لم تفلح زيارة المبعوث الدولي ستيفان ديمستورا إلى دمشق يوم الخميس الفائت في تغيير موقف نظام الأسد من إنشاء لجنة صياغة الدستور في جنيف، إذ أكد وزير خارجية النظام وليد المعلم رفض النظام أي دور للأمم المتحدة في عمل اللجنة وتشكيلها. وقدّم ديمستورا هذه النتيجة إلى مجلس الأمن خلال جلسة طارئة عُقدت يوم الجمعة بطلب من الولايات المتحدة وفرنسا.

وكان ديمستورا قد أعلن قبل فترة نيته الاستقالة من منصبه نهاية شهر تشرين الثاني القادم، مؤكداً رغبته في الوصول إلى تقدّم في تشكيل لجنة صياغة الدستور التي جرى الاتفاق عليها بين الأمين العام للأمم المتحدة ووزير الخارجية الروسي بداية العام الحالي، والمنبثقة عن قرار مجلس الأمن 2254. وقد حظي هذا الاتفاق بموافقة من الدول الغربية، وضغط أميركي باتجاه تسريع هذه العملية والوصول إلى إنشاء مسار يفضي إلى دستور وانتخابات بأسرع وقت.

وعلى الرغم من التعهدات التي قدمتها موسكو مراراً، سواءً للأمين العام للأمم المتحدة أو خلال التصريحات الرسمية لمسؤوليها في دعم مسار اللجنة الدستورية، إلا أنها تقف اليوم إلى جانب النظام في تعطيله لانطلاق هذا المسار من خلال اعتراضه على دور الأمم المتحدة في تسمية الثلث الأخير من اللجنة، والمؤلف من المنظمات المدنية، بعد أن قدم النظام والمعارضة قائمتين تضمّان مرشحيهم للجنة، وتُظهر مطالبة النظام بأغلبية ضمن اللجنة وسيطرة على أعمالها نية واضحة لتعطيل أيّ تقدم في هذا المسار. لكن هذا التعطيل، الذي يبدو معتاداً من النظام، قد يكون حاملاً لتغييرات أوسع في مستقبل العملية السياسية في سوريا.

خلال السنوات الماضية، كان الدور الذي لعبه المبعوث الدولي ستيفان ديمستورا متسقاً تماماً مع رغبة موسكو بوجود عملية سياسية شكلية حول سوريا، لا تحرز خرقاً أو تقدّما ذو قيمة في أي من القضايا الرئيسية، لكن المواقف الأخيرة للنظام تدعو للشكّ في إمكانية استمرار عملية سياسية، حتى لو كانت محض شكلية.

في المقابل، سيطرح توقف العملية السياسية تحدياً خطيراً أمام مساعي موسكو للوصول إلى النتائج التي تريد، وهي إعادة الاعتراف بنظام الأسد وانخراط دول غربية في إعادة الإعمار، مقابل فتح المجال أمام عودة اللاجئين من أوروبا. وبهذا سنكون خلال الفترة المقبلة أمام مرحلة جديدة في المسار السياسي حول سوريا، إذ لا يبدو أن روسيا تريد الاستمرار في لعبتها مع المجتمع الدولي والتظاهر بالدخول في مفاوضات تمس أيّاً من القضايا الهامة، مثل إنشاء حكم جديد في سوريا؛ أو حل قضايا المهجرين والمعتقلين. وقد تكون هذه السلبية الروسية وراء قرار ديمستورا الاستقالة، فالرجل لم يعد يرى أنه يملك أيّ دور أو هامش عمل، حتى بعد مجاراته لموسكو في لعبتها تلك وتغطيته الدائمة لتجاوزاتها على القانون الدولي والقرارات الأممية حول سوريا.

سيعمل بوتين على البحث عن سبل أخرى للوصول إلى هدفه في سوريا، خاصة وأن الولايات المتحدة عادت لتضع محددات رئيسية لمسار جنيف، ما يجعله غير سالكٍ أمام موسكو بحزمة تحالفاتها الإقليمية الحالية، والتي تشمل طهران.

ويبدو أن التوجه نحو أوروبا، وتحديداً ألمانيا، هو الاستراتيجية التي يراهن عليها بوتين في هذا التحول. إذا أن أوروبا، التي تشهد صعوداً لليمين المتطرف، أصبحت أكثر تقبلاً لنظام بوتين وأكثر قابلية للتفاوض معه، خاصة وأنه يلوح بملف حساسٍ للغاية كملف للاجئين. وعلى الرغم من فشله المتكرر، حتى اللحظة، في تحقيق خرق حقيقي في هذا الملف، إلا أن موسكو ما زالت تدفع لتجميل الصورة بما يخص عودة اللاجئين من أجل تقديم شيء ما للأوروبيين، ويبدو أن قرار النظام بإعلان «عفو» عن «الفارّين» من التجنيد الإجباري هو خطوة في هذا السياق.

لقد أثبتت التجارب السابقة قدرة موسكو على الالتفاف على الفيتو الدولي والإقليمي حول الوجود الإيراني من البوابة الإسرائيلية، كما حدث في جنوب سوريا، الذي أصبح بيد قوات النظام بعد تفاهمٍ مع إسرائيل، ما يفتح الباب أمام توسيع مثل هذه الموافقة أو الاتفاقات بين موسكو وتل أبيب. وهذا ما قد يضع واشنطن في موقف محرج، وعلى الرغم من أن هذا الاحتمال مستبعد في الوقت الراهن إلا أنه ليس مستحيلاً، خاصة وأن لا أحد يملك خطة واضحة لإخراج إيران من سوريا.

قد تحاول موسكو، عبر استراتيجيات مماثلة، خلق مسار جديد مُكوّن من اتفاقات ثنائية بين دول الإقليم والدول الأوروبيّة، تسمح بخلق هامش سياسي لإعادة تأهيل نظام بشار الأسد، وتمنح مجالاً لاعتراف غربي، جزئي أو كامل، بهذه النتيجة، مع تدفق مالي سيكون محدوداً للغاية، يُغطّي كلف عمليات تجميلية أكثر من كونها إعادة إعمارٍ فعلي.

تمثّل هذه الفترة عتبة فاصلة لمرحلة جديدة وحاسمة في تقرير شكل المسار السياسي في سوريا. والإجابة عن السؤال حول شكل هذه المرحلة يتعلّق بمدى انخراط واشنطن في العملية السياسية وتمتين تحالفها مع أوروبا في سبيل حماية المسار المرعي من الأمم المتحدة، فيما سيكون من السهل على موسكو النجاح في مساعيها إذا ما اعتبرت واشنطن أن بإمكانها التركيز فقط على محاربة تنظيم داعش وإيران عبر نشر قواتها في المنطقة، دون أيّ استراتيجية سياسيّة مُرافِقة.