم يعد هناك ما يخسرونه».

بالرغم من دخول اعتصامهم شهره الثاني، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون يتمسكون بالأمل في تنفيذ مطلبهم، مما يدفعهم للاستمرار بالاعتصام يوماً بعد يوم تعبيراً عن حلمهم بحياة أفضل، وأملاً في أن يستجيب العالم ومنظماته الإنسانية لنداءاتهم، وينتشلهم من مأساتهم بعد سنوات من الشتات واللجوء والنزوح.