في مطلع العام الجاري 2018، أصدرت هيئة المالية في مقاطعة الجزيرة التابعة للإدارة الذاتية بياناً طالبت فيه جميع المواطنين المكلفين بضريبة الدخل لعام 2017 بمراجعة فروع الإدارة العامة للضرائب في جميع مدن ومناطق المقاطعة، وذلك من أجل استكمال الأوراق المتعلقة بتكليفهم الضريبي، وتم تحديد نهاية شهر كانون الثاني كآخر مهلة للسداد، تحت طائلة دفع الغرامات بعد ذلك التاريخ.

وكان حزب الاتحاد الديموقراطي قد أعلن عام 2014 عن تأسيس الإدارة الذاتية في المناطق التي يسيطر عليها جناحه العسكري، وحدات حماية الشعب المنضوية في صفوف قوات سوريا الديموقراطية. وبدأت الإدارة الذاتية بإصدار التشريعات منذ انعقاد أول جلسة للمجلس التشريعي بتاريخ 31 آذار/مارس 2014، ومن بينها قانون ضريبة الدخل الصادر بالمرسم التشريعي رقم 18 لعام 2016، الذي دخل حيز التنفيذ عام 2017، حتى قبل الانتهاء من تحضير قاعدة البيانات اللازمة.

وفي الوقت الذي لم تُتخذ فيه إجراءات عقابية جدية حتى الآن بحق المتخلفين عن الدفع، إلا أن أغلب أصحاب المهن الخاصة باتوا يفكرون في العواقب المستقبلية المحتملة لتخلفهم، خاصة أن سلطات النظام السوري بدورها لا تزال تكلفهم بالضريبة ذاتها، التي تتراكم في ذمة المتخلفين مع غراماتها، حتى بات كثيرون يجدون أنفسهم في مواجهة حالات يضطرون فيها إلى دفع الضريبة مرتين.

وإذا كان النظام لا يسيطر إلا على أجزاء من محافظة الحسكة (مقاطعة الجزيرة وفق تقسيمات الإدارة الذاتية)، وهي مطار القامشلي وبعض الأحياء في مدينتي الحسكة والقامشلي، والمربعات الأمنية والدوائر الرسمية فيهما، وهو ما يعني أنه لا يستطيع إرسال لجان التكليف الضريبي إلى الأسواق والمناطق التي لا يسيطر عليها عسكرياً، فإنه يواصل إصدار جداول التكليف الضريبي وفق آخر ضريبة دفعها المكلف قبل فقدان النظام للسيطرة على المنطقة.

وكان الرئيس المشترك لهيئة المالية في الإدارة الذاتية، السيد خالد محمود، قد صرح لوكالة فرانس برس في أيار الماضي أن الإدارة الذاتية «تسعى نحو تطوير الخدمات التي تقدمها للأهالي، وهي بالتالي بحاجة إلى موارد إضافية ضمن الموازنة العامة لجميع الهيئات، لذلك سعينا نحو اعتماد النظام الضريبي التصاعدي». وقدّم السيد محمود دليلاً على نجاح هذه السياسة، وهو أن الإدارة نجحت في جمع «مبلغ 379 مليون ليرة سورية بين شهري تشرين الأول 2017 ونيسان 2018، أي بحدود 800 ألف دولار خلال نصف عام». وفي تعليقه على مشكلة الازدواج في دفع الضريبة قال محمود إن «المواطن هو من يقرر ويحدد الجهة التي تقدم له الخدمات وتوفر له الأمن وتوفر له المحروقات».

يبدو هذا التصريح إشكالياً جداً، وأول ما يجعله إشكالياً أن السكان لا يملكون حرية الاختيار كما يقول السيد محمود، بل يجدون أنفسهم مضطرين إلى دفع الضرائب للجهتين في كل مرة يضطرون فيها إلى إجراء معاملة رسمية عند هذه الجهة أو تلك، إذ تطالب الجهتان ببراءة ذمة مالية في حالات كثيرة.

عند الذهاب لاستخراج أي ورقة رسمية من دوائر النظام السوري، كوثائق الأحوال الشخصية أو غيرها، يجد المراجعون أنفسهم مطالبين بتقديم براءة ذمة من الدوائر المالية. وبالمقابل، فإن جميع أصحاب السيارات، سواء كانت مسجلة في دوائر المرور التابعة للنظام أم لا، ملزمون بتسجيل مركباتهم لدى هيئة المرور في الإدارة الذاتية، وأول وثيقة للتسجيل هي وثيقة براءة الذمة أو وثيقة دفع ضريبة الدخل. كذلك عند إجراء أي معاملة أو استصدار أيَّ وثيقة أو حتى تسجيل دعوى لدى محاكم الإدارة الذاتية، فإنهم مطالبون بتقديم الوثيقة عينها.

هذه أمثلة فقط عن الحالات لا يملك فيها المواطنون الخيار، ويخشى كثيرٌ من السكان من توسع هذه الظاهرة وصولاً إلى إجراءات عقابية جدية في المستقبل، من بينها إغلاق مصادر رزقهم. ولكن فضلاً عن هذه القضية، هل يبدو صائباً ربط مسألة دفع الضريبة بمسألة توفير الأمن؟ وهل توفر الإدارة الذاتية الخدمات الضرورية مقابل الضرائب المدفوعة؟

يقول شادي إبراهيم، وهو صاحب محل بيع أحذية: «يتم تكليفنا بالضريبة هنا في قامشلو، ولكن يفترض أن الضرائب تُجبى لقاء خدمات يحصل عليها دافعوها، ولقاء شعور بالأمان بخصوص الشيخوخة والطبابة والبنية التحتية، لكن الأمر مختلف لدينا، إذ يجب أن ندفع وفقط». وبحسب إبراهيم فإن الموظفين المكلفين بتقدير نسبة الضريبة على الدخل يقولون: «عليكم الالتزام بالقانون، لا تناقشونا فنحن نقوم بتطبيق التعليمات، وعليكم مراجعة دوائر المالية للدفع» ويضيف: «إنهم يسعون نحو زيادة رواتب موظفيهم عن طريق إلزامنا بالدفع».

أحد الأطباء في مدينة القامشلي أيضاً، وقد تحدث إلينا رافضاً الكشف عن اسمه، يقول: «النظام يكلّفني سنوياً بمبلغ 19 ألف ليرة سورية، وهو المبلغ الذي كنت أدفعه قبل 2011. والإدارة الذاتية تطلب منيّ 39 ألفاً، دون أن أعرف الأساس الذي تم تقدير المبلغ بناء عليه»، ويضيف الدكتور: «صحيح أنني لم أدفع ضريبة النظام منذ أكثر من خمس سنوات، لكنها قضية تحصيل حاصل» على حد تعبيره «ففي أيَّ معاملة رسمية ستُطلب مني براءة الذمة من المالية، وهو ما يعني إجباري على دفع المبلغ المتراكم مع غراماته».

ويقول طبيب آخر في حديث معه: «في البداية تم فرض مبلغ مفاجئ جداً، وهو أربعة ملايين ونصف المليون كضريبة، وبعد المراجعة وتقديم الاعتراض، تم تخفيض المبلغ إلى 400 ألف»، ويتساءل الدكتور عن آليات التقييم والرصد وفرض ضريبة الدخل، وعن سببها خاصة وأنه يدفع شهرياً لقاء خدمات النظافة، الحارس الليلي للمنطقة، المياه، الكهرباء، ويضيف: «ثم يجب علينا دفع ضريبة دخل سنوية أيضاً، وفي الوقت نفسه سندفع للنظام، لماذا علينا الدفع مرتين؟».

السيد جوان، وهو صاحب محل بيع مكياجات وألبسة نسائية، يقول: «الضريبة ترهق كاهلنا، هي مرتفعة جداً. نحن ندفع مبالغ كبيرة حتى نحصل على المواد والبضاعة المطلوبة من دمشق نتيجة غلاء أسعار الشحن إلى قامشلو، ثم تُفرض علينا ضريبة دون خدمات جيدة، ودون أن نعلم إلى أين تذهب تلك الأموال، والأسوأ أننا ملزمون بدفع سنوية المحل لبلدية النظام أيضاً. نحن نشتغل لندفع للأطراف الحكومية».

ولا مجال لإخفاء تردي الخدمات العامة في مناطق الإدارة الذاتية، حتى أن تقريراً لقناة روناهي، وهي الجهة الإعلامية الرسمية لحزب الاتحاد الديموقراطي، تحدّث أواسط آب الماضي عن الحالة بالغة السوء لشوارع القامشلي، التي تفتقد للتعبيد منذ حوالي 8 سنوات. وتتحدث فيه موظفة في إحدى بلديات المدينة عن أن تكلفة عمليات التعبيد اللازمة تبلغ 400 مليون ليرة سورية، في حين أن مخصصاتهم لا تزيد عن 30 مليون، ووفق هذا التفاوت، فإنهم عاجزون عن تعبيد أكثر من سبعة في المئة من الطرقات.

عن هذا الأمر يقول «حسّو» من سكان مدينة القامشلي: «تلجأ الإدارة الذاتية لصرف الملايين على أمور لا فائدة منها، كشراء السيارات الفارهة الباهظة الثمن، والإعلان عن مؤسسات وهيئات لا تقوم بأي شيء فعلي. لكنها في الوقت ذاته لا تملك المخصصات لخدمة المواطنين وتطوير البنية التحتية». ويعيش «حسّو» في حيّ الهلالية، حيث يتواجد الموزع الرئيسي للمياه إلى عموم المدينة، لكنه يقول إنه «يشتري المياه منذ حوالي أربعة أيام، وهي حالات تتكرر دوماً. لا أحد يعرف كيف تصرف أموال الضرائب، إذ لا وجود لأي رقابة أو شفافية، بحيث بتنا متأكدين أن هؤلاء يسعون لخدمة أهدافهم الحزبية فقط».

يستغرب كثيرون من قضية ربط توفير الأمن بضريبة الدخل، إذ أن هناك جواباً موحداً مشتركاً يقدمه جميع موظفي الإدارة الذاتية عند سؤالهم عن مصير أموال الضرائب، وهو أنها مقابل الأمن الذي يشعرون به. وعن هذا يقول خالد، وهو صاحب محل زيت سيارات: «هل يعني ذلك أنني أساهم بالأمن في البلد عندما أدفع الضريبة. إذا كان هذا صحيحاً، فهو يعني أنني مشارك في حماية المدينة، ولم يعد لأي أحدّ الحق في تناول قضية الأمن من منظور حزبي أحادي الجانب».