إنها الرابعة عصراً، استيقظتُ من قيلولة، شعرتُ أنها مرَّت ثقيلةً على الرّوح، كانت غُرف المنزل التي تقع من الجهة الغربية، ومن ضمنها غرفة المطبخ، مُضاءة بنور الشمس التي تتحضر للغياب. لم أسمع صوت أحد من إخوتي وأخواتي الصغار، بل كان المنزل كلّه صامتاً، لكن رائحة طبخة «الشيش برك» القادمة من غرفة المطبخ، تفوح في أرجاء المنزل، رائحة لا يستطيع المرء مقاومتها؛ اللبن (الزبادي)، والذي يُحرَّكُ على مهل تحت نار هادئة، رائحة مثلثات العجين الصغيرة، المحشوة باللحمة المفرومة المتبّلة بالبصل والكزبرة.
قمتُ من سريري ومشيت باتجاه المطبخ، وقبل أن أدخل، تأملت السيدة التي تعطيني ظهرها الآن، ووجهها مائلٌ إلى الأسفل، باتجاه الحلّة التي تطهو بداخلها الشيش برك، ويدها اليمنى لا تتوقف عن التحريك. كان نور الشمس الداخل من النافذة المفتوحة مقابل موقد الغاز، يجعل من جسد السيدة وكأنه يسبح وسط هالة من نور، إنها أمي.
لم تنتبه لوجودي خلفها، وأنا تراجعتُ، وعدتُ باتجاه غرفتي، ووقفتُ على رخامة عرضها 10 سم، تفصل بين باب الغرفة، والصالون. عند هذه اللحظة من السكينة، والنادرة في يوم من أيام سنة 2012، بدأت أدلّكُ بأطراف أصابعي الأعصابَ النافرة فوق منطقة العظم الصدغي في رأسي، على الجانبين الأيمن والأيسر، بسبب التوتر، والضغط النفسي، من كثرة الهواجس الناتجة عن التفكير بمصير الحيّ الذي أعيش فيه (حيّ جوبر بدمشق) بعد تطور الاشتباكات فيه ما بين النظام السوري والجيش الحر. كان الأخير قد بدأ بالتقدم من جهة حيّ زملكا، هذا عدا استمرار خروج المظاهرات في حيّ جوبر في أيام الجمعة.
لم أتنبأ في تلك اللحظة، أني سآكل آخر وجبة شيش برك في بيتنا، لكن هواجسي دفعتني للقول بيني وبين نفسي، إن هذا المشهد؛ صورة أمي في المطبخ، نور الشمس الذي يبعث على الدفء والطمأنينة، تأمل لحظات الغروب، اجتماع العائلة على مائدة طعام واحدة، قد لا يتكرر. حياةٌ كاملة ستنقلب رأساً على عقب، ستتحول إلى ماضٍ سحيق.
في تلك الفترة، بدأتُ انتبهُ لكل تفصيل صغير بالبيت، أتأملُ الأشياء وكأني أودّعها، أراقبُ أمي وهي لا تتوقف عن العمل؛ تبدأ منذ الصباح الباكر بكنس أرضية المنزل، بِدءاً من غرفة نومها، انتقالاً لغرفتي، بعدها لغرفة أخواتي، ثم الصالون، انتهاءً بعتبة البيت. بعدها تبدأ بتجهيز الفطور، بعدها تجمع الملابس المتسخة لجميع أفراد العائلة، وتبدأ بتصنيفها؛ الملابس البيضاء لوحدها، والملابس ذات الألوان الفاتحة لوحدها، والألوان الغامقة لوحدها، ومن ثم تبدأ بتشغيل الغسالة. وسيدة المنزل لا تملّ ولا تتعب من مراقبة التفاصيل، في حال سقط منها تفصيل فلم تنظفه أو ترتبه. ليبدو المنزل القديم، الذي يبلغ من العمر ثلاثين عاماً على الأقل، أشبه بطفل في شهوره الأولى، بين يدي أمي.
جاء عيد الفطر، مُعلناً في يومه الأول والثاني، عن شبه هدنة بين النظام السوري والجيش الحر. لكن ما حدث في اليوم الثالث والأخير من عطلة العيد، كان أن استيقظَ أهل الحي صباحاً على صوت رصاص استغرقَ دقائق قليلة، ومن بعدها ساد الصمت. خرجتُ من المنزل نحو الساعة العاشرة صباحاً، كان قد مضى على صوت الرصاص، ساعة تقريباً، لأجد عند تقاطع شارع منزلنا بالشارع الرئيسي، جثة رجل تسبح في دمائها ملقاة على الأرض. عند الساعة الواحدة بعد الظهر بدأت تفاصيل الحادثة تنتشر في أرجاء الحيّ، وما حصل هو التالي: عملية اغتيال لضابط في الجيش النظامي، نفذها عناصر من الجيش الحر، وكان أحد المجندين من الجيش النظامي الرابضين على الحاجز العسكري الذي يفصل بين حي جوبر وحي زملكا، قد نفذ عملية انشقاق، وهرب، وخبّأه أهالي حي جوبر. عند الساعة الثانية، دخلت دوريات الأمن والمخابرات المدججة بعتادها الكامل حيَّ جوبر. كنتُ في لحظتها أشتري علبة سجائر من السوبر ماركت، الذي يبعد عن منزلي مسافة 300 متر. اتصلَ بي أبي، وطلب مني العودة فوراً إلى المنزل. أُصبتُ بالرعب، وابتعدت مباشرة عن الشارع الرئيسي، ومشيت باتجاه البيت من الشوارع الجانبية. وعندما وصلت سألته: ما الذي يجري؟ فأخبرني أن هناك اعتقالات عشوائية في الحيّ، الأمن يلتقط الشباب من الشوارع. عندما فتحت التلفاز، قرأتُ خبراً عاجلاً على إحدى القنوات، يقول إن النظام احتجز ما يقارب الـ150 شخصاً بينهم نساء وأطفال في جامع يقع في بداية حي زملكا، ويهدد أهالي حيّ جوبر بأنه لن يفرج عنهم إلا بتسليم الجندي المنشق.
لم يتوقف الأمر هنا، في اليوم التالي، استيقظتُ صباحاً على اتصال من خالتي التي تسكن في الحي نفسه، أخبَرَتْ أهلي فيه بأن الأمن يعتقل الشباب من داخل منازلهم. لا يوجد شاب غيري في المنزل. تنهَّدَ والدي تنهيدة طويلة، كان يتحاشى أن يضع عينه في عيني، ينظر إليَّ نظرات سريعة بصمت، ويغمض عينيه، ومن ثم يطلق تنهيدة أخرى. كسرت الصمت بقرار حاسم، قلت: سأخرج. جمعت ملابس قليلة تكفيني لأسبوع خارج الحي، اتصلت بصديق لي يسكن في حي باب توما، في منطقة دمشق القديمة، وأخبرته ما حدث بشكل سريع، وأنني سأمكث عنده بضعة أيام قليلة. ما إن هممت بالخروج من عتبة باب البيت، حتى وجدتُ أبي يلحق بي، قال لي: سأوصلك إلى خارج الحي بسيارتي.
لم أقترح على أبي طريقاً آخر يسلكه غير طريق الشارع الرئيسي، الذي يوجد في آخره وقبل الدخول إلى ساحة العباسيين بمائتي متر حاجزٌ عسكري. لكنه بالفعل كان حذراً هو الآخر، وسلك طريقاً متعرجاً، أوصلنا إلى «دوَّار المناشر»، الذي من خلاله أخذنا طريقاً أوصلنا إلى «شارع الزبلطاني»، وعندها طلبت منه أن يعود إلى البيت، لأنني سأكمل طريقي إلى باب توما سيراً على الأقدام. صافحتُهُ، وقبّلتُ يده، ووضعتها على جبيني. صحيحٌ أن هذا طقسٌ تقليديٌ يفعله الأبناء مع آبائهم في سوريا، وأنني أحياناً كنت أُقبِّل يد أبي وأضعها على جبيني مُرغماً، لكنه بات طقساً يومياً، مخافة أن يعتبرني أبي ابناً عاقاً، لكن في لحظة الوادع في شارع الزبلطاني، كان انحنائي إلى يد أبي وتقبيلها نابعاً من كل قلبي. كنتُ كمن يُصلّي على يد والده، ويدعو الله أن يحميه ويحمي عائلتي.
مشيتُ باتجاه شارع القصَّاع، كنتُ أراقب كيف تسير الحياة العادية في هذا الشارع الجميل والهادئ، بينما هناك شوارع وبيوت لا تبعد سوى مسافة 200 كيلومتر تقريباً منكوبة بالدمار والقتل. كانت محلات الألبسة تفتح لتوها، ومحلات أخرى يبدأ العاملون فيها بتلميع زجاج الواجهة. وأول فتاة لمحتها بطريقي، كانت واقفة على حافة الرصيف تنتظر سيارة تاكسي، كان وجهها يلمع أكثر من واجهات المحلّات الزجاجية، وتضع أحمر شفاه لونه بني فاتح من دون لمعة. كان غياب اللمعة يظهر الشفاه وكأن نحاتاً قام بنحتها، لكنّي عندما استنشقت رائحة عطرها، تذكرت أنني نسيت زجاجة عطر من ماركة «lucky man» في البيت. من يفكر بزجاجة عطر، في أثناء هروبه من اعتقال محتمل؟ وفي الوقت نفسه لم أنسَ علبة سجائري، والتي كانت وللمصادفة من ماركة «lucky strike»، فالسجائر هي السند «النفسي» للأعصاب المشدودة طوال الوقت.
وصلتُ المنزل الدمشقي القديم، في باب توما، كان صديقي محمود قد استأجره ليكون قريباً من مكان عمله، وبما أن البيت كبير، يتألف من فسحة سماوية وغرفة كبيرة في الدور الأرضي، وثلاث غرف في الدور العلوي، فقد قرر أن يؤجّر الغرف لشباب أصدقائه، يعملون في وسط المدينة، أو قادمين من مدن ومحافظات بعيدة. كان محمود قد أخذ الغرفة الكبيرة في الدور الأرضي، وإيهاب الشاب الفلسطيني النازح من مخيم اليرموك، ومحمد من مدينة يبرود، والذي يعمل في وكالة سانا الأخبارية، لكنه معارض للنظام، وفتاة – لا أذكر اسمها- قادمة من مدينة حمص تدرس في إحدى جامعات دمشق، كانوا يسكنون في الغرف الثلاثة العلوية. بعد فترة سيطلق محمود على البيت اسم «بيت النازحين».
بعد عشرة أيام من وجودي في باب توما، استيقظتُ في صباح يوم عند الساعة الثامنة على رنين هاتفي الجوال، كان المتصل صديقة لي تسكن في منطقة جرمانا، وعندما فتحتُ الخط، استغربَتْ من صوتي المطمئن، لم تكن تعلم أنني في باب توما، وليس في جوبر، قالت لي: «أنت وأهلك بخير؟» رددتُ وقد أصابني الرعب: «أنا مو مع أهلي، أنا بباب توما من عشرة أيام»، فردّت فوراً: «فتحت التليفزيون من شوي، وكانت الأخبار العاجلة عم تقول أنه النظام عم يقصف جوبر بالطيران والصورايخ، اتصل على أهلك واطمّن عليهم، وبعدين اتصل فيني طمّني».
أقفلتُ الخط مع صديقتي، وبدأتُ الاتصال على رقم أبي، فوجدتُ هاتفه خارج التغطية. حاولتُ الاتصال بأخواتي، لأجد أنه هواتفهم مغلقة أيضاً. اتصلتُ بالهاتف الأرضي فلم يجبني أحد. مرَّت ساعتان تقريباً، وبدأتُ أسمع أصوات الرصاص والقصف القادمة من بعيد. بعد ساعتين ونصف تقريباً، رنَّ هاتفي الجوال، إنها أختي، فتحت الخط فوراً، سألتها: «أنتو بخير» فأجابت: «نحنا بخير. بس تركنا البيت من الساعة خمسة الصبح وقاعدين بالملجأ، حاولنا نتصل فيك بس ما كان فيه تغطية، أنا هلأ عم حاكيك من قدام باب الملجأ، هون في تغطية، بس ما بقدر أحكي كتير، لا ينشغل بالك، بس يهدى القصف رح نرجع نحكي معك». عند الساعة الثانية بعد الظهر، عاودت أختي الاتصال، وأخبرتني أنهم سيخرجون من الحيّ، لأن الأخبار التي يجري تناقلها بين الأهالي تفيد بأن النظام سيستمر في القصف. وعند الساعة الرابعة تقريباً خرج أفراد عائلتي في ذاك اليوم المشئوم من حي جوبر بملابسهم التي يرتدونها فقط، لم يكن هناك وقتٌ لحزم الحقائب.
بعد مرور شهر على خروج عائلتي من جوبر، اكتشفتُ أنني عند خروجي من الحي قبلهم، نسيتُ أن آخذ معي جواز سفري، ودفتر الخدمة العسكرية، وهما الآن موجودان في مكان ما في غرفتي بجوبر. عندما تحدثت مع أبي وأمي بأني أفكر في الذهاب وإحضار جواز السفر، قالوا إنه ليس مهماً إحضاره الآن، لأننا بعد فترة سنعود جميعاً إلى البيت، عندما «يهدأ الوضع». طبعاً لم أخبرهم بوجهة نظري فيما يخص مستقبل «الوضع» الكارثيّ الذي كُنّا مقدمين عليه. بدأتُ أسأل أصدقاء مقربين لي في جوبر، إن كان أحدهم أو أحد أصدقائهم يدخلون ويخرجون من وإلى الحي، وعن الوضع الأمني هناك، إلى أن قال لي صديق إنه عليَّ الدخول ما بين الساعة الرابعة مساءً والسابعة مساءً، لأنه في هذا الوقت يكون الوضع أقل خطورة، وأن عليَّ الابتعاد عن الشارع الرئيسي، وعن الساحات، لأنه هناك قنّاصين.
في اليوم التالي وعند الساعة الرابعة وقفتُ في شارع الزبلطاني، وانتظرت ميكرو باص «جوبر مزة اتوستراد – مزرعة»، قلت لأجرب حظي، لربما هناك بعض سائقي الميكروباص في جوبر ما زالوا يعملون إلى الآن. بعد ثلاثين دقيقة على وقوفي، جاء الميكروباص، الذي لم يكن بداخله سوى ثلاثة شباب من عمري تقريباً. أنزلنا الميكروباص في «موقف علّوش»، وهنا بقي أن أجتاز مسافة 75 متر لأكون في البيت. كان حي جوبر أشبه بمدينة أشباح، والأشباح هم القناصة المتمركزون على أسطح البنايات العالية، يرصدون أي قطعة لحم قد لا تروق لهم حركتها. مشيتُ باتجاه البيت عبر الحارات الضيقة، حتى وصلتُ إلى ساحة اسمها «ساحة شعبان»، كان لا بدّ من اجتيازها لأصل إلى البيت. حاولتُ أن أمشي وأنا ملتصق بجدران الأبنية التي على يميني، أو كما يقول المثل «أمشي الحيط الحيط وقول يارب السترة».
وصلت أخيراً إلى البيت، كان جسدي يفرز عرقاً بارداً، كان الجو حاراً، لكن العرق البارد ناتجٌ عن الشعور بالرعب والخوف. لم أتوقع أن يفاجئني هذا الشحوب ومناخ الكآبة الذي يعم أرجاء البيت. لقد ترك أهلي نوافذ البيت مفتوحة، لكي لا يتكسر الزجاج من الضغط الذي من الممكن أن تحدثه القنابل والصواريخ، في حال سقطت قريبة من المنزل.
كان الغبار قد احتل كل التفاصيل. البيت الذي كان عامراً بالحياة، والروائح الزكية التي تنبعث منه، كان أشبه بجسد يحتضر.
دخلتُ المطبخ وفتحتُ الثلاجة، ففاحت فوراً رائحة عفونة الطعام. على أحد الرفوف الرخامية، كانت مطربانات الزيتون، والمكدوس، تكسوها الغبار، لكنها من الداخل ما زالت صالحة للأكل، فتحت مطرباناً فيه زيتونٌ غارق بزيت الزيتون، شممتُ رائحته، فشعرتُ بقليل من الأمان، والأمل ربما.
بعدها توجهتُ إلى غرفة نوم والدَيّ، وقفتُ أمام الباب، وانحنيتُ إلى الأسفل قليلاً، بمنتصف هذا الباب الخشبيّ العتيق، يوجد شقّ رفيع، عرضه نصف سنتمتر تقريباً، يشبه الزاوية الحادة. ذكَّرَني هذا الشق بأيام مراهقتي، عندما كنت أتنصّت من خلاله على اللحظات الحميمية بين أبي وأمي، بعد منتصف الليل. دخلتُ غرفتي وتوجهتُ نحو الفترينة المعدنية التي فيها، وفتحت الدرج الخاص بالأوراق الرسمية والدفاتر، وأخذت جواز السفر، ودفتر الخدمة العسكرية، والذي كان تحته، دفتر يحوي نصوصاً كتبتها في مطلع عام 2010. فتحتُ الدفتر، فاستقبلني العنوان: «قصائد بورنوغرافية غير صالحة للنشر»، لم أقرأ منها سوى جملة واحدة؛ «حين تشتعل رغباتكِ. تبدو رائحة حلماتكِ أشبهُ برائحة حبَّات الكَسْتَنَاء المشوية». ضحكتُ وأنا أسخر من نفسي وأقول: «كانت أيام رواق والله!». بدأتُ بجمع بعض الملابس والحاجيات التي من الممكن أن تلزمني في حال طالت فترة «النزوح»، وأول شيء وضعته في الحقيبة كان زجاجة العطر«lucky man». بعدها بدأت أختار الكتب التي يمكن قراءتها في الوقت الحالي، لم أستطع التركيز، فبدأت اختار عناوين كتب بشكل عشوائي. أخذتُ كتاب أشياء لن تسمع عنها أبداً، مقالات ولقاءات لنعوم تشومسكي، وكتاب كيف تحكي حكاية لغابرييل غارسيا ماركيز، ورواية الحياة في مكان آخر لميلان كونديرا. أما الأفلام السينمائية، فوقع تحت يدي فيلم نوستالجيا لاندريه تاركوفسكي، وراشمون لأكيرا كيروساوا، والنافذة الخلفية لألفريد هيتشكوك.
عندما شارفتُ على الانتهاء، نظرتُ إلى المرآة المعلقة على جدار في الغرفة، فوجدتها مغبشة من كثرة الغبار. مسحتها بقطعة قماش، وتأملتُ نفسي. كان القميص الذي ارتديه قد تبلَّل بكثرة من عرق جسدي؛ ثنيةُ القميص عند الرقبة، وتحت الإبط، ومنطقة الظهر بأكملها. فكرّتُ للحظة؛ ما الذي سيحدث لو أني أخذت حمَّاماً دافئاً؟ انتابني شعور غريب، وهو أن طاقة الكآبة التي شعرت بها عند دخولي البيت قد خفّت قليلاً، إضافة إلى أن إحساساً سرى بداخلي في لحظة؛ وهو رغبتي بأن أمارس الجنس، قلت في نفسي: جسدي في هذه اللحظة، حبّة كَسْتَنَاء مشوية.
دخلتُ لأتفقد الحمَّام، كانت عبوة الشامبو قد نفذت. تذكّرتُ أن أمي كانت تخزّن صابون غار في السقيفة، صعدتُ السقيفة وتناولت قطعة صابون ونزلت. كانت المياه تنزل ساخنة من حرارة الجو، خلعتُ ملابسي، وملأتُ الجرن البلاستيك، وبدأتُ أسكب الماء بالطاسة الستانليس على جسمي. بعدها بدأتُ أفركه بصابونة الغار، حتى لم يبقَ مكانٌ فيه إلا وغرق برغوة الصابون. بدأتُ أداعب قضيبي حتى انتصب، لم أستحضر في خيالي أثناء عملية الاستمناء أياً من علاقاتي الجنسية مع فتيات في فترة النضج والوعي من عمري، بل تذكرتُ ابنة الجيران التي مارستُ معها علاقة جنس غير مكتملة لأول مرة في حياتي، حين كنتُ بعمر السادسة عشر، هنا، في المدخل الصغير الذي يفضي إلى الحمّام. رائحة جسمها بدأت تفوح في أنفي، كانت تشبه رائحة فاكهة الخوخ. عندما وصلتُ إلى مرحلة النشوة، وبعد أن هدأت، قلت لنفسي: ماذا سيحدث لو اقتحمت دورية أمن البيت، ورأتني في هذا المشهد الايروتيكي؟ ماذا سأقول لهم؟ تخيلتُ نفسي وأنا أبرّرُ وجودي في هذا الحالة؛ كأن أقول للضابط الذي يحقق معي: «والله يا سيدي ما طلعت مظاهرة، ولا معي سلاح، متل مالك شايف، قاعد عم ألعب بأيري!»
جففتُ جسدي، ولبستُ ثياباً نظيفة، وألقيتُ نظرة أخيرة على تفاصيل المنزل. وقفتُ على الرخامة التي عرضها 10 سم، والتي تفصل بين غرفتي، والصالون، وأغمضتُ عينَيّ. كنتُ منذ شهرين واقفاً هنا، مودعاً أجمل لحظة سكينة في هذا البيت. تمنيتُ لو أن لبيوتنا أجنحة، أن تكون قادرة على الطيران. ودّعتُ البيت، وكأني أودّع صديقاً عزيزاً. أغلقتُ الباب، وطبعت قبلة عليه، ورحلت.