نشرت وكالة رويترز أمس تقريراً نقل عن مصدر من قوات النظام أن معركة إدلب ستكون على مراحل، وستشمل المرحلة الأولى المنطقة الغربية التي تضم ريف حماة الشمالي الغربي وجسر الشغور وريف إدلب الجنوبي حتى معرة النعمان. وتُظهر هذه التصريحات أن النظام يريد السيطرة على المناطق الحيوية والتي تهدد قاعدة حميميم أولاً وبشكل سريع.

إلا أن تحقيق هذه الخطة يتطلب أيضاً فتح عدة جبهات أخرى تتركز على قطع طرق الإمداد من ريف حلب الغربي، وتقسم إدلب لعدة مناطق معزولة. ويبدو أن جبهة تلة العيس ستكون مرشحة لتشتعل بالتوازي مع جبهات ريف حماة، باعتبار أن السيطرة على مباني منشأة إيكاردا القريبة ستتيح لقوات النظام قطع الطريق الدولي بسهولة.

أما جبهات ريف حماه وجسر الشغور فستنضوي ضمن عدة محاور مرجحة، منها محور مورك باتجاه خان شيخون؛ ومحور من قلعة المضيق لتشتيت القوات في ريف حماة؛ ومحور جورين لقطع الطرق جنوبي جسر الشغور وعزل الجبهتين. فيما ستتولى قطع عسكرية التوجه نحو جسر الشغور وعزل ريف اللاذقية. ويُبنى توقّع هذه التحركات على افتراض أن النظام سيطبق نفس الخطة التي اتبعها قبلاً في الغوطة ودرعا، والتي يحاول من خلالها الضغط على عدة جبهات برفقة قصف عنيف جداً في عمق المناطق المدنية، لخلق صدمة في صفوف القوات التي تواجهه نتيجة الكارثة الإنسانية التي تتسبب بها عمليات القصف الممنهجة، وستكون المنشآت الحيوية الهدف الرئيسي، مثل المشافي الكبيرة ومراكز الدفاع المدني ومحطات المياه والكهرباء.

من المتوقّع أن المرحلة الأولى من العمليات، التي تحدث عنها قيادي في التحالف الإقليمي الداعم للنظام، ستبدأ خلال أيام، لتستبقَ الاجتماعات الدولية المرتقبة الشهر المقبل، في حين سيكون الموقف التركي حاسماً تجاه وضع الجبهات في جسر الشغور وفي ريف إدلب الشرقي، إذ أن قوات الحزب الإسلامي التركستاني، التي تسيطر على جبهات جسر الشغور سيكون موقفها مشكوكاً فيه إذا ما أرادت تركيا السماح للنظام بالتقدم إلى تلك المنطقة، مما يضع جبهات ريف حماه في حصار شبه مطبق.

نتائج مثل هذه العمليات ستكون كارثية، اولاً لجهة قطع الطرقات ومنع حركة المدنيين، الأمر الذي سيضع عدداً كبيراً من أبناء المنطقة تحت رحمة القصف المستمر واحتمال تقدم قوات النظام إلى قراهم دون القدرة على النزوح، كما أن تخوف العاملين الإنسانيين من الاعتقال سيدفع عدد منهم إلى الانتقال إلى مناطق في العمق، ما قد يترك المنطقة دون أي خدمات إنسانية وطبية.

وقد توقعت المتحدثة باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة ليندا توم في تصريح لوكالة فرانس برس أن يصل عدد النازحين في حال اندلعت الأعمال العسكرية في إدلب إلى ثمانمئة ألف، وربما يكون هذا الرقم أكبر من ذلك إذا ما شهدت المناطق القريبة من الجبهات استهدافاً بأسلحة غير تقليدية. إلا أن التركيز فقط على عدد النازحين قد يكون مضللاً، إذ أن الطرق العسكرية التي يتبعها النظام لا تعطي غالباً مجالاً للسكان للنزوح والحركة، نتيجة قصف طيرانه المستمر على الطرقات والمواكب المتحركة عليها، بالإضافة إلى تحركاته العسكرية التي تهدف دوماً إلى خلق ممرات تقطّع أوصال المنطقة المستهدفة وتجعل حركة المدنيين شبه مستحيلة، الأمر الذي سيضع عدداً كبيراً من المدنيين تحت رحمة قوات النظام في أوضاع كارثية. وفي حين سيكون بالإمكان، ربما، الوصول إلى النازحين على الشريط الحدودي أو إلى مناطق السيطرة التركية في عفرين وشمال حلب رغم الصعوبة الشديد في ذلك، إلا أن الوصول إلى السكان المحاصرين سيكون مستحيلاً، ما يضع هؤلاء في ظروف كارثية.

وفي سياق متصل فإن القطاع الطبي سيشهد في مناطق العمليات عجزاً شبه كامل، مع ترجيح توقف أي عمليات لنقل الجرحى عبر الحدود إلى تركيا في حال اندلعت العمليات العسكرية، التي قد تدفع تركيا إلى إغلاق معبر باب الهوى. وستكون الطريقة الوحيدة المتاحة هي استخدام المنشآت الطبية في ريف حلب الغربي، بعيداً عن العمليات نوعاً ما، على الأقل في مرحلتها الأولى؛ وتلك الموجودة في مناطق السيطرة التركية، إلا أن تلك المنشآت غير قادرة على استيعاب أعداد كبيرة وخدمة الكم الكبير المُتوقّع من النازحين، الأمر الذي سيضع القطاع الطبي في كامل إدلب ومحيطها في وضع حرج للغاية.

لا يمكن لأرقام أن تصف شكل الكارثة الإنسانية في إدلب إذا ما بدأت العمليات العسكرية فعلاً في المنطقة، وعدا عن التحذيرات من وقوع الكارثة، لا يبدو أن أي طرف دولي أو إنساني يريد التحرك للتعامل مع الأمر والعمل على إيقافه، حتى أن اجتماع رؤساء روسيا وتركيا وألمانيا وفرنسا لن تتأثر أجندته، ربما، بتلك النيران التي ستحاصر أكثر من ثلاثة ملايين إنسان شمالي غرب سوريا.