بدأت الشرطة العسكرية الروسية إجراءات السيطرة على المعابر النهرية التي تربط ضفتي الفرات منذ الخامس عشر من شهر آب الجاري، وذلك بسيطرتها على معبري الجنينة والشميطية بريف دير الزور الغربي، بعد اشتباكات دارت بين ميليشيات موالية للنظام، ناتجة حسب مصادر متقاطعة عن خلافات على حصص عوائد تهريب المشتقات النفطية عبر هذين المعبرين. وتبع ذلك سيطرتها أيضاً على معبر مراط- المريعية بالريف الشرقي، المعروف محلياً بـ «الجسر الروسي»، وهو أصلاً كان متوقفاً عن العمل منذ نحو شهر.

ومعلوم أن نهر الفرات يقسم ريف دير الزور إلى قسمين، الجزيرة شمالي النهر، الذي تسيطر عليه قوات سوريا الديموقراطية مع بقاء بعض الجيوب تحت سيطرة تنظيم داعش، والشامية جنوب النهر، الذي تسيطر عليه قوات الأسد وحلفاؤها من قوات روسية ومليشيات متعددة الجنسيات. وكانت الضفتان سابقاً ترتبطان بعدد من الجسور والمعابر النهرية، وقد دمرت غارات التحالف في عامي 2016 و2017 جميع الجسور، فيما تعرضت المعابر النهرية إلى قصف أدى لتعطلها عن العمل، سواء من قبل التحالف أو من قبل سلاح الجو الروسي خلال معارك سيطرة النظام على الضفة الجنوبية لنهر الفرات.

بعد تراجع العمليات العسكرية، ودخول جانبي النهر في مرحلة استقرار نسبي، عادت المعابر النهرية للعمل مجدداً عبر سفن محلية الصنع وجسور حربية قام الروس بإقامتها على امتداد المنطقة من ريف دير الزور الغربي حتى مدينة البوكمال. وتُستخدم هذه المعابر من قبل المدنيين، وعلى وجه الخصوص الأعداد الكبيرة التي نزحت منهم من مناطق سيطرة النظام جنوب النهر إلى مناطق سيطرة قوات سوريا الديموقراطية شمال النهر. يعبر هؤلاء المدنيون لرؤية منازلهم في مناطق سيطرة النظام، وكذلك أراضيهم الزراعية، كما يعبر بعضهم لمتابعة أعمالهم في مدينة دير الزور، ونقل المواد الغذائية من تلك المناطق وإليها.

لكن العامل الأبرز الذي أعطى تلك المعابر أهميتها هو تهريب النفط الخام من الحقول التي تسيطر عليها قسد إلى مناطق سيطرة النظام، وهو ما جعلها تتحوّل إلى معابر تجارية تفرض على المهربين والتجار دفع رسوم واتاوات، إضافة إلى تلك التي يدفعها المدنيون مقابل السماح لهم بالعبور.

هكذا أصبحت تلك المعابر تدر أرباحاً هائلة وبشكل يومي، الأمر الذي جعل من إدارة تلك المعابر مصدراً هاماً من مصادر جني الأرباح بسبب ازدياد عمليات تهريب النفط والمواد الغذائية. ويسيطر على تلك المعابر من جهة مناطق سيطرة النظام كلٌّ من مليشيا الدفاع الوطني، وهي قوات محلية من أبناء المنطقة تقاتل إلى جانب نظام الأسد، والمليشيات الإيرانية التي تقاتل إلى جانب قوات النظام.

ازدياد الأرباح أدى لازدياد مطامع الطرفين الحليفين في السيطرة التامة عليها، مما تسبب بعدة صدامات بينهما خلال شهر آب الجاري. وكانت أولى هذه الاشتباكات بتاريخ 5/8/2018 في بلدة بقرص بالريف الشرقي لدير الزور(  30 كم شرق مدينة ديرا لزور وعلى بعد 10 كم غرب الميادين) بين ميليشيا الدفاع الوطني والميليشيات الايرانية بسبب خلاف على حصص التهريب من وإلى مناطق سيطرة النظام، الأمر الذي استدعى تدخل ضباط من الفرقة الرابعة في جيش نظام الأسد، حيث توقفت الاشتباكات مؤقتاً.

انتقلت الاشتباكات بعدها إلى مدينة الميادين، إذ بتاريخ 10/8 حدث اشتباك قرب الفرن الآلي في المدينة، وأدى لسقوط عدة جرحى من الطرفين، وكذلك قام ضباط من جيش النظام بالتدخل لإنهاء الاقتتال.

لكن أبرز تلك الاشتباكات حصلت في مدينة البوكمال في 11/8، عندما قام مقاتلون من ميليشيا تابعة لإيران بجلد أحد عناصر الدفاع الوطني من أبناء مدينة البوكمال، وذلك بعد اتهامه بأعمال سرقة وتعفيش. وينتمي العنصر لعائلة أغلب أفرادها متواجدون في المدينة، مما استدعى الرد من عناصر الدفاع الوطني، حيث تطورت الاشتباكات بين ميليشيا فاطميون الإيرانية وعناصر الدفاع الوطني، استُخدمت فيها الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، ما تسبب بسقوط قتلى بين الطرفين، من بينهم ضابط إيراني. هاجمت الميليشيا الإيرانية مواقع الدفاع الوطني المتمركزة على أطراف مدينة البوكمال في مزارع قرى السكرية والحمدان بالأسلحة المتوسطة، وردّ عناصر الدفاع الوطني بقصف مقرات الميليشيا الايرانية في حي الجمعيات جنوب المدينة بقذائف الهاون. كذلك قام عناصر الدفاع الوطني منتصف هذا الشهر، بعرض عسكري داخل المدينة في استفزاز واضح للميليشيا الإيرانية، التي قامت بقصف مقرات الدفاع الوطني والطلب من نظام الأسد إخلاء مدينة البوكمال من الدفاع الوطني، وهو ما تمّ بالفعل خوفاً من تطور الأحداث وامتداد الاقتتال إلى مناطق أخرى.

يبدو إذن أن التدخل الروسي عبر السيطرة على تلك المعابر جاء للحيلولة دون امتداد الاشتباكات وتصاعد التوتر، لكنه في الوقت ذاته يحمل رسائل روسية واضحة لجميع الأطراف المتقاتلة بأنها الطرف الأقوى القادر على فرض الأمن والهدوء، ورسائل إلى القوى الخارجية وعلى رأسها التحالف الدولي الذي يسيطر مع حلفائه على ضفة الفرات المقابلة، تفيد بأنها قادرة على ضبط الأمور، وفرض رؤيتها وسلطتها على حلفائها في سوريا.