ازدادت صعوبة ووعورة طريق مايك بومبيو لاستلام منصب وزير الخارجية، خلفاً للوزير السابق ريكس تيليرسون، الذي أقاله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في شهر آذار الفائت. فالترشيح، الذي يلزمه مصادقةٌ من لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي، يواجه رفضاً مرجّحاً بعد إعلان عضو الكونغرس عن الحزب الجمهوري راند بول رفضه للترشيح، مضيفاً اعتراضه إلى عشرة من نواب الحزب الديموقراطي ضمن لجنة العلاقات الخارجية، التصويت بـ «لا» على الترشيح سيكون سابقة لم تحدث منذ عام 1925، وعلى الرغم من وجود مَخرَج يتمثل بتحويل التصويت إلى مجلس الشيوخ، الذي يمتلك فيه الجمهوريون الأغلبية بفارق مقعدين عن الحزب الديموقراطي، إلا أن حدوث ذلك، بغض النظر عن النتيجة، سيكون مؤشراً على اضطراب كبير في علاقة البيت الأبيض بالكونغرس.
لم تتوقف الفضائح والتسريبات حول إدارة ترامب منذ الأسابيع الأولى، فمستشار الأمن القومي الأول في عهد ترامب، مايكل فلين، أُجبر على الاستقالة بعد تسريبات تحدّثت عن مناقشته العقوبات على روسيا مع السفير الروسي قبل تسلّم منصبه رسمياً في البيت الأبيض، وهو سلوكٌ يخالف القوانين الأميركية. خلفه، هيربيرت آر.ماكماستر، كان هو الآخر ضحية لحملة الإقالات الأخيرة ضمن إدارة ترامب. ويبدو، وبعد أكثر من عام قضاها ماكماستر في منصبه، أن حلقة الجنرالات التي أحاطت بترامب بدأت بالتفكك، ولم يبقَ منها عملياً سوى وزير الدفاع الحالي جيمس ماتيس.
وكان قد بدا أن الرئيس الأميركي يفضّل أن يحيط نفسه بالجنرالات الذين شرعوا يمسكون خيوط إدارة الملفات الخارجية، خاصة بعد خروج ستيف بانون، مستشار ترامب المقرّب، من البيت الأبيض. وخلال تلك الفترة، وتحديداً منذ نهاية الصيف الماضي، بدا أن هذه الحلقة من الجنرالات، والتي توصف بأنها تتخذ مساراً يستعيد توجهات «جمهوريي روكفلر»
ومع خروج ماكماستر وتعيين جون بولتن بدلاً عنه، يبدو أن ترامب يحاول التوجّه نحو مزيدٍ من التصعيد ضد إيران في المنطقة، ومع رجل بسمعة بولتن، الذي رفض علناً الاتفاق النووي مع إيران، وتفضيله المعروف لشنّ الحروب الاستباقية، فإن ذلك قد يُعد عاملاً مساعداً على مثل تلك السياسات التصعيدية، إلا أن علاقات الرجل السيئة مع الدبلوماسية الدولية، وخاصة الأمم المتحدة منذ أن كان السفير الأمريكي هناك خلال عهد بوش الابن بين عامي 2005 و2006، قد تجعله خياراً غير مناسبٍ لتطوير المسار السياسي للحلّ في سوريا.
تواجه إدارة ترامب اليوم عدداً من القضايا المصيرية، فالتحقيق المستمر حول مزاعم تورّط حملة ترامب بتدخل روسي في الانتخابات الرئاسية، والأداء غير المتزن، والمتناقض مع نفسه أحياناً، في عدد من القضايا الدولية، تشكل تحديات ليس حلّها بالأمر السهل، ويأتي اضطراب التعيينات في هذه الإدارة منذ بداية العام الماضي ليرفع من مخاطر انهيارها تماماً.
كل ذلك قد يدفع ترامب إلى الانخراط في سياسات أكثر صرامةً في قضايا مثل اتفاق إيران النووي، فالتعيينات الجديدة تشير إلى ذلك، لكن الأكثر خطورة في الموضوع هو دخول واشنطن في تصعيد غير مدروس قد يؤدي إلى مزيد من المكاسب لحلف موسكو وطهران في المنطقة، فالتراجع عن التصعيد، أو خسارة معركة أمام هذا الحلف ستقود إلى ما يشبه السياسات الأمريكية بعد تفجير مقر المارينز في بيروت عام 1983 في خضم الحرب الأهلية اللبنانية، إذ بدأت إثره سلسلة من التنازلات أمام حافظ الأسد، انتهت بتسليمه مفاتيح السيطرة في لبنان بعد حرب الخليج الثانية.
ليس هناك ما يمنع هذا السيناريو اليوم في ظل إدارة أمريكية غير متوازنة، في المقابل فإن استمرار بيت ترامب الأبيض طوال هذه الفترة أمام هذا الكمّ من الفضائح والتعقيدات السياسية الداخلية، يحمل مفاجآتٍ لا تقل عن تلك التي ذُهِلَ أمامها الجميع عند إعلان نجاحه في الانتخابات الرئاسية. وإذا ما استطاع بومبيو، بطريقة ما، تجاوز العقبة التي وُضعت أمامه في لجنة العلاقات الدولية، سيكون هناك شخصان في أهم مواقع الحكومة الأمريكية يؤيدان حلولاً أكثر شدة مع طهران.
بانتظار ذلك، أثبتت التجارب خلال العام الماضي صعوبة توقع قرارات ترامب وإدارته غير الثابتة.