تحدثت عدة تقارير صحفية خلال الأسبوع الماضي عن زيادة انتشار الشرطة العسكرية ضمن مدينة دمشق، الأمر الذي أتى بالتوازي مع سحب عدد من الحواجز ضمن المدينة. فيما أكدت مقالة نشرت في صحيفة العربي الجديد وجود قرار رسمي من قبل النظام السوري بحل الميليشيات المرتبطة به، وعلى رأسها الميليشيات التي تنتشر في الساحل السوري، الأمر الذي كانت نتيجته اشتباكات بين عناصر هذه المجموعات المسلحة والشرطة العسكرية الروسية التي تشرف على تنفيذ هذا القرار كما يظهر. وقد أكدت التسريبات أن القرار يتضمن تفكيك الميليشيات التي تشكلت برعاية «رجال أعمال» مثل أيمن الجابر وأخرى تتبع للفروع الأمنية، وضم من يرغب من عناصرها إلى قوات النظام الرسمية أو إلى «الفيلق الخامس اقتحام»، الذي ترعاه روسيا.

وكان مركز المصالحة الروسي قد أصدر بياناً في العشرين من شهر أيار الماضي، قال فيه أن الشرطة العسكرية الروسية وسّعت من انتشارها في سوريا، وبدأت بتسيير دوريات في بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم جنوب العاصمة دمشق، فيما تحدثت أنباء عن صدام بارد بين القوات الروسية وميليشيا حزب الله اللبنانية في بلدة القصير بريف حمص بعد أن نشرت قوات روسية عناصر لها في عدة نقاط في محيط البلدة التي تسيطر عليها ميليشيا حزب الله، وتعتبرها منطقة حيوية ومركزية لوجودها في سوريا.

جميع هذه التطورات قد تدفع إلى تصور بداية صدام بين روسيا وإيران في سوريا، وخاصةً بعد التصعيد الأمريكي والإسرائيلي ضد الوجود الإيراني في المنطقة خلال الفترة الماضية، إلا أن تفاصيل الوقائع ذاتها تحمل مؤشرات باتجاه معاكس، إذ يبدو أن تحركات النظام السوري التي ترعاها موسكو، مدعومة أيضاً مع إيران أو تتم بالتنسيق معها، فالأخيرة لا تملك سوى التراجع عن الصدارة في ظلّ مواجهتها للتصعيد الأمريكي والإسرائيلي.

وقد شاركت إيران نفسها برفع الغطاء عن بعض الميليشيات المحلية المرتبطة بها أو حلّ بعضها، خاصةّ في جنوب سوريا. إذ أفاد تقرير نشره موقع المدن أن ميليشيا «اللواء 313» قد سحبت عناصرها من جبهات مدينة درعا إلى مقرها في مدينة إزرع كمقدمة لحلّ الميليشيا التي شكلتها إيران بمساعدة حزب الله من عناصر محليين في محافظة درعا، كما أفاد التقرير نفسه عن حل عدة ميليشيات، منها «صقور القنيطرة»، التي تأسست بإشراف مباشر من حزب الله.

وفي الوقت الذي ترغب فيه روسيا برعاية تشكيلات عسكرية أكثر ارتباطاً بها في سوريا، كجزء من توسيع نفوذها على الأرض بشكل مباشر، يساعد تراجع عدد الجبهات بالنسبة لقوات النظام في التخفيف من أعباء تلك التشكيلات، وتخفيف التوتر في مناطق انتشار القوات، ما يساهم بتصنيع صورة النظام الجديدة في سبيل إعادة إنتاجه سياسياً. أما بالنسبة للإيرانيين فإن التخلي عن الميليشيات المحلية يساهم بتقليل تكاليف وجودها في سوريا دون المساس -حتى اللحظة- بحضورها العسكري الرئيسي وقوتها الفاعلة، التي تتكون بشكل رئيسي من ميليشيات عراقية وميليشيا «حزب الله» اللبنانية، ضمن ما يبدو أنه استراتيجية إيرانية جديدة في سوريا، تقضي بالتراجع عن الواجهة وسحب المظاهر التي ترتبط بالوجود الإيراني، منها إدخال مقاتلين تابعين لحزب الله اللبناني بلباس ميليشيات مرتبطة بالحرس الجمهوري إلى القنيطرة بعد سحبهم من منطقة «مثلث الموت» شمالي درعا.

لا يبدو أن الشريكين في المجزرة السورية يستطيعان التخلي عن بعضهما في الوقت الراهن، خاصة في ظل وجود ضغط أمريكي على الوجود الإيراني في سوريا، وتصعيد إسرائيلي، فيما لا تملك روسيا قدرة على الانتشار الواسع لسدّ فراغ انسحاب القوة الرئيسية لإيران من سوريا، وضمن هذه المعادلة يرجح أن هذه التحركات الأخيرة أتت ضمن خطة مشتركة بين الحليفين في سوريا، تساهم في تقدّم موسكو إلى الواجهة، ما يساعد طهران على امتصاص موجة التصعيد الأخيرة دون المساس بقوتها الرئيسية في سوريا، حتى اللحظة على الأقل.

وقد ترتبط هذه التحركات بتنفيذ انسحابات جزئية لطهران من مواقع جنوب غرب سوريا، مع الإبقاء على قوى وازنة جنوب دمشق، تحديداً بالقرب من مطار دمشق الدولي وبلدة السيدة زينب، إلا أن المؤشرات الحالية لا تعني انسحاباً إيرانياً واسعاً أو صداماً مع موسكو، التي ستظل قوة عرجاء في سوريا من دون القوة الضاربة التي تمتلكها إيران في سوريا.

يرتبط مستقبل هذا الوضع بشكل رئيسي بالإصرار الأميركي على التصعيد تجاه الحرس الثوري والوجود الإيراني عموماً في سوريا؛ كما بوجهة النظر الإسرائيلية، التي قد لا ترى مانعاً من استمرار الوجود الإيراني، على أن يكون دون مستوى تهديدها بأسلحة استراتيجية مثل الصواريخ البالستية أو الأسلحة المتطورة، والابتعاد عن الحدود مع الجولان المحتل إلى مسافة كافية.