استهدف الطيران الإسرائيلي عدة مواقع في محافظة اللاذقية ليل أول أمس الإثنين. وبعد تنفيذ الضربات، التي استهدفت بشكل رئيسي مستودعاً تابعاً لمؤسسة الصناعات التقنية شرق مدينة اللاذقية، أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن فقدان الاتصال بطائرة من نوع إيل-20 كانت موجودة في مسرح العمليات وعلى متنها 15 جندياً روسياً، ليتم الكشف لاحقاً أن الدفاعات الجوية التابعة لقوات النظام قد أسقطت الطائرة الروسية بالخطأ خلال محاولة تصدّيها للهجمة الإسرائيلية.
الرئيس الروسي صرح في اليوم التالي، خلال مؤتمر صحفي جمعه مع رئيس وزراء هنغاريا، أن بلاده ستفتح تحقيقاً في ملابسات الحادثة وستقوم بزيادة الإجراءات لحماية جنودها في سوريا، دون أن يوجه اتهاماً لإسرائيل في التسبب بالحادث. لاحقاً، حمّلت إسرائيل النظام السوري وإيران مسؤولية إسقاط الطائرة الروسيّة بعد أن أبدت أسفها على الخسارات الروسيّة. من جهتها، أبدت جهات رسمية روسية امتعاضها من تلكؤ إسرائيل بإخطار روسيا بنيّتها توجيه ضربات في محافظة اللاذقية إلى ما قبل حصول الضربة بدقيقة واحدة، ما يُشير إلى أن الضربات السابقة كانت تتم بعلمٍ وموافقة مبكرين من القيادة الروسية.
القصف الذي استهدف مواقعاً للنظام على الساحل السوري، كان الثاني خلال يومين، بعد أن استهدفت ضربات صاروخية مستودعاً بالقرب من مطار دمشق الدولي، يعتقد أنه يستخدم لتخزين أسلحة وصلت حديثاً، فيما رُصِدت انفجارات في مطار المزة العسكري في دمشق يُرجّح أنها ناجمة عن ضربة إسرائيلية قبل أيام أيضاً. ويواصل الطيران الإسرائيلي استهداف مواقع تابعة للنظام السوري والقوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها في سوريا منذ سنوات، إلا أن الأشهر الأخيرة، وتحديداً منذ شهر نيسان الفائت، شهدت تصعيداً إسرائيلياً في هذه الضربات، وكانت أبرزها الضربة الواسعة التي نفذها الطيران الإسرائيلي في التاسع من أيار 2018 والتي دمر فيها البنية التحتية الرئيسية للقوات الإيرانية في سوريا، حسبما صرح وزير الدفاع الإسرائيلي لاحقاً عندما تم الكشف عن تفاصيل هذه الضربة.
وقد اعتادت إسرائيل تنفيذ ضربات جوية على مواقع تابعة للنظام السوري منذ العام 2011، دون أن تتبنى العديد منها، في الوقت التي تظهر تصريحات رسمية إسرائيلية على الإعلام كانت تؤكد أن تلك الضربات موجهة ضد أسلحة تنقل إلى ميليشيا حزب الله اللبنانية.
إلا أن حجم ونوع تلك الضربات قد اختلف خلال الأشهر الماضية، فبعد ضربة العاشر من أيار الواسعة، التي شملت أكثر من سبعين هدفاً في وقت واحد وأتت تفاعلاً مع إلغاء إدارة ترامب للاتفاق النووي مع إيران، استمرت إسرائيل بقصف مواقع للنظام السوري تُستخدم أيضاً كمقرات قيادة وتحكّم للقوات الإيرانية في سوريا، مثل مطار تياس العسكري (المعروف بمطار T4) شرق حمص، والذي تعرض منذ نيسان الماضي إلى ثلاثة ضربات إسرائيلية على الأقل، كانت أكبرها الضربة التي نفذها الطيران الإسرائيلي في التاسع من نيسان الماضي، لتصرّح الحكومة الإسرائيلية في وقت لاحق أن الضربة دمرت مقر قيادة تابع للحرس الثوري تتم من خلاله إدارة عمليات طائرات درون الإيرانية في سوريا.
وشملت الضربات الإسرائيلية خلال الأشهر الماضية مواقع في حلب بالقرب من مطار النيرب حيث يوجد مقر للحرس الثوري الإيراني؛ وعدة مواقع في محافظة حماة، بينها مركز البحوث العلمية. تواظب إسرائيل على استهداف أية مواقع تظن أنها مخصصة لتطوير صواريخ أرض-أرض، والتي يعتقد أنها تخضع لإشراف ودعم إيراني، ليتم نقل منتجاتها إلى ميليشيا حزب الله.
وقد تعرّضت عدّة مواقع لميليشيا حزب الله للقصف أيضاً، أبرزها القصف الإسرائيلي على مطار الضبعة بالقرب من القصير نهاية شهر أيار الماضي، والتي نجم عنها مقتل قيادي في الميليشيا حسبما نقل المرصد السوري لحقوق الإنسان.
قرب دمشق، ركزت الضربات الإسرائيلية على مقرات الميليشيات الإيرانية وحزب الله بالقرب من الكسوة جنوب غرب العاصمة، بالإضافة إلى مطاري دمشق الدولي والمزة العسكري كأكثر مواقع تعرضت للضربات خلال الأشهر الفائتة. ويعتقد أن الحرس الثوري وحزب الله يمتلكان مقرات ومستودعات بالقرب من الكسوة يستخدمان لقيادة القوات المتواجدة جنوب سوريا وكجزء من عملية نقل الأسلحة إلى حزب الله في لبنان.
وقد أتمّ الطيران الإسرائيلي عملياته العسكرية فوق الأجواء السورية، دون أي اعتراض فعلي من موسكو. إذ كان الطرفان قد وقعا على إنشاء آلية لمنع التصادم والتنسيق العسكري بينهما في شهر تشرين الأول عام 2015 عند بدء التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا، وقد تم تفعيل هذه الآلية على أعلى مستويات بين موسكو وتل أبيب. وتعتبر موسكو دوماً أن وجودها في سوريا يخدم مصالح إسرائيل وأمنها، ومن بين التصريحات الكثيرة في هذا الصدد كان نائب السفير الروسي في إسرائيل قد صرح لصحيفة تايمز أوف إسرائيل بداية العام الجاري أن موسكو ستقف مع إسرائيل خلال أي اعتداء على الأخيرة.
قبل أسبوعين، قال وزير الاستخبارات الإسرائيلي أنهم نفذوا أكثر من مئتي عملية عسكرية داخل الأراضي السورية خلال العامين الماضيين، ما يجعل الأمر وكأنها حرب تخوضها إسرائيل من الجو، حرب لا تعني صداماً كاملاً مع النظام السوري -ففي الحقيقة كان الموقف الإسرائيلي حاسماً في موضوع عودة النظام السوري إلى جنوب البلاد وإقصاء قوات المعارضة من هناك- فيما تحاول إسرائيل التركيز على اضعاف الإمكانيات العسكرية التي يمتلكها النظام أو حزب الله أو الميليشيات الإيرانية التي قد تشكل تهديداً لها، وسط «تفهّم» دولي لهذه الإجراءات الإسرائيلية، بما في ذلك من روسيا، داعمة النظام الأسدي وحاميته من المنتفضين السوريين ضدّه.