يلتقي قادة دول الاتحاد الأوروبي الـ 28 في بروكسل يومي 28 و 29 حزيران في قمّة قد تكون الأصعب في تاريخ المجموعة الأوروبية، وسط مجموعة من السجالات والصدامات حول «الهجرة غير الشرعية»، تجد أنغيلا ميركل، عرّابة السياسات الحالية، نفسها فيها هدفاً لانتقادات وهجومات داخل حكومتها في ألمانيا، ومن قِبل أقرانها الأوروبيين، وأيضاً عبر المحيط، من الولايات المتحدة، الحليف اللدود، على لسان دونالد ترامب، وعبر تويتر، كالمعتاد.
وستختم إحدى أصعب القمم الأوروبية حتى الآن شهراً كان قد بدأ مع تشكيل الحكومة اليمينية- الشعبوية في إيطاليا برئاسة جوزيبي كونتي، وتبنّيها خطاباً بالغ القسوة ضد «الهجرة غير الشرعية»، وَجد تطبيقه السياسي بعد أيامٍ قليلة من استلام الحكومة مهامها مع إغلاق الموانئ الإيطالية بوجه مجموعة من سفن الإنقاذ (أكبرها سفينة «أكواريوس») تحمل على متنها مئات من المهاجرين واللاجئين الذين تم إنقاذهم من زوارق الموت في المتوسط، واضطرار الموكب للتوجّه إلى اسبانيا، وسط تبادل انتقادات واتهامات بين حكومات إيطاليا وإسبانيا وفرنسا. وقد تزامنت تبعات أزمة «أكواريوس» مع تفاقم الصراع داخل الحكومة الألمانية نفسها، إذ وجّه هورست زيهوفر، وزير الداخلية وزعيم الاتحاد الاجتماعي-المسيحي البافاري، انتقادات لاذعة لسياسات اللجوء والهجرة المُتّبعة من قِبل المستشارة أنغيلا ميركل، منذراً بضرورة تغيير النهج المتّبع، وإيجاد حلول ألمانية خاصّة في حال استمرّ الفشل في إيجاد توافقات أوروبية لتسهيل عمليات فرز طالبي الحماية الدولية عن المهاجرين لأسباب اقتصادية، و«ترشيق» إجراءات الطرد لأولئك الذين لا تحميهم المواثيق الدولية الخاصة بمواطني الدول المصنّفة كمناطق حرب، وإلا فستعيد الكتلة البافارية حساباتها بخصوص مشاركتها في الائتلاف الحاكم، ما يهدد استقرار الحكومة الحالية بشكل جدّي.
أوروبياً، يتواصل النمو الانتخابي للأحزاب والكتل الأكثر يمينيّة، التي تستخدم خطابات عنصرية ومعادية للمهاجرين واللاجئين من جهة، والمشككة بفعالية الاتحاد الأوروبي في حفظ المصالح الوطنية للدول الأعضاء من جهة أخرى. إيطاليا آخر الأمثلة على هذا النهج، وقد أتت بعد انتصاراتٍ لليمين العنصري واليوروفوبي في هنغاريا وبولونيا والتشيك والنمسا وسلوفينيا، ومواقع برلمانية متقدمة في فرنسا وهولندا وألمانيا نفسها، حيث دخل اليمين المتطرف، ممثلاً بحزب «البديل لأجل ألمانيا» البرلمان للمرة الأولى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ولا تقتصر الانتقادات والتململات على الدول ذات الحكومات اليمينية، إذ يتجاوز رفض نظام الكوتا المعمول به الآن هذه الدول نحو شطر كبير من الدول الـ 28، كما ترفض دول الجنوب الأوروبي، وهي بوابات الدخول للاجئين والمهاجرين، الطرح الألماني- الفرنسي بأن تكون هذه الدول هي المعنية باستقبال وقبول وفرز طلبات اللجوء مقابل تضامن وتعاون باقي دول الاتحاد معها. وقد تجدد هذا الطرح في اللقاء الذي جمع ميركل مع ماكرون في برلين الثلاثاء الماضي، إذ أكّدا على ضرورة تقوية حدود الاتحاد الأوروبي، ودعم الوكالة الأوروبية لحراسة الحدود وخفر السواحل (فرونتكس) وزيادة مواردها، والحدّ من سهولة تنقّل طالبي اللجوء ضمن دول الاتحاد وحصرهم ضمن الدولة التي يصلون إليها أولاً.
وسط هذا السجال، وأمام سباق ميركل مع الوقت لإرضاء حليفها البافاري في الحكومة الألمانية من جهة، وحاجتها لتوافق أوروبي في القمة المقبلة، أعلن المجلس الأوروبي على لسان رئيسه دونالد تاسك أنه سيتبنى مقترحاً نمساوياً- دنماركياً بإنشاء «منصات إنزال إقليمية» خارج الاتحاد الأوروبي، وسيصاغ المقترح ليتم تقديمه في قمة الأسبوع المقبل.
ليست فكرة هذه «المنصات» جديدة، إذ سبق أن اقترحتها أحزاب وقوى أوروبية عديدة خلال السنوات الأخيرة، أبرزهم فيكتور أوربان، رئيس وزراء هنغاريا اليميني الإنغلاقي. تقوم فكرة «منصات الإنزال الإقليمية» هذه على إنشاء مخيمات لاستقبال اللاجئين في مناطق خارج الاتحاد الأوروبي، البلقان ودول شمال إفريقيا بشكل رئيسي، وفق اتفاق مع الدول المستضيفة لهذه «المنصات»، يتم فيها تجميع طالب اللجوء وفرزهم بين مُستحقي الحماية الدولية (اللاجئين) ومهاجرين لأسباب اقتصادية، وقبول الصنف الأول بشكل «منظّم» واستبعاد الصنف الثاني بسرعة أكبر وكلفة أقل. يؤكد واضعو المقترح أنه بإمكان الاتحاد الأوروبي أن يتكفّل بتمويل وضمان أوضاع لائقة إنسانياً في هذه «المنصات»، وأنه سيتم إشراك المفوضية السامية للاجئين UNHCR والمنظمة الدولية للهجرة IOM في تأسيس وإدارة ومراقبة هذه المعسكرات، لكن الشكوك في قانونية وأخلاقية وجدوى هكذا إجراء لا تأتي فقط من المنظمات الإنسانية والتيارات السياسية المناصرة لحقوق اللاجئين والمهاجرين، بل تجد أصداءً سلبية وسط بروكسل، داخل المؤسسات الأوروبية نفسها، مثل تصريحات ديمتريس أفراموبولوس، المفوّض الأوروبي لشؤون الهجرة. وقد دعا جان كلود جونكر، رئيس المفوضية الأوروبية -الجهة التي لم تُخفِ عدم ارتياحها لمقترح «المنصات»، وإن لم تُبدِ رفضاً قاطعاً له- قادة ثمانية دول أوروبية هي الأكثر انخراطاً في نقاش الهجرة إلى قمّة غير رسمية خلال نهاية الأسبوع الحالي في محاولة للخروج بمقترحات تساهم في إنجاح القمة الأوروبية المنعقدة خلال الأسبوع التالي.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يلجأ الاتحاد الأوروبي فيها لأفكار «تصدير أزمة اللاجئين» مقابل استثمارات مالية، ففي هذا الإطار تم الاتفاق مع تركيا عام 2016 من أجل وقف موجات اللجوء إلى اليونان وتسهيل إجراءات إعادة المتسللين عبر الحدود، مقابل مساعدات أوروبية قدرها 3 مليار يورو؛ وأيضاً جرت تواصلات ومفاوضات بخصوص الأوضاع في شمال إفريقيا، ليس فقط مع دول ذات سجلات سوداء في مجال حقوق الإنسان مثل مصر (إحدى مرشحات استضافة «منصات الإنزال الإقليمية») بل أيضاً مع ميليشيات وفصائل مسلحة في دول إفريقية عديدة، خصوصاً في ليبيا. عدا ذلك، لا تبشّر الأوضاع الإنسانية الكارثية في مخيمات اليونان -وهي فعلياً «منصات إنزال» داخل الاتحاد الأوروبي- بأي حالٍ إنساني أفضل في منصات قد تُُبنى في مصر أو ليبيا أو البلقان أو أوكرانيا.