الشيطان مسلم

كان دانتي، على ما يبدو، مقتنعاً بأن محمداً إرهابيّ. ولهذا وضعه في إحدى دوائر جهنم، محكومٌ عليه بثقب مؤبد للجسد. «رأيته ممزقاً»، احتفلَ الشاعر في الكوميديا الإلهية، «من اللحية حتى أسفل البطن…». تثبَّتَ أكثرُ من بابا أن جحافل الجيوش الإسلامية التي هددّت المسيحية لم تكن مكونة من بشر من لحم ودم، بل من جيش من الشياطين، وكانت أعدادهم تتضاعف كلما ازدادت ضربات السيوف والسهام والبنادق.

في أيامنا هذه، تُخلِّفُ الصواريخُ أعداداً متزايدة من الأعداء، أكثر بكثير من الأعداء الذين تسحقهم. لكن، ماذا سيحلّ بالرّب في النهاية بدون أعداء؟ إن الخوف هو المسيطر، فالحروب تتغذى من الخوف. أثبتت التجربة أنّ الترهيب بجهنم أنجع من الوعود بالفردوس. يا مرحباً بالأعداء! كان من المعتاد في القرون الوسطى، كلما اهتزَّ عرش الملك بسبب الإفلاس أو إثر ثورة شعبية، أن يلجأ الملوك المسيحيّون إلى التّحذير من خطر إسلامي وشيك، محدثين الرعب والبلبلة في صفوف أبناء الشعب. يطلقون حملة صليبية جديدة، وتنتهي الإشكاليات عند هذا الحدّ.

أما الآن، منذ وقت قصير لا أكثر، اختيرَ جورج دبل يو بوش مجددّاً، ليحكم الكرة الأرضية، وذلك بفضل الفرصة التي وفرها له الحظ بظهور بن لادن، الشيطان الأعظم، الذي أعلن في بثّ مباشر عبر القنوات التلفزيونية، تماماً في الليلة السابقة للانتخابات الأمريكية، بأنه سيأكل جميع الأطفال دون طبخ.

عام 1564، كان جون وايرجون واير: 1515-1588، طبيبٌ هولنديٌ ومتخصصٌ بعلم الشيطان، وهو أول من كتب ضد ملاحقة الساحرات.المتخصّص بعلم الشيطان، قد أحصى عدد الشياطين الذين كانوا يعملون على الأرض بدوام كامل بهدف القضاء على الأرواح المسيحية، كان عددهم سبعة ملايين وأربعمئة وتسعة آلاف ومئة وسبع وعشرون شيطاناً، يعملون منقسمين وفق 79 فصيلاً.

تدفقّ الكثير من الماء المغلي منذ ظهر ذلك الإحصاء تحت جسور الجحيم. كم يبلغ عدد مبعوثي مملكة الظلمات في أيامنا هذه يا ترى؟ تلك المسرحيات التي يقومون بها تُصعِّبُ علينا مهمّة العدّ. هؤلاء المخادعون ما زالوا يضعون العمائم لكي يخفوا قرونهم، ويلبسون عباءات طويلة لإخفاء ذيل التنين، وجناحي الخفاش، والقنبلة التي يضعونها تحت إبطهم.

الشيطان يهودي

لم يأتِ هتلر بأي جديد، فاليهود هم قَتَلَةُ المسيح غير المغفور لهم منذ أكثر من ألفي عام، ومقترفو جميع الخطايا.

كيف هذا! أكان المسيح يهوديّاً؟ والحواريّون الإثني عشر؟ وواضعو الإنجيل الأربعة، أكانوا يهوداً أيضاً؟ ماذا تقول! هذا غير معقول!!

الحقائق المتكشّفة هي خارج أيّ شكوك، ولا تحتاج لإثبات عنها أبعد من وجودها بحد ذاته. الأشياء هي كما يُقال عنها، ويُقال ما يُقال عنها لأنها معروفة أصلاً: أن الشيطان يعطي دروساً في المعابد اليهودية، واليهود يعملون باستمرار على تدنيس القربان المقدس وتسميم الماء المقدس، وبسببهم حدثت الانهيارات الاقتصادية والهزائم العسكرية، وهم من أحضروا داء الحمّى الصفراء والطاعون وجميع الأوبئة.

طردتهم انكلترا عام 1291، ولم تُبقِ منهم أحداً. لكن ذلك لم يمنع تشوسرجفري تشوسر: شاعر وكاتب ومترجم انكليزي، عاش في القرن الرابع عشر.ومارلوكريستوفر مارلو: كاتبٌ مسرحيٌ وشاعرٌ ومترجمٌ انكليزي، ويعد أشهر الكتاب التراجيديين بعد شكسبير.وشكسبير، الذين لم يلتقوا يهوديّاً واحداً طوال حياتهم، أن يكونوا مطيعين للنظرة الكاريكاتيرية السائدة عنهم، ويقوموا بنسخ الشخصية اليهودية بشكل مطابق للقالب الشيطاني الذي يتمثل بالدودة مصّاصة الدماء، والبخيل الكريه.

مُتَّهَمون بخدمة الشّر، هام هؤلاء الملعونون عبر القرون من تهجير إلى تهجير، ومن مجزرة إلى أخرى. وبعد طردهم من انكلترا، طُردوا من كلٍّ من فرنسا واستراليا، إسبانيا والبرتغال، ومن العديد من المدن السويسرية والألمانية والإيطالية.

قام مَلِكا إسبانيا الكاثوليكيَين، إيزابيل وفرناندو، بطرد اليهود والمسلمين أيضاً، لأنهم كانوا يفسدون الدم المسيحي. عاش اليهود في إسبانيا حوالي ثلاثة عشر قرناً، وعند طردهم أخذوا مفاتيح بيوتهم معهم، ومنهم من يحتفظ بها إلى هذا اليوم، ولم يعودوا بعدها مطلقاً.

توّجت المذبحة الهائلة التي قام بها هتلر تاريخاً طويلاً من الملاحقة والتشرد.

اصطياد اليهود كان دائماً بمثابة رياضة أوروبية.

والآن، يدفع الفلسطينيون، الذين لم يسبق لهم أن مارسوا هذه الرياضة قبلاً على الإطلاق، الثمن.

الشيطان امرأة

يقترحكتاب ماليوس ميلغيكاروم المعروف أيضاً باسم «مطرقة الساحرات»، تنفيذ أقسى الأساليب لطرد الأرواح الشريرة من أجل مقاومة الشيطان ذي الثديين والشعر الطويل. كتبه عضوان ألمانيان في محاكم التفتيش، هما هاينريس كرامرو ويعقوب سبرنجر، لمواجهة المؤامرات الشيطانية ضد المسيحية. نُشِرَ لأول مرة عام 1486، وظلَّ حتى نهاية القرن الثامن عشر المرجع القانوني واللاهوتي لمحاكم التفتيش في العديد من البلدان.

حافظَ الكاتبان بدورهما على الفكرة السائدة، ومفادها بأن السّاحرات، حريم الشيطان، يمثلن المرأة بحالتها الطبيعية: «جميع أعمال السحر تأتي بالأصل من الشهوة الجسدية، والتي لا يمكن إشباعها عند المرأة». وقد بَيَّنَا فيه أن «هذه الكائنات، ذوات المظهر الجميل، والملمس العفِن، والصحبة المميتة». كُنَ يسحرنَ الرجال ويجذبنهم، بفحيح الأفاعي وذيول العقارب، من أجل القضاء عليهم.

وكانا يحذّران الغافلين مُستشهدَين بشعر من كتاب مطرقة الساحرات: «المرأة أكثر مرارة من الموت، إنها مصيدة، قلبها شبكة وذراعاها سلاسل». مرجِع علم الجريمة هذا، المسؤول عن إرسال الآلاف من النساء إلى المحرقة، كان يحرض على إخضاع جميع النساء اللواتي يشتبه بأنهن ساحرات للتعذيب، وإن اعترفنَ بجرمهنَّ استحقينَ النار، وإن لم يعترفن، خضعنَ للعقاب ذاته، لأن الساحرة تستمدّ قوتها من عشيقها الشيطان، خلال اجتماعهما في سبت السَحَرَة، وهي الوحيدة القادرة على تحمّل مثل ذلك العذاب دون أن يزلّ لسانها.

وكان البابا هونريوس الثالثالبابا هونريوس الثالث: بابّا الكنيسة الكاثوليكية منذ عام 1216 وحتى عام 1227.قد قضى بأن الكهنوت من أعمال الرجال:

ينبغي على النساء ألّا يتكلمن، شفاههنَّ تحمل وصمة عار حواء، التي خسرت الرجال. بعد ثمانية قرون من ذلك، ما تزال الكنيسة الكاثوليكية ترفض إعطاء حق الصلاة بالمؤمنين على منبر الكنيسة لبنات حواء.

والفزع ذاته من النساء، دفع المسلمين المتعصبين إلى حرمانهن من الجنس وختانهن وإلزامهن بتغطية الوجه. وأما اليهود المتزمّتون فيشعرون بارتياحٍ عارم بعد نجاتهم من الخطر المحدّق، إذ يبدأون يومهم بقراءة تعويذةٍ هامسة: «شكراً أيها الرب، لأنك لم تخلقنا نساءً».

الشيطان مثليُّ الجنس

منذ عام 1446 كان المثليون في البرتغال يُرسَلون إلى المحرقة، وأما في إسبانيا فقد بدأوا بحرقهم أحياء منذ عام 1497. النار كانت المصير الذي استحقه هؤلاء، أولاد الجحيم، القادمين من النار.

 وفي أمريكا في المقابل، فضّل الفاتحون رميهم للكلاب. 

فاسكو نونيس دي بالبوافاسكو نونيس دي بالبوا: 1475 – 1519، مكتشفٌ إسباني، يعد أول أوروبي يكتشف المحيط الهادي، وأسس مدينة على أراضي أمريكا الجنوبية.، الذي رمى كثيرين للكِلاب، قرّر أن المثلية الجنسية مرض مُعدي. بعد خمسة عقود من الزمن، سمعتُ الشيء ذاته يتردد على لسان أسقف مونتيفيديو.

عندما أطلَّ الفاتحون عبر الأفق البعيد، كانت امبراطوريتا الإنكا والأزتيك الثيوقراطيتين تعاقبان على المثلية الجنسية بالموت. أما بقية الأميركيين الجنوبيين فقد تسامحوا معها، وفي بعض الأماكن احتفوا بها، من دون أي شكل من أشكال المنع أوالعقاب.

وقد قابل هذا الاستفزاز الذي لا يُحتَمَل عقابٌ إلهي، فمن وجهة نظر المحتلين، أمراضٌ كالجدري والحصبة والزكام، تلك الآفات المجهولة التي تسببت بقتل السكان الأصليين بأعداد هائلة كما لو كانوا ذباباً، لم تكن قادمة من أوروبا، بل من السماء. هكذا يعاقب الربُّ فجورَ السكان الأصليين، الذين مارسوا الشذوذ بكل طبيعية. لم يحدث أن أُحصي في أوروبا أو في أمريكا أو في أي مكان آخر في العالم عدد الأشخاص الذين حُكِمَ عليهم بالتعذيب أو الموت، لكونهم مثليي الجنس. ولا يُعرَفُ شيءٌ عن الأزمنة الماضية، والقليل أو اللاشيء ربما عن لحظتنا الراهنة.

في ألمانيا النازية، أُجبر هؤلاء «المنحطون المتهمون بهذا الجرم الشاذ تجاه الطبيعة»، على وصم أنفسهم بمثلث زهري اللون. كم عدد الذين أُرسِلوا إلى معسكرات الاعتقال؟ كم مات منهم هناك؟ عشرة آلاف؟ خمسون ألفاً؟ لم يُعرَف أبداً، لم يقم أحدٌ بإحصائهم، وتقريباً لم يتحدث عن أمرهم أحد. وكذلك لم يُعرَف مطلقاً كم عدد الغجر الذين أُعدموا هناك. 

في 18 سبتمبر/ أيلول عام 2001، قررت الحكومة الألمانية والبنوك السويسرية «تصحيح الإقصاء الذي عانى منه المثليون الذين كانوا ضمن ضحايا المحرقة». تدارك إغفالهم استغرق أكثر من نصف قرن. ومنذ ذلك التاريخ تمكّن الأشخاص المثليون، الذين نجوا من الموت في معسكر الموت أوشفيتر، وفي معسكرات أخرى، من المطالبة بالتعويض، هذا إن كان قد بقي منهم أحدٌ على قيد الحياة.

الشيطان هندي

اكتشفَ الفاتحون أن إبليس قد وجدَ ملجأً له في أميركا بعد طرده من أوروبا.

على تلك الجزر والشواطئ الكاريبية التي يُلهبها الشيطان ليل نهار بقبلاته، عاشت كائنات متوحشة، تتجوّل عارية كما جاء بهم الشيطان إلى الحياة. يعبدون الشمس والأرض والجبال والينابيع، وشياطين آخرين متنكرين على هيئة آلهة. كانوا يعتبرون الخطيئة الجسدية لهواً، ويمارسونها دون توقيت أو عقد مُحدّد، متجاهلين الوصايا العشرة، والخطايا السبعة الكبرى، والأسرار السبع المقدسة. أولئك لم يعرفوا قط معنى كلمة «خطيئة»، ولم يخشوا جهنم. لم يعرفوا الكتابة، ولم يسمعوا يوماً عن حق المُلكية، ولا عن أي قوانين أخرى. وفي حال كان لم يكن ما سبق كافياً، اعتادوا إلتهام بعضهم بعضاً نيئين.

غزو أميركا كان عملاً شاقاً وطويلاً في سبيل انتزاع الأرواح الشريرة. كان الشيطان متغلغلاً في تلك الأرض لدرجة أنه عندما كان الهنود يتظاهرون بالركوع أمام تمثال مريم العذراء، كانوا في الحقيقة يتضرعون للأفعى التي تدوسها بقدمِها. وعندما كانوا يقبلون الصليب، لم يفعلوا ذلك في الحقيقة لتبجيل ابن الله، بل للاحتفال بالتقاء المطر مع الأرض.

أتمَّ الفاتحون مهمتهم المتمثلة بإعادة الذهب والفضة والثروات الكثيرة الأخرى إلى الله بعد أن سرقها الشيطان. لم يكن من السهل استعادة المسروقات، لحسن الحظ أنهم تلقوا بعض العون من العلياء بين الفينة والأخرى.

عندما أعدَّ مالك الجحيم كميناً ليمنع تقدّم الإسبان نحو مناجم الفضة في مرتفعات سيّرو ريكو في مدينة بوتوس، نزل رئيس الملائكة من الأعالي وضربه ضرباً مبرحاً.

الشيطان أسود

كالليل، كالخطيئة، الأسود هو عدو الضوء والنقاء.

وصفَ ماركو بولو في كتاب رحلاته سكان زنجبار بالتالي: «كانت لهم أفواه كبيرة وشفاه غليظة وأنوف كالتي للقردة، يتنقلون عراة بأجساد كاملة السواد. لدرجة أنهم إذا ما شوهدوا في أي بلد آخر، سيظنهم الناس شياطين».

بعد ثلاثة قرون، دخل لوسفير إسبانيا ملطخاً بالسواد، على متن عربات من نار في قاعات المسرح ومنصات المهرجانات. القديسة تيريزا الطفل المسيح، التي أمضت حياتها في مقارعته دون أن تتمكن من التخلص منه، وقف جنبها مرّةً، وكان «زنجياً بغيضاً جداً». ومُجدداً، شاهدت لهباً أحمر يخرج من جسده الأسود، وجلس فوق كتاب الصلاة وأحرق صلواتها.

قصة مختصرة حول التبادل التجاري بين قارتي إفريقيا وأوروبا: خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر وحتى الثامن عشر، كانت أفريقيا تبيع العبيد وتشتري السلاح. تقابل العمل بالعنف، السلاح كان ينظم الفوضى الجهنمية، ومنذ ذلك الحين بدأت العبودية رحلتها إلى الخلاص. إذ كان جميع الزنوج، قبل أن يخضعوا للوشم بالحديد الملتهب في الوجه أو في الصدر، يحظون برشّة من الماء المقدس. المعمودية كانت تُفزِعُ الشيطان، وتنفخ روحاً داخل تلك الأجساد الخاوية.

لاحقاً، خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، صدَّرَت أفريقيا الذهب والماس والنحاس والعاج والمطاط والبُنّ، وتلَّقَت مقابل كل ذلك الأناجيل. كانت تبادل ثرواتها بالكلمات. من المفترض أن قراءة الإنجيل تسهّل رحلة الأفارقة من النار إلى الجنة.

لكن أوروبا نسيت أن تعلّمهم القراءة.

الشيطان مهاجر

يُخبرنا مؤشّر قياس الخطايا أن المهاجرين إنما يأتون لسرقة فرص عملنا، ومقياس الخطر يشير إلى ذلك بضوءٍ أحمر.

إذا كان الدخيل القادم من الخارج كان شاباً، فقيراً ومن غير العرق الأبيض، فهو مُدان منذ النظرة الأولى لكونه متسوّلاً، أو نازعٍ للفوضى، أو لمجرّد حمله لهويته في جلده. وفي حالات أخرى، إن لم يكن فقيراً، أو شاباً، أو ذو بشرة داكنة، فهو غير مرحّب به في كلّ الأحوال. لأنه يصل مستعداً للقيام بضعف العمل مقابل نصف الأجر.

الخوف من خسارة الوظيفة هو من أكثر العوامل تأثيراً من بين جميع تلك التي تحكمنا في زمن الخوف هذا. والمهاجر في متناول اليد دوماً حين تحين ساعة توجيه التهم للمسؤولين عن البطالة، أو انخفاض الأجور، انعدام الأمن العام، ومصائب مروعة أخرى.

في الماضي كانت أوروبا تفيض على العالم جنوداً وسجناء وفلاحين يتضورون جوعاً، هؤلاء جميعاً كانوا أبطال المغامرات الاستعمارية، دخلوا التاريخ كوكلاء الله المسافرين. كانت هذه هي الحضارة التي انطلقت في رحلتها من أجل إنقاذ العالم من الهمجية.

في أيامنا هذه، تتم الرحلة بشكل معكوس، فالذين يصلون أو يحاولون الوصول من الجنوب إلى الشمال لا يحملون سكاكين بين أسنانهم ولا بنادق على أكتافهم. يأتون من بلاد قد عُصِرَت خيراتها حتى آخر قطرة، وليست لديهم النية لغزو هدف أكبر من عمل أو وظيفة صغيرة.

أبطال المآسي الاستعمارية هؤلاء هم أشبه برُسُل للشيطان. إنهم الهمجية التي هاجمت الحضارة.

الشيطان فقير

يتلمظون بينما تأكل، يتلصصون بينما تنام، الفقراء يتربصون، داخل كل واحد منهم يختبئ مجرم، أو ربما إرهابي.

أملاكُ قلّةٍ من البشر تقع تحت تهديد شرور الكثيرين.

لا شيء جديد، هذا ما كانت عليه الحال منذ أن كان الذين يملكون كل شيء لا يجدون السبيل إلى النوم، والذين لا يملكون شيئاً لا يجدون طعاماً يأكلونه.

يتعرضون لمضايقات، لاتهام عمره آلاف السنين، جُزُر اللباقة محاصرة بالبحار المضطربة للصعلكة، ذات الأمواج الهادرة، التي تجبر على العيش بترقّب وتوجّس مدى الحياة.

في مدننا المعاصرة هنالك سجونٌ لا تحصى، تسجن داخلها معتقلي الخوف. حيث تدّعي القِلاع أنها منازل، وتُقدّم الدروع وكأنها أزياء.

أنت مُحاصر، احذر أن يتشتت انتباهك، ابقَ متيقظاً ولا تثق بأحد، فأنت مُستهدف إحصائياً، وعاجلاً أم آجلاً سوف تتعرض لسطو مسلح أو محاولة اختطاف أو اغتصاب أو جريمة قتل.

في الأحياء الملعونة ينتظر صنّاع مصيبتك المقبلة متربّصين، يلوكون الحسد ويبتلعون الحقد. هم الكسالى والصعاليك والسكارى ومدمنو المخدرات، مادة خام للسجون أو للأعيرة النارية. أشخاصٌ بلا أسنان، بلا وجهة ولا هدف.

لا أحد يصفق لهم، لكن سارقي الدجاج هؤلاء يفعلون ما بوسعهم بكل تواضع لتقليد المعلمين، الذين يعلّمون العالم أجمع صيغة النجاح. لا أحد يفهمهم لكنهم يتطلعون لأن يكونوا مواطنين مثاليين، تماماً كأبطال حاضرنا الذين يغتصبون الأرض، ويسمّمون الهواء والماء، يخنقون الأجور ويقتلون الوظائف ويختطفون الدول.