بعد فشل جولة المفاوضات الأخيرة أول أمس الأربعاء، شنّ الطيران الروسي حملة قصف جديدة طالت عدداً كبيراً من المدن والبلدات في محافظة درعا، شملت أحياء في درعا البلد وبلدات صيدا وأم المياذن ونصيب والشريط الحدودي مع الأردن، وبالتوازي مع القصف العنيف تحركت قوات النظام والميليشيات الإيرانية على محورين رئيسيين في ريف درعا الشرقي، الأول كان في بلدتي صيدا والنعيمة حيث استطاعت السيطرة على صيدا بعد تدمير معظمها، فيما استمرت المعارك ليل أمس في محيط وداخل بلدة النعيمة القريبة منها.
المحور الثاني امتدّ بالقرب من الشريط الحدودي انطلاقاً من جنوب بصرى الشام ومحافظة السويداء، واستطاعت الميليشيات الموالية للنظام الوصول عبره إلى أطراف بلدة المتاعية على الحدود الأردنية، والمحاذية لبلدة نصيب التي تضم المعبر الحدودي، ووفق هذه التطورات فإن قوات النظام المدعومة من الميليشيات الإيرانية والطيران الروسي تكون قد اقتربت من السيطرة على المعبر الحدودي مع الأردن، وهو الأمر الذي يشكل الهدف الرئيسي لتحركاتها العسكرية الأخيرة.
غرفة العمليات المركزية المعارضة التي تشرف على المعارك في ريف درعا الشرقي، اعترفت في بيان لها مساء أمس بسيطرة النظام على بلدة صيدا بعد معارك عنيفة، اضطر بعدها المقاتلون إلى «التراجع إلى مواقع أخرى في محيط البلدة، وذلك بعد استهداف البلدة التي لا تتجاوز مساحتها 5 كيلومترات بمئات الغارات الجوية» حسب البيان، الذي نُشر في معرفات غرفة العلميات المركزية على موقع تويتر وتطبيق تلغرام، والذي قالت فيه غرفة العمليات إنها لا تزال حريصة على «الوصول إلى سلام يضمن حقوق أهلنا في الجنوب السوري».
وليس التقدم الأخير لقوات النظام مستغرباً، نتيجة تراجع فصائل المعارضة عن خطوطها الدفاعية الأمامية على جبهات ريف درعا الشرقي، إثر تسليم جيش العشائر لمواقعه في منطقة اللجاة لقوات النظام حسب ما أفاد مصدر ميداني من درعا للجمهورية، بالإضافة إلى توقف المعارك بالقرب من بصرى الشام بعد دخول فرقة شباب السنة، الفصيل الرئيسي في تلك المنطقة، باتفاق مصالحة منفرد مع الروس في الأيام الماضية، ليصبح القتال في عمق مناطق الريف الشرقي، وتدور المعارك ضمن بلداتها التي كانت قبل بدء العملية بعيدة عن خطوط التماس.
على الجانب الآخر لم تستطع قوات النظام تحقيق أي تقدم مهم على جبهات درعا البلد وريف درعا الغربي، خاصة على جبهة طفس التي شهدت وتشهد معارك ضارية وقصفاً جوياً وبرياً عنيفاً، إذ تعرضت عدة آليات تتبع للنظام منها دبابات إلى التدمير نتيجة استهدافها بمضادات دروع.
ومع احتمال عودة المفاوضات اليوم بين الروس ووفد التفاوض المُمثل لفصائل المعارضة، سيكون الصمود على تلك الجبهات هو الورقة الأهم بيد قادة الجيش الحر في درعا لمواجهة الشروط الروسية، التي قد تتغير، خاصة وأن قوات النظام تبدو قريبة من تحقيق إنجاز ميداني على الأرض من خلال السيطرة على معبر نصيب، ما يجعل استمرار القتال، على الأقل في المرحلة الحالية، على جبهات الريف الغربي ودرعا المدينة أقل أهمية بالنسبة لها.
أظهر مقاتلو الجيش الحر في درعا مقاومة استثنائية بعد استيعابهم لعمليات التسليم التي جرت في بداية العمليات العسكرية من قبل بعض الفصائل والشخصيات، كما أنهم استطاعوا عبر تنظيم جهودهم تكبيد النظام خسائر كبيرة لم تكن متوقعة من قبله، بعد اعتماده في التقدم على القصف الجوي الروسي المكثف، وانفراد بعض الجهات بتوقيع اتفاقات «مصالحة». لكن وباستمرار موازين القوى في الجنوب على هذه الحال نتيجة وجود توافقات دولية وإقليمية تدفع باتجاه سيطرة النظام على كامل المنطقة، فإن الخيارات أمام فصائل المعارضة جنوب غرب سوريا تبدو قليلة جداً، خاصة أن وصول قوات النظام إلى شرقي جبهات درعا المدينة إذا ما سيطرت على قرية نصيب الحدودية، سيجعل عملية الدفاع عن تلك الجبهات أكثر صعوبة.
إذا استطاعت المعارضة تحقيق شروطها الرئيسية في جولة التفاوض المتوقعة اليوم مع الروس، والمتمثلة في عدم دخول قوات النظام إلى المناطق التي لا تزال بيد المعارضة، وتحوّل الفصائل إلى شرطة مدنية في هذه المناطق وإدارتها محليّاً، فإن ذلك سيكون نجاحاً لاستراتيجية الفصائل في الصمود أمام حملة النظام العسكرية، التي لم تعد تملك وقتاً كافياً قبل موعد اللقاء المرتقب بين بوتين وترامب لتحقيق كل أهدافها، وهو ما قد يدفع الروس إلى الاكتفاء بما حققوه على جبهات الريف الشرقي والانتقال للتفاوض على مصير الريف الغربي.
في الوقت الذي قالت فيه عدة مصادر، منها ما نقله مزاحم السلوم الناشط المقرب من فصيل مغاوير الثورة الذي يتخذ قاعدة التنف مقراً له، إن هناك احتمالية لمقايضة أمريكية روسية تتضمن انسحاب التحالف الدولي من التنف مقابل انسحاب إيران من عدة مواقع في سوريا، فإن تثبيت الجبهات لأطول وقت ممكن في درعا سيكون دافعاً لتوقيع اتفاق جديد بين الولايات المتحدة وروسيا حول جنوب سوريا، خاصة أن أعداد النازحين تجاوزت الثلاثمئة ألف حسب تصريحات الأمم المتحدة، ما قد يدفع للضغط على دول الجوار للمساعدة بالوصول إلى تسوية جديدة ستكون نتائجها أقل كارثية على السكان والمعارضة من سيطرة النظام الكاملة على محافظتي درعا والقنيطرة، والاستسلام الكامل غير المشروط وبدون ضمانات، وهي المطالب التي كان الروس قد تمسكوا بها في جلسات المفاوضات السابقة الفاشلة.